غالي الأثمان
¬°•| مراقب سابق|•°¬
الله جل جلاله إذا أحب قوما مَكَّنَ لهم، ووضع القبول في خطوهم، ورشَّد مسعاهم،ليختبرهم،ولينظر كيف يعملون في هذه النعمة الكبيرة، والمنة العظيمة، وهو وَعْدٌ محتوم، وسُنََّة لا تتخلف، وقانون مطَّرد، قال الله - تعالى-: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " (النور/55) .
نعم، إيمان بالله، وعمل صالح يورث استخلافا في الأرض، وتمكينا وارتضاء، وتبديلا للخوف بالأمن، شريطة حصول العبادة الصادقة، ونبذ الشرك، وترك الكفر والفسوق، ووعد الله محتوم، وقضاؤه نافذ، ويترشح هذا بقوله - جل جلاله-:" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (سورة الحج 40/41)، وثمة تبعات ذكَرَتْها الآيات حتى يتم التمكين، ويتنزل الفضل ويحدث القبول؛ وَفُهِِمَ ذلك من أسلوب الشرط: "إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ" ، فهي تبعات أربع، وتكاليف محدودة مرتبة،ومعنى "مكناهم" - كما يوحى هذا الفعل الماضي بتشكيلته الصوتية، وعناصره الإسنادية، فهو فعل وفاعل ومفعول ورد الترتيب هنا وجوبا-: رسخنا لهم، وثبتنا لأقدامهم،ووضعنا لهم القبول في نفوس الخلق،ووهبناهم حسن المسلك ورشد الطريق، فالمثبِّت هو الله ، والممكِّن هو - جل في علاه- ، وتضعيف الكاف في الفعل (مكَّن) يدل على عمق التمكين، وكمال الارتضاء، وتمام النعمة، وقوة اليد، وسعة الانتشار والهيمنة، ونون العظمة: (نا) تظهر جلال القدرة، وتناسب سياق الحديث، وعظم المقام، وخطورة التبعة، وقوله ( في الأرض) ظرف يبيِّن ضربهم في جنبات الأرض، واتساع رقعة تلك الأرض التي تحت أيديهم، والسيطرة الكاملة على شرقها وغربها، وشمالها وجنوبها، وكل مؤسساتها، فالحرف"في" يفيد الظرفية، بمعنى أنهم أمسوا مظروفين في الأرض ، على اتساعها وتعدد مناكبها، و(أل) في الأرض جنسية، أي جنس الأرض: يمنة ويسرة، وعلوا ونزولا، وأمرا ونهيا، فقولهم مسموع، ورأيهم ماضٍ، ومنزلتهم محفوظة، ومكانهم على الخريطة الدولية مرموق، وحقهم مَصُون، وجانبهم مَهِيب، لكنهم محبوبون، مخوفون، غير مُقْتَحَمِين، الجميع يقيم لهم كل مهابة، ويعرف لهم وزنهم؛ لأنهم مُكِّنوا، ولديهم إمكانات، ويمتلكون قدرات، ولهم طاقات واستثمارات، ولكنهم بعدما مُكِّنوا، أمست لهم الدنيا راغمة، وأتتهم عن طيب نفس،وسعادة قلب، فصاروا في حياتهم يأتيهم رزقهم رغدا من كل مكان، وقاموا بحق ذلك، وعرفوا توابعه، وأدركوا خطورة المهمة ، وعِظَمَ التبِعة، ورشَّدوا وجودهم، وأتقنوا ما خُلِقوا له، فقاموا به خير قيام، كما نقلت الآية عنهم: أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونَهَوْا عن المنكر، هي أربعُ تبعاتِ ثِقال ، منها ما يتصل بالمسؤولية الشخصية، ومنها ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومنها ما يتصل بالجوانب الاقتصادية، والجوانب الروحية، فأقاموا الصلاة: هذا أمر لابد منه على الدوام، فهم يتسلحون بالاتصال بالله، وصلاتهم ذات قدر، فهم يقيمون ركوعها، وسجودها، ويدركون كُنهها، ويعرفون أهدافها؛ ومن ثم أقاموها، فقامت ، وأثَّرَتْ فيهم، وآتت أكُلها في تقويم سلوكياتهم، وتعديل خطوهم، والارتقاء بأخلاقهم ومعاملاتهم، وأخذهم وتركهم وحلهم وترحالهم، وحبهم وبغضهم، وخصامهم،وولائهم، وإقامتها تمَّ من خلالهم جميعا، فكلٌّ منهم يُقيم الصلاة: افتتاحا وختاما، ركوعا وسجودا، شكلا ومضمونا، فأعطتهم زادا روحيا كبيرا، وكانت رقيبا على أنفاسهم وحركاتهم، وحكَمت تعاملاتهم، وأقامت لهم حياتهم مقومة معتدلة بعد أن كانت مائلة معوجة، فهي ميزان أمين، وضابط صادق، حسيب، رقيب على كل تصرفاتهم، فمَنْ عاملهم أدرك قيمة الصلاة في حياتهم، فقد أقامت في ذواتهم معاني السمو وقيم الحياة الراقية، وحُكِّمَتْ في كل حركاتهم وسكناتهم ، وأقامت في دخيلة كلٍّ منهم حارسا أمينا على الحياة النقية الصافية حتى تمنَّى كلُّ الناس وجودَهم ، وسعدوا بهم، وإذا غابوا افتقدوهم حتى يعودوا ، فقد غَيَّرت الصلاة الحياة المحيطة بهم بكل أطيافها وألوانها ومؤسساتها، فأمست حيوات الناس هانئة راشدة، ومركبة الحياة مستقرة واعدة.
(وآتوا الزكاة) : أي أعطوا ما افترضه عليهم ربهم، وراحوا بأنفسهم يؤدون زكاة أموالهم عن طيب نفس، وكامل صدق، وراقى إحساس،ومن ثم ترك القرآن المفعول الثاني( الآتي على سبيل المجاز بالحذف)، أي آتوا الزكاة كل مَنْ يحتاج إليها، أو المعوَزين المحاويج، فهم يعرفون لمن تُعْطَى ولمن تخرج، أتقنوا مهمتهم، فلا إلحاح عليهم في إخراجها، وإنما مسارعة منهم في أدائها؛لأنهم أحسنوا فَهْمَ مرادها، وغرض فرضها، كما أحسنوا من قبلُ فَهْمَ جلال الصلاة، ودورها على المستوى الفردي والاجتماعي، ودفعتهم الصلاة إلى إيتاء الزكاة، فهي تشريعات مؤدية إلى الصلاح والإصلاح، والنجاح والفلاح ومترتِّب بعضها على بعضها، فإقامة الصلاة رقابة على النفس، ومحاسبة للضمير الذي لا يقبل أن يجد محتاجا أو معوزا لا يلبِّى طلبه، ويطيِّب خاطرة، ويُعْطَِيه حقَّه،ومن هنا دفعته الصلاة بقيمها إلى دفع الزكاة، والزكاة ميزان الاستقرار الاجتماعي، كما كانت الصلاة ميزان الاستقرار الفردي الشخصي، فبهما تَنْعَدِلُ كفة الحياة، ويستقيم ميزان الوجود، فالصلاة زكاة للروح، والزكاة زكاة للجسد، وطهارة كذلك للمجتمع، وفيها قوة الاقتصاد، وَوُجْدان المال الذي عليه قامت حركة الحياة، فالصلاة والزكاة فريضتان يتقوم بهما السلوك الفردي والجماعي الذى يؤول في نهاية المطاف إلى استقرار الدولة، واستتباب الأمن، وبقاء الريح، واستمرار المكانة، واستدامة الكيان، والتمكين في الأرض، وبغيرهما تذهب الريح، ويدب الفشل، وتعمُّ الفتنة، وتقوَّض الأركان، وينهدم البنيان، ثم يقول القرآن الكريم: " وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" على سبيل الإيجاز بالحذف كذلك، أي أمروا الناس كل الناس بالمعروف، ونهوا العصاة كل العصاة عن المنكر، وأخذوا بمعيار الفلاح، فلم يَسكتوا على المنكر، ولم يُقيموا على معصية، بل أمروا بكل نفع، ودافعوا عن كل صلاح وخير، ولابد للحق من قوة تحميه، فالأمر بالمعروف في حاجة إلى نهي عن منكر، والنهى عن المنكر يسبقه أمر بمعروف، فهما متآزران، متناغمان، مترابطان، ولابد عند دعوة الناس من معرفة بطبيعة المدعو، وبوسائل الدعوة، وظرف الدعوة، و(أل) في (المعروف) جنسية، فهم يدعون إلى جنس المعروف الذي هو جِمَاع كل خير، وناصية كل فلاح ونفع، كما أنهم في نهيهم عن المنكر لا يتركون منكرا دون منكر، فهم في مسلكهم واضحون، وفي طريق ربهم سائرون، ولرسالتهم مدرِكون، ولمهمتهم فاهمون، ولخطوهم مُرَشِّدون، ولقولهم واعون؛لأنهم لربهم يعيشون، ولدينهم يخدمون، ولفضل ربهم وتأييده منتظرون: أبيضهم، وأسودهم، عالمهم، وجاهلهم، ذكرهم وأنثاهم، ومؤمنهم، وكافرهم، وأولهم وآخرهم،ثم قال - تعالى-:" ولله عاقبة الأمور"، نعم، فلا يعلم صدق العبد إلا الله، ولا شفافية ما قدم إلا مولاه، فله وحده عاقبة الأمور، ونهايات الأعمال،ومن هنا جاء تقديم الخبر على المبتدأ على سبيل القصر بتقديم ما حقه التأخير، لقصر ذلك وتخصيصه بالله دون سواه، و(أل) في ( الأمور) جنسية ، أي ولو كان الأمر نفسيا معنويا لا يحسه أحد، فالله يعلمه ويثيب عليه، ونية المرء خير من عمله،وقصده أولى من لسانه،نسأل الله أن يصلح نياتنا ويخلص أعمالنا، وينقي سرائرنا ويصفي نوايانا، ويكتبنا عنده من الصادقين المخلصين العاملين الناشطين له ولدينه ولنشر سنة حبيبه- صلى الله عليه وسلم-، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم، إيمان بالله، وعمل صالح يورث استخلافا في الأرض، وتمكينا وارتضاء، وتبديلا للخوف بالأمن، شريطة حصول العبادة الصادقة، ونبذ الشرك، وترك الكفر والفسوق، ووعد الله محتوم، وقضاؤه نافذ، ويترشح هذا بقوله - جل جلاله-:" وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (سورة الحج 40/41)، وثمة تبعات ذكَرَتْها الآيات حتى يتم التمكين، ويتنزل الفضل ويحدث القبول؛ وَفُهِِمَ ذلك من أسلوب الشرط: "إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ" ، فهي تبعات أربع، وتكاليف محدودة مرتبة،ومعنى "مكناهم" - كما يوحى هذا الفعل الماضي بتشكيلته الصوتية، وعناصره الإسنادية، فهو فعل وفاعل ومفعول ورد الترتيب هنا وجوبا-: رسخنا لهم، وثبتنا لأقدامهم،ووضعنا لهم القبول في نفوس الخلق،ووهبناهم حسن المسلك ورشد الطريق، فالمثبِّت هو الله ، والممكِّن هو - جل في علاه- ، وتضعيف الكاف في الفعل (مكَّن) يدل على عمق التمكين، وكمال الارتضاء، وتمام النعمة، وقوة اليد، وسعة الانتشار والهيمنة، ونون العظمة: (نا) تظهر جلال القدرة، وتناسب سياق الحديث، وعظم المقام، وخطورة التبعة، وقوله ( في الأرض) ظرف يبيِّن ضربهم في جنبات الأرض، واتساع رقعة تلك الأرض التي تحت أيديهم، والسيطرة الكاملة على شرقها وغربها، وشمالها وجنوبها، وكل مؤسساتها، فالحرف"في" يفيد الظرفية، بمعنى أنهم أمسوا مظروفين في الأرض ، على اتساعها وتعدد مناكبها، و(أل) في الأرض جنسية، أي جنس الأرض: يمنة ويسرة، وعلوا ونزولا، وأمرا ونهيا، فقولهم مسموع، ورأيهم ماضٍ، ومنزلتهم محفوظة، ومكانهم على الخريطة الدولية مرموق، وحقهم مَصُون، وجانبهم مَهِيب، لكنهم محبوبون، مخوفون، غير مُقْتَحَمِين، الجميع يقيم لهم كل مهابة، ويعرف لهم وزنهم؛ لأنهم مُكِّنوا، ولديهم إمكانات، ويمتلكون قدرات، ولهم طاقات واستثمارات، ولكنهم بعدما مُكِّنوا، أمست لهم الدنيا راغمة، وأتتهم عن طيب نفس،وسعادة قلب، فصاروا في حياتهم يأتيهم رزقهم رغدا من كل مكان، وقاموا بحق ذلك، وعرفوا توابعه، وأدركوا خطورة المهمة ، وعِظَمَ التبِعة، ورشَّدوا وجودهم، وأتقنوا ما خُلِقوا له، فقاموا به خير قيام، كما نقلت الآية عنهم: أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونَهَوْا عن المنكر، هي أربعُ تبعاتِ ثِقال ، منها ما يتصل بالمسؤولية الشخصية، ومنها ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، ومنها ما يتصل بالجوانب الاقتصادية، والجوانب الروحية، فأقاموا الصلاة: هذا أمر لابد منه على الدوام، فهم يتسلحون بالاتصال بالله، وصلاتهم ذات قدر، فهم يقيمون ركوعها، وسجودها، ويدركون كُنهها، ويعرفون أهدافها؛ ومن ثم أقاموها، فقامت ، وأثَّرَتْ فيهم، وآتت أكُلها في تقويم سلوكياتهم، وتعديل خطوهم، والارتقاء بأخلاقهم ومعاملاتهم، وأخذهم وتركهم وحلهم وترحالهم، وحبهم وبغضهم، وخصامهم،وولائهم، وإقامتها تمَّ من خلالهم جميعا، فكلٌّ منهم يُقيم الصلاة: افتتاحا وختاما، ركوعا وسجودا، شكلا ومضمونا، فأعطتهم زادا روحيا كبيرا، وكانت رقيبا على أنفاسهم وحركاتهم، وحكَمت تعاملاتهم، وأقامت لهم حياتهم مقومة معتدلة بعد أن كانت مائلة معوجة، فهي ميزان أمين، وضابط صادق، حسيب، رقيب على كل تصرفاتهم، فمَنْ عاملهم أدرك قيمة الصلاة في حياتهم، فقد أقامت في ذواتهم معاني السمو وقيم الحياة الراقية، وحُكِّمَتْ في كل حركاتهم وسكناتهم ، وأقامت في دخيلة كلٍّ منهم حارسا أمينا على الحياة النقية الصافية حتى تمنَّى كلُّ الناس وجودَهم ، وسعدوا بهم، وإذا غابوا افتقدوهم حتى يعودوا ، فقد غَيَّرت الصلاة الحياة المحيطة بهم بكل أطيافها وألوانها ومؤسساتها، فأمست حيوات الناس هانئة راشدة، ومركبة الحياة مستقرة واعدة.
(وآتوا الزكاة) : أي أعطوا ما افترضه عليهم ربهم، وراحوا بأنفسهم يؤدون زكاة أموالهم عن طيب نفس، وكامل صدق، وراقى إحساس،ومن ثم ترك القرآن المفعول الثاني( الآتي على سبيل المجاز بالحذف)، أي آتوا الزكاة كل مَنْ يحتاج إليها، أو المعوَزين المحاويج، فهم يعرفون لمن تُعْطَى ولمن تخرج، أتقنوا مهمتهم، فلا إلحاح عليهم في إخراجها، وإنما مسارعة منهم في أدائها؛لأنهم أحسنوا فَهْمَ مرادها، وغرض فرضها، كما أحسنوا من قبلُ فَهْمَ جلال الصلاة، ودورها على المستوى الفردي والاجتماعي، ودفعتهم الصلاة إلى إيتاء الزكاة، فهي تشريعات مؤدية إلى الصلاح والإصلاح، والنجاح والفلاح ومترتِّب بعضها على بعضها، فإقامة الصلاة رقابة على النفس، ومحاسبة للضمير الذي لا يقبل أن يجد محتاجا أو معوزا لا يلبِّى طلبه، ويطيِّب خاطرة، ويُعْطَِيه حقَّه،ومن هنا دفعته الصلاة بقيمها إلى دفع الزكاة، والزكاة ميزان الاستقرار الاجتماعي، كما كانت الصلاة ميزان الاستقرار الفردي الشخصي، فبهما تَنْعَدِلُ كفة الحياة، ويستقيم ميزان الوجود، فالصلاة زكاة للروح، والزكاة زكاة للجسد، وطهارة كذلك للمجتمع، وفيها قوة الاقتصاد، وَوُجْدان المال الذي عليه قامت حركة الحياة، فالصلاة والزكاة فريضتان يتقوم بهما السلوك الفردي والجماعي الذى يؤول في نهاية المطاف إلى استقرار الدولة، واستتباب الأمن، وبقاء الريح، واستمرار المكانة، واستدامة الكيان، والتمكين في الأرض، وبغيرهما تذهب الريح، ويدب الفشل، وتعمُّ الفتنة، وتقوَّض الأركان، وينهدم البنيان، ثم يقول القرآن الكريم: " وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر" على سبيل الإيجاز بالحذف كذلك، أي أمروا الناس كل الناس بالمعروف، ونهوا العصاة كل العصاة عن المنكر، وأخذوا بمعيار الفلاح، فلم يَسكتوا على المنكر، ولم يُقيموا على معصية، بل أمروا بكل نفع، ودافعوا عن كل صلاح وخير، ولابد للحق من قوة تحميه، فالأمر بالمعروف في حاجة إلى نهي عن منكر، والنهى عن المنكر يسبقه أمر بمعروف، فهما متآزران، متناغمان، مترابطان، ولابد عند دعوة الناس من معرفة بطبيعة المدعو، وبوسائل الدعوة، وظرف الدعوة، و(أل) في (المعروف) جنسية، فهم يدعون إلى جنس المعروف الذي هو جِمَاع كل خير، وناصية كل فلاح ونفع، كما أنهم في نهيهم عن المنكر لا يتركون منكرا دون منكر، فهم في مسلكهم واضحون، وفي طريق ربهم سائرون، ولرسالتهم مدرِكون، ولمهمتهم فاهمون، ولخطوهم مُرَشِّدون، ولقولهم واعون؛لأنهم لربهم يعيشون، ولدينهم يخدمون، ولفضل ربهم وتأييده منتظرون: أبيضهم، وأسودهم، عالمهم، وجاهلهم، ذكرهم وأنثاهم، ومؤمنهم، وكافرهم، وأولهم وآخرهم،ثم قال - تعالى-:" ولله عاقبة الأمور"، نعم، فلا يعلم صدق العبد إلا الله، ولا شفافية ما قدم إلا مولاه، فله وحده عاقبة الأمور، ونهايات الأعمال،ومن هنا جاء تقديم الخبر على المبتدأ على سبيل القصر بتقديم ما حقه التأخير، لقصر ذلك وتخصيصه بالله دون سواه، و(أل) في ( الأمور) جنسية ، أي ولو كان الأمر نفسيا معنويا لا يحسه أحد، فالله يعلمه ويثيب عليه، ونية المرء خير من عمله،وقصده أولى من لسانه،نسأل الله أن يصلح نياتنا ويخلص أعمالنا، وينقي سرائرنا ويصفي نوايانا، ويكتبنا عنده من الصادقين المخلصين العاملين الناشطين له ولدينه ولنشر سنة حبيبه- صلى الله عليه وسلم-، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.