الجزء الثاني ..
قضمتُ خيارةٌ كنتُ أمسكها بيمْنايَ ، أخذتُ ألوكها بأسناني .. انشغلتُ بتسليك أسناني المُنفرجة عن بعضها ، وبينها بقايا خِيارةٍ عَلقتْ بها .. مَصَصت شفتي ، مُستعذباً حلاوة الخيارةَ ، تخايلتُ أيامئذ ، أيام الصِّبى ، مستذكراً كل شيء .. تآلف وتقاربٍ وصُحبةً بريئة ً .. ترعرعتُ وهيَ في حارةٍ واحدة .. وكأننا أسرة واحدة .. تمرّ الساعات تلوَ الساعات ونحن في تداخل لا نعرف الكُرهَ ولا نعرف معنى عاطفة " الحب الرخيصة " تلك العاطفة غير البريئة ، أعترف أنّ أيامنا كانت شقية لكنها خالية من كل ما يُدنّس براءتها .. شقاوةٌ تَعَْبر بنا مَحطّات حيواتٍ لا نرى فيها غير البراءة المعهودة ، بكل ما تحمله الأٌنْفة والكرامة ، فلا تذهب عُقولنا إلى ابعد من فَهمنا لشقاوتنا ، كاللعب على الطين ، وبناء البيوت ، نجسّمها على أشكال ... كأننا نرسمها على الأرض .. أتذكّر في أولى مراحل حياتنا ، كُنّا نُزاوج بين الحَجايا ، يَضرب بعضنا بعضاً بها ...فتستدير شفاهنا ضاحكة وتنفتح أشداقنا مُستبشرة ، فتظهر أسنّتنا بيضاء ونقيّة بأسارير تحتضن سعادة وبراءة الشقاوة الأولى ، كما يقولون .. لا تعرف غير نشوة اللُّعب ولا تُحس إلا بالحكايا والقصص ، تستمتع بها كما وأنها الحقيقة ولا حقيقة سِواها .. أشبه بمسرحيات كوميدية ، تراجيدية ، نتفكّهَ بها ، كعالمٌ يخلو من براثن الانحطاط .. تعلوها فضائل الأخلاق ، ومُثله وقيَمهُ كـ السّمت والتأدّب الذي تربّيْنا عليهما .. خالصة كسمو معاني إنسانية زماننا .. يومذاك كان لهذه المُثل أثرٌ عظيم في نُفوسنا ، فالهِمَمُ توّاقة إلى سماع القصص والحكايات التي تجعل من حياتنا قيمة ومعنى ، تجعلنا نصمت إلى الحدّ الذي لا نعرف من يجلس إلى جوارنا ، رُكَبُنا فوق بعض ، لا فرق بين ذكر وأنثى ، صغير وكبير .. نسيخ السمْع ونرهف الحس ، بأسلوب مُمتع وجذاب ، جميعنا يستمع بآذانٍ صاغية . وحينَ التقيتها اليومَ سحرتني بجمالها الأخّاذ ، حاولتُ ان استدرجها بنظراتي أُصوّبها نحوي ، فتسرق النظرات خُفية ، تختلسني بها ، استقويتُ بكل ما أوتيتُ من فنٍ استراق النظرات واصطياد الفتيات لكنها كانتْ اكبر من ذلك بكثير .. تشككّتُ أنها هي التي كنتُ أعنيها ، التي أعرفها من زمنٍ بعيد.. ، أيام الشقاوة البريئة .. كررّت النظر إليها ، بُغيةَ وقوعها في فخّ مصيدتي .. فلم تبالي ولم تكترث إلى حدٍ ما .. وراحتْ تختلسني بنظراتٍ مُستفزّة ، تمضغ عِلْكتها ووجهها باتجاه غيري . ابتسمتُ علّها تُغيّر نفسيتها ، ابتسمتُ بعمق كبير ، أعمق من عُتمة التفكير التي كانتْ تشلّ كل مُحاولة للتقرّب منها .. تمتمتُ وفي نفسي حنقٍ وضيق شديد ، تافهة .. ورددت في داخلي ، ما أغبى فلسفةٍ لا مَبادي قائمةٌ لها ، تضع نفسها في عالمٍ تتصوره انه لا أعرف او لا يعرفه غيري من الرجال .. تافهة ، أتستدرجني بعاطفة وقاحتها ، أم تختال في نفسها بأنه سوف تستهويني فلسفة أقنعتها .. تباً لقناعة فلسفتك .. تباً لوقاحتك .. تباً لعاطفة هوجاء تستفزّيني بها ، فما أتعس الاستفزاز ، وما أحقر تلكم الأقنعة التي تختلسينني من خلالها .. استدرجي قلب مُخلص وتحوليه إلى قلبٍ هائم ، يذهب في غيهب عاطفتك التي لا وفاء لها .. لحظتها تحاملتُ عليها ، كرهتها .. وبقيتُ صامت ٌ.. ورددتُ في نفسي ، بلى ، هيَ من أعرفها .. ولم أتردد أن اُفْهمها ، أن اُخبرها من أنا .. كانتْ تعتز بنفسها أنها من الطبقة الراقية وأنا من الطبقة الأدنى منها.. وبغضبٍ شديد ، أنا هو ، لا تجعلي المالَ بيننا كسبب لتفرقتنا ، لا تنظري إلى أحدٌ غيري ، أنا من أحببتُك منذ ان كنتِ صغيرة ، نلعب معاً ونزاوج الحجايا ، أتذكرين ذلك اليوم الذي كُنّا نلعب معاً .. أتذكرين تلكم الشقاوة في صبيتنا التي لا وناسة فيها غير تلك الفضفضة البريئة .. لا ترفعي رأسك إلى أعلى بل انظري إلى أسفل منه ، فمن نظر إلى أعلى ولم ينظر إلى أسفل ، فقد أخطأ خطأٌ في حق نفسه قبل غيره .. أتدرين لماذا .؟ لأنّ المال الذي يتنعّم به المُترفون هو حقٌ لنا ، لا حق لطائفة دون أخرى .. افهميني جيداً ، أؤلئك الذين ظفروا به لوحدهم دون سواهُم ، ما هُم إلا لصوص ، سرقوا حقوقنا في وضح النهار ، فهل مِن مسائلة .. ونحن ما زلنا نكدح .. من أجل رقيّهم المشئوم .
ردتْ ، وكأني وخزتُها بإبرة في صدرها :
- لماذا أنت تهذي ، هنا وهناك ، كأنّك مُشتت التفكير .. ماذا يعنيني ذلك .. لن أفكّر في المال ، وإنْ كنتُ تُعيّرني بمال أبي .. فما ذاك إلا حقّه وجهده فيه ، وهو يُعطي الكثيرون منه وهذا هو الحق الذي تتكلّم عنه.. فضْلاً عن ذلك كُلّه ، أنا أتكلّم معك من منظوري ورؤيتي ورغبتي .. ولا دخل لك في أبي .. نعم كنّا صغاراً وصرْنا الآن كباراً .. لا أحد مُلزم بأحد .. نعم أنا أحببتك وأنت إبن بلدي ، ولكني تعبت منك .. أنت لك شأنك وتتلذذ به .. وأنا لي حياتي ، يجب ان أشقّ طريقي إليها .. فإن حفظتني ، حفظتّك فيه .. ولا تُدخلني في شيء ليس بوسعي الحديث عنه .. لا تكنْ ناقماً ..ولا تتعلّمها أو تفهمها بطريقة جاهلية عُدوانية .. سكتتْ ، واستدارت بغضبٍ :
- اسمح لي .. أنا اعتذر لك .. ان تُخلّي سبيلي .. سأدوس على قلبي ، لن ينفعني هذا وأنا وأنت في شقاقٍ مُختلف في حق الآخرين في حياتهم ، فما دخلك فيما يملكون .. من أعطاكَ هذا الحق ، لكيْ تتسلّط عليهم .. منن أذنَ لك بالدخول في أموالهم .. أليس هذا فضل من الله ورحمة ، غني وفقير ، قوي وضعيف ، ذكر وأنثى ..( وبقوة كأنها اشتدت غضباً ) اعذرني ، وأنا متأكدة انكَ ستكون بيدك الشكيمة ، أرجوك ان تنساني .. ان تنسى فتاةٌ مازحتك ، وداعبتْ عواطفك ، لتفهم معنى الحُب بطريقة أخرى .. لا استطيع الاقتران بك . لا حُجّة لك بعد اليوم.. حاول ان تفهمني .
وكأنّ قلبي توقّف .. تراجعتْ خُطوتي ، انشلّتْ رجلي ، انحبستْ أنفاسي ، أنكظم صدري ، وضاقتْ عليّ الدنيا بما رَحبتْ ، وبقيتُ مُتسمّراً لا أبرح مكاني .. ونطقتُ باهتاً بكلمات لا أجد غيرها ،اصرخ بقوة .
- كيف .. ؟؟ الستِ القائلة يوماً ، احبك .. ولن أتخلّى عنك .. ثِقْ بي .؟!
- نعم .. كانت تلك كلمات بائسة ، غير مليئة بالعاطفة ، غير مُشبّعة بقوة الانجذاب.
- أتذكرين يوم طرحت عليكِ هذا السؤال .. يُمكن أنْ تأتي يوم ولن
تعرفيني فيها .؟!
نعم ، ولكن لمْ يأتي ذلكَ، فقد تصرّفتُ قبل ان يأتي ، فكّرت كثيراً أن الخروج عن ثقة أهلي مردود فيه ، ولا يُمكن افعل ما أُخالفهم فيه . ؟!
وبقوة مُستميتة :
- لماذا تضعين العراقيل في حياتنا منذ بدايتها .؟!
- ليعلمَ أهلي أني لن أخنهم في غيابي وحُضوري ، قريباً أو بعيداً . لا يُمكن ان أُبدّل ثقتهم بما هو ادني منها بل يجب عليّ ان اصنع ما هو خير ، ولا أُبدي رأياً على رأي استقروا عليه .. أليسوا هُم من ربّوني وكانوا سببٌ في بقائي ، فلماذا أخالفهم ولماذا اعصي لهم امراً ، ما أنا ببالغة أمري بدونهم .. أتدري أنّ هذه من وقاحة ضَعف الإيمان . اسمح لي ، لن اعصي لهم امراً . ولن أتنكّر عليهم مادمتُ باقية .!! وها أنا ، قد أعلمتكَ وأخبرتكَ بأنْ تتقدّم إلى خُطبتي ، إنْ كنت راضٍ ، ولنْ ترضى ، فقد سبق وأنْ أعطيتُك وأمهلتك ووقفتُ إلى جانبك ولم تُحدث أمراً غير هذه الكلمات .. فكم أنا سئمتُ منها .. أنا لا أستطيع .. وا .. ظروفي .. تلك هيَ كلماتك حفظتها عن ظهر قلب .. وتلك هيَ مُماطلتك مذ عرفتكَ .. وذاك هو دَيْدنكَ وتسويفك لأمرٍ كان قريباً منك .. ويبدو أن في الأمر مِما اعتمر في نفسيتكَ ، واعتقد انه الأهم ، ألا وهو افتقارك إلى الرجولة والنخوة ، كُل أؤلئك حالَ دون تقارب يُذكر .. ألمْ تعلمْ ان الفوز من كانت له الصدارة ومن كانتْ رُجولته قائمة ، يبقى على قدْر النجاح ، وتجعله رجولتهُ يُثمّنْ قيمتي العاطفية ، لا أنْ تجعله في أمر مَريد ، قلق ومُضطرب عند كل شيء ، ولأي شيء ، ولو كان تافهاً .. حتى أنّ تعاملك معي قد اختلف وتشقّق وبانَ كأنّك أدركت وَهْنك وضعفك .. فإياكَ ثم إياكَ أن تدعوني إلى شيطانك المَريد .. وإياك ، إيّاكَ أنْ تدخلني في مَسلك أنوثةٍ غير أُنوثتي التي تربّيتُ عليها .. ألم تقرأ فليتنافس المتنافسون .! أم انكَ تنوي أنْ تضّرني أو تظن أني بائرة ، وسُلعتي ستكون في قبضة يدك ، رخيصة لا تبرح مكانها ، ولا تراوح مُحيطها ، فتأخذ مني الأول والتالي ، ثم ترميني في أقرب حاوية للزبالة .!! أوكما يقولون ) عقّة كلابْ )
رخيصة ، فاعلم ايها الحبيب أنّ لي ثمن في عُهدة أهلي ولي قيمة أثمن من قيمة نظرتكَ التي أبخستني فيها حقّي ومكانتي .!
للقصة بقية فتابعوها ..
ملاحظة هامة .. اتمنى من الجميع ان يعيد القراءة ، لكيْ يتمكّن من ربط الأحداث بالقصة كاملة .. وهكذا دواليك في كل مرة . فهل انتم معي ..؟!!