قال شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية رحمه الله:
لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت. فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولا فاذبحه بسكين اليأس, وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشّاق الدنيا في الآخرة, فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص. فإن قلت: وما الذي يسهّل علي ذبح الطمع والزهد في المدح والثناء؟ قلت: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره, ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه. وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين, ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده, كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وذمي شين, فقال:" ذاك الله عز وجل". فازهد في مدح من لا يزينك مدحه, وفي ذم من لا يشينك ذمه, وارغب في مدح من كل الزين في مدحه, وكل الشين في ذمه, ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين, فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب, قال الله تعالى:{ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ } الروم60, وقال تعالى:{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة24.
الفوائد/ص 149
دار الكتب العلمية, بيروت, لبنان
الثانية، 1393هـ/1973م
دمتم في حفظ الله ورعايته.
التعديل الأخير: