شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى
اعلم أن أسعد الخلق حالاً في الآخرة أقواهم حباً لله تعالى فإن الآخرة معناها القدوم على الله تعالى ودرك سعادة لقائه وما أعظم نعيم المحب إذا قدم على محبوبه بعد طول شوقه وتمكن من دوام مشاهدته أبد الآباد من غير منغص ومكدر ومن غير رقيب ومن غير خوف انقطاع إلا أن هذا النعيم على قدر قوة الحب فكلما ازدادت المحبة ازدادت اللذة وإنما يكتسب العبد حب الله تعالى في الدنيا
وأصل الحب قطع علائق الدنيا وحب الله من القلب ( ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) وكمال الحب في أن يحب الله عز وجل بكل قلبه.
وما دام يلتفت إلى غيره فبقدر ما يشغل بغير الله ينقص منه حب الله
ومعنى قولك (لا إله إلا الله )أي معبود ولا محبوب سواه فكل محبوب فإنه معبود فإن العبد هو المقيد والمعبود هو المقيد به وكل محب مقيد بما يحبه.
ولذلك قال عليه السلام( من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة ) ومعنى الإخلاص أن يخلص قلبه لله فلا يبقى فيه شرك لغير الله فيكون الله محبوب قلبه
فما حال من ليس له إلا محبوب واحد وقد طال إليه شوقه وتمادى عنه حبسه فخلى من السجن ومكن من المحبوب أبد الآباد
فأحد أسباب ضعف حب الله في القلوب قوة حب الدنيا ومنه حب الأهل والمال والولد والأقارب والعقار والدواب والبساتين والمنتزهات
ملتفت إلى نعيم الدنيا ومتعرض لنقصان حب الله تعالى بسببه فبقدر ما أنس بالدنيا فينقص أنسه بالله ولا يؤتى أحد من الدنيا شيئاً بقدره من الآخره
وسبيل قلع حب الدنيا من القلب سلوك طريق الزهد وملازمة الصبر والانقياد إليهما بزمام الخوف والرجاء.
الإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والناروالخوف والرجاء ويتشعب منهما التوبة والصبر عليهما.
بقوله عليه السلام( الطهور شطر الإيمان )
ولقوة المحبة قوة معرفة الله تعالى واتساعها واستيلاؤها على القلب وذلك بعد تطهير القلب من جميع شواغل الدنيا
والكلمة الطيبة التي ضرب الله بها مثلاً حيث قال-( إليه يصعد الكلم الطيب )وإنما العمل الصالح كله في تطهير القلب من الدنيا
ويتزين بعلم المعرفة ولا يوصل إلى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب إلا بالفكر الصافي والذكر الدائم والنظر المستمر في الله تعالى وفي ملكوت سمواته وسائر مخلوقاته.
فاعلم أن الطريق الأعلى هو الاستشهاد بالحق سبحانه على سائر الخلق
لإعراضها عن التدبر واشتغالها بشهوات الدنيا وحظوظ النفس
صورة الإنسان على الشهوات الدنيا في التهافت على النار إذ تلوح أنوار الشهوات من حيث ظاهر صورتها ولا يدري أن تحتها السم القاتل فلا يزال يرمي نفسه عليها إلى أن ينغمس فيها ويتقيد بها ويهلك هلاكاً مؤبداً يبقى في النار أبد الآباد أو مدة مديدة
ولا نسبة لما أحاط به العلماء والأنبياء كلهم إلى ما استأثر الله تعالى بعلمه بل كل ما عرفه الخلق لا يستحق أن يسمى علماً في جنب علم الله تعالى
وبزيادة المعرفة تزداد المحبة فإن كنت طالباً سعادة لقاء الله تعالى فانبذ الدنيا وراء ظهرك واستغرق العمر في الذكر الدائم والفكر اللازم فعساك تحظى منها ملكاً عظيماً لا آخر له.
و في قوله تعالى (فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم )
وأما من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله تعالى ولا يعرف في الوجود غيره
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال( إذا أحب الله تعالى عبداً لم يضره ذنب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له)
اللهم رضني بقضائك وصبرني على بلائك وأوزعني شكر نعمائك.
فنسأل الله تعالى أن يزيدنا علماً ورشداً ويرينا الحق حقاً.