جعلاني ولي الفخر
✗ ┋ جًعًلٌأَنٌيِ وَلِيَ أُلّفّخِرَ أُلٌمًسًرًۇۈۉرً
المبادرة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال
تجاوب المواطنين مع المبادرة يمكن من تسيير سفينتين محملتين بالمواد الغذائية وجمع مئة ألف ريال عماني
فريق المبادرة: المساعدات الدولية لا تصل للصوماليين ومؤسسات الإغاثة الفاعلة حالياً على الأرض هي المؤسسات العربية والإسلامية
مساع لتحويل المبادرة الأهلية إلى مؤسسة خيرية أهلية تساهم في تقوية روح التكافل والتعاون داخل المجتمع العماني
فريق المبادرة يطالب بإعادة ترميم مقر حكم السلطان برغش في مقديشو الذي تحول إلى متحف يحوي الكثير من مقتنيات السلطان
استطلاع ـ د.عبدالله عبدالرزاق باحجاج يثبت المجتمع العماني في كل مرة أن التحولات الكونية المعاصرة التي تجتاح عالمنا العربي لم تمس من جوهره، ولم تجعله يتقوقع في ذاتيته الضيقة حتى داخل حدوده الوطنية رغم تفاعله الايجابي معها، وأنه سيظل دائما متمسكا بالثوابت الأصيلة الكامنة في كينونته البشرية وفي سجل حضارته العريقة، وأنه جزء مندمج ومنصهر وفاعل مع نظرائه خارج الحدود الذين تجمعه بهم بروابط إسلامية أو إنسانية، فشهدنا وقفته الرائعة آبان الأنواء المناخية، وضرب لنا مثالا أخر في تضامنه مع الأخوة العربية والإسلامية في الصومال رغم ظروف وملابسات الحملة الأهلية التي انطلقت من صلالة واستجابت لها مختلف ولايات السلطنة دون ضجيج إعلامي، كيف حدث هذا التفاعل العماني الأهلي ؟ وكيف تمكن فريق الإغاثة من إيصال المساعدات العينية والمالية الى المناطق المنكوبة؟ ومن وقف مع هذه الجهود حتى ضمن لها النجاح الأمن في الصومال؟.
اسئلة شتى، تبحث (الوطن) عن اجابة لها، وهي تسرد قصة الحملة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال بعدما انهى فريق المبادرة زيارته الناجحة للصومال وعاد للبلاد سالما بعد أن أمضى اثني عشر يوما تنقل من منطقة منكوبة الى أخرى حتى يتأكد ويطمئن أن المساعدات قد وصلت الى مستحقيها.
فكرة المبادرة .. وانطلاقتها
لابد أن يكون وراء هذه المبادرة بعد إنساني كبير وإحساس مرتفع بالمسئولية الأخلاقية تجاه ما يجري من مآس في الصومال بسبب المجاعة والجفاف وانشغال العالم كله بالربيع العربي الذي اسقط ثلاثة أنظمة حتى الآن، وهذا الإحساس لم يكن غريبا على أهل عمان الذين لم تشغلهم انشغالات الربيع العربي عن الوضع في الصومال، وهذا يعكس لنا مجددا عواطف خيرة ومشاعر إنسانية نبيلة، تفيض بالخير والبرِّ، وتتدفَّق بالرحمة والإحسان، هذا ما لمسناه من خلال أحاديثنا مع فريق المبادرة الأهلية العمانية الذي سافر الى الصومال للتأكد ميدانيا من وصول المساعدات الى مستحقيها وهم، أحمد بن عبدالله برهام وعلوي بن عمر طاهر برهام والمهندس مسلم بن سالم قطن، وذلك عندما أوضحوا لنا طبيعة المحفز لهذه المبادرة، قائلين، إن الهدف من هذه الحملة التأكيد على الثوابت ومنها انتماؤنا نحن العمانيين إلى أمتنا العربية والإسلامية وحتمية التلاحم والارتباط في السراء والضراء، مستشهدا بقول الله عز وجل (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويستطردون قائلين، من هنا لا يمكننا تجاهل ما يحدث في محيطنا العربي والإسلامي ولا بديل عن القيام بالمستطاع من منطلق الإحساس بالمسؤولية الشرعية والإنسانية تجاه أهلنا وإخواننا في الإنسانية والعقيدة والعروبة.
ويرى أحمد بن عبدالله برهام أنه من هذه الخلفية نشأت فكرة المبادرة الأهلية، والتي انطلقت من محافظة ظفار، ولكنها وسرعان ما تحولت إلى مبادرة أهل عمان جميعاً من المواطنين والمقيمين في كل مدينة وقرية على هذه الأرض الطيبة فصارت: "المبادرة الأهلية العمانية للإغاثة "ككيان بلور أحاسيس الكثير من العمانيين في ضرورة وجود إطار منهم وإليهم، يترجم حب الخير المتأصل في النفوس فيستطيعون من خلاله تأكيد مبدأ التكافل والتراحم والتعاون فيما بينهم وكذلك مع إخوانهم في الإنسانية والعقيدة والعروبة، وكان مشروع إغاثة الصومال هو المشروع الأول لهذا الكيان العفوي الأهلي العماني بجدارة.
أما علوي بن عمر فقد وصف لنا الدوافع التي حركتهم للقيام بالمبادرة الإنسانية، بالقول، إن نشر صور وتقارير المجاعة التي ضربت جنوب ووسط الصومال كانت البداية التي على أثرها تداعى مجموعة من أبناء هذا البلد الطيب للقيام بعمل شيء لمساندة أهلنا في الصومال وبعد الاتصال ومتابعة "الهيئة العمانية للأعمال الخيرية" حصلنا على "موافقة" عبر مندوبها في صلالة فبدأنا بتجميع المواد العينية في ميدان مسجد عقيل بصلالة الشرقية مع بداية شهر رمضان المبارك الذي كان لنفحاته الربانية المباركة بفضل الله الأثر الكبير في نجاح هذا المشروع الخيري الذي سرعان ما تحول من حملة لأهالي ظفار إلى مبادرة لأهل عمان جميعا من المواطنين والمقيمين.
اما المهندس مسلم بن سالم قطن فيقول: كانت هناك صور رائعة تعكس صفاء ونقاء وإخلاص العمانيين وحبهم للخير بجميع فئاتهم من الرجال والنساء من الكبار والصغار وتكررت هذه الصورة في جميع مناطق السلطنة، مثل تبرع أطفال بحصالات نقودهم والنساء اللاتي بعن حليهن من أجل الصومال وإيثار الكثير من الرجال والنساء على أنفسهم والبعض يقدم تبرعات ويعتذر في نفس الوقت أنها كل ما يستطيع وكثير من هذه المواقف الإنسانية الرائعة التي نقلها لنا إخواننا وأخواتنا أعضاء المبادرة الأهلية العمانية في جميع مناطق السلطنة والتي نعتذر منهم لأننا لا نستطيع تفصيل كل منها لكثرتها.
حجم المساعدات
وأوضح المهندس مسلم قطن أنه بفضل الله ثم بجهود مساندة أهلنا في عمان استطعنا شحن سفينة محملة بـ 1300 طن من المواد الغذائية المختلفة وصلت إلى مقديشو في الجنوب ووزعت على مخيمات اللاجئين هناك وأدخل جزء كبير منها إلى مناطق الداخل في الجنوب، وسفينة ثانية حملت 700 طن من المواد الغذائية وصلت إلى ميناء "بوصاصو" في شمال الصومال ووزعت على مخيمات النازحين هناك وكذلك أدخل جزء كبير منها إلى مناطق داخل وسط الصومال. إضافة إلى تجميع مبالغ نقدية تجاوزت مائة ألف ريال عماني اشترينا بها مواد غذائية في مقديشو وزعت على مخيمات النازحين هناك وإرسال كميات منها إلى داخل الجنوب الصومالي.
ويقول علوي برهام: إن حجم التفاعل والتجاوب الأهلي غير المسبوق وحجم ما تم جمعه من مساعدات عينية ومادية وضعنا أمام مسؤولية كبيرة للتأكد من نقل هذه المساعدات ثم وصولها إلى أهلنا ضحايا الجفاف والمجاعة في الصومال ولذلك كان لا بد من السفر للإشراف على استقبال المساعدات الأهلية العمانية وكذلك الإشراف على توزيعها على مخيمات النازحين من جنوب الصومال في مقديشو وكذلك على النازحين من وسط الصومال في "جلكايو" في الوسط و"بوصاصو" في شمال الصومال.
أما أحمد برهام فقد قال إنه نظراً لواقع الصومال السياسي والأمني كان لابد من القيام بترتيبات مسبقة لتسهيل وصول وتوزيع المساعدات العمانية هناك فاتصلنا بمؤسسة "زمزم" وهي مؤسسة خيرية صومالية تعمل في مجال الإغاثة والأعمال الخيرية في الصومال لعقود ولها تواجد فعال في داخل الصومال وتتعامل معها العديد من المؤسسات والهيئات الإقليمية والدولية مثل برنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونسكو والهيئات الإسلامية للتنمية وغيرها من المؤسسات الخليجية والعربية والإسلامية والدولية وقد قامت هذه المؤسسة مشكورة برتيب وتسهيل عملنا في استقبال وتوزيع المساعدات وتوفير الأمن لنا وتسهيل أمور إقامتنا وتنقلاتنا داخل الصومال.
ووجه فريق العمل الثلاثي الى العمانيين جميعا رجالا ونساء الذين بذلوا الكثير من أموالهم وأوقاتهم وجهودهم كان الفضل لها بعد الله عز وجل في نجاح الحملة, أن أجركم عند الله عظيم ونبشر الجميع أن سفن الإغاثة العمانية كانت سفن الإغاثة الأولى التي تصل الصومال وكان لها أثر كبير في تخفيف معاناة ضحايا المجاعة في الصومال، حيث تم توزيع معونات غذائية على 40 ألف أسرة تكفي لمدة شهر كامل وإذا علمنا أن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة هو 7 أفراد فإن 280 ألف إنسان من أهلنا في الصومال استفاد من مساعدات أشقائهم في السلطنة. كذلك كانت هناك تغطية إعلامية ممتازة من وسائل الإعلام الصومالية لوصول فريق المبادرة الأهلية العمانية وتوزيع المساعدات في مخيمات النازحين، وكان لها الأثر الطيب الذي لمسناه خلال وجودنا هناك، من تقدير وتثمين المواطنين الصوماليين للمساعدات العمانية وحملونا شكرهم وامتنانهم لعمان حكومة وشعباً.
رسائل من فريق المبادرة
ووجه فريق المبادرة الأهلية عدة رسائل تحمل رؤاهم لما شاهدوه ميدانيا، كما تحمل تطلعاتهم في ضوء تجربتهم الراهنة، فقد قالوا إن مشروع المبادرة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال متواصل نظراً لاستمرار واتساع رقعة المجاعة، ورسالتنا هنا إلى أهلنا في السلطنة، أن إخوانكم في الصومال في أوضاع مأساوية غير مسبوقة ويتطلعون إلى استمرار مساعداتكم ودعمكم لهم, وإن اقتطاعنا لجزء بسيط مما لدينا والتصدق به سيساعدهم على اجتياز هذه المحنة الإنسانية وكل إنسان يمد العون لإخوانه في الصومال وغيرها فسيجد ذلك بركة في أهله وعمره وماله.
مضيفين إن ما رأيناه بأنفسنا خلال وجودنا في الصومال مأساوي للغاية وما يصل حاليا من مساعدات لا يغطي إلا جزء بسيط من احتياجات الناس هناك ورغم ما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام عن قيام المؤسسات الدولية ومثيلاتها التابعة للأمم المتحدة عن تخصيص مبالغ كبيرة لإغاثة الصومال فإننا وبشهادة المسئولين في مقديشو لم يصل أي شيء منها إليهم، وأن مؤسسات الإغاثة الفاعلة حالياً على الأرض هي المؤسسات العربية والإسلامية بالدرجة الأولى.
مؤكدين إن حجم المأساة وحجم الدعم المطلوب يتطلب تسيير أساطيل سفن بحرية لنقل المساعدات الغذائية، بينما يمكن استخدام الجسور الجوية والطائرات لنقل الأدوية ومعدات المستشفيات، كذلك مهم جداً إدخال المساعدات إلى الداخل في جنوب ووسط الصومال لإيصالها إلى المحتاجين إليها، وذلك لتجنب نزوح المزيد من السكان وتفادي إفراغ الصومال من أهله وهذا سيؤدي إلى المزيد من المشاكل في الصومال.
ويرون إن مشروع المبادرة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال متواصل نظراً لاستمرار واتساع رقعة المجاعة، ورسالتنا هنا إلى أهلنا في السلطنة، أن إخوانكم في الصومال في أوضاع مأساوية غير مسبوقة ويتطلعون إلى استمرار مساعداتكم ودعمكم لهم, وإن اقتطاعنا لجزء بسيط مما لدينا والتصدق به سيساعدهم على اجتياز هذه المحنة الإنسانية وكل إنسان يمد العون لإخوانه في الصومال وغيرها فسيجد ذلك بركة في أهله وعمره وماله.
وكشف فريق المبادرة الأهلية العمانية للإغاثة أنه لديه رؤية أن تكون هذه المبادرة مؤسسة خيرية أهلية تساهم في تقوية روح التكافل والتعاون داخل المجتمع العماني أولاً ثم التفاعل مع محيطه العربي والإسلامي. نحن نعمل حالياً على تسجيل "المبادرة الأهلية العمانية للإغاثة" كمؤسسة خيرية أهلية تعمل حسب القانون العماني وذلك بناء على رغبة ومطالبات الكثير ممن كان لهم دور مباشر في بلورة هذا الكيان العفوي وتشكيله كمشروع أهلي وطني تجاوز الحدود الفئوية والمناطقية امتد إلى كل ربوع عمان بدون استثناء.
الارتباط التاريخي بين عمان والصومال
وقد اكتشف الفريف الثلاثي مدى ارتباط السلطنة بالصومال، فقد وصفوا هذا الارتباط بانه قوي ويمتد في عمق التاريخ، حيث وجدوا خلال زيارتهم للعاصمة الصومالية مقديشو مقر لحكم السلطان السيد برغش بن سعيد بن سلطان، يحتوي على دار الحكم وأخرى لمقر السكن وكذلك المسجد السلطاني. موضحين أن المقر تحول بعد انحسار النفوذ العماني من شرق أفريقيا إلى متحف يحوي الكثير من مقتنيات السلطان برغش إلا أنه وللأسف لم يسلم من النهب والتخريب، خلال سنوات الحرب الأهلية في مقديشو. وهذا الارتباط الخاص ووجود هذه الآثار العمانية هناك قد دفعهم إلى توجيه مناشدة للجهات الرسمية إلى تبني بعض المشاريع التنموية في منطقة الآثار العمانية، كإعادة ترميمها إضافة إلى بناء منشآت صحية وتعليمية فيها تعزيزاً للروابط الأخوية الخاصة بين العمانيين وإخوانهم الصوماليين.
شكر لدعم الجهات والمؤسسات العمانية
وقد توجه فريق المبادرة بالشكر والتقدير لوزارة الخارجية التي قامت مشكورة بالتنسيق مع السفارة الصومالية في مسقط للتمهيد لزيارتنا إلى الصومال حيث استقبلنا هناك العديد من المسئولين الصوماليين وتأكدوا من سلامة ترتيبات إقامتنا وتحركاتنا في مقديشو. ومهم أيضا أن نذكر المساهمات المشكورة والدعم الذي قدمته العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية لمشروع المبادرة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال ابتداء من مباركة الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، مروراً بالجهات الحكومية خلال نقل وشحن المساعدات عبر ميناء صلالة، الأندية الرياضية، شركات نقل،ومصانع وشركات أغذية، وغيرها من الشركات والمؤسسات التي لا يتسع المجال لذكرها
كما سجلوا شكرهم وتقديرهم لـ(الوطن) على متابعتها ودعمها لمشروع المبادرة الأهلية العمانية لإغاثة الصومال من خلال هذا الاستطلاع ومن خلال عمود "العين الثالثة" واصفين بأن ذلك قد ترك انطباع طيب في نفوس الكثير من الأهالي، مشيرين في الوقت نفسه الى أنهم وإذ يثمنون ويقدرون الدور الذي تؤديه "الهيئة العمانية للأعمال الخيرية"، ونتطلع لتكوين مؤسسات أهلية تعمل من خلال القانون على تلبية حاجة الناس في التكافل والتعاون الخيري.
المرجع : جريدة الوطن
التعديل الأخير: