راعي الرباعه
¬°•| عضو مميز |•°¬
- إنضم
- 3 مارس 2011
- المشاركات
- 292
عمن يؤخذ العلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن ديننا يدعو إلى العلمِ والتَّعَلُّمِ، وقد امتدح اللهُ العلماءَ في كثير من الآيات، وكذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولكن لابد من سلوك الطريق الصحيح لتحصيل العلم الشرعي من مصادره الأصيلة؛ لأن العلم دين.
قال محمد بن سيرين: " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " وقال: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم " [أخرجهما الإمام مسلم في المقدمة].
فمن أراد أن ينال شيئا من ميراث النبوة فعليه أن يجالسَ العلماء، ويزاحمَهم في مجالسهم، ويسعى إليهم بكل جِدٍ وصبرٍ، ليأخذَ عنهم العلم الشرعي، فإن طريق العلماء هو طريق الجنة.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقا يبتغي فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة " [أخرجه الإمام مسلم].
وقال سلمان الفارسي – رضي الله عنه –: " لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلمَ (أو يُعلمِ) الآخِرَُ، فإذا هلك الأول قبل أن يُعلم (أو يتعلم) الآخِرَُ هلك الناس " [سنن الدارمي 1/57].
وقال أبو الدرداء– رضي الله عنه –: " ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، فتعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء " [سنن الدارمي 1/57].
وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا " [أخرجه البخاري].
وقال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه –: " إن أحدا لا يولد عالما، والعلم بالتعلم " [أخرجه الحافظ أبو خيثمة في كتاب العلم (28)].
وقال عبدالرحمن بن مهدي – رحمه الله –: " كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمة؛ سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه في العلم علمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه " [أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (206)].
وقال ميمون بن مهران – رحمه الله –: " العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بغيتي إذا لم أجدهم. وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء" [أخرجه ابن عبدالبَر في جامع بيان العلم وفضله 1/49].
من هذه الأحاديث والآثار السلفية نفهم أن على طالب العلم أن يتلقى العلم عن العلماء، ولا يخرج عن منهج السلف في التلقي، وللأسف الشديد نرى بعض طلبة العلم يعتمد على نفسه في أخذ العلم من الكتب دون الرجوع إلى العلماء، وهذه ظاهرة خطيرة من تلبيس إبليس، وهي داء عضال ومرض مزمن وغرور بالنفس.
قال الإمام بدر الدين الكناني – رحمه الله –: " ولْيجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الاطلاع، وله مع مَن يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق، ولم يُعرف بصحبة المشايخ الحُذَّاق " [تذكرة السامع والمتكلم (87)].
وقد حذر العلماء من التلقي من بطون الكتب دون الرجوع إلى العلماء، فقيل لأبي حنيفة – رحمه الله –: " في المسجد حلْقة ينظرون في الفقه، فقال: أَلَهُم رأس – أي عالِم –؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبدًا" [تذكرة السامع والمتكلم (46)].
وقال الشافعي – رحمه الله –: " مَن تفقه من بطون الكتب ضيَّع الأحكام. وكان بعضهم يقول: مِن أعظم البلية تَشَيُّخُ الصحيفة – أي الذين تعلموا من الصحف " [تذكرة السامع والمتكلم (87)]. وقديما قيل: " مَن كان شيخُهُ كتابَه، كان خطؤُهُ أكثرَ من صوابه "
وقال محمد عبدالحكيم حامد: " وقد أقبل بعض الشباب على كتابِ الله وسنةِ رسوله وبعضِ كتب العلم يدرسونها ويأخذون الأحكام منها، ولكن بدون معلِّمٍ يرشدهم، ولا مرشدٍ يوجههم، فكان من الطبيعي أن يَصِلُوا إلى أحكامٍ واستنباطاتٍ غيرِ سديدة، ويعادوا من خالفهم، ويسَفَّهوا رأي من عارضهم سواء من القدامى أو المحدثين " [ظاهرة الغلو في الدين (216)].
وطلب العلم عن غير العلماء أوقع الكثير في الاضطراب والتصحيف والخطأ واللحن في قراءة القرآن. قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله –: " احرص على قراءة التصحيح والضبط على شيخ متقن؛ لتأمن من التحريف والتصحيف والغلط والوهم " [حلية طالب العلم (65)].
وعدمُ الأخذ عن العلماء الربانيين أدى بالبعض إلى أخذ العلم عن كلِّ من دعاهم إلى التعليم. وكلُّ مَن تَسَتَّرَ تحت راية الدعوة وقال: أنا داعية، جعلوه إماما في الدين وتلقوا عنه، وربما لا يفقه من الدين شيئا. ولذلك ظهرت في العالم الإسلامي دعواتٌ كثيرة الْتَفَّ حولها كثير من الناس وخاصة الشباب، وقادتُها ورؤساؤها لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، فيُفتون بغير علم. وسبب ذلك أنهم وجدوا أتباعًا لهم يأخذون عنهم دون تَرَوٍ ودون تَثَبُّتٍ ودون منهج صحيح سليم. ثم إن كثيرا من الناس تجذبهم العواطف أكثر مما يجذبهم العلم والفقه، فَتَرَى مثل هؤلاء يَستشهدون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في خطبهم ومواعظهم، ويَقُصُّون على العوامِّ قصصًا مكذوبة لا أصل لها، وكل هذا لعدم تخصصهم في هذا العلم، مما ترتب على ذلك من التحريف والتضليل، فهم يُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ، وقد يُدخلون الإنسان الجنة أو النار بأحاديث موضوعة اعتمادًا على بعض الكُتَّاب المنحرفين عن عقيدة ومنهج السلف الصالح، الذين (أي: الكُتَّاب) أخذوا العلم عن الكتاب والشريط والمجلة والصحيفة.
وقال شيخنا الألباني –رحمه الله–: " نحن نقول دائما وأبدا: إن أي علم لا يمكن أن يتسلق المتسلقون إليه دون الاستعانة بالذين سبقوهم إليه، فلا بد من المتأخر أن يستفيد من المتقدم، فقبل كل شيء يجب على طلاب هذا العلمِ وأيِّ علمٍ آخر أن يدرسوا هذا العلم دراسة نظرية قبل كل شيء، وأن يدرسوه إذا تيسر لهم على عالم متمكن فيه تمكنا نظريا وعمليا، ثم هم إذا درسوا هذا العلم بهذا الطريق – إن تيسر لهم – أو بدراستهم الشخصية وأنا أعتقد بتجربتي الخاصة أن هذه الدراسة الشخصية صعبة جدا وتحتاج إلى أَنَاةٍ وإلى صبر وجَلَدٍ قلما تتوفر هذه الخصال في صدور كثير من طلاب العلم، فإن تيسرت لهم الطريق الأولى لدراسة هذا العلم فهي الطريق المثلى " [فتاوى الألباني167-168].
وقد استغنى بعض الشباب عن العلماء فوقع المحذور، فصارت نظرتهم للعلماء قاصرة، يتهمونهم بالقصور والتقصير، ويتهمونهم بعدم إدراك الواقع، وبأنهم يجاملون ويداهنون ...إلخ من الأمور التي هي من سمات أهل الأهواء والبدع، فما الذي حصل؟ الذي حصل أنهم انحرفوا في كثير من الأمور عن طريق السنة وكَثُرَتْ فيهم الأهواء من تكفير وتفسيق بل إلى إصدار فتاوى بسفك الدماء والتحذير من مجالسة العلماء الربانيين وعدم الأخذ عنهم والتنفير منهم؛ لأن الذين تصدروا الدعوة عندهم لا يفقهون من الدين ما يرشد مسيرتهم، وهذا هو الخلل والتخبط في منهج التلقي.
وفي هذا الزمان اختل معيار كثير من العامة في تقييم العلمـاء فجعلوا كُلَّ مَن وعظَ موعظةً بليغة، أو ألقى محـاضرة هـادفة، أو خطبَ الجمعةَ مُرْتَجِلا، أو ألهبَ عواطفَ الناس بالعبارات الرنانة، أو احْمَرَّ وجهه وعلا صوته بالسب والشتم واللعن عالِمًا!! يُرجع إليه في الإفتاء ويؤخذ عنه العلم، فهذه مصيبة عظمى من إسناد العلم إلى غير أهله.
وإذا تكلمنا عن العلماء فالمراد العلماء الربانيون المعتبرون الذين أخذوا العلم عن العلماء الثقات وشهدوا لهم بذلك، سواء أكان ذلك في المساجد أو الجامعات أو المعاهد أو الدور.
قال ابن القيِّم – رحمه الله –: " فقهاءُ الإسلام ومَن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام: الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام" [إعلام الموقعين (1/18)].
وقال الطبري – رحمه الله –: " هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا " [جامع البيان 3/327].
ومن شهد له الناس من أهل الصدق أنه عالم فهو كذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: " ومن له في الأمة لسان صدق عام، بحيث يُثنى عليه ويُحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى " [مجموع الفتاوى 11/43].
قال الإمام مالك – رحمه الله –: " لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه. وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني لانتهيت " [صفة الفتوى والمستفتي (7)].
فانظر إلى الإمام مالك – رحمه الله – ما جَلَسَ في المسجد للتحديث والفتيا إلا بعدما شهد له العلماء بالعلم وإذنهم له بالتصدر والإفتاء والتدريس، فكيف بزماننا هذا الذي كَثُر فيه المتعالمون من أهل البدعة والضلال! فهؤلاء لا يُؤخذ عنهم العلم ولا يُجلس في مجالسهم؛ لأنهم سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان. قال ابن مسعود – رضي الله عنه –: " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا " [أخرجه ابن عبدالبَر في جامع بيان العلم وفضله 1/616].
وثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر " حديث صحيح [أخرجه اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/102].
قيل لابن المبارك: مَن الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم. فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير. وكان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى السِّن " [جامع بيان العلم وفضله 1/612].
فيا طالب العلم، عليك بأخذ العلم من العلماء الربانيين، واحذر الأصاغر، وعليك بالتفريق بين العلماء من ناحية وبيت القراء والمثقفين والمفكرين والأدباء والكُتَّاب من ناحية أخرى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبها
سمير المبحوح
((منقوول))
ليس بأن يأتي أحد ويتكلم في الدين ويقول "دردشات" في المسجد الفلاني
أي دين به "دردشات"؟؟؟؟
هل كان الرسول "يدردش" مع أصحابه أم كان يعلمهم؟؟؟
ومن هو لطرح تلكم "الدردشات"؟؟؟
وممن أخذ العلم وهل هو مؤهل لطرح تلك "الدردشات"؟؟؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن ديننا يدعو إلى العلمِ والتَّعَلُّمِ، وقد امتدح اللهُ العلماءَ في كثير من الآيات، وكذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولكن لابد من سلوك الطريق الصحيح لتحصيل العلم الشرعي من مصادره الأصيلة؛ لأن العلم دين.
قال محمد بن سيرين: " إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " وقال: " لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم " [أخرجهما الإمام مسلم في المقدمة].
فمن أراد أن ينال شيئا من ميراث النبوة فعليه أن يجالسَ العلماء، ويزاحمَهم في مجالسهم، ويسعى إليهم بكل جِدٍ وصبرٍ، ليأخذَ عنهم العلم الشرعي، فإن طريق العلماء هو طريق الجنة.
فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سلك طريقا يبتغي فيه علما؛ سهل الله له به طريقا إلى الجنة " [أخرجه الإمام مسلم].
وقال سلمان الفارسي – رضي الله عنه –: " لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلمَ (أو يُعلمِ) الآخِرَُ، فإذا هلك الأول قبل أن يُعلم (أو يتعلم) الآخِرَُ هلك الناس " [سنن الدارمي 1/57].
وقال أبو الدرداء– رضي الله عنه –: " ما لي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، فتعلموا قبل أن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء " [سنن الدارمي 1/57].
وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم فَضَلُّوا وأَضَلُّوا " [أخرجه البخاري].
وقال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه –: " إن أحدا لا يولد عالما، والعلم بالتعلم " [أخرجه الحافظ أبو خيثمة في كتاب العلم (28)].
وقال عبدالرحمن بن مهدي – رحمه الله –: " كان الرجل من أهل العلم إذا لقي من هو فوقه في العلم فهو يوم غنيمة؛ سأله وتعلم منه، وإذا لقي من هو دونه في العلم علمه وتواضع له، وإذا لقي من هو مثله في العلم ذاكره ودارسه " [أخرجه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (206)].
وقال ميمون بن مهران – رحمه الله –: " العلماء هم ضالتي في كل بلد، وهم بغيتي إذا لم أجدهم. وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء" [أخرجه ابن عبدالبَر في جامع بيان العلم وفضله 1/49].
من هذه الأحاديث والآثار السلفية نفهم أن على طالب العلم أن يتلقى العلم عن العلماء، ولا يخرج عن منهج السلف في التلقي، وللأسف الشديد نرى بعض طلبة العلم يعتمد على نفسه في أخذ العلم من الكتب دون الرجوع إلى العلماء، وهذه ظاهرة خطيرة من تلبيس إبليس، وهي داء عضال ومرض مزمن وغرور بالنفس.
