شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
الحمد لله الغفور الشكور؛ قسم عباده إلى أهل هدى، وأصحاب ضلالة، فالمهتدون هم الشاكرون، والضالون هم الكافرون (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)نحمده على ما هدانا واجتبانا، ونشكره على ما أعطانا وأولانا ,هو مالك الملك، ومدبر الأمر، وبيده خزائن كل شيء، يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة، وهو العليم الحكيم، وهو سبحانه غني عن الكافرين (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا من دنياكم لآخرتكم، ومن صحتكم لمرضكم، ومن فراغكم لشغلكم، ومن حياتكم لموتكم؛ فإن العبد لا يدري ما ينزل به، وإن الشيطان يَعِدُه ويُمنيه، فيؤخر التوبة حتى يدهمه الموت (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)إن مقام الشكر أجلُّ مقام وأعلاه؛ إذ تندرج تحته العبودية والرضا ، فالشكر من صفات الله تعالى، وُصف به في القرآن (وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)لقد جاء في القرآن ذكر الهداية والمغفرة والتوبة والرزق والغنى وكشف الكرب، وعلقت جميعها بمشيئة الله تعالى؛ ففي الهداية (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) وفي المغفرة (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ)وفي التوبة (وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ)وفي الرزق (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) وفي الغنى (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)إلا الشكر فإن الله تعالى أخبر أنه يجازي به دون أن يعلقه بالمشيئة (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) وجزاء الله تعالى للشاكرين يكون في الدنيا وفي الآخرة, وكثيراً ما يُعلِّل الله تعالى نعمَه على الناس في أنفسهم، وما سخر لهم في الأرض والسموات بالشكر؛ ولذا نجد في القرآن متكرراً قول الله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(أَفَلَا يَشْكُرُونَ)وخاطب سبحانه نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)كما أمر المؤمنين بالشكر، وحضهم عليه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُو)ومن أهم وصاياه سبحانه لعباده وصيتهم بشكره سبحانه ,ومن بلغ الأربعين من عمره قُطعت عنه المعذرة، وتأكد في حقه شكر الله تعالى على الإمهال والإمداد (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ)ولعظيم مقام الشكر، وشدة القيام به، وعسره على الناس؛ لكثرة النعم، وغلبة الهوى؛ كان الشكر قليلاً فيهم (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)ولذا كان من عون الله تعالى للعبد أن يعينه على الشكر، ومن التوفيق أن يوفقه له، ومن إلهامه سبحانه أن يلهمه الدعاء به، وكان من دعاء النبي صلى الله عيه وسلم(اللهم اجْعَلْنِي لك شَاكِرًا)والشكر هو أعظم عطاء يُعطى العبد؛ لأن الشكر يزيد النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى,الخير الذي لا شر فيه العافية مع الشكر فكم من منعَم عليه غير شاكر,عليكم بملازمة الشكر على النعم، وأعظم شرف استحقه المؤمنون أن الله تعالى لما ذبَّ عنهم سخرية المشركين نعتهم بالشكر؛ ذلك أن الإيمان من الشكر، قال المشركون (أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا) يعنون المؤمنين؛ تصغيراً لهم، وتحقيراً لشأنهم، فأجابهم الله تعالى بقوله( أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ)وواجب على أهل الإيمان أن يكونوا أهلاً لهذا الشرف العظيم الذي بوأهم الله تعالى إياه حين وصفهم بالشاكرين، وذلك بتحقيق الإيمان والسعي في كماله، وإتباع القول بالعمل، والدوام على الشكر ظاهراً وباطناً؛ فإن الشكر هو ظهور أثر نعمة الله تعالى على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبةً، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة,إن أكثر الناس يلحظ النعم الدنيوية من توافر الأمن، وتمام الصحة، وسعة الرزق، وكثرة الولد، ورغد العيش، ويشكرون الله تعالى على ما أعطاهم، وفعلهم حسن جداً، ويجازيهم الله تعالى زيادة على شكرهم، لكنهم يغفلون عما هو أعظم وأجل وأكبر ألا وهي نعمة الهداية للدين، والانتظام في سلك المؤمنين الطائعين, تلك النعمة العظيمة التي من حازها حاز سعادة الدارين، وفاز بالحسنتين؛ ولما منَّ قوم على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم بيَّن الله تعالى أن المنة له سبحانه في هدايتهم (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)وأهل الجنة يوم القيامة يقولون (الحَمْدُ لله الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ)وهي النعمة التي أمر الله تعالى بالفرح بها (قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
اللهم لك الحمد على ما هديتنا وعلمتنا،
اللهم ارزقنا شكر نعمتك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين.