بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
حماية الإسلام لحقوق المرأة
خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
الحمد لله، إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عبادَ الله، أولادنا نعمة من الله علينا وفضل منه إلينا نتلقاها شاكرين ونكون بها راضين ذكورًا كانوا أو إناثا فالخير فيما اختاره الله للعبد (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، ليس عيبًا أن يكون للواحد مجرد البنات ليس عيبا ولا نكر فإن العاقبة الحسنة بالبنات وقد يجني الآباء والأمهات من البنات الخير الكثير قال بعض السلف للمرأة تبكيرها للبنت قبل الذكر لأن الله يقول: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ).
أيها المسلم، والتسخط من البنات واستثقالهن وكراهيتهن خصلة جاهلية جاء الإسلام بالقضاء عليها وبيان فسادها وضررها، ذلك أن الله أخبرنا عن الجاهلية الأولى كراهيتهم للبنات قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، لأن في هذا اعتراضًا على حكم الله واعتراضًا على قضاءه والعبد لا يدري في أي الأحوال تكون السعادة والشقاء والله يعلم ما يصلح العباد مما يفسدهم ولربما فتح الله على أبي البنات من الخير والبركة وأسباب الرزق ما لم يكن بحسبانه إذا رضي وسلم، وجاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في إكرام البنات والإحسان إليهن وبيان ما لذلك من الثواب العظيم عند الله فأولًا يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار"، وفي لفظ "كن له حجابًا من النار"، وجاء أن أبا البنات الصادق الصابر مرافقًا للنبي صلى الله عليه وسلم في دار كرامة الله يقول صلى الله عليه وسلم: "من عالى جاريتين حتى يكبرا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين" وشبك بين أصابعه وجاء، الوعد بأن مكرم البنات مضمونًا له الجنة بتوفيق من الله مع الإيمان والعمل الصالح يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات فأواهن وكفاهن ورحمهن فقد وجبت له الجنة البتة"، هذا دين الإسلام في إكرام البنات والإحسان إليهن والصبر عليهن والرفق بهن وأن ذلك ينال العبد به ثواب الله العظيم.
أيها المسلم، ومن الإحسان إلى البنات اختيار الأزواج الصالحين وعدم رد الزوج الكفء في دينه وأخلاقه فإنما الرد الكفء عن البنت الكفء المتقدم في دينه وأخلاقه وسلوكه يرده لمصالح مادية فإن هذا من العضل الذي نهى الله عنه في كتابه قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صحابي من أصحابه معقل بن يسار تقدم رجل لخطبة أخته فزوجه إياها ثم طلقها فانتهت العدة فأراد العودة إليها ورغبت المرأة في ذلك فقال معقل بن يسار رضي الله عنه أنكحته إياها خلاها مع قدرته عليها حتى إذا انقضت عدتها أراد رجعتها لا والله فأنزل الله هذه الآية فأعاد معقل بن يسار أخته لزوجه سمعًا وطاعة لله، إن عضل المرأة من الزواج والتحكم في عواطفها وإهدار كرامتها من غير خوف من الله ولا حياء من خلقه ذلك خلق دنيء خلق سيء لا يرتكبه إلا ذوي الهمم الدنيئة الخسيسة فهو مسلك من مسالك الظلمة الذين يجنون على البنات أعظم جناية يحولون بينهن وبين الأكفاء من الرجال حمية جاهلية وعصبية قبلية أو أنانية ضارة يريد إبقاءها لخدمة بيته أو امرأته أو الاستفادة من مالها ومرتبها دون أن يبالي بمصيرها ومآل أمرها وكل هذا من الخطأ الذي نهى الشرع عنه فالواجب على المسلم عندما يتقدم الكفء ذوي الأخلاق المستقيمة والسلوك الحسن مما يغلب على الظن أهليته للمرأة أن يزوجها طاعة لله وألا يتخذ تلك العقبات السيئة لتحول بين المرأة وبين الزواج وعضل النساء يكون في أمور منها ما بينه الله من عدم إعادة الزوج إلى مطلقها إذا كان ذلك ممكن ومنها أنه في جاهليتهم كانوا يتحكمون في اليتيمة التي تكون في حجر أحدهم يتحكمون فيها فإن تكن ذات جمالا ومال عضلوها عن الأكفاء لكي يحوزها الرجل لنفسه أو ولده من غير مراعاة لشعور الفتاة وإن تكن فقيرة لا يبالي بها ولذا قال الله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)، فهذه اليتيمة لا يحل لوليها التحكم في مصيرها بهواه وإنما باختيارها فلا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر، ومن عضل النساء أيضا ما يسلكه بعض الظلمة عندما يتزوج امرأة ثم لا يقدر بينه وبينها مودة ومحبة من غير نقص في دينها أو أخلاقها لكن كما قال صلى الله عليه وسلم: " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " ، فيؤذيها ويلحق الضرر بها حتى تفتدي منه وترد له ما فعلها من مهره ولذا قال الله: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)، لأن المهر حق لها وكونها قائمة بواجبها مؤدية للحقوق الزوجية إلا أن هذا الزوج أراد التحكم واسترجاع المهر بلا سبب شرعي إنما هو الظلم والعدوان فهذا أمر يخالف شرع الله وتأباه الفطر السليمة.
