رَحِيْلُ الْودّ
¬°•| مراقبة سابقة|•°¬
التر به الإسلامية
المقدمة
الحمدالله رب العالمين وصلى الله على باني أنبل حضاره عرفها التاريخ سيدنا محمد وآله وأصحابه الذين بنوا صرح تلك الحضارة الشامخه بدمائهم وجهودهم فكان لهم الفضل على كل من نعم بخيراتها الى يوم الدين .
أما بعد
الحمد الله الذي انعم الله علينا بنعمت العلم والايمان وعلمنا ماينفعنا
لقد استعرضنا معا هذا التقرير المتواضع الذي ضم بين وريقاته المعدوه معلومات مبسطه وموجزه عن الحضارة الإسلامية
وعسى ان ينفعنا به
......
ولا أزعم أنـي اول من طرق هذا الموضوع فالكثير من الطالبات سبقوني إليه , وقد تناول كل منا جانباً وترك جوانب أخـرى لشمولية الحضارة الإسلامية فرأيت أن أحاول القيام بتقرير مبسط عن خـصائص هذه الحضارة الخالده وقد اتبعت في بحـثي المنهج الوصفي التحليلي , وحاولت جهدي الالتزام بهاذا المنهج .
.......
ومن الصعوبات التي واجهتني تشتت المعلومات بين الصحف و المجلات والكـتب , وكثرتها وفـي النهاية أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في إتمام هذا التقرير , وأرجو أن يكون تقريري هذا مفيداً لأبناء وطني , وليعلموا كم كانت حضارتنا من ارقى الحضارات وأنبلها , وحسبي أنني لم أدخر جهداً في محاولة الوصول به إلى درجة الإتقان , ولكن الكمال لله وحده , ونسأل الله التوفيق والسداد .
.......
الموضوع
والحضارة :: هي نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة من انتاجه الثقافي .
وتتألف الحضارة من العناصر الأربعه الرئيسيه : الموارد الاقتصاديه والنظم السياسيه , التقاليد الخلقيه , ومتابعة العلوم والفنون .
وتكاد لاتخلو أمة من تسجيل بعض الصفحات في تاريخ الحضارة ,غير أن ماتمتاز به حضاره عن حضاره إنما هو قوة الأسس التي تقوم عليها , والتأثير الكبير الذي يون لها , والخير العميم الذي يصيب الانسانيه من قيامها , وكلما كانت الحضاره عالية في رسالتها , انسانيه في نزعتها , خلقيه في اتجاهاتها , واقعيه في مبادئها , كانت أخلد في التاريخ , وأبقى على مر الزمن وأجدر بالتكريم .
والحضاره الإسلاميه قد تميزت بأسمى الخصائص ومنها ::
اولا انها قامت على اساس الواحدانيه المطلقه في العقيده , فهي أول حضارة تنادي بالإله الواحد الذي لاشريك له في حكمه وملكه , هو وحده الذي يعبد وهو وحده الذي يقصد (( اياك نعبد واياك نستعين )) وهو الذي يعز ويذل ويعطي ويمنح ومامن شيء في السموت والارض الا وهو تحت قدرته وفي متناول قضته .
وهذا السمو في فهم الوحدانيه كان له اثر كبير في رفع مستوى الانسان وتحرير الجماهير من طغيان الملوك والاشراف والاقوياء ورجال الدين , وكما كان لهذه العقيده أثر كبير في الحضاره الإسلاميه تكاد تتميز به عن الحضارات السابقه واللاحقه وهذا هو سر إعراض الحضاره الإسلاميه عن ترجمة الإلياذه وروائع الادب اليوناني والوثني وسر تقصيرها في فنون النحت مع تبريزها في فنون النقش والحفر وزخرفة البناء .
ومن ثــاني خصائص حضارتنا بأنها انسانية النزعة والهدف , عالمية الافق والرساله فالقرآن الذي أعلن وحدة النوع الانساني رغم تنوع أعراقه ومنابته ومواطنه , في قوله تعالى (( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( *) ان القرآن حين أعلن هذه الوحده الانسانيه العالميه على صعيد الحق والخير والكرانه وجعل حضارتهـ عقدا تنتظم فيه جميع العبقريات للشعوب والمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الاسلاميه ولو لاحظنا بأن الحضارات الاخرى تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمه واحده , ع العكس من الحضاره الإسلاميه فإنها تفاخر بالعباقرة الذين اقاموا صرحها من جميع الامم والشعوب , فأبو حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل والخليل والكندي والغزالي والفارابـي وابن راشد وأمثالهم ممن اختلفت اصولهم وتباينت اطانهم ليسوا الا عباقرة قدمت فيهم الحضارة الاسلامية الى الانسانية اروع نتاج الفكر الانساني .
وثالث خصائص حضارتنا انها جعلت للمبادئ الاخلاقيه المحل الاول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها , وهي لم تتخل عن هذه المبادئ قط , ولم تجعلها وسيلة لمنفعة دولة او جماعه او افراد .. ففي الحكم وفي اعلم وفي التشريع , وفي الحرب , وفي السلم , وفي الاقتصاد .. روعيت المبادئ الاخلاقيه تشريعا وتطبيقا , وبلغت في ذلك مرحلة ساميه بعيدا لم تبلغه حضاره في القديم والحديث , ولقد تركت الحضاره الاسلاميه في ذلك آثارًا تستحق الإعجاب وتجعلها وحدها من بين الحضارات التي كفلت سعادة الانسانيه سعادة خالصهـ لايشوبهـا شقاء . (1)
________________________________________
(1) الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبه الإسلامية , بيروت , ص 3-9
ورابع هذه الخصائص أنها تؤمن بالعلم في اصدق اصوله , وترتكزعلى العقيده في اصفى مبادئها , فهي خاطبت العقل والقلب معـاً , وأثارت العاطفه والفكر في وقت واحد . وهي ميزة لم تشاركها فيها حضارة في التاريخ . وسر العجب !! في هذه الخاصه من خصائص حضارتنا انها استطاعت ان تنشىء نظاماً للدوله قائماً على مبادئ الحق والعداله , مرتكزاً الى الدين والعقيده دون ان يقيم الدين عائقا ما دون رقي الدوله واطراد الحضاره ,بل كان الدين من اكبر عوامل الرقي فيها , فمن بين جدران المساجد في دمشق و القاهرة وقرطبة وبغداد انطلقت اشعة العلم الى انحاء ادنيا قاطبة .
وآخر مانذكره من خصائص حضارتنا هذا التسمح الديني العجيب الذي لم تعرفه حضارة مثلها قامت على الدين . إن الذي لايؤمن بالدين ولا بإله لا يبدو عجيباً اذا نظر إلى الاديان كلها على حد سواء , وإذا عامل اتباعها بالقسطاس المستقيم , ولكن صاحب الدين الذي يؤمن بأن دينه حق وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها , ثم يتاح له أن يحمل السيف , ويفتح المدن , ويستولي على الحكم , ويجلس على منصة القضاء , ثم لا يحمله إيمانه بدينه , وإعتزاز بعقيدته , على أن يجور في الحم , او ينحرف عن سنن العدالة , او يحمل الناس على إتباع دينه . إن رجلاً مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ , فكيف إذا وجد في التاريخ حضارة قامت على الدين وشادت قواعدها على مبادئها ثم هـي من أشد ماعرف التاريخ تسامحاً وعدالة ورحمة وإنسانية ! وحسبنا ان نعرف أن حضارتنا تنفرد في التاريخ بأن الذي أقامها دين واحد ولكنها كانت للأديان جميعاً . (1)
________________________________________
(1) الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبة الإسلامية , بيروت , ص 45, 52 .
