شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
كم يسعى الإنسان ويجتهد في هذه الحياة الدنيا ، قد ملأ قلبه بالطموحات ، وغره طول الأمل ، وغفل عن كثرة العلل ، فانطلق كالسهم يركض خلف مبتغاه ، يعرق ليجمع ، ويجمع لينفق أو ليبخل ، قد أطغاه حب الجاه ، وأرهقه التطلع للمنصب ، وأشغله هم الأولاد ، وقصم ظهره اللهث وراء الأموال ،لأن يصل إلى ما وصل غيره، كم للدنيا من فتن مغرية، تهد من جسده وقوته ، يظن أنه سيبلغ غايته ، وينال مبتغاه, لم يحسب لها حسابًا، يدقق حساباته الدنيوية غافلاً عن حساب الآخرة الشديد ،وهو في غمرة السعادة بين أهله وذويه ، أو بين أصحابه وأحبابه, يعيش نشوة الأموال ، وكثرة الأولاد ، واستقرار الصحة والجسد ، في تلك اللحظة التي يبصر بها من حوله ، ويسمع من يحدثه ، ويحدث من يسمعه ، ويحرك فيها جسده ، لا مرضًا يشكو ، ولا علة يعالج ، ولا طبيبًا يزور ، قوة في جسمه، ونشاطاّ في عقله,لحظة رهيبة،ومفاجأة غريبة ، فيها توقف كل شيء،ماذا جرى للجسم الصحيح ، ماذا حصل للعقل المدبر ، ماذا وقع لصاحب الأموال والمنصب والجاه ، ما هذه الصفرة التي سرت في جسده ، أين سافرت نضرة هذا الجسم المترف ، عجبًا أرى, عينين كانتا جميلتين بالبصر ، مالهما قد زاغتا لا لفت أو نظر ، قم يا رجل ، انهض ، فوراءك حياة مليئة بالعمل ، أتترك أعمالك ، أموالك،جاهك و منصبك،تحرك, لقد ارتخى اللسان السليط ، وخفت الصوت الصارخ ، فلا حس أو خبر,حينها تَنادَى الأحباب ، وتعالت الأصوات ، أحضروا الطبيب, اتصلوا بأصدقاء الجاه والمراتب العالية ، أخبروهم بالمفاجأة،علهم يجدوا الخلاص ,والنجاة من المصيبة,أيـن الـمفر من القضاء,سـلّـم لأمـر الله وارض به وكـن مترقباّ,يمسي ويـصـبح طالب الدنيا, لقد انتهى كل شيء ، وجاء الوعد الحق ، لتنسل به الروح من الجسد ، وتقلع منه حثيثا، ومن أصدق من الله حديثاّ (يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور)يا لها من مفاجأة يباغت فيها الإنسان ,لا تميز بين الطفل والشاب والشيخ ، كل له أجله المكتوب،وعمره المحسوب،عند رب رحيم حليم,غير أنها الغفلة التي تقتل القلوب عن هذه الساعة المملوءة بالفاجعة ، المقرونة بالبكاء والصراخ ، الممزوجة بدموع ، الحسرة واللوعة ، على مَنْ, علي أنا وأنت وكل مولود كبير أو صغير,ياغافلاً عـن السـاعـة ,قدِّم لنفسك قبل موتك صالحًا فالموت أسرع من نزول الهاطل,تبغي من الدنيا الكثيرَ وإنمـا يـكـفـيـك من دنياك زاد الرحـيل,أن من علامات الساعة الصغرى كثرة موت الفجأة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم(إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة)وهو ما يسمى اليوم بالسكتة القلبية ، ومع هذه الكثرة إلا أن جملة منا في غفلة ، وكأن ما أتى غيرنا لا يأتينا ولا يقرب من دارنا,عجبًا لنا, كيف نجرأ على الله فنرتكب معاصيه ، وأرواحنا بيده ، وكيف نستغفل رقابته ، والموت بأمره يأتي فجأة ،أما سأل أحدنا نفسه لماذا لا يستطيع أحد أن يعلم متى سيموت ، إنها حكمة بالغة ، ليبقى المؤمن طوال حياته مترقبًا وداع الدنيا ، مستعدًا للقاء ربه,روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال, من أنت , فقال ملك الموت, أنا من لا يهاب الملوك ، ولا تمنع منه القصور ، ولا يقبل الرشوة ، قال, فإذاّ أنت ملك الموت ، قال, نعم ، قال,أتيتني ولم أستعد بعد, قال, يا داود أين فلان قريبك, أين فلان جارك, قال ,مات ، قال ,أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد,يا حسرتنا ,على غفلة قد طمت ، ومهلة قد ذهبت ، أضعناها في المغريات ، وقتلناها بالشهوات ، وأهدرناها في التفاهات ، نسير كأن أحدنا سيعمر ألف سنة ، ونغفل كأن بيننا وبين الموت ميعاد مؤجل ، كم قريب دفنا ، وكم حبيب ودعنا,أين العيون الباكية من خشية الله ، أين القلوب الوجلة من لقاء الله ، ألا نعود أنفسنا على توديع هذه الدنيا كل يوم ، فنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبها الله ، ألا نعزم على مضاعفة الأعمال الصالحة من صلاة واستغفار وذكر وبر وصلة ، ألا نفكر بجدية مقرونة بعمل أن نقلع من معاصينا ، ونتوب من تقصيرنا في حق الله تعالى،ألا نجعل ساعة الموت هذه واعظًا لنا في هذه الدنيا الفانية,قال تعالى(كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامه فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) ليذكر بعضنا بعضًا بفناء أعمارنا ، وفناء هذه الدنيا ، ولنستعذب الحديث عما أعده الله لعباده من الجنان,والفوز بالرضوان،على قلوبنا أن تلين لباريها ، وتخشع لخالقها العزيز الحكيم,
لا تجعل لنفسك ثمنا غير الجنة ، فإن نفس المؤمن غالية و بعضهم يبيعها برخيص.
أسأل الله تعالى أن يحسن خواتمنا، وأن يرزقنا الإعتبار بغيرنا، والإستعداد لما أمامنا، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.