[you] إقرأ معي ، قصة ( العَرْبانه ) من تأليفي ، انتظرك .!

خفايا الروح1

¬°•| عضو فعّال |•°¬
إنضم
26 يونيو 2011
المشاركات
156
الإقامة
العين دار الزين
ننتظر البقية بفارغ الصبر خيوووووو اما آن الاون لتكلمة القصة لنعيش معك تفاصيل الحكاية وواقعها قبل ان ننسى ما قد بداناه معك ويعطيك الف عافية
تقبل مروري مرة اخرى
خفوووووووي كانت هنا
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خفايا الروح1
ننتظر البقية بفارغ الصبر خيوووووو اما آن الاون لتكلمة القصة لنعيش معك تفاصيل الحكاية وواقعها قبل ان ننسى ما قد بداناه معك ويعطيك الف عافية

تقبل مروري مرة اخرى
خفوووووووي كانت هنا

مُستعجلة ..
انت لو طبخت (نقانق ) يحتاج إلى وقت .. فما بالك بشيء فكري ..!!
طيب ولا يهمك بنكمل مع بعض .. :imua56:
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المرتاح
الجزء الاول ..

قصة ( العَرْبانه ) من تأليفي .. المرتاح



دفعت بعربتي، وأخذتُ أجرّها، وأجرجرها، كأني أُجرجر وراءها خيبة عُمر امتدّت إليه أُمنيات ضحلة ، أُمنيات لا تَتحسّن بل تزداد سُوءً بعد سُوء.. أتردد على سُوق المدينة ، أحمل أكياس وأشياء أخرى ، أرميها في القمامة .. أحملها من دكاكين ومحلات الخضار مُقابل ثمن بخس ، مائة بيسة ، عن كل حِمْلٍ ثقيل ، يكسر ظهري ويُقوّس عموده الفقري .. كانت القمامة أو حاوية المزابل القذرة ، تبعد عن السوق ، بمقدار 50 متر أو يزيد .. في كل صباح باكرٍ، أنظر إلى الحاوية الكبيرة، حاوية جمع القاذورات والأوساخ والقمامة العفنة، أنها مصدر رزقي الوحيد، وأنا أسعى جاهداً لأكون صديقاً قذراً مِثْلها، بعد أن صكّت كُل الأعمال في وجهي .. وحين أتساءل ، لماذا .؟ لا إجابة شافية، غير هذه.. رُبما قدركَ المنحوس أودَى بكَ أن تكون هذه الأمكنة التي لجأتَ إليها ، كنايةً تُذكّرك بأن الحياة لحظات مدّ وجزْر وصُعود ونُزول ، لا تتوقف عند حدّ مُعيّن ، ورُبما انكَ أول من استقبلتَ الحياة بوجهك ورُبّما تذكرك برضاعة حلمة أمكَ ، تُذكّرك أول رضعةٍ من ثدْيها ، لا اعرف مُجمل هذه الكنايات ، لكنّي أكاد أُجزم لا يقينَ فيه ، بأنّ أمّك قد ولّتْ بوجهكَ ناحية القمامة لحظة الولادة العَسيرة ، أو تكون قد نستْ أو تناستْ لحظتها بأن تُغيّر وجهتكَ شطراً آخر غير شطر القمامة..! رُبما ذاك سبب رئيس جعلك تُعظّم المزابل وتتعلّق بحاويات القمامة .. ترددتُ كثيراً كيف أردّ على محاور خفيّ ، لا أعرف كنهه .. ثم قلت بعد إلحاح داخلي : أمي ، لا اعتقد ذلك .. أعقبتُها بسكتة ، ثمّ أردفتُ ، إنني مُتيقنٌ أن أمي تُيمّم وجهها شطر القُبلة وتُصلي بصوت خافت وتفيض عينها بالدموع، كنت أرى ذلك وأنا في حُضنها، ارضع الحلمة وأمصّها بقوة مجنونة.. قد يكون الأمر مُثار علاقة خاصة ، إذ كان بيتنا قُبالة مزبلة المدينة .. فرد الصوت قبل ان أُكمل ، رُبما أنت مُحقاً في هذه ..! لا زلتُ أتذكّر يومَ رفض الميسورين وكبار المدينة الاقتراب من هذا المكان ولم يبقى إلا لأمثالنا مكاناً نختبئ فيه ويضمّنا فهو أقرب إلى نفسيّتنا ، كما هي فلسفة أؤلئك الكبار .. على اثر هذه التذكّر من الماضي القاسي ، ذهب الصوت الخفيّ واختفى وبقيت لوحدي .. أتفكّر في كل شيء ، يمر شريط ذكرياته أمام عيني ، بوضوح لا يقبل إنكاره .. عندها بدت قناعتي بالاستلام إلى الإيمان الذي يدفعني إلى تغييرها إلى سُلوكٍ لا يحمل عدائية ، بدت خطواتها تتعثّر ، تتلاشى ، تُمزقها جراحات سُنون الهموم والغصص ، وبدا غموض يسكنني . أتساءل ، إلى هذا الحد الحياة تكره عائلتي ..بقيتُ واجماً مكلوماً بجراحات السنين .. تلكم السنون التي حملت شقاوة أيامها وأنا صغير ، لم أتلذذ بطفولتي وبراءتها ..حملت وأثقلتُ نفسي بالهم والكدح والغصة لا تفارقني ، أثقلتني سِنينها وأيامها ، ساعاتها ودقائقها ، بكل ما تحمله من وزْر استثنائي لهذه العائلة المَكلومة بغصص الذلّ والمهانة ، والمقرونة بطرّفات بيئتها المكانية المُقرفة ، وتُرّهات شراهة حقارة الزمن البائس ، وحدنا من استثنى قاعدة التوافق مع خط الزمن الحسنَ الذي يعيشه الآخرين ويتلذذون بمذاقه .. وقفت وقد صُعقت بالذكريات المَشئومة التي طافت على مُخيلتي ، تخيلتها فكان وقعها كالصاعقة .. ضللتُ أبحث في فَهْمها ، عن وميضٍ أمل ، عن مخرجٍ يَلوح لي ولو من بعيد ، ولا يلوح .. تبتعد الأُمنيات الحالمة بلياليها العجاف ، وتمتص نهاراتها ببياض لا ينقش على جُدرانها بقاءً .. غير هذا البقاء الذي أنا عليه من الأماني العِجاف ، أماني من بدايتها حقيرة ، ذات شُؤمٌ ، فظّةٌ ، غليظة ، أسقمتني ، وأثقلتني ، حتى صار حالي استثنائي بعربانةٍ لا أجدُ غيرها .. تهزّني الأماني السّقيمة ، وترتجف ذكرياتي ، تتساقط دقائق أيام انتظاري .. وأحلامي تتهشّم ، تتلاشى أمانيها ، تبددت مآربها المرجوّة ، حينَ دوت صواعقها المرعوبة بذكريات منحوسة ، أقرفتني طوال سُنون الانتظار المَشحون بزخم لم تَعْتد به ، رغم ان شَعري الأبيض ، ينتشر في أماكن شتّى مُظلمة ، خفيتْ عن كثير واندسّتْ عن كل عين إلا عن عيني .. أخفيته كصمتي ، فاستحضرت التأزّم التالي .. ما بال ذلك الشّيب يشتعل برأسي كأنه عازم على قهري ، أيريد قَتْلني أم بيّت نيّته ليقتل كل ذرّة طَيّبةٍ من جمالي الآدمي ، ذلكم الجمال الذي أكرمني به ربي ، ليزعزعَ كل علاقة مُتصلة بي ، فلا تجد تناغماً يكفل لها عطاءً غير مجذوذ ، إلا حنق الشيب الذي يُطوقني ، أتراهُ يحسبني متاعاً في السوق ، أم انتهتْ صلاحية علاقة سواده بي ..؟! أم آنَ الآوان لتبيضه بتركيزٍ وعزْمٍ أكيدٍ من ثبات الوتدِ على شعُيراتي الشائبة كيْ لا تجدَ ما يُمنّيها وتُبْعدها عن عزيمتها الجادّة وتحنثْ عن قسمَها الذي أمدّته بيمينها لتعاهدني عليه حتى الساعة الأكيدة ، بعيداً عن عزاء الشيب الذي تغلغلَ في شُعيرات إبْطي ببياضٍ يُلاحقني ، قبل أن يَقطع عَسَبُه ويشقّ عليّ النّسْل فلا تنال شيء من مُبتغاها ، كما تُمنيها أنوثتها وحيث تمنّيات كل اُنثى ، تلكم الأماني غير منزوعة الألفة ببياض شعرٍ يأكلني بسُحنته المُكتظة بسوادٍ حيّ ، قبل بضع سنين ولكن ماذا هيَ بادية على فِعله إذا ولّتْ صلاحيتي ـ ولو كان اعتقاداً ـ ألا يحق لها أن تهنأ بما تمنّته لنفسها من حياةٍ أُمتّعها بها وإن بانَ لها ظاهرٍ سوادٍ في رأسي ، وغطاؤه قائماً بنبتةٍ سائرة إلى تبييضه ، فهل يحقّ لها لأن تُمْلي شُروطها إلى هذه المودّة ، كأنْ يخلو هذا الشيب الذي اكتظّ بشراسته على كل أنحاء جسمي الظاهرة والخفيّة ، فأفقدتني شرعية مُبتغاها دون فضاءٍ أمَنّيها بها ، فكل نفس رطبةٍ راغبة إلى شيء يَسْكنها .. !
كان ذلك الهذيان عبارة عن صخْب عالي جداً ، مرّرته قسوة الأيام حتى صار مَثار حديثٍ يختلج إلى ذاتي وتنشره عبر مونولوج بَرْمَجتها اللوغورتمية يوم انهجستُ عن أمرها وارتددتُ عن فهمها ، نظراً لما لأيامئذٍ من شدائد ومحنٍ ، وودتُ لو لمْ يَخْتمر عجينها إلى الأبد ، فَصَخْبها عارمٍ دفينٍ في نفسي ، وكثيراً ما تختلط أصواتها بلا هَجْعةٍ أُمَنّي بها نفسي وحين ألوذ إلى هَجْعِها تخدعني فأستسلم إلى نهار مليء بصخب عالي يدق ناقوس خطره في نفسي ، ورغم ذلك فأنا استمسك بِعُروة الأمل ليكون موثقَ ليلها أقرب وأقرب .. هكذا أبدو كمتشائم ومتفائل في بِضْع هفواتٍ قاتمة أو لحظاتٍ سعيدة من ليل بائس وسخيم ، أو دافئ وسعيدٍ .. كل ذلك يحدث ، حين أفقد هدوء رُجولتي في ليلي البغيض ، بهكذا مُعالجة فظّة ولذيذة ، أحاول اجمع بَعْضي إلى بَعْضه ..! وأعيد مُحاولتها ، فأتناغم مع مُختلفها ، ألمس في لمْحةٍ ملامح شَبقها - حيناً - أو اختلس نظرةٍ غِرّةٍ في حين آخر ، أنشدَ ضِلّ حياةٍ مَسْكونة بهاجس الوُد والسّكن المُطمئن ..!؟ حديث مكتوم في داخلي لم أُفْضي به إلى غيري .. ليبقيَ سُؤالي قائماً ، تُرى كيف انزرعَ بياض الشّيْب في رأسي وإبْطي وأنا ما زلتُ غِراً ، لم أتجاوز الثلاثين من حياتي التعيسة . نكّستُ رأسي ، وإذا بصدري يشتعل بياضاً ، فاهتزّ جسدي خوفاً .. قلقتُ كثيراً وترددت بتصويب نظرتي مرة أخرى .. كي لا ازداد خوفاً أو سُوءاً فتتبدّل حياتي إلى أكثر تعاسة من ذي قبل .! وذهبتُ إلى حيث أيام أمي التي لم تألو جُهداً أو تعبٍ أو خِدْمة إلا وفَعَلتها لتبقى كرامتنا محفوظة ، ولكنها العُمر تقدّم بها ، كأنه يَرقبها ، يتلصّص عليها ، كيْ تبقى التعاسة بوابة الشُّؤْمٍ التي نكرهها .. أتذكّر بقوة ساعة قِيَامها بالبحث عن مأوى لنا يَحمينا من برد شتاء قارس ، فنعيش كباقي الوجوه الآدمية ، وهكذا تمرّ السنين طويلة ومُتهالكة ، تتقلّبُ بأوجاعها ومَصائبها العصيّة ، استبدلتْ أُمي بيتنا ذات العِمارة الطينية المُتشرذمة ، كأسنان ذاك العجوزٍ الذي كان يجلس كل صباح ومساء قُدّام بيتنا ، فنتقاسم معه الطعام والشراب .. وحين كبرتُ وصرت شاباً يُعْتد به ، علمتُ انه أبي .. فقدَ ذاكرته أثر صَدمته بقيام جرّافة كبيرة ، هشّمت بيته الذي ضمِنَ أنه أماناً على حياتنا ، بحجة المصلحة الوطنيّة .. لكن أبي رفض رفضاً قاطعاً النزول إلى حيث الحجج الواهية التي قال عنها القائمون على المشروع يومها ، أنها حُجج باهتة ، بل هي أشبهَ بعش الغُراب ..! فكلّ ما في الأمر ، هو مُصادرة مراعينا والقضاء على أمكنتنا وتفتيت بُنيتنا ، وطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق الآباء قهراً وإذلالاً ، وإقصاء الأحفاد بعيداً كي لا يَعْلموا بعد عِلْمٍ شيئاً .!!