أيها المسلم، والعضل يكون في الرجل بأن يكون ولي المرأة لا يمكن الخطبة منه لتكبره وعلوه على الناس في نظره فمن تقدم إليه وجد منه الرفض وعدم القبول تكبرًا واغترار بنفسه ومن ذلك أيضا قصر المرأة على بعض فئات قبيلتها أو بني عمها الأقربين وحجرها على فئة معينة ورد الكفء ولو كان أفضل من ذلك كل هذا من ما يخالف شرع الله ومن عضل المرأة أيضا أن يكون للأب شروط ثقيلة شاقة على الزوج المتقدم فيشرط مهرًا كثير أو يشرط حق له وحق لأولاده أو يشرط أن يزوج ولده أو يزوج هو كل هذه الشروط التي ما أنزل الله بها من سلطان فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل وليته لمن يزوجه وليته لأن في هذا ضرر على بعض الفتيات فقد يكون هذا صالح لهذه وهذا غير صالح لهذه فحجرها على فئة معينة أو إنسان معين يتحكمون في مصيرها هذا أمر ترفضه الشريعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، والعاضل للمرأة ظالم لها وظالم لمن تقدم إليها حيث منعه الحق وظالم لنفسه حيث منع المرأة وارتكب الإثم العظيم لأن بعضهم قد لا يزوجها إلا أن يشترط شروطًا ثقيلة يشترط أولًا يختص به أبوها وحده يشترط ثانيًا شروطًا ثقيلة إما أن يؤخر الزواج إلى سن متعددة لأجل مصالح مادية أو نحو ذلك كل هذا مما يخالف شرع الله فالشرع أوجب على الأولياء أن يزوج الفتيات لمن تقدم إليهم في كفء دينه وأخلاقه وقيمه لأن هذا هو الأمر المطلوب شرع وبهذا تحفظ الحقوق شريعة الإسلام جاءت بالعدل والنهي عن الظلم والعدوان جاءت لإعطاء كل ذي حق حقه فالأولياء المتقون يربون البنات ويحسنون إليهن ثم إذا تقدم الأكفأ قبلوه بل أعانوا على هذه المهمة ولم يضعوا عراقيل أمام الزوج ولا شروط ثقيلة ولا مطامع مادية إنما يهمه أن يرى تلك الفتاة في عز وكرامة مع زوج صالح يراعاها حق الرعاية ويقوم بحقها خير القيام هذا هو المطلوب شرعا الذي يرضى به المؤمن الذي يخاف الله ويتقيه أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
أيها المسلم، إن الأب أمين على بناته مؤتمن عليهن أن يوصلهن إلى الأكفاء (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، إن تأخير زواج الفتيات بلا عذر شرعي وبلا سبب شرعي إنما هو للأغراض المادية و المطامع المادية ليس هذا من أخلاق الكرام ولا من سيرة الفضلاء النبلاء ولكنه من أخلاق أهل الرذائل حتى أن بعضهم يقول هذه الفتاة التي طالما أنفقت عليها لا يمكن أزوجها حتى أسترجع جميع ما أنفقت عليها فأزود المهر وأذكر شروط لأسترجع النفقة التي أنفقت عليها طول العمر هذه الأخلاق الرذيلة والمطامع السيئة التي تجعل الإنسان في مستوى أقل من الخير والتقوى أما المسلم الذي يخاف الله ويتق فإذا رب الفتيات بالسليمة وأحسن إليهن ثم تقدم الأكفاء قبل الكفء ورضيه وحمد الله على هذه النعمة وشكره على هذا الفضل أن وجد لتلك الفتيات من يتكفل بهن ويحسن إليهن ويرعاهن الرعاية المطلوبة لتساهم في إنجاب أولاد فيهم خير وصلاح وعز للإسلام والمسلمين فشريعة الإسلام قرت الحق والعدل ورفعت الظلم والجور ووضعت الأمور بموضعها فالواجب على المسلم قبول شرع الله وعدم التنكر عن ذلك أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
المصدر
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
حماية الإسلام لحقوق المرأة
خطبة لسماحة المفتي عبد العزيز آل الشيخ
الحمد لله، إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ؛ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلهِ، وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.
أمَّا بعدُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عبادَ الله، أولادنا نعمة من الله علينا وفضل منه إلينا نتلقاها شاكرين ونكون بها راضين ذكورًا كانوا أو إناثا فالخير فيما اختاره الله للعبد (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)، ليس عيبًا أن يكون للواحد مجرد البنات ليس عيبا ولا نكر فإن العاقبة الحسنة بالبنات وقد يجني الآباء والأمهات من البنات الخير الكثير قال بعض السلف للمرأة تبكيرها للبنت قبل الذكر لأن الله يقول: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ).
أيها المسلم، والتسخط من البنات واستثقالهن وكراهيتهن خصلة جاهلية جاء الإسلام بالقضاء عليها وبيان فسادها وضررها، ذلك أن الله أخبرنا عن الجاهلية الأولى كراهيتهم للبنات قال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، لأن في هذا اعتراضًا على حكم الله واعتراضًا على قضاءه والعبد لا يدري في أي الأحوال تكون السعادة والشقاء والله يعلم ما يصلح العباد مما يفسدهم ولربما فتح الله على أبي البنات من الخير والبركة وأسباب الرزق ما لم يكن بحسبانه إذا رضي وسلم، وجاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الترغيب في إكرام البنات والإحسان إليهن وبيان ما لذلك من الثواب العظيم عند الله فأولًا يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار"، وفي لفظ "كن له حجابًا من النار"، وجاء أن أبا البنات الصادق الصابر مرافقًا للنبي صلى الله عليه وسلم في دار كرامة الله يقول صلى الله عليه وسلم: "من عالى جاريتين حتى يكبرا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين" وشبك بين أصابعه وجاء، الوعد بأن مكرم البنات مضمونًا له الجنة بتوفيق من الله مع الإيمان والعمل الصالح يقول صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاث بنات فأواهن وكفاهن ورحمهن فقد وجبت له الجنة البتة"، هذا دين الإسلام في إكرام البنات والإحسان إليهن والصبر عليهن والرفق بهن وأن ذلك ينال العبد به ثواب الله العظيم.
أيها المسلم، ومن الإحسان إلى البنات اختيار الأزواج الصالحين وعدم رد الزوج الكفء في دينه وأخلاقه فإنما الرد الكفء عن البنت الكفء المتقدم في دينه وأخلاقه وسلوكه يرده لمصالح مادية فإن هذا من العضل الذي نهى الله عنه في كتابه قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صحابي من أصحابه معقل بن يسار تقدم رجل لخطبة أخته فزوجه إياها ثم طلقها فانتهت العدة فأراد العودة إليها ورغبت المرأة في ذلك فقال معقل بن يسار رضي الله عنه أنكحته إياها خلاها مع قدرته عليها حتى إذا انقضت عدتها أراد رجعتها لا والله فأنزل الله هذه الآية فأعاد معقل بن يسار أخته لزوجه سمعًا وطاعة لله، إن عضل المرأة من الزواج والتحكم في عواطفها وإهدار كرامتها من غير خوف من الله ولا حياء من خلقه ذلك خلق دنيء خلق سيء لا يرتكبه إلا ذوي الهمم الدنيئة الخسيسة فهو مسلك من مسالك الظلمة الذين يجنون على البنات أعظم جناية يحولون بينهن وبين الأكفاء من الرجال حمية جاهلية وعصبية قبلية أو أنانية ضارة يريد إبقاءها لخدمة بيته أو امرأته أو الاستفادة من مالها ومرتبها دون أن يبالي بمصيرها ومآل أمرها وكل هذا من الخطأ الذي نهى الشرع عنه فالواجب على المسلم عندما يتقدم الكفء ذوي الأخلاق المستقيمة والسلوك الحسن مما يغلب على الظن أهليته للمرأة أن يزوجها طاعة لله وألا يتخذ تلك العقبات السيئة لتحول بين المرأة وبين الزواج وعضل النساء يكون في أمور منها ما بينه الله من عدم إعادة الزوج إلى مطلقها إذا كان ذلك ممكن ومنها أنه في جاهليتهم كانوا يتحكمون في اليتيمة التي تكون في حجر أحدهم يتحكمون فيها فإن تكن ذات جمالا ومال عضلوها عن الأكفاء لكي يحوزها الرجل لنفسه أو ولده من غير مراعاة لشعور الفتاة وإن تكن فقيرة لا يبالي بها ولذا قال الله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ)، فهذه اليتيمة لا يحل لوليها التحكم في مصيرها بهواه وإنما باختيارها فلا تنكح البكر حتى تستأذن ولا تنكح الثيب حتى تستأمر، ومن عضل النساء أيضا ما يسلكه بعض الظلمة عندما يتزوج امرأة ثم لا يقدر بينه وبينها مودة ومحبة من غير نقص في دينها أو أخلاقها لكن كما قال صلى الله عليه وسلم: " الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ " ، فيؤذيها ويلحق الضرر بها حتى تفتدي منه وترد له ما فعلها من مهره ولذا قال الله: (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)، لأن المهر حق لها وكونها قائمة بواجبها مؤدية للحقوق الزوجية إلا أن هذا الزوج أراد التحكم واسترجاع المهر بلا سبب شرعي إنما هو الظلم والعدوان فهذا أمر يخالف شرع الله وتأباه الفطر السليمة.
