قطر وإشكاليات بيت الطاعة العربي

مرهم كل عوق

¬°•| عضو فعّال |•°¬
إنضم
17 مارس 2010
المشاركات
158
الإقامة
دار الزين
من أن أخذت قطر باختراق أفاق التغيير الفعلي في منتصف التسعينات وهي تتعرض لجرعات مركزة من عدم الرضى على المستوى العربي. ففي حين كون حرية الإعلام، وقناة الجزيرة تحديدا، أكثر النواحي المثيرة للخلاف بين قطر وأشقائها العرب، الا أن الأمر لا يتوقف عند الإعلام، بل أن الإعلام يكاد يكون الشأن الأقل تعقيدا في طبيعة العلاقات القطرية العربية إذا ما قورن بقضية أكثر أهمية، وهي التأثير في المنطقة والساحة الدولية. في البداية، فإن سياسة قطر في التعاطي مع الشأن الإقليم شهدت تحولا نوعيا في نهاية التسعينيات، حيث تحولت قطرمن دولة صغيرة الى لاعب دولي وإقليمي، وفي نفس الوقت تمكنت من ان تحتفظ بحد أدنى من الصداقة والعلاقات مع كافة الإطراف ضمن دبلوماسية هادئة ذات عمق استراتجي يتجاوز الفعل ورد الفعل، وهذا بحد ذاته نهج غير متبع في المنطقة العربية، فأيا كانت السياسة المتبعة لدى الكثير من الاطراف في المنطقة، سواء صنفت بأنها سيئة أم جيدة، فهي خاضعة للشخصنة و ردود الفعل قصيرة الامد، بل أن موضوع حساس ومقدس كموضوع الحركات التحررية والنضال الوطني طالما حركته الشخصنة قصيرة النظر وسيطر عليه إنعدام الإستراتيجية .


والملفت أن قطر إتبعت أسلوبا فريدا وجديدا على المنطقة في التعاطي مع سياستها، فهي على سبيل المثال صريحة وواضحة عند إتصالها بإسرائيل وتتحدث بصراحة عن ذلك في إعلامها وفي نفس الوقت تقول أنها تستثمر إتصالاتها مع إسرائيل لصالح الفلسطينين، في حين ان بعض الدول العربية التي تتمتع بعلاقات شبه وطيدة مع تل ابيب تكاد تخفي ذلك ويلتقي زعمائها مع المسؤولين الإسرائيلين في الخفاء ضمن عروض كوميدية سياسية تستدعي الضحك والبكاء معا. والغريب أن كثير من هؤلاء المتشددين ظاهريا مع إسرائيل والأكثر لوما لقطر على إتصالاتها العلنية مع تل أبيب، ثبت انهم كانوا الأشد قسوة ضد اشقائهم الفلسطينين بل والأكثر تحفيزا لإسرائيل للعمل العسكري ضدهم، كما كان الأمر في عملية الرصاص المصبوب عام 2009.


إلا ان أشد ما يثير الإمتعاض لدى الكثير من أشقاء قطر العرب هو سياسة التفرد القطرية، فقطر باتت تتبع سياسة براغمتية انفرادية في حل مشاكلها وتنفيذ إستراتيجياتها مع حفاظها على الوئام ما دام ممكنا مع المجموع العربي. سياسة التفرد هذه تتبعها كثير من الدول أولها بريطانيا، والتي هي عضو في الإتحاد الاوروبي وفي نفس الوقت كثيرا ما تجد نفسها متفردة في سياستها سواء في الحفاظ على عملتها، الجنيه الإسترليني، ورفضها تبني اليورو، الأمر الذي أثبت جدواه مؤخرا، أو حتى في علاقتها العسكرية والسياسية مع الولايات المتحدة. كذلك، فإن سياسة سويسرا القائمة على التفرد الصرف والبحث عن مصالحها بشكل مستقل هو ما جنبها ويلات الحرب العالمية الثانية ودفع بإقتصادها إلى مقدمة الإقتصاديات العالمية رغم ضعف مواردها وإمكانياتها كدولة. لذلك فإن قطر تمارس حقها كدولة في السعي المستقل نحو مصلحتها وما يدعم ذلك هو بطء المجموع العربي في التحرك وضياع القرار الوحدوي المنشود، فما يلوم الكثير من العرب قطرلأجله، وهو وحدة الصف والقرار العربي، هو في الغالب مفقود.


إلا أن إصرار الكثير من اشقاء قطر العرب على إبقاءئها داخل الشرنقة السياسية العربية هو سهل التفسير، فروح القطيع التي إرتاحت اليها الكثير من الانظمة العربية هي السبب الأكثر منطقية للغضب على خروج قطرعن الطوق، فكون معظم المنظومات السياسية العربية تعيش ضمن نطاق ما يسمى بالإجماع العربي، فإنها تزيل عن نفسها المسؤولية تجاه القضايا العربية الحساسة وفي نفس الوقت تختصر عناء المبادرة والإجتهاد عن تلك الأنظمة، مستفيدة بذلك من سيكولوجيا الجماعات، حيث لا يصبح اي فرد مسؤولا بالكامل عن اي شيء يحدث، وهكذا ترضى الكثير من الأنظمة السياسية العربية من غنيمة السياسة بالإياب من مؤتمر قمة بروتوكولي تتبعه المفرقعات الإعلامية المقولبة مسبقا ضمن نطاق كل دولة، وضمن هذه الوصفة المريحة التي تتسع لكافة المشاكل الإقليمية ضمن توليفة مريحة لا يعكرصفوها شائب تخرج دولة كانت مغمورة بالأمس وتتخذ مبادرات توسع من نطاق علاقاتها الدولية وكنتيجة لذلك تأثيرها العربي، وفي نفس الوقت تمتلك زمام الإعلام بقناة فضائية لا تتردد في إنتقاد قطر نفسها. بالطبع، فإن مثل هذا النموذج من المبادرة هو نموذج مزعج وأحيانا مؤرق للمنظومات الخاملة.


كذلك فإن توسع قطر الافقي في العلاقات الدولية صاحبه مجموعة من الإنجازات الجراحية المركزة في مجالات مختلفة، ليس أكبرها استحواذ قطر على مجموعة هارودز العريقة في لندن مؤخرا، كذلك استجلاب كبريات جامعات النخبة المشهورة في امريكا إلى قطر، كجامعة جورجتاون وكلية كورنيل الطبية، إلا أن الأمر لا يتوقف عن حدود التنمية الداخلية، وخصوصا تطوير التعليم، بل يتطور الى تأسيس قطر كدولة ذات تاثير عميق بل وكلاعب ووسيط دولي في عدة قضايا حساسة، مثل هذا الدور نقل ما يصنفه منتقدو قطر من كون قطر تمارس دور "المشاغبة" وإقلاق راحة القطيع النائم إلى مرحلة منافسة من يرون انفسهم بأنهم ألاكثر اهمية ووزنا في السياسة الإقليمية. الغريب أن التعامل مع قطر كمنافس لا يجد أصحابه من دهاقنة السياسة الكلاسيكية العربية سوى تبرير يكاد يكون طفوليا بان قطر بلد صغير، وكأن الجغرافيا واتساع حصة أي دولة من مساحة الصحراء التي تغطي بلادنا العربية هما المعيار الأهم في تصنيف قوة الدول وتاثيرها. بالطبع يتناسى منظرو هذه الفلسفة الضيقة أن احد اقوى الدول في المنطقة عسكريا وأحد أكثر دول العالم تأثيرا في السياسة الدولية هي إسرائيل التي تصغر مساحة اراضيها بكثير عن معظم الدول العربية. إن رؤية قطر لنفسها كدولة كبيرة هي نموذج يجب إتباعه وتأسيسه لدى مدارس الحكم العربية المختلفة، بل إن كثير من الدول العربية الكبرى لا تحسن تقديم نفسها كدول مؤثرة وذات ثقل في الساحة الدولية رغم وجود ادوات التأثير لديها.


إلا أن ما يلفت الإنتابه في النموذج القطري أن الدفع السلبي والعرقلة المتعمدة جاءا في الغالب من دولة المنطقة العربية، فلم نسمع دولا غربية إستخدمت إجراءات دراماتيكية أو أطلقت حربا إعلامية ضد أي من نشاطات قطر أو جهودها على الساحة الدولية، فمن المؤلم أن روح المجموع العربي باتت غير مقتصرة على الرجعية السياسية والنشاز الدولي والمشي مع التيار، بل وتطورت إلى هوس بإبقاء الوضع على ما هو عليه للجميع وإعتبار كل من يحاول التغيير خطرا يهدد رتم الأمور، وبالتالي كان التعامل مع قطر ليس فقط كنموذج مزعج لأصنام السياسة والسكون العربي، بل أيضا كنموذج يروج للتغيير يمكن الإحتذاء به من قبل المنظومة العربية ككل. إلا أن نفس السكون والكلاسيكية العربية التي وقفت ضد قطر هي نفسها التي خدمت قطر في كونها غير مؤهلة لمواجهة النموذج القطري، بحيث أن القوى التقليدية الساكنة لم تتمكن من مجابهة التحرك القطري الدائم والمتغير، فالجمود لا يمكن أن يصمد في وجه التغيير والتجديد. ومن أمثلة ذلك الإعلام، وهو الشأن الأكثر إشكالية لدى المعترضين على السياسات القطرية، فمنذ سنوات حاولت الكثير من الاجهزة الإعلامية التقليدية مجابهة الإعلام القطري، خصوصا قناة الجزيرة، بالتشكيك تارة، وتارة بالتشويش، وأحيانا بالتقليد، وكانت نتيجة تلك المحاولات جميعها عكسية بحيث اصبح إصرار تلك الوسائل الإعلامية التقليدية، والتي هي في الاصل ممقوتة لدى الواطن العربي، على مهاجمة قناة الجزيرة ودولة قطر بمثابة صك براءة من مبدأ "وإذا أتتك مذمتي من ناقص". بحيث ان فجوة المصداقية التي حفرتها تلك الوسائل لنفسها كانت أشد عمقا مما تتخيل الا أنها لم تتوقف عن الحفر معمقة الفجوة ومبددة الإمكانيات والأموال والقدرات الإعلامية.


وفي حين أن دولة قطر ليست بلا ريب المدينة الفاضلة، إلا أن الجميل في ذلك أن لسانها الرسمي لا يبدو مترددا في الإعتراف بمشكلاتها وبإيجاد حلول جذرية طويلة الأمد ليست بالضرورة مألوفة في منطقتنا.


لكن تبقى المشكلة الأكبر هي النكوص العربي العام في التعامل مع قطر كمنظومة وسياسات، ان مثل هذا التثبيط والإعاقة المتكررة هما مؤشران لشأن أكبر من ذلك، فالقضية ليست قصية قطر بالتحديد، بل هي قصية أنظمة عربية رجعية متأخرة ترفض التغيير وتعتبره بدعا سياسية ضالة، بل ويتطور بها الامر الى معاقبة كل من يسعى للتغيير سواء كان شكليا أم أصيلا، بحيث اصبحت الدول العربية تخضع لبيت الطاعة العربي الذي هو اصلا خاضع لأي قوى اكبر منه بغض النظر عن مصدرها. بل أن ما حدث مع قطر من تنغيض متعمد اصبح مثالا تحذيريا لبقية الدول العربية الطامحة بالتغيير أو الحصول على وضع إقليمي ودولي أفضل، خاصة وأن قطر شفع لها إمكانيتها المالية ومواردها التي تسمح لها بإستقلالية القرار، الا ان الكثير من الدول العربية لا تتمتع بمثل هذه الإستقلالية، على سبيل المثال، فإن الكثير من الإعلاميين العاملين في قناة الجزيرة لم يتمكنوا من إحداث أي فارق ملموس حين كانوا يعملون في بلادهم، بل أن نجاحاتهم وانجازاتهم في قناة الجزيرة اصبحت مصدرا للتشكيك بهم والإساءة إليهم في بلدانهم الاصلية، حتى اصبح بعضهم يتردد في العودة لزيارة بلده.


بقي أن ندرك، أن النموذج القطري أيا كان معارضوه أثبت نجاحه وتفوقه خلال السنوات الماضية، ولعل أسواء ما يصيب معارضي سياسيات الإنفتاح والتغيير هو كون مثل تلك السياسات تثبت نجاحها بإستمرار، فإن كان على قطر أو غيرها من الدول العربية الموازنة بين مصلحة شعوبها ومستقبلها وبين رضى النخب العربية الحاكمة ، فالأمر يحتم عليها أن تختار التقدم الى الامام على الخضوع إلى بيت الطاعة العربي.


من قلم : مضر زهران
 

Ąℓŋ3αỉмỉ

¬°•| مُراقب سَابق ومطور |•°¬
إنضم
19 يوليو 2008
المشاركات
8,398
العمر
34
الإقامة
[البريمي دآري ومربآي] « ™
تسلم ياااخوووي
 
أعلى