هذه هـي بعض خصائص حضارتنا ومميزاتها في تاريخ الحضارات , ولقد كانت بذلك محل إعجاب العالم , ومهوى أفئدة الأحرار والأذكياء من كل جنــس ودين , يوم كانت قوية تحكم وتوجه وته وتعلم , فلما أنهارت وقامت من بعدها حضارة أخرى , اختلفت الأنظار في تقدير قيمة حضارتنا , فمن مزرِ بها ومن معجب ومن متحدث عن فضائلها , ومن مبالغ الانتقاض منها , هكذا تختلف انظار الباحثين الغربيين اليوم في حضارتنا , وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم وهم الذين بيدهم مقاييس الحكم وعنهم تؤخذ الآراء , هم الأقوياء الذين يمسكون بدفة الحضارة اليوم , إن الذين يُحكم عليهم وعـلى حضارتهم هم الضعفاء الذين تتطلع أبصار الأقوياء إلى إسلاب خيراتهم وحكم بلادهم بشره ٍ وجشعٍٍٍ , لعله هو موقف القوي من الضعيف يزرى به وينتقص قدره . كذلك فعل الأقوياء في كل عصور التاريخ , إلا نحن يوم كنا أقوياء فقد أنصفنا الناس قويهم وضعيفهم , وعرفنا الفضـل لأهله شرقيهم وغربيهم , ومن مثلنا في التاريخ , عدالة حكم ونزاهة قصد , واستقامة ضمير ؟ (1)
ومن المؤسف أننا لم ننتبه تماماً لعصبية الأقوياء ضدنا وجورهم في الحكم على حضارتنا , وكثير منهم إما متعصب لدين أعمت العصبية بصره عن رؤية الحق , أو متعصب لقومية حمله كبرياء القومية على أن لا يعترف لغير أمته بالفضل , لكن ما عذرنا نحن في تأثرنا بآرائهم في حضارتنا ؟ فيم يزري بعض الناس من أناء أمتنا بهذه الحضارة التي ركعت الدنيا أمام قدميها بضعــــــــــــة قرووون ؟؟؟
لعل حجة المستخفين من قومنا بقيمة حضارتنا أنها ليست شيئاً إذا قيست بروائع الحضارة الحديثة واختراعاتها وفتوحاتها في آفاق العلم الحديث , وهذا لو صح لايبرر الاستخفاف بحضارتنا لسببين ::
الأول أن كل حضارة فيها عنصران: 1. عنصر روحـي وأخلاقـي , 2. عنــصر مادي..
أما العنصر المادي فلا شك في أن كل حضارة متأخرة تفوق ماسبقها , تلك هي سنة الله في تطور الحياة وسائلها , ومن العبث أن تطالب الحضارة السابقة لما وصلت إليه الحضارة اللاحقة , ولو جز هذا لجاز لنا أن نزري بل الحضارات التي سبقت حضارتنا , لما ابتدعته حضارتنا من وسائل الحياة ومظاهر الحضارة مالم تعرفه الحضارات السابقة قط , العنصر المادي في احضارات ليس هو أساس التفاضل بينها دائمـاً وأبداً .
أما العنصر الأخـلاقي والروحـي فهو الذي تخلد به الحضارات , وتؤدي به رسالتها من إسعاد الإنسانية و إبعادها عن المخاوف والآلام , ولقد سبقت حضارتنا كل الحضارات السابقة واللاحقة في هذا الميدان , وبلغت فيه شأواً لانظير له فـي أي عصر من عصور التاريخ , وحسب حضارتنا بهذا خلوداً .
إن الغاية من الحضارة هي أن تقرب الإنسان من ذروة السعادة , وقد علمت لذلك حضارتنا مالم تعلمه حضاره في الشرق أو الغرب . (2)
________________________________________
(1) كارل بروكلمان ,تاريخ الشعوب الإسلامية , نقله إلى العربية نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي , دار العلم للملايين , ط1 , 1948 , بيروت , ص 401 _ 420 .
(2) http:www.althemar.com
الثاني أن الحضارات لا يقارن بينها بالمقياس المادي , ولا بالكمية في الأعدد والمساحات , ولا بالترف المادي في المعيشة والمـأكل والملبس , وإنما يقارن بينها بالآثارالتي تتركها في تاريخ الإنسانية , شأنها في ذلك شأن المعارك والممالك , فهي لاتقارن بينها بسعة الرقعة ولا بحساب العدد , والمعارك الفاصلة في التاريخ القديم والوسيط لو قيست بمعارك الحرب العالميه الثانيه من حيث أعداد الجيوش ووسائل القتال لكانت شيئاً تافهاً , ولكنها لاتزال تعتبر معارك لها قيمتها البالغة في التاريخ لما كان لها من الآثار البعيدة .
إن معركة كاني التي هزم فيها القائد القرطاجي الشهير هنيبال الرومانين هزيمة منكرة لاتزال من المعارك التي تدرس في المدارس العسكرية في أوروبا حتى الآن . إن معارك خالد بن الوليد في فتوح العراق والشام لاتزال محل دراسة العسكريين الغربيين وإعجابهم , وهـي عندنا من الصفحـات الذهبية في تاريخ الفتوحات العسكرية في حضارتنا . ومع هذا فما كـان قدم معركة كاني أو معركة بدر أو معركة القادسية أو حطين ليحول دون النظر إليها عـلى أنها معارك فاصلة في التاريخ . (1)
________________________________________
(1) http:www.althemar.com
الخاتمة
والآن وبعد هذه الرحلة التي تناولنا فيها موضوع الحضارة الإسلامية ويبدو من المهم التذكر بأن لم ولن تتمتع أية حضارة قديماً وحديثـاً ومستقبلاً بمثل ماتتمتع به الحضارة الإسلامية من تحقيق الخير والسعادة والمنافع الدنيوية والأخروية معاً للناس كافه فهــي لاتخدم المسلمين وحـسب , بل هي خـير لناس جميعاً , لما تمتاز به من الاستمرار والبقاء , وماتتضمنه من عنصري الروح والمادة معاً
....
وقد اخترته موضوعاً لتقريري لأوضح هذه المفاهيم من خـلال تسليط الضوء على خصائص الحضارة وماقدمته للإنسانية من نظم وعلوم وفنون , مع إبراز رقي الحضارة الإسلامية , داعين الله عزوجل أن ينفع به أمة المسلمين , وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأرجوا أن ينال القبول منكم , والله ولـــي التوفيق .
.. المراجــــع ..
1.الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبه الإسلامية , بيروت , ص 3-9 ومن ص 45 – 52 .
2.كارل بروكلمان ,تاريخ الشعوب الإسلامية , نقله إلى العربية نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي , دار العلم للملايين , ط1 , 1948 , بيروت , ص 401 _ 420 .
3.http:www.althemar.com
المقدمة
الحمدالله رب العالمين وصلى الله على باني أنبل حضاره عرفها التاريخ سيدنا محمد وآله وأصحابه الذين بنوا صرح تلك الحضارة الشامخه بدمائهم وجهودهم فكان لهم الفضل على كل من نعم بخيراتها الى يوم الدين .
أما بعد
الحمد الله الذي انعم الله علينا بنعمت العلم والايمان وعلمنا ماينفعنا
لقد استعرضنا معا هذا التقرير المتواضع الذي ضم بين وريقاته المعدوه معلومات مبسطه وموجزه عن الحضارة الإسلامية
وعسى ان ينفعنا به
......
ولا أزعم أنـي اول من طرق هذا الموضوع فالكثير من الطالبات سبقوني إليه , وقد تناول كل منا جانباً وترك جوانب أخـرى لشمولية الحضارة الإسلامية فرأيت أن أحاول القيام بتقرير مبسط عن خـصائص هذه الحضارة الخالده وقد اتبعت في بحـثي المنهج الوصفي التحليلي , وحاولت جهدي الالتزام بهاذا المنهج .
.......
ومن الصعوبات التي واجهتني تشتت المعلومات بين الصحف و المجلات والكـتب , وكثرتها وفـي النهاية أتقدم بالشكر لكل من ساعدني في إتمام هذا التقرير , وأرجو أن يكون تقريري هذا مفيداً لأبناء وطني , وليعلموا كم كانت حضارتنا من ارقى الحضارات وأنبلها , وحسبي أنني لم أدخر جهداً في محاولة الوصول به إلى درجة الإتقان , ولكن الكمال لله وحده , ونسأل الله التوفيق والسداد .
.......
الموضوع
والحضارة :: هي نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة من انتاجه الثقافي .
وتتألف الحضارة من العناصر الأربعه الرئيسيه : الموارد الاقتصاديه والنظم السياسيه , التقاليد الخلقيه , ومتابعة العلوم والفنون .
وتكاد لاتخلو أمة من تسجيل بعض الصفحات في تاريخ الحضارة ,غير أن ماتمتاز به حضاره عن حضاره إنما هو قوة الأسس التي تقوم عليها , والتأثير الكبير الذي يون لها , والخير العميم الذي يصيب الانسانيه من قيامها , وكلما كانت الحضاره عالية في رسالتها , انسانيه في نزعتها , خلقيه في اتجاهاتها , واقعيه في مبادئها , كانت أخلد في التاريخ , وأبقى على مر الزمن وأجدر بالتكريم .
والحضاره الإسلاميه قد تميزت بأسمى الخصائص ومنها ::
اولا انها قامت على اساس الواحدانيه المطلقه في العقيده , فهي أول حضارة تنادي بالإله الواحد الذي لاشريك له في حكمه وملكه , هو وحده الذي يعبد وهو وحده الذي يقصد (( اياك نعبد واياك نستعين )) وهو الذي يعز ويذل ويعطي ويمنح ومامن شيء في السموت والارض الا وهو تحت قدرته وفي متناول قضته .
وهذا السمو في فهم الوحدانيه كان له اثر كبير في رفع مستوى الانسان وتحرير الجماهير من طغيان الملوك والاشراف والاقوياء ورجال الدين , وكما كان لهذه العقيده أثر كبير في الحضاره الإسلاميه تكاد تتميز به عن الحضارات السابقه واللاحقه وهذا هو سر إعراض الحضاره الإسلاميه عن ترجمة الإلياذه وروائع الادب اليوناني والوثني وسر تقصيرها في فنون النحت مع تبريزها في فنون النقش والحفر وزخرفة البناء .
ومن ثــاني خصائص حضارتنا بأنها انسانية النزعة والهدف , عالمية الافق والرساله فالقرآن الذي أعلن وحدة النوع الانساني رغم تنوع أعراقه ومنابته ومواطنه , في قوله تعالى (( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( *) ان القرآن حين أعلن هذه الوحده الانسانيه العالميه على صعيد الحق والخير والكرانه وجعل حضارتهـ عقدا تنتظم فيه جميع العبقريات للشعوب والمم التي خفقت فوقها راية الفتوحات الاسلاميه ولو لاحظنا بأن الحضارات الاخرى تفاخر بالعباقرة من أبناء جنس واحد وأمه واحده , ع العكس من الحضاره الإسلاميه فإنها تفاخر بالعباقرة الذين اقاموا صرحها من جميع الامم والشعوب , فأبو حنيفة ومالك الشافعي وأحمد بن حنبل والخليل والكندي والغزالي والفارابـي وابن راشد وأمثالهم ممن اختلفت اصولهم وتباينت اطانهم ليسوا الا عباقرة قدمت فيهم الحضارة الاسلامية الى الانسانية اروع نتاج الفكر الانساني .
وثالث خصائص حضارتنا انها جعلت للمبادئ الاخلاقيه المحل الاول في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها , وهي لم تتخل عن هذه المبادئ قط , ولم تجعلها وسيلة لمنفعة دولة او جماعه او افراد .. ففي الحكم وفي اعلم وفي التشريع , وفي الحرب , وفي السلم , وفي الاقتصاد .. روعيت المبادئ الاخلاقيه تشريعا وتطبيقا , وبلغت في ذلك مرحلة ساميه بعيدا لم تبلغه حضاره في القديم والحديث , ولقد تركت الحضاره الاسلاميه في ذلك آثارًا تستحق الإعجاب وتجعلها وحدها من بين الحضارات التي كفلت سعادة الانسانيه سعادة خالصهـ لايشوبهـا شقاء . (1)
________________________________________
(1) الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبه الإسلامية , بيروت , ص 3-9
ورابع هذه الخصائص أنها تؤمن بالعلم في اصدق اصوله , وترتكزعلى العقيده في اصفى مبادئها , فهي خاطبت العقل والقلب معـاً , وأثارت العاطفه والفكر في وقت واحد . وهي ميزة لم تشاركها فيها حضارة في التاريخ . وسر العجب !! في هذه الخاصه من خصائص حضارتنا انها استطاعت ان تنشىء نظاماً للدوله قائماً على مبادئ الحق والعداله , مرتكزاً الى الدين والعقيده دون ان يقيم الدين عائقا ما دون رقي الدوله واطراد الحضاره ,بل كان الدين من اكبر عوامل الرقي فيها , فمن بين جدران المساجد في دمشق و القاهرة وقرطبة وبغداد انطلقت اشعة العلم الى انحاء ادنيا قاطبة .
وآخر مانذكره من خصائص حضارتنا هذا التسمح الديني العجيب الذي لم تعرفه حضارة مثلها قامت على الدين . إن الذي لايؤمن بالدين ولا بإله لا يبدو عجيباً اذا نظر إلى الاديان كلها على حد سواء , وإذا عامل اتباعها بالقسطاس المستقيم , ولكن صاحب الدين الذي يؤمن بأن دينه حق وأن عقيدته أقوم العقائد وأصحها , ثم يتاح له أن يحمل السيف , ويفتح المدن , ويستولي على الحكم , ويجلس على منصة القضاء , ثم لا يحمله إيمانه بدينه , وإعتزاز بعقيدته , على أن يجور في الحم , او ينحرف عن سنن العدالة , او يحمل الناس على إتباع دينه . إن رجلاً مثل هذا لعجيب أن يكون في التاريخ , فكيف إذا وجد في التاريخ حضارة قامت على الدين وشادت قواعدها على مبادئها ثم هـي من أشد ماعرف التاريخ تسامحاً وعدالة ورحمة وإنسانية ! وحسبنا ان نعرف أن حضارتنا تنفرد في التاريخ بأن الذي أقامها دين واحد ولكنها كانت للأديان جميعاً . (1)
________________________________________
(1) الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبة الإسلامية , بيروت , ص 45, 52 .
هذه هـي بعض خصائص حضارتنا ومميزاتها في تاريخ الحضارات , ولقد كانت بذلك محل إعجاب العالم , ومهوى أفئدة الأحرار والأذكياء من كل جنــس ودين , يوم كانت قوية تحكم وتوجه وته وتعلم , فلما أنهارت وقامت من بعدها حضارة أخرى , اختلفت الأنظار في تقدير قيمة حضارتنا , فمن مزرِ بها ومن معجب ومن متحدث عن فضائلها , ومن مبالغ الانتقاض منها , هكذا تختلف انظار الباحثين الغربيين اليوم في حضارتنا , وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم وهم الذين بيدهم مقاييس الحكم وعنهم تؤخذ الآراء , هم الأقوياء الذين يمسكون بدفة الحضارة اليوم , إن الذين يُحكم عليهم وعـلى حضارتهم هم الضعفاء الذين تتطلع أبصار الأقوياء إلى إسلاب خيراتهم وحكم بلادهم بشره ٍ وجشعٍٍٍ , لعله هو موقف القوي من الضعيف يزرى به وينتقص قدره . كذلك فعل الأقوياء في كل عصور التاريخ , إلا نحن يوم كنا أقوياء فقد أنصفنا الناس قويهم وضعيفهم , وعرفنا الفضـل لأهله شرقيهم وغربيهم , ومن مثلنا في التاريخ , عدالة حكم ونزاهة قصد , واستقامة ضمير ؟ (1)
ومن المؤسف أننا لم ننتبه تماماً لعصبية الأقوياء ضدنا وجورهم في الحكم على حضارتنا , وكثير منهم إما متعصب لدين أعمت العصبية بصره عن رؤية الحق , أو متعصب لقومية حمله كبرياء القومية على أن لا يعترف لغير أمته بالفضل , لكن ما عذرنا نحن في تأثرنا بآرائهم في حضارتنا ؟ فيم يزري بعض الناس من أناء أمتنا بهذه الحضارة التي ركعت الدنيا أمام قدميها بضعــــــــــــة قرووون ؟؟؟
لعل حجة المستخفين من قومنا بقيمة حضارتنا أنها ليست شيئاً إذا قيست بروائع الحضارة الحديثة واختراعاتها وفتوحاتها في آفاق العلم الحديث , وهذا لو صح لايبرر الاستخفاف بحضارتنا لسببين ::
الأول أن كل حضارة فيها عنصران: 1. عنصر روحـي وأخلاقـي , 2. عنــصر مادي..
أما العنصر المادي فلا شك في أن كل حضارة متأخرة تفوق ماسبقها , تلك هي سنة الله في تطور الحياة وسائلها , ومن العبث أن تطالب الحضارة السابقة لما وصلت إليه الحضارة اللاحقة , ولو جز هذا لجاز لنا أن نزري بل الحضارات التي سبقت حضارتنا , لما ابتدعته حضارتنا من وسائل الحياة ومظاهر الحضارة مالم تعرفه الحضارات السابقة قط , العنصر المادي في احضارات ليس هو أساس التفاضل بينها دائمـاً وأبداً .
أما العنصر الأخـلاقي والروحـي فهو الذي تخلد به الحضارات , وتؤدي به رسالتها من إسعاد الإنسانية و إبعادها عن المخاوف والآلام , ولقد سبقت حضارتنا كل الحضارات السابقة واللاحقة في هذا الميدان , وبلغت فيه شأواً لانظير له فـي أي عصر من عصور التاريخ , وحسب حضارتنا بهذا خلوداً .
إن الغاية من الحضارة هي أن تقرب الإنسان من ذروة السعادة , وقد علمت لذلك حضارتنا مالم تعلمه حضاره في الشرق أو الغرب . (2)
________________________________________
(1) كارل بروكلمان ,تاريخ الشعوب الإسلامية , نقله إلى العربية نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي , دار العلم للملايين , ط1 , 1948 , بيروت , ص 401 _ 420 .
(2) http:www.althemar.com
الثاني أن الحضارات لا يقارن بينها بالمقياس المادي , ولا بالكمية في الأعدد والمساحات , ولا بالترف المادي في المعيشة والمـأكل والملبس , وإنما يقارن بينها بالآثارالتي تتركها في تاريخ الإنسانية , شأنها في ذلك شأن المعارك والممالك , فهي لاتقارن بينها بسعة الرقعة ولا بحساب العدد , والمعارك الفاصلة في التاريخ القديم والوسيط لو قيست بمعارك الحرب العالميه الثانيه من حيث أعداد الجيوش ووسائل القتال لكانت شيئاً تافهاً , ولكنها لاتزال تعتبر معارك لها قيمتها البالغة في التاريخ لما كان لها من الآثار البعيدة .
إن معركة كاني التي هزم فيها القائد القرطاجي الشهير هنيبال الرومانين هزيمة منكرة لاتزال من المعارك التي تدرس في المدارس العسكرية في أوروبا حتى الآن . إن معارك خالد بن الوليد في فتوح العراق والشام لاتزال محل دراسة العسكريين الغربيين وإعجابهم , وهـي عندنا من الصفحـات الذهبية في تاريخ الفتوحات العسكرية في حضارتنا . ومع هذا فما كـان قدم معركة كاني أو معركة بدر أو معركة القادسية أو حطين ليحول دون النظر إليها عـلى أنها معارك فاصلة في التاريخ . (1)
________________________________________
(1) http:www.althemar.com
الخاتمة
والآن وبعد هذه الرحلة التي تناولنا فيها موضوع الحضارة الإسلامية ويبدو من المهم التذكر بأن لم ولن تتمتع أية حضارة قديماً وحديثـاً ومستقبلاً بمثل ماتتمتع به الحضارة الإسلامية من تحقيق الخير والسعادة والمنافع الدنيوية والأخروية معاً للناس كافه فهــي لاتخدم المسلمين وحـسب , بل هي خـير لناس جميعاً , لما تمتاز به من الاستمرار والبقاء , وماتتضمنه من عنصري الروح والمادة معاً
....
وقد اخترته موضوعاً لتقريري لأوضح هذه المفاهيم من خـلال تسليط الضوء على خصائص الحضارة وماقدمته للإنسانية من نظم وعلوم وفنون , مع إبراز رقي الحضارة الإسلامية , داعين الله عزوجل أن ينفع به أمة المسلمين , وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأرجوا أن ينال القبول منكم , والله ولـــي التوفيق .
.. المراجــــع ..
1.الدكتور مصطفى السباعي , من روائع حضارتنا ,ط3, 1982 , المكتبه الإسلامية , بيروت , ص 3-9 ومن ص 45 – 52 .
2.كارل بروكلمان ,تاريخ الشعوب الإسلامية , نقله إلى العربية نبيه أمين فارس ومنير البعلبكي , دار العلم للملايين , ط1 , 1948 , بيروت , ص 401 _ 420 .
3.http:www.althemar.com