سماسرة العقار
د. أنور بن محمد الرواس:
لا توجد حاليا آلية واضحة لتنظيم مهنة السمسرة العقارية، فالكل يشتغل في هذه المهنة.. الغني والفقير والوزير والتاجر وغيرهم أملا في تحقيق أرباح حتى ولو كان ذلك على حساب القيم. هناك مقولات كثيرة عن التصرفات التي يقدم عليها "السماسرة" في الخداع والالتفاف والضحك على الذقون وممارسة الفهلوة في التعامل مع مالكي العقار وكذلك المشترين. من يتصور بأن الجشع أصبح في نظر البعض فضيلة وأمر يجب اغتنامه، ومن يتصور بأن تقديم معلومات مضللة عن العقارات يعتبر نمطا صحيا في الحياة العامة، كل هذا وذاك يأتي في غياب قانون ينظم هذه المهنة. نريد للجميع الخير والبركة، ولكن في إطار من المسؤولية الأخلاقية وقيم الإسلام، فلا يجوز أن يفرض البعض علينا مصطلحات غير أخلاقية ويكرسها في واقعنا الاجتماعي، فالخطأ خطأ يجب محاربته علنا وأمام المحاكم. ما دعانا لفتح هذا الملف هو الحرص على قيم المجتمع خاصة بعد غياب كثير من الضمائر وفساد المهنة والنصب والاحتيال. هناك قضايا كثيرة ونعرف أن الكثير منها أصبح بأيدي القضاء الذي نتوقع منه إنصاف المظلوم وردع كل من تسول له نفسه النصب على الناس، فعلى سبيل المثال هناك من باع أرض لمستثمر خليجي اكتشف بعد ذلك بأنها مقبرة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل امتد إلى وسائل الإعلام الخليجية التي تناقلت هذه الواقعة.. وكأنها تنتظر منا أي خطأ، لن أكون متشددا ولكن أترك الأمر لأصحاب الضمائر الحية. إن ترك الأمور بدون قانون يشجع الكثير من المتطاولين على أن يعيثوا في الأرض فسادا، وما ارتفاع أسعار العقار إلا دليل واضح على تخبط الجميع في السعي وراء الكسب السريع بالحلال أو بالحرام. هل تصدقون بأن التزوير في الأوراق الرسمية كانت واقعا، وبيع العقار لأكثر من مستثمر أيضا واقعا، والقصص كثيرة وعلى المحاكم والجهات ذات الاختصاص نشر حيثيات الأحكام القضائية التي صدرت بحق الذين أساءوا لعمان، الأمر الذي أجبر المستثمرين على خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد. وللأسف وإلى الآن، حتى وإن كان هناك ركود في عملية البيع والشراء إلا أن التخوف لا زال قائما بحجة غياب آلية تنظيم العقار. ما أجمل النزاهة في التعامل والقناعة بالرزق وإن كان بسيطا. هناك كثيرون في الحكومة وفي القطاع الخاص وفي المجتمع يمارسون مهنة العقار بطريقة غريبة جدا، فالموظف الكبير يمارس عملية البيع والشراء من مكتبه، وهكذا دواليك، والكل مشغول في تقديم الخدمات وإرضاء النفس التي لا ترضى إلا بالتراب، فقد طويت صفحات المصلحة العامة وجفت أقلامها، وحبست في أدراج مظلمة، إلا من رجم ربي من الذين يرون في الأمانة مسؤولية كبيرة في الحياتين الدنيا والآخرة. لقد شبه البعض العقار بأنه الولد البار يمرض ولكن يتعافى بعد حين، هذه المعافاة يجب أن تكون صادقة في التعامل مع النفس والغير، وتعيد الضمير إلى مكانه الطبيعي، وإن كنا نؤمن بأنها سنة بشرية مثلها مثل الخير والشر، الصالح والطالح، والفضيلة والرذيلة، فإن علينا مسؤولية التوعية بأهمية الكيان الإنساني واستمرار السير على نهج الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عندما ذكره رب العالمين بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم". صحيح أن الناس تختلف في الطباع، والطريق القويم موجود، ولكن الناس تمتثل دائما للقانون على الرغم من المحاولات الفاشلة لخرقه. هناك قصة غريبة عن الطريقة التي يتعامل بها هؤلاء، هناك أرض عرضت من قبل مجموعة من السماسرة بمبلغ مليون وثمانمائة ألف ريال عماني في إحدى ولايات السلطنة، وقد وافق مستثمر خليجي على شرائها، وحاول الوصول إلى المالك عن طريق الوسطاء ولكن دون جدوى واستعان بسمسار آخر للوصول إلى المالك وبعد جهد جهيد وصل السمسار العماني الآخر إليه وقال له بأن هناك مشتر لأرضه، فقال له الرجل المبلغ هو نصف مليون ريال عماني لا زيادة ولا نقصان، فذهل السمسار للفارق الكبير في السعر، وأشار إليه بأنه وجد مستثمر يشتري الأرض بمليون ريال تأخذ أنت ثمانمائة ألف ريال عماني والبقية لي، فوافق الرجل وتمت البيعة. هذه قصة تروى وتنشر، فالسماسرة هم الذين يسوقون الخراب على الجميع، فالمالك يقول شيئا والآخرون يصلوا بالسعر إلى أرقام خيالية. لقد حان الوقت لإصدار قانون ينظم مهنة العقار، وإصدار لائحة تنفيذية له تلزم من يمتهنها أن يكون لديه بطاقة لممارسة المهنة، ومن خلالهما تستطيع الجهات المختصة أن تراقب أداء وحركة سوق العقار الذي يعد من أكثر الأسواق ازدهارا في الآونة الأخيرة. حفظ الله عمان وطنا وقائدا وشعبا. أستاذ الإعلام السياسي جامعة السلطان قابوس
الشبيبة
13/3/2008
منقول من سبله عمان
د. أنور بن محمد الرواس:
لا توجد حاليا آلية واضحة لتنظيم مهنة السمسرة العقارية، فالكل يشتغل في هذه المهنة.. الغني والفقير والوزير والتاجر وغيرهم أملا في تحقيق أرباح حتى ولو كان ذلك على حساب القيم. هناك مقولات كثيرة عن التصرفات التي يقدم عليها "السماسرة" في الخداع والالتفاف والضحك على الذقون وممارسة الفهلوة في التعامل مع مالكي العقار وكذلك المشترين. من يتصور بأن الجشع أصبح في نظر البعض فضيلة وأمر يجب اغتنامه، ومن يتصور بأن تقديم معلومات مضللة عن العقارات يعتبر نمطا صحيا في الحياة العامة، كل هذا وذاك يأتي في غياب قانون ينظم هذه المهنة. نريد للجميع الخير والبركة، ولكن في إطار من المسؤولية الأخلاقية وقيم الإسلام، فلا يجوز أن يفرض البعض علينا مصطلحات غير أخلاقية ويكرسها في واقعنا الاجتماعي، فالخطأ خطأ يجب محاربته علنا وأمام المحاكم. ما دعانا لفتح هذا الملف هو الحرص على قيم المجتمع خاصة بعد غياب كثير من الضمائر وفساد المهنة والنصب والاحتيال. هناك قضايا كثيرة ونعرف أن الكثير منها أصبح بأيدي القضاء الذي نتوقع منه إنصاف المظلوم وردع كل من تسول له نفسه النصب على الناس، فعلى سبيل المثال هناك من باع أرض لمستثمر خليجي اكتشف بعد ذلك بأنها مقبرة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل امتد إلى وسائل الإعلام الخليجية التي تناقلت هذه الواقعة.. وكأنها تنتظر منا أي خطأ، لن أكون متشددا ولكن أترك الأمر لأصحاب الضمائر الحية. إن ترك الأمور بدون قانون يشجع الكثير من المتطاولين على أن يعيثوا في الأرض فسادا، وما ارتفاع أسعار العقار إلا دليل واضح على تخبط الجميع في السعي وراء الكسب السريع بالحلال أو بالحرام. هل تصدقون بأن التزوير في الأوراق الرسمية كانت واقعا، وبيع العقار لأكثر من مستثمر أيضا واقعا، والقصص كثيرة وعلى المحاكم والجهات ذات الاختصاص نشر حيثيات الأحكام القضائية التي صدرت بحق الذين أساءوا لعمان، الأمر الذي أجبر المستثمرين على خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد. وللأسف وإلى الآن، حتى وإن كان هناك ركود في عملية البيع والشراء إلا أن التخوف لا زال قائما بحجة غياب آلية تنظيم العقار. ما أجمل النزاهة في التعامل والقناعة بالرزق وإن كان بسيطا. هناك كثيرون في الحكومة وفي القطاع الخاص وفي المجتمع يمارسون مهنة العقار بطريقة غريبة جدا، فالموظف الكبير يمارس عملية البيع والشراء من مكتبه، وهكذا دواليك، والكل مشغول في تقديم الخدمات وإرضاء النفس التي لا ترضى إلا بالتراب، فقد طويت صفحات المصلحة العامة وجفت أقلامها، وحبست في أدراج مظلمة، إلا من رجم ربي من الذين يرون في الأمانة مسؤولية كبيرة في الحياتين الدنيا والآخرة. لقد شبه البعض العقار بأنه الولد البار يمرض ولكن يتعافى بعد حين، هذه المعافاة يجب أن تكون صادقة في التعامل مع النفس والغير، وتعيد الضمير إلى مكانه الطبيعي، وإن كنا نؤمن بأنها سنة بشرية مثلها مثل الخير والشر، الصالح والطالح، والفضيلة والرذيلة، فإن علينا مسؤولية التوعية بأهمية الكيان الإنساني واستمرار السير على نهج الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم عندما ذكره رب العالمين بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم". صحيح أن الناس تختلف في الطباع، والطريق القويم موجود، ولكن الناس تمتثل دائما للقانون على الرغم من المحاولات الفاشلة لخرقه. هناك قصة غريبة عن الطريقة التي يتعامل بها هؤلاء، هناك أرض عرضت من قبل مجموعة من السماسرة بمبلغ مليون وثمانمائة ألف ريال عماني في إحدى ولايات السلطنة، وقد وافق مستثمر خليجي على شرائها، وحاول الوصول إلى المالك عن طريق الوسطاء ولكن دون جدوى واستعان بسمسار آخر للوصول إلى المالك وبعد جهد جهيد وصل السمسار العماني الآخر إليه وقال له بأن هناك مشتر لأرضه، فقال له الرجل المبلغ هو نصف مليون ريال عماني لا زيادة ولا نقصان، فذهل السمسار للفارق الكبير في السعر، وأشار إليه بأنه وجد مستثمر يشتري الأرض بمليون ريال تأخذ أنت ثمانمائة ألف ريال عماني والبقية لي، فوافق الرجل وتمت البيعة. هذه قصة تروى وتنشر، فالسماسرة هم الذين يسوقون الخراب على الجميع، فالمالك يقول شيئا والآخرون يصلوا بالسعر إلى أرقام خيالية. لقد حان الوقت لإصدار قانون ينظم مهنة العقار، وإصدار لائحة تنفيذية له تلزم من يمتهنها أن يكون لديه بطاقة لممارسة المهنة، ومن خلالهما تستطيع الجهات المختصة أن تراقب أداء وحركة سوق العقار الذي يعد من أكثر الأسواق ازدهارا في الآونة الأخيرة. حفظ الله عمان وطنا وقائدا وشعبا. أستاذ الإعلام السياسي جامعة السلطان قابوس
الشبيبة
13/3/2008
منقول من سبله عمان