شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
قال الله تعالى:وإن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فلا كاشفَ له إلاَّ هوَ وإن يُرِدْكَ بخيرٍ فلا رادَّ لفضلهِ يُصيبُ به من يشاءُ من عبادهِ وهو الغفورُ الرَّحيم(107)
قُل ياأيُّها النَّاسُ قد جاءكُمُ الحقُّ من ربِّكُمْ فمن اهتدى فإنَّما يهتدي لنفسهِ ومن ضلَّ فإنَّما يَضِلُّ عليها وما أنا عليكُم بوكيل(108)}
ومضات:
ـ مقاليد أمور الخلق، وتصاريف أقدارهم بيد الله سبحانه وتعالى، وهو الَّذي قدَّر ما هو كائن لهم أو عليهم، وهو الَّذي قسم بينهم أرزاقهم ولا رادَّ لإرادته.
ـ الخير والشرُّ مفهومان متناقضان يصيب الله بهما من يشاء من عباده، ويكونان كجزاء عادل على أعمالهم في أغلب الأحيان، وقد يوجَّهان من الله إليهم ليبلُوَهم ويختبرهم، أيُّهم يحسن التصرُّف بالخير حين جريانه بين يديه، وأيُّهم يحسن الصبر على الضُّرِّ إذا أصابه، ثمَّ يجازيهم أو يثيبهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة حسبما يستحقُّون.
ـ المؤمن هو المستفيد الأوَّل من ثمرات هدايته واتِّباعه تعاليم الحضرة الإلهيَّة، والضالُّ هو أوَّل من يعاني من آثار تعنُّته وفجوره، والله غنيٌّ عن إيماننا ولا يضرُّه ضلالنا.
في رحاب الآيات:
إذا خرج الإنسان عن قواعد الله وتعاليمه الحكيمة الَّتي وضعها من أجل سلامته وسعادته، فإنه سيلقى عقاب الله تعالى في الدنيا أو الآخرة أو فيهما معاً. هذا هو قانونه الأزلي، قانون الثواب والعقاب، فعمل الإنسان إمَّا أن يؤدِّي به إلى الإضرار بنفسه أو إلى خير يصيبه، وتضطلع إرادة الله المطلقة في تقدير الأمور، وتبقى النتيجة والمسؤولية متعلِّقة بإرادة الإنسان واختياره الشخصي؛ فإن زكَّى نفسه فقد أفلح، وإن أهلكها بالمخالفات والمعاصي فقد خاب وهلك. لذلك جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الخير ليعلِّمَنا كيف ننقذ أنفسنا من دائرة عذاب الله، فقال: «اطلبوا الخير دهْرَكُم، وتعرَّضوا لنفحات رحمة الله تعالى، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوه أن يستر عوراتكم ويؤمِّن روعاتكم» (أخرجه البيهقي).
.
.
قال الله تعالى:{ما أصابَ من مُصيبةٍ في الأرضِ ولا في أنفُسِكُمْ إلاَّ في كتابٍ من قَبْلِ أن نبرَأَهَا إنَّ ذلك على الله يسيرٌ(22)
لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتكم ولا تفرَحُوا بما آتاكُمْ والله لا يحبُّ كلَّ مُختالٍ فخور(23)}
ومضات:
ـ إن اعتقاد المؤمن أنه يتحرَّك ضمن دائرة الإرادة الإلهيَّة، يعطيه شعوراً بالاطمئنان أنَّ أمور الحياة مرتَّبة من قِبَل ربِّ العالمين، ومقدَّرة من لَدُنْ عليم حكيم، منذ خلق الأكوان وأراد لهذه الخليقة أن تكون. وهذا الشعور بالإحاطة الإلهيَّة يعطيه التوازن في عواطفه وردود أفعاله، فتكون معتدلة لا تطرُّف فيها، سواء في حالات الحزن أو الفرح، بحيث يمضي مع قدر الله في طواعية ورضا.
ـ إن الله تعالى لا يحبُّ من يختال طرباً، متباهياً بين أقرانه بما حَصَّل عليه من نعيم وعطاء متميزين، ناسباً الفضل لنفسه فيما آتاه الله، ناسياً فضل ربِّ العالمين في تقدير الأرزاق والأعمار بين الناس أجمعين.
في رحاب الآيات:
مَن للإنسان يحملُ عنه همومه ومصائبه وآلامه غير إيمانه القوي بحضرة الله؟؛ فكثيرٌ من الناسِ يُصابون بانهيارات عصبيَّة، أو أزمات قلبيَّة بمجرَّد تعرُّضهم لنكبة تقضُّ مضجعهم. أمَّا العبوديَّة الحقيقية لله فهي تعين المرء على الاستسلام الكامل لإرادة الحضرة الإلهيَّة، فما نحن سوى مؤتمنين من قِبَلِه عزَّ وجل على أنفسنا ومالنا وأهلنا، ولنا حقُّ الإدارة دون حقِّ الملكية المطلقة، لأننا وما نملك مِلك للمالك الأحد الفرد الصمد. وهذا الوجود هو من الدِّقة والتنظيم بحيث لا يقع فيه حادث إلا وهو مقدَّر منذ تصميمه، محسوب حسابه في كيانه، لا مكان فيه للمصادفة، فقبل خلق الأرض وخلق الأنفس، كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كلُّ حدث سيظهر للخلائق في وقته المعيَّن، وفي علم الله لا شيء ماضٍ، ولا شيء حاضرٌ، ولا شيء قادم، فتلك الفواصل الزمنيَّة إنما هي معالم لنا ـ نحن أبناء الفَناء ـ نرى بها حدود الأشياء، إذ لا ندرك الأشياء بغير حدود تميِّزها، حدود من الزمان، وحدود من المكان. وكلُّ حادث من خير أو شرٍّ يقع في الأرض هو في ذلك الكتاب الأزلي، من قبل ظهور الأرض في صورتها الَّتي ظهرت بها: {إنَّ ذلك على الله يسير}، ومن شأن معرفة هذه الحقيقة في النفس البشرية، أن تسكب فيها الطمأنينة عند استقبال الأحداث، خيرها وشرِّها، تلك الطمأنينة بالله، الَّتي يبحث عنها الملايين من البشر المنكوبين، لأن فيها تهدئة للعواطف، فلا فرح طاغٍ، ولا حزن مُدمِّر، بل عواطف متوازنة، متماسكة، تضع المرء في حجمه الحقيقي دون مباهاة ولا تفاخر، فالَّذي أعطى قادر على أن يأخذ، والَّذي وهب قادر على أن يمنع، وكلُّنا لا حول لنا ولا قوَّة إلا بالله العليِّ العظيم. قال عكرمة رضي الله عنه : (ليس أحدٌ إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبراً) وهذا هو الاعتدال الَّذي يتمتَّع به المسلم الحقيقي.
إن هذه العقيدة الَّتي تملأ نفس المؤمن، هي من أعظم العلاجات لآثار الحوادث المؤلمة الَّتي تصادف الإنسان في حياته، وهي في الوقت نفسه، تُعَدُّ من أشدِّ العوامل الإيجابيَّة في النظر إلى المستقبل، حيث يُقبِل الإنسان على عمله ومسؤولياته وهو واثق بأن عمله لن يذهب سدى، فإن هو نجح فقد حقَّق مراده، وقطف ثمرات سعيه، وشكر الله المنعم، فكان خيراً له، وإن حال بينه وبين هدفه عارض سلبي، من مرض أو خسارة أو ما شابه ذلك، علم أن ذلك مقدَّر كائن ولا يستطيع دفعه مهما بذل، وليس له ملاذٌ إلا الصبر فكان الصبر خيراً له، لأن من ثمار الصبر الأجر والمثوبة عند الله من جهة، والحفاظ على الأعصاب والملكات والصحَّة من جهة أخرى. وهكذا يُقْبِل المؤمن وكلُّه ثقة بالله عزَّ وجل على المستقبل، بكامل طاقاته وملكاته، ممَّا يهيِّئ له الفرصة للفوز والنجاح وتحقيق الأهداف، بعيداً عن التقاعس واليأس والقنوط.
.
.
قال الله تعالى: {ولا تقولنَّ لشيء إنِّي فاعلٌ ذلك غداً(23) إلاَّ أن يشاءَ الله واذكرْ
ربَّكَ إذا نسيتَ وقُلْ عسى أن يهدِيَنِ ربِّي لأقربَ من هذا رَشَداً(24)}
ومضات:
ـ إنَّ ربط المؤمن مشيئته بمشيئة الله عزَّ وجل، حالة روحية تذكِّره بالله في كلِّ حين، وتخلق لديه شعوراً بالثقة والطمأنينة والتسليم، وهذا لا يتنافى مع الدراسة والتخطيط المسبق الدقيق لأمور حياته كافَّة.
ـ يُرجِع بعض الناس أسباب تراخيهم وكسلهم إلى الإرادة الإلهيَّة، بقولهم (لو شاء الله لفعلنا) وهذا فهم خاطئ للعقيدة، فلو فعلوا لوجدوا أن الله قد شاء، ولا يمنعهم من تنفيذ ما أرادوه، فقد ترك لهم حرية الاختيار والعمل.
في رحاب الآيات:
إن كلَّ عمل من أعمال الكائن الحي مرهون بإرادة الله، وليس معنى هذا أن يقعد الإنسان دون تفكير في أمر المستقبل أو التدبير له، بل من المفروض في الإنسان العاقل أن يخطِّط لأموره كلِّها، ويبرمجها وفق نظام يتقيَّد به، وبذلك يستثمر كلَّ أوقاته بشكل مُجْدٍ لا هدر فيه. ولكن يجب أن لا يغيب عن باله أنه يعيش أصلاً ضمن المخطَّط الإلهي، وهذا يعني أن يحسب حساب الغيب، وحساب المشيئة الَّتي تدبِّره، وأن يعزم ويستعين بمشيئة الله، فلا يستبعد أن يكون لله تدبير غير تدبيره، فإن جرت مشيئة الله بغير ما دبَّر لم يحزن ولم ييئس لأن الأمر لله أوَّلاً وأخيراً.
وإن دوام إعمار القلب بذكر الله يُمَتِّن أواصر هذا الارتباط، ويعمِّق جذوره، وبه يحصل المؤمن على الطمأنينة، فلا يشعر بالهلع والجزع عندما تخرج الأمور من يده، وفي الوقت نفسه لا يتوانى عن مواصلة تعاطي الأسباب والمسبَّبات، ولا يُحِسُّ بكسلٍ أو تراخٍ، بل يشعر بالثقة والقوَّة لأنه لائذٌ بربه، راضٍ بقضائه، فإذا انكشف له تدبير الله المخالف لتدبيره، فإنه سيقبل قضاءه بالرضا والتسليم.
لا يدفع المرء ما يأتي به القدر و في الخطوب إذا فكرت معتبر
فليس ينجي من الأقدار إن نزلت رأي وحزم ولاخوف ولاحذر
فاستعمل الصبر في كل الأمور ولاتجزع لشيء فعقبى صبرك الظفر
كــــم مسّـنا عسر فصـــرفه إلا لــــــه عنا و ولّى بعـــــــــده يســـرُ
لا ييأس المرء من روح الإلــــــــــه فما ييأس منه إلا عصبة كفروا
إني لأعلم أن الدهر ذو دولو أن يوميه ذا أمـــــــــن و ذا خطر