للقصة بقية ..
__________

الجزء الثاني
لنْ نسمح لأحدٍ أياً كانْ ، بِمُصادرة مَراعينا ومحوَ أمكنتنا وتفتيت بُنيتها ، فتكون كأنّها لمْ تكنْ من قبْل ، ولن نرضى بطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق آبائنا قهراً وإذلالاً ، وإقصاء أحفادنا بعيداً ، كيْ لا يَعْلموا شيئاً بعد أنْ عَلِمْنا كُلّ شيء.!! توقف بُرهة ثم واصل " لنْ نقبلَ بحُجج واهية ، فجّة كهذه ، إنّها حُججٍ أقربَ بهاتةً إلى عُش الغُراب ..! "
قالتْ عمّتي خديجة التي تكبُر أبي سناً ، هامسة وقد شدّتني من كتفي ، إفْهم أمك جيداً ، فقد آثرت كل شيء من أجلك ولم تبخل ، بذلتْ كُلّ غالٍ ونفيس لتبقى .. كانتْ تدعو لك أن يجعلك الله في نعمة وفضلٍ وفي مسرّة الحال وعفّة النّفس وفي عِلْمٍ ومعرفةٍ مُتواصلة غير منقطعة ، يكفيكَ دُعائها قبل ان تقدم لك الحياة وتُهديك إياها ، كما لو كان ذلك عيداً من أيامها الباقية ، ولهذا السبب خُذ بنصيحتي ولا تعجل ، فإياك وتجعل عينيها تلتقي في عينيك ، فإن التقتا ، فاخفضْهما حالاً ، ولا تهجس أمامها ، كُن مُستمعاً ومُنْصتاً .. نظرتُ إلى عمتي خديجة التي لا تزال تحتفظ بجمالها الفطري رغم تقدّمها في السن ، وأنا اُشنّك حاجبيْ وزوايا شفتيّ ترصّ على بعضها .. وبصوت خافضٍ على غير عادة صَوتي الجهوري :
- طيب كلميني عن أبي والمال والجرافات والبساتين الجميلة وأهل القرية ، وأسباب تحدّيهم .
ابتسمتْ ، أحسستُ بإشفاقٍ فُجائي ناحيتها ، لا اعرف سببه ، لكنها طمأنتني .. وأردفت ، كانتْ أُمّك أولّ من واستْ أبيك بِنَهْنِهةَ دمعةٍ سقطتْ من مُقلتيها ، فأنشأتْ بدمعتها التي أخفتْها عن عين أبيك ولم تستطع أنْ تُخفيها ، فكان مُذْ صِغرهِ دقيق المُلاحظة ، شديد الحَدس ، حادّ النظْرة .. وحيث أنهما كانا كتوأم يفهما بعضهما ، أو كأنّهما قدْ ولدتهما أماً واحدة .. فهو بطبيعته العاطفية يميل إليه ويُرغبها ، وهيَ بحبها تعشقه وتتغنّى به ، سعيدة معه لم يُكدرها شيء منذ أن تزوجا ، ولم ينجبا غيرك في الحياة .. أنت يا أحمد وحيدهما ، أتذكّر يوم ذاك ، يوم أن أخذتْ تُسلّيه تعزّياً .. فتبادلا نظرات غائمة ، كانت هي حرنةً وهو واجماً مأخوذاً بتدافع الجرّافات التي تُهشّم بيتهما ، بحجة انه اُقيم في وقتٍ كانتْ أعين المصلحة الوطنية نائمة وها هي الآن قد استيقظتْ ورأت ما لم تره عين ولكنه خطرَ على قلب بشر .. حين أراد أخي عبدالله ، توقيف العمل القائم على تهشيم البيت ، إذ كان بيت أخي عبدالله هو أول بيت تُهشمه المصالح الوطنية ويسقط أمام مرأى الأعين حُطاماً ، إذْ كان في نظر القائمون على المصلحة الوطنية ، أنه بيت أقيم بطريقة لم تكن مُستقيمة يومذاك غير قانونية رغم شرعيتها الدينية ، فالبيت قد مرت عليه أكثر من عقدين من الزمن ، ولكنها اليوم أضحت ممتلكات خارجة عن القانون ، لا وجه حق في قيامها من وجهة نظر المصلحة الوطنية ، ولم يكتفوا بإزالة البيت والبستان ومزرعة صغيرة اتخذها أبوك زريبة للأغنام ، فقد أصدرتْ الجهات المعنية أمراً مُلزماً لجميع ساكني هذه القرية الضارب أطنابها في أعماق الزمن الغابرة ، بتوقيف وسجن كل من يلحق الأذى أو يُعطّل عاملي المصلحة الوطنية حتى ولو كان بحجة شرعية ، فلا شيء فوق القانون .!! والحقوق مكفولة بعد التنفيذ .. يكفلها القانون فقط لا غير ..!! لكن أخي عارض هذا الرأي ومعه رجالٌ ، قاموا معه ، وظنوا أن إخراجهم من ديارهم مذلّة لهم ، وفي الأثر " من يمت دون ماله أو عِرْضه فهو شهيد .." وأبوك يا أحمد شهيداً في الجنة ، لأنه حضيَ بالاثنين معاً ومات دونهما ..!! فضلاً عن أنّ الجراّفات دأبتْ على ترويع وإزعاج مواطني هذه الوطنية المُهشمة بقوةٍ لا غالبَ لها غير القوة الشرعية التي يتمسّك بها الرجال ويعتدّون بها .. وقفتْ عمتي ، وشرعتْ كالخطيب بين المصلين .. لو كان ربّي يأخذهم على أخطائهم لما بقيَ أحد منهم في الحال ولفنيَ الناس ولم يبقى احد على البسيطة ولكن يُؤخّر ذلك عنده في كتاب ، لتُجزى كُلّ نفسٍ بما عملت ويُقضى بين المُتخاصمين ، يوم ذاك يوماً أغرّ لا قوة ولا سُلطة أقوى من الحق المُبين ، يوم ينظرون فيما قالوا وما عملوا وما كانوا يفعلون ، اليومَ فقط تقول النفس الأمارة بالسوء ، ربي ارجعون ، أعمل صالحاً ، وأغيّر نظرتي ، لعلّ أكون راشدة لنفسي وصالحة لغيري ، ولكن القوة الصادحة في هذا اليوم ، لا ظُلْم اليوم ، فأين هُم المُعْتبرون حقاً .. بكتْ عمتي ، وغمغمت ..ثم أردفتْ : أنهم يظنون بفعْلهم يُجانبون الصواب ويُحسنون صُنْعاً ، لكن هيْت لهم ، فإزعاج المَغْلوب على أمره وتهشيم جُدران بيته وسحق بُستانه بالجرّافات ليستْ من الحَصافة الإنسانية وليستْ من القِيم الوطنية والمُثَلِ المُتوارثة .. كان أبوك لا يَرتدّ عن قول الحق ، تُنازعه نفسه إنْ لم يقلها علناً يقول الحقيقة ولو على نفسه ، هكذا عهدناهُ مذ صِغره ، لا يخشى لَوْمة لائم ، تفزّ الكلمات من فمه عامرة بالإيمان ، لكنه للأسف لم يُتمّهُنّ لم يستطع ولم يَقْدر ، كأنما أمرٌ كمّمَ فاهُ ، لثغ لسانه وتثاقل .. ارتجفتْ شفتاه ، واهتزت أطرافها ، قلت لعمتي وأنا إلى جانبها وقد ارتصّ ثوبها التقليدي بجسدها ، ثم تابعتْ تُكْمل حديثها .. لكني قاطعتها ، نعم يا عمّتي أتذكر ذاك الموقف جيداً .. دمدمتْ عمتي برأسها إلى صَدْرها واغرورقتْ عينيها بالدمع ، ماءً ينسكب من حُجر مُقلتيها ، بلّل ثوبها البلدي الأنيق بزركشته الجميلة ، التي قلّ أنْ تجد مثله زيّاً نسوياً فضفاضاً ، حافظت عليه المرأة في حارتنا الكبيرة .. أغمضتُ عيني فكأنّي أراهُ حاضراً غير غائب .. تابعتُ بدقة تفاصيل انقطاعه عن البُكاء ثمّ غَمْغم كأنما شيء يَنْفجر في داخله ، ينشطر .. يتقطّع فلم تعُدْ أحبال صَوته فاعلة ولم تكنْ دَمْعته حاضرة ، توقف فجأة .. شخصتْ عينيه وقد صَوّبها تجاه الحقْل والجدار ثم وَمَضتْ عينه إلى أمي .. ساعتئذٍ قد اصفرّ وجهه وتجمّد جسده .. صاحتْ أمي بغضبْ .. وشفتاها تتشنّجان وغدا وجهها احمر ..أحسّت بإشفاقٍ فُجائي ، إشفاقٌ غير مُبين ، لم تُظهره لغيره من قبْل هذه الحالة المُريبة التي أزعجتها .. بَهَتتْ وحَمْلقتْ ، ثم وضعتْ يدها فوق عينيه وأرْخَتْهُما إلى تحت ، فأغمضتهما بيدها ، كأنها تمسح عليها مسحة أخيرة ، مَسْحة بقتْ ذِكْراها تحمل قيَم الوُدّ ودفء السّكن وحُسن العِشْرة ، متنسمةً بالفضْل والإحسان والمعروف الذي لا يُنسى أبداً .. حملتْ شيئاً ثقيلاً وألْقتهُ على جسده ، فكان غطاءً سميكًا ، سحبته من علياء رأسه حتى أخمص قدميه وكتمتْ غيضاً . تنفست وسحبت هواءً عميقاً ، كأنما آلة كهربائية تشفط شيء بقوتها .! وعلى أثر هذه الكلمات ، انسحبتْ عمتي ، وأخذت تسير بخطوات ثقيلة ، إلى خارج دارنا ، كمن يُجرّ إلى حتْف اُنْفه ..! ارقب ثوبها وقد تبلّل لحافها واختلطت دُموعها بِمُخاطها .!

للقصة بقية ..
 
التعديل الأخير:

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة غروري وبس
شووو هذااا بصراجه ابداااااااااع
الله يوفجكم جميعا



شكراً جزيلاً على التواصل ..
 

!! أتعــبــني غــروري !!

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
6 يونيو 2011
المشاركات
372
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,

إن لم تسااعدوهم فلاآآ تحتقرووهم

سلمت

يعطيك العاافيه رااق لي كثيرـرآآ

,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة !! أتعــبــني غــروري !!
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

,,,,,,,,,,,,,,,

إن لم تسااعدوهم فلاآآ تحتقرووهم

سلمت

يعطيك العاافيه رااق لي كثيرـرآآ

,,,,,,,,,,,,,,,,,,
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,



شكراً جزيلاً على التواصل ..
 

ساعديه طر

¬°•| عضو مثالي |•°¬
إنضم
31 يوليو 2011
المشاركات
1,783
العمر
35
الإقامة
ف راــــــسكـــــم

قصــــــه عجيبــــــه الصرااحه

يزااك الله الـــف خييير

وربي يجعله في ميزاان حسنااااتك
ربي يحفظك^^​

</B></I>
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساعديه طر

قصــــــه عجيبــــــه الصرااحه

يزااك الله الـــف خييير

وربي يجعله في ميزاان حسنااااتك
ربي يحفظك^^

</B></I>



هلا والله ساعدية
ربي يحفظك .. ويبعدك عن كل سقمٍ وغم .
وشكراً على التواصل .
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اليـــاه
قصه جميلة . اشكرك . والله يوفقك


الياه ..
شكراً على المشاركة . حفظك الرحمن
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اقصى الشرق
قصـــــــــــة مؤثرة


شكراً
 

ساعديه طر

¬°•| عضو مثالي |•°¬
إنضم
31 يوليو 2011
المشاركات
1,783
العمر
35
الإقامة
ف راــــــسكـــــم

مشــــــــكوووووور المرتاح علـــى القـــــــــــصه
&&
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

</B></I>
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساعديه طر

مشــــــــكوووووور المرتاح علـــى القـــــــــــصه
&&
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

</B></I>



ساعدية
شكراً لك مع جميل العرفان على كلماتك الرائعة
التي حملتْ أجمل تحياتك، وانا ادعو لك بمشاعر
الاخوة والخير العميم .
والسلام عليكم .
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمووو
هلأ المـــــــــرتاح
يسلمـــــك رـــبي

مرررره القصـــــه نااايسـ
ربي يوفقك إلى كل خير ومسره .
 

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المرتاح
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة المرتاح
الجزء الاول ..

قصة ( العَرْبانه ) من تأليفي .. المرتاح



دفعت بعربتي، وأخذتُ أجرّها، وأجرجرها، كأني أُجرجر وراءها خيبة عُمر امتدّت إليه أُمنيات ضحلة ، أُمنيات لا تَتحسّن بل تزداد سُوءً بعد سُوء.. أتردد على سُوق المدينة ، أحمل أكياس وأشياء أخرى ، أرميها في القمامة .. أحملها من دكاكين ومحلات الخضار مُقابل ثمن بخس ، مائة بيسة ، عن كل حِمْلٍ ثقيل ، يكسر ظهري ويُقوّس عموده الفقري .. كانت القمامة أو حاوية المزابل القذرة ، تبعد عن السوق ، بمقدار 50 متر أو يزيد .. في كل صباح باكرٍ، أنظر إلى الحاوية الكبيرة، حاوية جمع القاذورات والأوساخ والقمامة العفنة، أنها مصدر رزقي الوحيد، وأنا أسعى جاهداً لأكون صديقاً قذراً مِثْلها، بعد أن صكّت كُل الأعمال في وجهي .. وحين أتساءل ، لماذا .؟ لا إجابة شافية، غير هذه.. رُبما قدركَ المنحوس أودَى بكَ أن تكون هذه الأمكنة التي لجأتَ إليها ، كنايةً تُذكّرك بأن الحياة لحظات مدّ وجزْر وصُعود ونُزول ، لا تتوقف عند حدّ مُعيّن ، ورُبما انكَ أول من استقبلتَ الحياة بوجهك ورُبّما تذكرك برضاعة حلمة أمكَ ، تُذكّرك أول رضعةٍ من ثدْيها ، لا اعرف مُجمل هذه الكنايات ، لكنّي أكاد أُجزم لا يقينَ فيه ، بأنّ أمّك قد ولّتْ بوجهكَ ناحية القمامة لحظة الولادة العَسيرة ، أو تكون قد نستْ أو تناستْ لحظتها بأن تُغيّر وجهتكَ شطراً آخر غير شطر القمامة..! رُبما ذاك سبب رئيس جعلك تُعظّم المزابل وتتعلّق بحاويات القمامة .. ترددتُ كثيراً كيف أردّ على محاور خفيّ ، لا أعرف كنهه .. ثم قلت بعد إلحاح داخلي : أمي ، لا اعتقد ذلك .. أعقبتُها بسكتة ، ثمّ أردفتُ ، إنني مُتيقنٌ أن أمي تُيمّم وجهها شطر القُبلة وتُصلي بصوت خافت وتفيض عينها بالدموع، كنت أرى ذلك وأنا في حُضنها، ارضع الحلمة وأمصّها بقوة مجنونة.. قد يكون الأمر مُثار علاقة خاصة ، إذ كان بيتنا قُبالة مزبلة المدينة .. فرد الصوت قبل ان أُكمل ، رُبما أنت مُحقاً في هذه ..! لا زلتُ أتذكّر يومَ رفض الميسورين وكبار المدينة الاقتراب من هذا المكان ولم يبقى إلا لأمثالنا مكاناً نختبئ فيه ويضمّنا فهو أقرب إلى نفسيّتنا ، كما هي فلسفة أؤلئك الكبار .. على اثر هذه التذكّر من الماضي القاسي ، ذهب الصوت الخفيّ واختفى وبقيت لوحدي .. أتفكّر في كل شيء ، يمر شريط ذكرياته أمام عيني ، بوضوح لا يقبل إنكاره .. عندها بدت قناعتي بالاستلام إلى الإيمان الذي يدفعني إلى تغييرها إلى سُلوكٍ لا يحمل عدائية ، بدت خطواتها تتعثّر ، تتلاشى ، تُمزقها جراحات سُنون الهموم والغصص ، وبدا غموض يسكنني . أتساءل ، إلى هذا الحد الحياة تكره عائلتي ..بقيتُ واجماً مكلوماً بجراحات السنين .. تلكم السنون التي حملت شقاوة أيامها وأنا صغير ، لم أتلذذ بطفولتي وبراءتها ..حملت وأثقلتُ نفسي بالهم والكدح والغصة لا تفارقني ، أثقلتني سِنينها وأيامها ، ساعاتها ودقائقها ، بكل ما تحمله من وزْر استثنائي لهذه العائلة المَكلومة بغصص الذلّ والمهانة ، والمقرونة بطرّفات بيئتها المكانية المُقرفة ، وتُرّهات شراهة حقارة الزمن البائس ، وحدنا من استثنى قاعدة التوافق مع خط الزمن الحسنَ الذي يعيشه الآخرين ويتلذذون بمذاقه .. وقفت وقد صُعقت بالذكريات المَشئومة التي طافت على مُخيلتي ، تخيلتها فكان وقعها كالصاعقة .. ضللتُ أبحث في فَهْمها ، عن وميضٍ أمل ، عن مخرجٍ يَلوح لي ولو من بعيد ، ولا يلوح .. تبتعد الأُمنيات الحالمة بلياليها العجاف ، وتمتص نهاراتها ببياض لا ينقش على جُدرانها بقاءً .. غير هذا البقاء الذي أنا عليه من الأماني العِجاف ، أماني من بدايتها حقيرة ، ذات شُؤمٌ ، فظّةٌ ، غليظة ، أسقمتني ، وأثقلتني ، حتى صار حالي استثنائي بعربانةٍ لا أجدُ غيرها .. تهزّني الأماني السّقيمة ، وترتجف ذكرياتي ، تتساقط دقائق أيام انتظاري .. وأحلامي تتهشّم ، تتلاشى أمانيها ، تبددت مآربها المرجوّة ، حينَ دوت صواعقها المرعوبة بذكريات منحوسة ، أقرفتني طوال سُنون الانتظار المَشحون بزخم لم تَعْتد به ، رغم ان شَعري الأبيض ، ينتشر في أماكن شتّى مُظلمة ، خفيتْ عن كثير واندسّتْ عن كل عين إلا عن عيني .. أخفيته كصمتي ، فاستحضرت التأزّم التالي .. ما بال ذلك الشّيب يشتعل برأسي كأنه عازم على قهري ، أيريد قَتْلني أم بيّت نيّته ليقتل كل ذرّة طَيّبةٍ من جمالي الآدمي ، ذلكم الجمال الذي أكرمني به ربي ، ليزعزعَ كل علاقة مُتصلة بي ، فلا تجد تناغماً يكفل لها عطاءً غير مجذوذ ، إلا حنق الشيب الذي يُطوقني ، أتراهُ يحسبني متاعاً في السوق ، أم انتهتْ صلاحية علاقة سواده بي ..؟! أم آنَ الآوان لتبيضه بتركيزٍ وعزْمٍ أكيدٍ من ثبات الوتدِ على شعُيراتي الشائبة كيْ لا تجدَ ما يُمنّيها وتُبْعدها عن عزيمتها الجادّة وتحنثْ عن قسمَها الذي أمدّته بيمينها لتعاهدني عليه حتى الساعة الأكيدة ، بعيداً عن عزاء الشيب الذي تغلغلَ في شُعيرات إبْطي ببياضٍ يُلاحقني ، قبل أن يَقطع عَسَبُه ويشقّ عليّ النّسْل فلا تنال شيء من مُبتغاها ، كما تُمنيها أنوثتها وحيث تمنّيات كل اُنثى ، تلكم الأماني غير منزوعة الألفة ببياض شعرٍ يأكلني بسُحنته المُكتظة بسوادٍ حيّ ، قبل بضع سنين ولكن ماذا هيَ بادية على فِعله إذا ولّتْ صلاحيتي ـ ولو كان اعتقاداً ـ ألا يحق لها أن تهنأ بما تمنّته لنفسها من حياةٍ أُمتّعها بها وإن بانَ لها ظاهرٍ سوادٍ في رأسي ، وغطاؤه قائماً بنبتةٍ سائرة إلى تبييضه ، فهل يحقّ لها لأن تُمْلي شُروطها إلى هذه المودّة ، كأنْ يخلو هذا الشيب الذي اكتظّ بشراسته على كل أنحاء جسمي الظاهرة والخفيّة ، فأفقدتني شرعية مُبتغاها دون فضاءٍ أمَنّيها بها ، فكل نفس رطبةٍ راغبة إلى شيء يَسْكنها .. !
كان ذلك الهذيان عبارة عن صخْب عالي جداً ، مرّرته قسوة الأيام حتى صار مَثار حديثٍ يختلج إلى ذاتي وتنشره عبر مونولوج بَرْمَجتها اللوغورتمية يوم انهجستُ عن أمرها وارتددتُ عن فهمها ، نظراً لما لأيامئذٍ من شدائد ومحنٍ ، وودتُ لو لمْ يَخْتمر عجينها إلى الأبد ، فَصَخْبها عارمٍ دفينٍ في نفسي ، وكثيراً ما تختلط أصواتها بلا هَجْعةٍ أُمَنّي بها نفسي وحين ألوذ إلى هَجْعِها تخدعني فأستسلم إلى نهار مليء بصخب عالي يدق ناقوس خطره في نفسي ، ورغم ذلك فأنا استمسك بِعُروة الأمل ليكون موثقَ ليلها أقرب وأقرب .. هكذا أبدو كمتشائم ومتفائل في بِضْع هفواتٍ قاتمة أو لحظاتٍ سعيدة من ليل بائس وسخيم ، أو دافئ وسعيدٍ .. كل ذلك يحدث ، حين أفقد هدوء رُجولتي في ليلي البغيض ، بهكذا مُعالجة فظّة ولذيذة ، أحاول اجمع بَعْضي إلى بَعْضه ..! وأعيد مُحاولتها ، فأتناغم مع مُختلفها ، ألمس في لمْحةٍ ملامح شَبقها - حيناً - أو اختلس نظرةٍ غِرّةٍ في حين آخر ، أنشدَ ضِلّ حياةٍ مَسْكونة بهاجس الوُد والسّكن المُطمئن ..!؟ حديث مكتوم في داخلي لم أُفْضي به إلى غيري .. ليبقيَ سُؤالي قائماً ، تُرى كيف انزرعَ بياض الشّيْب في رأسي وإبْطي وأنا ما زلتُ غِراً ، لم أتجاوز الثلاثين من حياتي التعيسة . نكّستُ رأسي ، وإذا بصدري يشتعل بياضاً ، فاهتزّ جسدي خوفاً .. قلقتُ كثيراً وترددت بتصويب نظرتي مرة أخرى .. كي لا ازداد خوفاً أو سُوءاً فتتبدّل حياتي إلى أكثر تعاسة من ذي قبل .! وذهبتُ إلى حيث أيام أمي التي لم تألو جُهداً أو تعبٍ أو خِدْمة إلا وفَعَلتها لتبقى كرامتنا محفوظة ، ولكنها العُمر تقدّم بها ، كأنه يَرقبها ، يتلصّص عليها ، كيْ تبقى التعاسة بوابة الشُّؤْمٍ التي نكرهها .. أتذكّر بقوة ساعة قِيَامها بالبحث عن مأوى لنا يَحمينا من برد شتاء قارس ، فنعيش كباقي الوجوه الآدمية ، وهكذا تمرّ السنين طويلة ومُتهالكة ، تتقلّبُ بأوجاعها ومَصائبها العصيّة ، استبدلتْ أُمي بيتنا ذات العِمارة الطينية المُتشرذمة ، كأسنان ذاك العجوزٍ الذي كان يجلس كل صباح ومساء قُدّام بيتنا ، فنتقاسم معه الطعام والشراب .. وحين كبرتُ وصرت شاباً يُعْتد به ، علمتُ انه أبي .. فقدَ ذاكرته أثر صَدمته بقيام جرّافة كبيرة ، هشّمت بيته الذي ضمِنَ أنه أماناً على حياتنا ، بحجة المصلحة الوطنيّة .. لكن أبي رفض رفضاً قاطعاً النزول إلى حيث الحجج الواهية التي قال عنها القائمون على المشروع يومها ، أنها حُجج باهتة ، بل هي أشبهَ بعش الغُراب ..! فكلّ ما في الأمر ، هو مُصادرة مراعينا والقضاء على أمكنتنا وتفتيت بُنيتنا ، وطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق الآباء قهراً وإذلالاً ، وإقصاء الأحفاد بعيداً كي لا يَعْلموا بعد عِلْمٍ شيئاً .!!


للقصة بقية ..
__________

الجزء الثاني
لنْ نسمح لأحدٍ أياً كانْ ، بِمُصادرة مَراعينا ومحوَ أمكنتنا وتفتيت بُنيتها ، فتكون كأنّها لمْ تكنْ من قبْل ، ولن نرضى بطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق آبائنا قهراً وإذلالاً ، وإقصاء أحفادنا بعيداً ، كيْ لا يَعْلموا شيئاً بعد أنْ عَلِمْنا كُلّ شيء.!! توقف بُرهة ثم واصل " لنْ نقبلَ بحُجج واهية ، فجّة كهذه ، إنّها حُججٍ أقربَ بهاتةً إلى عُش الغُراب ..! "
قالتْ عمّتي خديجة التي تكبُر أبي سناً ، هامسة وقد شدّتني من كتفي ، إفْهم أمك جيداً ، فقد آثرت كل شيء من أجلك ولم تبخل ، بذلتْ كُلّ غالٍ ونفيس لتبقى .. كانتْ تدعو لك أن يجعلك الله في نعمة وفضلٍ وفي مسرّة الحال وعفّة النّفس وفي عِلْمٍ ومعرفةٍ مُتواصلة غير منقطعة ، يكفيكَ دُعائها قبل ان تقدم لك الحياة وتُهديك إياها ، كما لو كان ذلك عيداً من أيامها الباقية ، ولهذا السبب خُذ بنصيحتي ولا تعجل ، فإياك وتجعل عينيها تلتقي في عينيك ، فإن التقتا ، فاخفضْهما حالاً ، ولا تهجس أمامها ، كُن مُستمعاً ومُنْصتاً .. نظرتُ إلى عمتي خديجة التي لا تزال تحتفظ بجمالها الفطري رغم تقدّمها في السن ، وأنا اُشنّك حاجبيْ وزوايا شفتيّ ترصّ على بعضها .. وبصوت خافضٍ على غير عادة صَوتي الجهوري :
- طيب كلميني عن أبي والمال والجرافات والبساتين الجميلة وأهل القرية ، وأسباب تحدّيهم .
ابتسمتْ ، أحسستُ بإشفاقٍ فُجائي ناحيتها ، لا اعرف سببه ، لكنها طمأنتني .. وأردفت ، كانتْ أُمّك أولّ من واستْ أبيك بِنَهْنِهةَ دمعةٍ سقطتْ من مُقلتيها ، فأنشأتْ بدمعتها التي أخفتْها عن عين أبيك ولم تستطع أنْ تُخفيها ، فكان مُذْ صِغرهِ دقيق المُلاحظة ، شديد الحَدس ، حادّ النظْرة .. وحيث أنهما كانا كتوأم يفهما بعضهما ، أو كأنّهما قدْ ولدتهما أماً واحدة .. فهو بطبيعته العاطفية يميل إليه ويُرغبها ، وهيَ بحبها تعشقه وتتغنّى به ، سعيدة معه لم يُكدرها شيء منذ أن تزوجا ، ولم ينجبا غيرك في الحياة .. أنت يا أحمد وحيدهما ، أتذكّر يوم ذاك ، يوم أن أخذتْ تُسلّيه تعزّياً .. فتبادلا نظرات غائمة ، كانت هي حرنةً وهو واجماً مأخوذاً بتدافع الجرّافات التي تُهشّم بيتهما ، بحجة انه اُقيم في وقتٍ كانتْ أعين المصلحة الوطنية نائمة وها هي الآن قد استيقظتْ ورأت ما لم تره عين ولكنه خطرَ على قلب بشر .. حين أراد أخي عبدالله ، توقيف العمل القائم على تهشيم البيت ، إذ كان بيت أخي عبدالله هو أول بيت تُهشمه المصالح الوطنية ويسقط أمام مرأى الأعين حُطاماً ، إذْ كان في نظر القائمون على المصلحة الوطنية ، أنه بيت أقيم بطريقة لم تكن مُستقيمة يومذاك غير قانونية رغم شرعيتها الدينية ، فالبيت قد مرت عليه أكثر من عقدين من الزمن ، ولكنها اليوم أضحت ممتلكات خارجة عن القانون ، لا وجه حق في قيامها من وجهة نظر المصلحة الوطنية ، ولم يكتفوا بإزالة البيت والبستان ومزرعة صغيرة اتخذها أبوك زريبة للأغنام ، فقد أصدرتْ الجهات المعنية أمراً مُلزماً لجميع ساكني هذه القرية الضارب أطنابها في أعماق الزمن الغابرة ، بتوقيف وسجن كل من يلحق الأذى أو يُعطّل عاملي المصلحة الوطنية حتى ولو كان بحجة شرعية ، فلا شيء فوق القانون .!! والحقوق مكفولة بعد التنفيذ .. يكفلها القانون فقط لا غير ..!! لكن أخي عارض هذا الرأي ومعه رجالٌ ، قاموا معه ، وظنوا أن إخراجهم من ديارهم مذلّة لهم ، وفي الأثر " من يمت دون ماله أو عِرْضه فهو شهيد .." وأبوك يا أحمد شهيداً في الجنة ، لأنه حضيَ بالاثنين معاً ومات دونهما ..!! فضلاً عن أنّ الجراّفات دأبتْ على ترويع وإزعاج مواطني هذه الوطنية المُهشمة بقوةٍ لا غالبَ لها غير القوة الشرعية التي يتمسّك بها الرجال ويعتدّون بها .. وقفتْ عمتي ، وشرعتْ كالخطيب بين المصلين .. لو كان ربّي يأخذهم على أخطائهم لما بقيَ أحد منهم في الحال ولفنيَ الناس ولم يبقى احد على البسيطة ولكن يُؤخّر ذلك عنده في كتاب ، لتُجزى كُلّ نفسٍ بما عملت ويُقضى بين المُتخاصمين ، يوم ذاك يوماً أغرّ لا قوة ولا سُلطة أقوى من الحق المُبين ، يوم ينظرون فيما قالوا وما عملوا وما كانوا يفعلون ، اليومَ فقط تقول النفس الأمارة بالسوء ، ربي ارجعون ، أعمل صالحاً ، وأغيّر نظرتي ، لعلّ أكون راشدة لنفسي وصالحة لغيري ، ولكن القوة الصادحة في هذا اليوم ، لا ظُلْم اليوم ، فأين هُم المُعْتبرون حقاً .. بكتْ عمتي ، وغمغمت ..ثم أردفتْ : أنهم يظنون بفعْلهم يُجانبون الصواب ويُحسنون صُنْعاً ، لكن هيْت لهم ، فإزعاج المَغْلوب على أمره وتهشيم جُدران بيته وسحق بُستانه بالجرّافات ليستْ من الحَصافة الإنسانية وليستْ من القِيم الوطنية والمُثَلِ المُتوارثة .. كان أبوك لا يَرتدّ عن قول الحق ، تُنازعه نفسه إنْ لم يقلها علناً يقول الحقيقة ولو على نفسه ، هكذا عهدناهُ مذ صِغره ، لا يخشى لَوْمة لائم ، تفزّ الكلمات من فمه عامرة بالإيمان ، لكنه للأسف لم يُتمّهُنّ لم يستطع ولم يَقْدر ، كأنما أمرٌ كمّمَ فاهُ ، لثغ لسانه وتثاقل .. ارتجفتْ شفتاه ، واهتزت أطرافها ، قلت لعمتي وأنا إلى جانبها وقد ارتصّ ثوبها التقليدي بجسدها ، ثم تابعتْ تُكْمل حديثها .. لكني قاطعتها ، نعم يا عمّتي أتذكر ذاك الموقف جيداً .. دمدمتْ عمتي برأسها إلى صَدْرها واغرورقتْ عينيها بالدمع ، ماءً ينسكب من حُجر مُقلتيها ، بلّل ثوبها البلدي الأنيق بزركشته الجميلة ، التي قلّ أنْ تجد مثله زيّاً نسوياً فضفاضاً ، حافظت عليه المرأة في حارتنا الكبيرة .. أغمضتُ عيني فكأنّي أراهُ حاضراً غير غائب .. تابعتُ بدقة تفاصيل انقطاعه عن البُكاء ثمّ غَمْغم كأنما شيء يَنْفجر في داخله ، ينشطر .. يتقطّع فلم تعُدْ أحبال صَوته فاعلة ولم تكنْ دَمْعته حاضرة ، توقف فجأة .. شخصتْ عينيه وقد صَوّبها تجاه الحقْل والجدار ثم وَمَضتْ عينه إلى أمي .. ساعتئذٍ قد اصفرّ وجهه وتجمّد جسده .. صاحتْ أمي بغضبْ .. وشفتاها تتشنّجان وغدا وجهها احمر ..أحسّت بإشفاقٍ فُجائي ، إشفاقٌ غير مُبين ، لم تُظهره لغيره من قبْل هذه الحالة المُريبة التي أزعجتها .. بَهَتتْ وحَمْلقتْ ، ثم وضعتْ يدها فوق عينيه وأرْخَتْهُما إلى تحت ، فأغمضتهما بيدها ، كأنها تمسح عليها مسحة أخيرة ، مَسْحة بقتْ ذِكْراها تحمل قيَم الوُدّ ودفء السّكن وحُسن العِشْرة ، متنسمةً بالفضْل والإحسان والمعروف الذي لا يُنسى أبداً .. حملتْ شيئاً ثقيلاً وألْقتهُ على جسده ، فكان غطاءً سميكًا ، سحبته من علياء رأسه حتى أخمص قدميه وكتمتْ غيضاً . تنفست وسحبت هواءً عميقاً ، كأنما آلة كهربائية تشفط شيء بقوتها .! وعلى أثر هذه الكلمات ، انسحبتْ عمتي ، وأخذت تسير بخطوات ثقيلة ، إلى خارج دارنا ، كمن يُجرّ إلى حتْف اُنْفه ..! ارقب ثوبها وقد تبلّل لحافها واختلطت دُموعها بِمُخاطها .!

للقصة بقية ..




الجزء ( الثالث 3 )
بعد سبع ليالٍ وعشيّة جلستْ أمي بقربي ، وأخذتْ تحكي مناقب أبي ، تُحرّضني على البقاء على نهجه القويم وأنْ لا استسلمْ لأحدٍ وإن مُتّ دونها ، فالحياة مكتوبة وكذا الموت لا احد يزيد فيه .. كل شيء عند الخالق مُقدّر ومكتوب ، لا تُنْزع الروح إلا بعلمه ، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور .. حتى الورقة التي تسقط من الشجر يَعْلمها ، كل شيء معلوم ، لا يَخفى عليه أمر .. ، فإياك إياك يا ـ ولدي ـ أن تقول أقل قِيَمة أو أرخص ثمناً من قيمته ومَعانيه الثمينة فأباك عاشَ برجولته حيّاً وماتَ عليها .. بكيت بحرقة ، ارتميت في أحضانها ، شعرتُ بقشعريرة ، ثم وَخْزةٍ تَسري في جسدي ، حقدتُّ على القائمين على هذه الوطنية ، وعلى أؤلئك الذين يسترخصون أموال الناس ، هواناً عليهم ، ذُلاً وَقَرْفاً ، يترفّعون على غيرهم بقوة مكانتهم وينسجون خُيوط باهتة ـ كخيوط العنكبوت أو هي اشدّ ضعفاً ـ ومن وقفَ في وجههم أذلّوه وأهانوه .. كما فعلوا بأبي .. أقسمتُ في داخلي ، ثم جهرتُ به لتعلمَ أمي :
- اقسم يا أمي ، أني سأنتقم لروح أبي .. سأنتقم من تلك الأنفس التي تستحقرني وتستضعف غيري من الناس . ولكن ألا تُخبريني القصة بكل تفاصيلها الدقيقة ، كيْ تبقى مُختزلة في ذاكرتي .!
قبّلتي أمي بين جبيني ، وراحت تسرد حكاية أبي :
- عاش أبوك طوال حياته على ذُلٍ وهَوان ومهانةٍ وطنيّة كحال غيره من البُؤساء والمُستضعفين والمُسْتقصدين كما هو الحال في حكايتنا هذه .. فعزّتْ عليه أن يُفارقها أو يَهْرب منها ، لتبقى هذه الحكاية المَريرة شاهدةً عليها ولو لم تَعِيها أنتَ يومذاك ، ذلك لأنكَ كُنت صغيراً .. سكتتْ وهي تنغرز عينها في عيني .. ظلّ بيتنا ومزرعتنا ذاك الحقل الصغير الذي نقتات من أزهاره وثمار مزروعاته خيراً كثيراً .. وكذا استفاد منه جزء من هذه القرية المُتسامح أهلها ، فجوارنا كان لهم نصيبٌ وافر منه ، إذا كان أبوك طيباً قانعاً ، إلى أن جاء ذك اليوم المشئوم ، وامنحونا مُهلة لا تزيد عن أسبوعاً يتيماً ، كيْ نقتلع المزروعات ونحمل ما يُمكّننا حَمْله كيف شئنا وارتأينا إلى أي جهة نُريدها ، تحت اسم نزع المُلكية وذريعة المصالح الوطنية ، فبعد المُهلة التي تلقيناها بشفقة وإحسان منهم ، يكون البيت والحقلَ مَنْزوعا الملكية ، ويكونا مسحوقان ، دكّاً دكأً ، يتساوى والتراب ، في هذا اليوم وأمام عيني ، رأىتُ أغصان الأشجار والنخيل الباسقة ، تسحقها الجرّافات فتميل بعذوقها إليّ وتُخْفي ابتسامة ثمرتها فتنحني الأشجار بثمارها والنخيل الباسقات بعُذوقها فتتلألأ أغصانها ، تُوميء إلي بإشارات خفيّة لا أحد يعلمها غيري ، إشارتٌ رمزية استخدمتها أشجار الحقْل نظير تلك الألفة التي كانت بيننا ، كأنها تستغيثني وتحتمي بي .. لحظتها ، يا ـ ولدي ـ دمعتْ عيني وأنا أراني لا استطيع فِعْل شيء ، يدي مكتوفة ، وفمي مُكمّمٌ ، وصَوتي مَحْبوس ، وجسدي مُثقلٌ ، ونفسي مكلومة بأعزّ ما عند زوجي ، فهل يُعقل أن يكون هو صَريعاً فيصرع ما تركه معه .؟! لوحت أمي رأسها أسفاً وندماً غليظاً القلب ، كأنما فظٌ نزل بها فجأة ، ثمّ نظرتْ إليّ بقوة ، واهتزّت مع كل حرف ، كمْ تمنّى أباك أن تكبر لتشهد على كل شيء ، كانت أُمْنِيّته تربيتك أحسن تربية ، على أخلاقيات الرجولة والعزّة والشرف وقيمٌ فاضلة كانت تلكم في مُجملها مدرسة للشموخ .. فأؤلئك الرجال الذينَ غادروا قريتنا وأهلها كانوا يحملون مشاعل القيمِ والفضائل والعزّة ، وبمغادرتهم لم يتبّقى شيء من ريحة قِيَمهم إلا بعضاً من قيمٍ مُتهالكة ، ذهبتْ لتنتحر في عُرف معاني القوام الرغيد الذي لا يَحمل في أُسّه معانيَ صادقة بذات القيَمْ العالية ..غير كلام كثُر رُوّاده وتعالتْ أصوات مَنْظُورةً بلا وازع من قِيَمٍ فاضلة غير الدَسّ في الجيوب . وشبْع البطون ، وبهكذا قِيَم بَقِينا بلا أهليّة في التصرّف في ما نَمْلك إطلاقاً.. فتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الفردية ، أمرٌ مُتّبع وقانوني في مشروعٍ الوطنية السياحي ، وكثيراً ما تداخلتْ مصالحه في جيب المُخلصون كونه مشروعاً كبيراً يحمل ، كومةً من عُري صارخ ، باتتْ كوماته في درجات تأخذ في التصاعد والأخرى ذي التقليدية تأخذ في الانحسار ، وحينها وقعْنا في مظنة الاسترشاد بغيرنا تربّصاً منهم وعداءً دفيناً يُخفونه في صدورهم ، بُغضاً أقبح من وجوههم التي تشكّلت كموجات الصقيع والبَرد الذي ابتلوا به ، من بعْد أنْ نصبوا شِرك العداء البغيض ، منذ بعيدٍ على أهل هذه القرية التي كانوا يَتناهَوْن بينهم عن كل أمر مُريب .. فلا تهتم أنظمتهم بجذورنا ولا تلتفتْ أعينهم إلاّ إلى مصالحهم ، ولا يُعيرون قضايانا اهتماماً ولا يجدون لنا استحقاقنا .. رِجَالُنا ، يا بُني، هم من عاش في قريتنا قديماً ونحن من نعيش عليها حديثاً ، ومصيرنا آخذٌ إلى الزوال إن لم نهتم بمصيرنا أو يلتفت رجل مِنّا إلى أحوالنا .. وأما أؤلئك المأجورون بالحق السياحي ، هُم أصحاب عَرْبدة استخفّوا بأحوالنا فصاروا عبدة للمال .. وما أباكَ إلا فقير ، بائس لا حول له ولا قوة ولا ظَهْرٍ يحتمي إليه ، فمن لا يُسْنده ظَهْر ، يسقط وهو يتراجع إلى الوراء .. وقِسْ هذا في كل شيء ..! سكتت أمي ثم أردفت بعد تنهيدة عميقة :
- يجب عليك ـ يا بُني ـ أن تلتزم بالحس الوطني حتى لو كنت مقهوراً أو مظلوماً أو مكلوماً ، فها أنت لا أباً لك اليومَ وغداً لا أم لك أيضاً ..! كان أبوك مُتمسكاً بالمكان ، ورفض ثمّ رفض أكثر من مرّة ، فكلما أُخْرج منها عاد إليها في الليلة التالية .. حتى جاء حُكماء القرية المأجورين ، لإقناع أبيك .. بقيَ في صَمْته حتى نهايته المشئومة تلك ، حتى إذا سألهم عن المبلغ المُفْترض ، أجابوه ، انه يَلْزمه أن يَخْلي العقار " الدار " ثم " المالْ " الحقْل والزريبة ، ويبقى على قائمة الانتظار مُشرّداً .. فمنْ شُروط الاتفاق مع الجهة المنفّذة إخلاء البيوت والدّور والأعشاش والمزارع والبساتين المُثمرة والزرائب الرعوية والحدائق الغَنّاء من أهاليها ثم تبدأ خُطْوة تعويضهم ، مالاً " نقداً " أو سُكنى غيرها كبديل ، حيث يشاءون ويرتئون ويقتنعون ، لا حقّ جدليّ لمن نُزعتْ ملكية ماله ، أن يتفوّه بكلمة وإلا حُرم من كُل شيء وعاش مُحبطاً مُشرّداً ، بائساً أو مَلْعوناً .. فالمواطنة الحقّة التسليم بكل شيء ، حتى لو جرّدوك من ملابسك وعُرّيت أخلاقك .. فبعض الدّور يَسْكنوها عشرة أفراد ، وحين تساؤلوا عن أسباب زجّهم في مكانٍ واحد ، لا يمنوا أنفسهم أن تكون مثل دورهم أو اقلّ منها ، قِيْل لهم ، لا دخل لكم فيها ، فالدار الجديدة ، تكفي اليوم الجديد لأكثر من رؤية مُستقبلية وكُنتم في بيوتٍ مُهشمة ومحطمة ، خربةٌ قوائمها ، لا ترقى إلى ما أَسْكَنّاكم عليه الآن .. .. فنظرتنا أكبر من نظرتكم القصيرة ، فانتم تنظرون إلى مصلحتكم ونحن ننظر بعين الوطنية .. وحين حملَ البعض وجهة نظرهم وقالوا : بيوتنا اقرب إلى أمكنة مهننا التقليدية والحرفية ، وانتم تُجردوننا منها ، فأبعدتمونا عنها لكيلا تكون بيننا وبينها مودة ابداً..! فأين هي أفضليتها ، فكان ردّ كبار مُنفذي المشروع الذي صار جدله خارج قريتنا ، كانت البيوت الجديدة عبارة عن غرفتين لعدد ستة أفراد وثلاثة غرف نوم لعدد عشرة أفراد مع مُلحقات يتيمة قابلة للتوسّع فيقوم صاحب الدار بإصلاح نفسه ..!! وحين طالب الأهالي بأن يناقشوا المخطط ويستبدلوا بآخر بعد تدخل رجال آخرين تعاطفوا معهم كي لا يُثيروا ضجّة على وطنية محسومة .. هذا مخطط سريّ لا يُناقش إلا في أعلى المقامات ، مُخطط لا يطلع عليه احد غير أولوا الألباب من المُنفّذين .!! ولكن أباك ، رفض ، وأقسم : لن أَقْبل حتى لو مُت دون مالي .!

للقصة بقية ..
 
التعديل الأخير:

المرتاح

موقوف
إنضم
28 سبتمبر 2010
المشاركات
928
الإقامة
مسقط العامرة
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ملاك الكون
مشكووووووووووووور المرتاح ع القصه..


العفو .. شكراً جزيلاً ..
 
أعلى