قال الإمام بدر الدين الكناني – رحمه الله –: " ولْيجتهد على أن يكون الشيخ ممن له على العلوم الشرعية تمام الاطلاع، وله مع مَن يوثق به من مشايخ عصره كثرة بحث وطول اجتماع، لا ممن أخذ عن بطون الأوراق، ولم يُعرف بصحبة المشايخ الحُذَّاق " [تذكرة السامع والمتكلم (87)].
وقد حذر العلماء من التلقي من بطون الكتب دون الرجوع إلى العلماء، فقيل لأبي حنيفة – رحمه الله –: " في المسجد حلْقة ينظرون في الفقه، فقال: أَلَهُم رأس – أي عالِم –؟ قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبدًا" [تذكرة السامع والمتكلم (46)].
وقال الشافعي – رحمه الله –: " مَن تفقه من بطون الكتب ضيَّع الأحكام. وكان بعضهم يقول: مِن أعظم البلية تَشَيُّخُ الصحيفة – أي الذين تعلموا من الصحف " [تذكرة السامع والمتكلم (87)]. وقديما قيل: " مَن كان شيخُهُ كتابَه، كان خطؤُهُ أكثرَ من صوابه "
وقال محمد عبدالحكيم حامد: " وقد أقبل بعض الشباب على كتابِ الله وسنةِ رسوله وبعضِ كتب العلم يدرسونها ويأخذون الأحكام منها، ولكن بدون معلِّمٍ يرشدهم، ولا مرشدٍ يوجههم، فكان من الطبيعي أن يَصِلُوا إلى أحكامٍ واستنباطاتٍ غيرِ سديدة، ويعادوا من خالفهم، ويسَفَّهوا رأي من عارضهم سواء من القدامى أو المحدثين " [ظاهرة الغلو في الدين (216)].
وطلب العلم عن غير العلماء أوقع الكثير في الاضطراب والتصحيف والخطأ واللحن في قراءة القرآن. قال الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله –: " احرص على قراءة التصحيح والضبط على شيخ متقن؛ لتأمن من التحريف والتصحيف والغلط والوهم " [حلية طالب العلم (65)].
وعدمُ الأخذ عن العلماء الربانيين أدى بالبعض إلى أخذ العلم عن كلِّ من دعاهم إلى التعليم. وكلُّ مَن تَسَتَّرَ تحت راية الدعوة وقال: أنا داعية، جعلوه إماما في الدين وتلقوا عنه، وربما لا يفقه من الدين شيئا. ولذلك ظهرت في العالم الإسلامي دعواتٌ كثيرة الْتَفَّ حولها كثير من الناس وخاصة الشباب، وقادتُها ورؤساؤها لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، فيُفتون بغير علم. وسبب ذلك أنهم وجدوا أتباعًا لهم يأخذون عنهم دون تَرَوٍ ودون تَثَبُّتٍ ودون منهج صحيح سليم. ثم إن كثيرا من الناس تجذبهم العواطف أكثر مما يجذبهم العلم والفقه، فَتَرَى مثل هؤلاء يَستشهدون بالأحاديث الضعيفة والموضوعة في خطبهم ومواعظهم، ويَقُصُّون على العوامِّ قصصًا مكذوبة لا أصل لها، وكل هذا لعدم تخصصهم في هذا العلم، مما ترتب على ذلك من التحريف والتضليل، فهم يُحَرِّمُون ما أَحَلَّ اللهُ ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ، وقد يُدخلون الإنسان الجنة أو النار بأحاديث موضوعة اعتمادًا على بعض الكُتَّاب المنحرفين عن عقيدة ومنهج السلف الصالح، الذين (أي: الكُتَّاب) أخذوا العلم عن الكتاب والشريط والمجلة والصحيفة.
وقال شيخنا الألباني –رحمه الله–: " نحن نقول دائما وأبدا: إن أي علم لا يمكن أن يتسلق المتسلقون إليه دون الاستعانة بالذين سبقوهم إليه، فلا بد من المتأخر أن يستفيد من المتقدم، فقبل كل شيء يجب على طلاب هذا العلمِ وأيِّ علمٍ آخر أن يدرسوا هذا العلم دراسة نظرية قبل كل شيء، وأن يدرسوه إذا تيسر لهم على عالم متمكن فيه تمكنا نظريا وعمليا، ثم هم إذا درسوا هذا العلم بهذا الطريق – إن تيسر لهم – أو بدراستهم الشخصية وأنا أعتقد بتجربتي الخاصة أن هذه الدراسة الشخصية صعبة جدا وتحتاج إلى أَنَاةٍ وإلى صبر وجَلَدٍ قلما تتوفر هذه الخصال في صدور كثير من طلاب العلم، فإن تيسرت لهم الطريق الأولى لدراسة هذا العلم فهي الطريق المثلى " [فتاوى الألباني167-168].