أيها المسلم، والعضل يكون في الرجل بأن يكون ولي المرأة لا يمكن الخطبة منه لتكبره وعلوه على الناس في نظره فمن تقدم إليه وجد منه الرفض وعدم القبول تكبرًا واغترار بنفسه ومن ذلك أيضا قصر المرأة على بعض فئات قبيلتها أو بني عمها الأقربين وحجرها على فئة معينة ورد الكفء ولو كان أفضل من ذلك كل هذا من ما يخالف شرع الله ومن عضل المرأة أيضا أن يكون للأب شروط ثقيلة شاقة على الزوج المتقدم فيشرط مهرًا كثير أو يشرط حق له وحق لأولاده أو يشرط أن يزوج ولده أو يزوج هو كل هذه الشروط التي ما أنزل الله بها من سلطان فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل وليته لمن يزوجه وليته لأن في هذا ضرر على بعض الفتيات فقد يكون هذا صالح لهذه وهذا غير صالح لهذه فحجرها على فئة معينة أو إنسان معين يتحكمون في مصيرها هذا أمر ترفضه الشريعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، والعاضل للمرأة ظالم لها وظالم لمن تقدم إليها حيث منعه الحق وظالم لنفسه حيث منع المرأة وارتكب الإثم العظيم لأن بعضهم قد لا يزوجها إلا أن يشترط شروطًا ثقيلة يشترط أولًا يختص به أبوها وحده يشترط ثانيًا شروطًا ثقيلة إما أن يؤخر الزواج إلى سن متعددة لأجل مصالح مادية أو نحو ذلك كل هذا مما يخالف شرع الله فالشرع أوجب على الأولياء أن يزوج الفتيات لمن تقدم إليهم في كفء دينه وأخلاقه وقيمه لأن هذا هو الأمر المطلوب شرع وبهذا تحفظ الحقوق شريعة الإسلام جاءت بالعدل والنهي عن الظلم والعدوان جاءت لإعطاء كل ذي حق حقه فالأولياء المتقون يربون البنات ويحسنون إليهن ثم إذا تقدم الأكفأ قبلوه بل أعانوا على هذه المهمة ولم يضعوا عراقيل أمام الزوج ولا شروط ثقيلة ولا مطامع مادية إنما يهمه أن يرى تلك الفتاة في عز وكرامة مع زوج صالح يراعاها حق الرعاية ويقوم بحقها خير القيام هذا هو المطلوب شرعا الذي يرضى به المؤمن الذي يخاف الله ويتقيه أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعدُ:
أيها المسلم، إن الأب أمين على بناته مؤتمن عليهن أن يوصلهن إلى الأكفاء (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، إن تأخير زواج الفتيات بلا عذر شرعي وبلا سبب شرعي إنما هو للأغراض المادية و المطامع المادية ليس هذا من أخلاق الكرام ولا من سيرة الفضلاء النبلاء ولكنه من أخلاق أهل الرذائل حتى أن بعضهم يقول هذه الفتاة التي طالما أنفقت عليها لا يمكن أزوجها حتى أسترجع جميع ما أنفقت عليها فأزود المهر وأذكر شروط لأسترجع النفقة التي أنفقت عليها طول العمر هذه الأخلاق الرذيلة والمطامع السيئة التي تجعل الإنسان في مستوى أقل من الخير والتقوى أما المسلم الذي يخاف الله ويتق فإذا رب الفتيات بالسليمة وأحسن إليهن ثم تقدم الأكفاء قبل الكفء ورضيه وحمد الله على هذه النعمة وشكره على هذا الفضل أن وجد لتلك الفتيات من يتكفل بهن ويحسن إليهن ويرعاهن الرعاية المطلوبة لتساهم في إنجاب أولاد فيهم خير وصلاح وعز للإسلام والمسلمين فشريعة الإسلام قرت الحق والعدل ورفعت الظلم والجور ووضعت الأمور بموضعها فالواجب على المسلم قبول شرع الله وعدم التنكر عن ذلك أسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
المصدر
التعديل الأخير: