--------------------------------------------------------------------------------
الاستعانة بالجغرافيا في موضوع العلاقة بين سلطنة عُمان وإيران يجعل المرء أكثر تفهماً عند الحديث عن الخصوصية في العلاقات مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.. سيكون الأمر مشوقاً لو تصورت أنك تقف في أعلى نقطة في قرية «كمزار» وحاولت ان تطل على ما حولك.
يقال ان أصول سكان هذه القرية البالغ خمسة آلاف مواطن تعود إلى اليمن، وهي تقع في أقصى شمال السلطنة، تبعد نحو 55 كلم عن الجانب الإيراني وتشكلَّ أقرب نقطة التقاء على البحر تقريبا.
واذا ما شاء الحظ وأكملت رحلتك، كما فعل عدد من الزملاء الصحافيين (ثريا البقصمي في مجلة الكويت وجاسم عباس أشكناني في جريدة القبس، وحسين شحادة في صحيفة الحياة) وعلى فترات متباعدة فستقف على حقائق جغرافية وصلات بين العُمانيين والإيرانيين لا تجدها في مدن ساحل الخليج العربي وصولا الى إقليم عبادان المحاذي للعراق والقريب من الكويت.
«خصب» والتي تتبع شبه جزيرة مسندم حامية مضيق هرمز فيها ميناء تجاري متواضع يستقبل قوارب بخارية لتجار مواشي إيرانيين ينقلون الخراف والنعاج ومن هناك تشحن إلى أسواق الإمارات وقطر والسعودية لتعود تلك القوارب محملة بالسجائر الأميركية والأجهزة الكهربائية.
هذه الحركة لا تتوقف عن العمل كما هو الوضع بين جزيرة «قشم» والبنادر مثل بندر عباس، حيث يأتي التجار والمهربون يقضون الليل في عمان ويعودون مع الصباح الباكر محملين بالأمتعة وبما يستطيعون حمله ويكون عليه طلب من السوق الإيراني.
وفي الطريق من قرية «كمزار» إلى ميناء «خصب» سيواجهك العديد من القوارب الإيرانية المتجهة إلى الميناء وهذا مشهد دائم اعتاد عليه سكان المنطقة.
جيرة العمانيين بإيران تحمل في ثناياها أحداث تاريخية تمتد إلى أيام مالك بن فهم الدوسري الأزدي الذي طرد الفرس من الأراضي العمانية بعد انهيار سد مأرب وهكذا اجتمعت الجغرافيا والتاريخ ولغة المصالح المشتركة لتشكل «نموذجا» ينظر إليه كحالة استثنائية قائمة بين إيران وسلطنة عمان.
دور السلطان قابوس
ومن هنا كان السؤال الذي يطرحه المعنيون في المنطقة لماذا عمان تنفرد بالتعامل مع إيران بخلاف شقيقاتها الخليجية؟ هل الجغرافيا هي السبب؟ وإذا كانت كذلك فلماذا الحرب بين العراق وإيران إذن والعداء المستحكم بينهما وهما اللذان يشتركان في أطول حدود برية وأقلها في البحر؟ هل السبب يعود إلى نظرة الحاكم وإدارته للدولة وللنظام الذي يديره؟ أم ماذا؟
هناك أرضية جغرافية وتاريخية لا شك أنها تفعل فعلها وقد توفر مناخات وتهيئ الظروف الملائمة لكن يبقى لحكم السلطان قابوس معنى آخر؟
مرت العلاقات بين الدولتين باختبارات غاية في الصعوبة، أظهرت فيها السلطنة دورا مختلفا ورؤية غير ما هو سائد في باقي عواصم مجلس التعاون الخليجي، وكانت قطر في السنوات الأخيرة تماثل الى حد ما سياسة عمان، إنما من منطلقات مغايرة وأهداف سياسية مختلفة عما هو قائم في مسقط.
ملاذ آمن
يشعر السلطان قابوس بأنه مدين لإيران أيام حكم الشاه، التي بادرت للاعتراف بشرعية الحكومية عندما تسلم السلطة عام 1970. وكان لتدخلها العسكري المباشر الدور الحاسم في القضاء على ثورة ظفار، وهذا ما انعكس إيجابيا وترجم في أكثر من طريقة.. بحيث وضع الثقة المتبادلة، والاطمئنان بين الدولتين، وبإمكانية التعايش بينهما.
عام 1979 سقط الشاه، وجاء الإمام الخميني ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويثبت نظاما إسلاميا في المنطقة التي لم تألفه، بل وزادت مشاعر الكراهية والعداء ، تمثلت بشعار تصدير الثورة الى الخارج، واندلاع الحرب بين بغداد وطهران من 1980 الى 1988، وقيام تكتل خليجي وعربي بوجهها، إزاء ذلك كانت كل البلدان الخليجية تناصر وتقف مع نظام صدام في الحرب، باستثناء السلطنة التي اتجهت الى سياسة عقلانية، وكان لها دور ايجابي ومؤثر في حل الخلافات، حيث استطاعت ان تمسك العصا من الوسط، كما يكتب الزميل علي بن سالم البادي في صحيفة الوطن العمانية، وفي عز الحرب العراقية ــ الإيرانية زار وزير الخارجية العماني طهران، ووقع معها مسودة تفاهم للتعاون السياسي والاقتصادي، وتحولت عُمان الى «ملاذ آمن» وفتح قنوات للحوار بين الخصوم.
ومع انتقال المنطقة الخليجية في فترة التسعينات، وقعت نكبة احتلال الكويت من قبل نظام صدام، وهو حدث كان له توابع الزلزال على المستوى العالمي، حشدت فيه اميركا وبريطانيا وباقي الدول لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، نتج عن ذلك فرض عقوبات وحصار على النظام في بغداد، وباتت المنطقة في اصطفاف كامل تحت راية القوة العظمى في العالم، وهي أميركا التي اسقطت صدام عام 2003، واحتلت العراق لتستعر المواجهة بين إيران وأميركا، وفي صور معقدة توسعت لتشمل دول منطقة الشرق الأوسط وصولا الى أفغانستان.
تعاظمت الهواجس والمخاوف من ايران التي سعت لامتلاك السلاح النووي، ولفرض نفوذ وهيمنة في الضفة المقابلة من الخليج العربي.
إزاء ذلك ماذا فعلت السلطنة؟
1 - رفضت رسمياً المشاركة في مشروع مظلة الدفاع الأميركية لحماية أمن الخليج.
2 - تبنت طرح اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون وايران.
3 - ابتعدت عن سياسة المحاور والاستقطاب، ونأت بنفسها عن كل أشكال المواجهات السياسية والاعلامية، والتزمت سياسة الهدوء من دون ضجيج.
4 - دعت الى قيام تفاهم أميركي ـ ايراني من شأنه ضمان أمن الخليج وحماية المصالح الأميركية (راجع الكاتب عبدالعزيز محمود في تعليق له على زيارة السلطان قابوس لطهران 9 أغسطس 2009)
5 - رسخت العلاقات بينها وبين ايران بزيارات على جميع المستويات (رؤساء الدول ـ لجان مشتركة ـ توقيع اتفاقيات ـ تعاون عسكري) وهو ما أوجد حالة استثنائية بالكامل غابت عن المسرح الخليجي.
6 - وقعت اتفاقية للتعاون الأمني عام 2009 من ضمن سبع اتفاقيات، واشتركت في مشروع استغلال حقل غاز كيش، الذي يحتوي على احتياطي قدره 48 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سيؤدي الى توفير احتياجات عمان من الغاز بدلاً من استيراده.
حصيلة هذه السياسات أنتجت علاقة بخلاف البعد الجغرافي والتاريخي فيها الكثير من رؤية الحاكم السلطان قابوس، الذي وضع إطارا عاما لسياسته الخارجية ضمن مشروع بناء دولة عمانية متناغمة تعزف لحناً واحداً لا غيره.
المصدر / http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=26092010
--------------------------------------------------------------------------------
الاستعانة بالجغرافيا في موضوع العلاقة بين سلطنة عُمان وإيران يجعل المرء أكثر تفهماً عند الحديث عن الخصوصية في العلاقات مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.. سيكون الأمر مشوقاً لو تصورت أنك تقف في أعلى نقطة في قرية «كمزار» وحاولت ان تطل على ما حولك.
يقال ان أصول سكان هذه القرية البالغ خمسة آلاف مواطن تعود إلى اليمن، وهي تقع في أقصى شمال السلطنة، تبعد نحو 55 كلم عن الجانب الإيراني وتشكلَّ أقرب نقطة التقاء على البحر تقريبا.
صلات الجوار
ستمتع ناظريك برؤية الضفتين اللتين تحرسان مضيق هرمز وسط العديد من «الأخوار» (جمع خور) المنتشرة على الجانب العُماني.واذا ما شاء الحظ وأكملت رحلتك، كما فعل عدد من الزملاء الصحافيين (ثريا البقصمي في مجلة الكويت وجاسم عباس أشكناني في جريدة القبس، وحسين شحادة في صحيفة الحياة) وعلى فترات متباعدة فستقف على حقائق جغرافية وصلات بين العُمانيين والإيرانيين لا تجدها في مدن ساحل الخليج العربي وصولا الى إقليم عبادان المحاذي للعراق والقريب من الكويت.
«خصب» والتي تتبع شبه جزيرة مسندم حامية مضيق هرمز فيها ميناء تجاري متواضع يستقبل قوارب بخارية لتجار مواشي إيرانيين ينقلون الخراف والنعاج ومن هناك تشحن إلى أسواق الإمارات وقطر والسعودية لتعود تلك القوارب محملة بالسجائر الأميركية والأجهزة الكهربائية.
هذه الحركة لا تتوقف عن العمل كما هو الوضع بين جزيرة «قشم» والبنادر مثل بندر عباس، حيث يأتي التجار والمهربون يقضون الليل في عمان ويعودون مع الصباح الباكر محملين بالأمتعة وبما يستطيعون حمله ويكون عليه طلب من السوق الإيراني.
وفي الطريق من قرية «كمزار» إلى ميناء «خصب» سيواجهك العديد من القوارب الإيرانية المتجهة إلى الميناء وهذا مشهد دائم اعتاد عليه سكان المنطقة.
جيرة العمانيين بإيران تحمل في ثناياها أحداث تاريخية تمتد إلى أيام مالك بن فهم الدوسري الأزدي الذي طرد الفرس من الأراضي العمانية بعد انهيار سد مأرب وهكذا اجتمعت الجغرافيا والتاريخ ولغة المصالح المشتركة لتشكل «نموذجا» ينظر إليه كحالة استثنائية قائمة بين إيران وسلطنة عمان.
دور السلطان قابوس
ومن هنا كان السؤال الذي يطرحه المعنيون في المنطقة لماذا عمان تنفرد بالتعامل مع إيران بخلاف شقيقاتها الخليجية؟ هل الجغرافيا هي السبب؟ وإذا كانت كذلك فلماذا الحرب بين العراق وإيران إذن والعداء المستحكم بينهما وهما اللذان يشتركان في أطول حدود برية وأقلها في البحر؟ هل السبب يعود إلى نظرة الحاكم وإدارته للدولة وللنظام الذي يديره؟ أم ماذا؟
هناك أرضية جغرافية وتاريخية لا شك أنها تفعل فعلها وقد توفر مناخات وتهيئ الظروف الملائمة لكن يبقى لحكم السلطان قابوس معنى آخر؟
مرت العلاقات بين الدولتين باختبارات غاية في الصعوبة، أظهرت فيها السلطنة دورا مختلفا ورؤية غير ما هو سائد في باقي عواصم مجلس التعاون الخليجي، وكانت قطر في السنوات الأخيرة تماثل الى حد ما سياسة عمان، إنما من منطلقات مغايرة وأهداف سياسية مختلفة عما هو قائم في مسقط.
ملاذ آمن
يشعر السلطان قابوس بأنه مدين لإيران أيام حكم الشاه، التي بادرت للاعتراف بشرعية الحكومية عندما تسلم السلطة عام 1970. وكان لتدخلها العسكري المباشر الدور الحاسم في القضاء على ثورة ظفار، وهذا ما انعكس إيجابيا وترجم في أكثر من طريقة.. بحيث وضع الثقة المتبادلة، والاطمئنان بين الدولتين، وبإمكانية التعايش بينهما.
عام 1979 سقط الشاه، وجاء الإمام الخميني ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويثبت نظاما إسلاميا في المنطقة التي لم تألفه، بل وزادت مشاعر الكراهية والعداء ، تمثلت بشعار تصدير الثورة الى الخارج، واندلاع الحرب بين بغداد وطهران من 1980 الى 1988، وقيام تكتل خليجي وعربي بوجهها، إزاء ذلك كانت كل البلدان الخليجية تناصر وتقف مع نظام صدام في الحرب، باستثناء السلطنة التي اتجهت الى سياسة عقلانية، وكان لها دور ايجابي ومؤثر في حل الخلافات، حيث استطاعت ان تمسك العصا من الوسط، كما يكتب الزميل علي بن سالم البادي في صحيفة الوطن العمانية، وفي عز الحرب العراقية ــ الإيرانية زار وزير الخارجية العماني طهران، ووقع معها مسودة تفاهم للتعاون السياسي والاقتصادي، وتحولت عُمان الى «ملاذ آمن» وفتح قنوات للحوار بين الخصوم.
ومع انتقال المنطقة الخليجية في فترة التسعينات، وقعت نكبة احتلال الكويت من قبل نظام صدام، وهو حدث كان له توابع الزلزال على المستوى العالمي، حشدت فيه اميركا وبريطانيا وباقي الدول لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، نتج عن ذلك فرض عقوبات وحصار على النظام في بغداد، وباتت المنطقة في اصطفاف كامل تحت راية القوة العظمى في العالم، وهي أميركا التي اسقطت صدام عام 2003، واحتلت العراق لتستعر المواجهة بين إيران وأميركا، وفي صور معقدة توسعت لتشمل دول منطقة الشرق الأوسط وصولا الى أفغانستان.
تعاظمت الهواجس والمخاوف من ايران التي سعت لامتلاك السلاح النووي، ولفرض نفوذ وهيمنة في الضفة المقابلة من الخليج العربي.
إزاء ذلك ماذا فعلت السلطنة؟
1 - رفضت رسمياً المشاركة في مشروع مظلة الدفاع الأميركية لحماية أمن الخليج.
2 - تبنت طرح اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون وايران.
3 - ابتعدت عن سياسة المحاور والاستقطاب، ونأت بنفسها عن كل أشكال المواجهات السياسية والاعلامية، والتزمت سياسة الهدوء من دون ضجيج.
4 - دعت الى قيام تفاهم أميركي ـ ايراني من شأنه ضمان أمن الخليج وحماية المصالح الأميركية (راجع الكاتب عبدالعزيز محمود في تعليق له على زيارة السلطان قابوس لطهران 9 أغسطس 2009)
5 - رسخت العلاقات بينها وبين ايران بزيارات على جميع المستويات (رؤساء الدول ـ لجان مشتركة ـ توقيع اتفاقيات ـ تعاون عسكري) وهو ما أوجد حالة استثنائية بالكامل غابت عن المسرح الخليجي.
6 - وقعت اتفاقية للتعاون الأمني عام 2009 من ضمن سبع اتفاقيات، واشتركت في مشروع استغلال حقل غاز كيش، الذي يحتوي على احتياطي قدره 48 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سيؤدي الى توفير احتياجات عمان من الغاز بدلاً من استيراده.
حصيلة هذه السياسات أنتجت علاقة بخلاف البعد الجغرافي والتاريخي فيها الكثير من رؤية الحاكم السلطان قابوس، الذي وضع إطارا عاما لسياسته الخارجية ضمن مشروع بناء دولة عمانية متناغمة تعزف لحناً واحداً لا غيره.
المصدر / http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=26092010
--------------------------------------------------------------------------------