وقد استغنى بعض الشباب عن العلماء فوقع المحذور، فصارت نظرتهم للعلماء قاصرة، يتهمونهم بالقصور والتقصير، ويتهمونهم بعدم إدراك الواقع، وبأنهم يجاملون ويداهنون ...إلخ من الأمور التي هي من سمات أهل الأهواء والبدع، فما الذي حصل؟ الذي حصل أنهم انحرفوا في كثير من الأمور عن طريق السنة وكَثُرَتْ فيهم الأهواء من تكفير وتفسيق بل إلى إصدار فتاوى بسفك الدماء والتحذير من مجالسة العلماء الربانيين وعدم الأخذ عنهم والتنفير منهم؛ لأن الذين تصدروا الدعوة عندهم لا يفقهون من الدين ما يرشد مسيرتهم، وهذا هو الخلل والتخبط في منهج التلقي.
وفي هذا الزمان اختل معيار كثير من العامة في تقييم العلمـاء فجعلوا كُلَّ مَن وعظَ موعظةً بليغة، أو ألقى محـاضرة هـادفة، أو خطبَ الجمعةَ مُرْتَجِلا، أو ألهبَ عواطفَ الناس بالعبارات الرنانة، أو احْمَرَّ وجهه وعلا صوته بالسب والشتم واللعن عالِمًا!! يُرجع إليه في الإفتاء ويؤخذ عنه العلم، فهذه مصيبة عظمى من إسناد العلم إلى غير أهله.
وإذا تكلمنا عن العلماء فالمراد العلماء الربانيون المعتبرون الذين أخذوا العلم عن العلماء الثقات وشهدوا لهم بذلك، سواء أكان ذلك في المساجد أو الجامعات أو المعاهد أو الدور.
قال ابن القيِّم – رحمه الله –: " فقهاءُ الإسلام ومَن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام: الذين خُصُّوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام" [إعلام الموقعين (1/18)].
وقال الطبري – رحمه الله –: " هم عماد الناس في الفقه والعلم وأمور الدين والدنيا " [جامع البيان 3/327].
ومن شهد له الناس من أهل الصدق أنه عالم فهو كذلك. قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: " ومن له في الأمة لسان صدق عام، بحيث يُثنى عليه ويُحمد في جماهير أجناس الأمة، فهؤلاء أئمة الهدى ومصابيح الدجى " [مجموع الفتاوى 11/43].
قال الإمام مالك – رحمه الله –: " لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من كان أعلم منه. وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني لانتهيت " [صفة الفتوى والمستفتي (7)].
فانظر إلى الإمام مالك – رحمه الله – ما جَلَسَ في المسجد للتحديث والفتيا إلا بعدما شهد له العلماء بالعلم وإذنهم له بالتصدر والإفتاء والتدريس، فكيف بزماننا هذا الذي كَثُر فيه المتعالمون من أهل البدعة والضلال! فهؤلاء لا يُؤخذ عنهم العلم ولا يُجلس في مجالسهم؛ لأنهم سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان. قال ابن مسعود – رضي الله عنه –: " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم وعن أمنائهم وعلمائهم فإذا أخذوه عن صغارهم وشرارهم هلكوا " [أخرجه ابن عبدالبَر في جامع بيان العلم وفضله 1/616].
وثبت في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر " حديث صحيح [أخرجه اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/102].
قيل لابن المبارك: مَن الأصاغر؟ قال: الذين يقولون برأيهم. فأما صغير يروي عن كبير فليس بصغير. وكان يذهب بالأصاغر إلى أهل البدع، ولا يذهب إلى السِّن " [جامع بيان العلم وفضله 1/612].
فيا طالب العلم، عليك بأخذ العلم من العلماء الربانيين، واحذر الأصاغر، وعليك بالتفريق بين العلماء من ناحية وبيت القراء والمثقفين والمفكرين والأدباء والكُتَّاب من ناحية أخرى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبها
سمير المبحوح
((منقوول))
تعليق:
هذه هي الطريقه التي يجب بها أخذ العلم...ليس بأن يأتي أحد ويتكلم في الدين ويقول "دردشات" في المسجد الفلاني
أي دين به "دردشات"؟؟؟؟
هل كان الرسول "يدردش" مع أصحابه أم كان يعلمهم؟؟؟
ومن هو لطرح تلكم "الدردشات"؟؟؟
وممن أخذ العلم وهل هو مؤهل لطرح تلك "الدردشات"؟؟؟