منقول من موقع صيد الخاطر
إنها .... ولكن حافظا عليها !! (1)
فيصل بن سعود الحليبي
لقد أتم أحمد تجهيز كل شيء لزواجه الليلة ، ولم يبق إلا تنسيق الهدايا التي جلبها له أقرباؤه وأحبابه لتكون أكثر جمالاً حينما يريد قضاء وقت مفعم بالفرح والمفاجأة مع عروسه في معرفة ما تخبؤه هذه المعلبات الجميلة من هدايا معبرة عن وفاء أصحابه ومحبتهم له .
غير أن أحمد تذكر صديقه الحميم عبد الرحمن ، وأخذه شيء من التعجب ، حيث إنه لم يجد له هدية ولو صغيرة ضمن هذه الهدايا ، ولكن محبته له جعلته يحمل هذا الأمر على انشغاله أو نسيانه ..
وفجأة .. طُرق الباب ..
_ مَن الطارق ؟
_ افتح أيها العريس السعيد .. أنا عبد الرحمن .
_ عبد الرحمن !! تفضّل تفضّل .. كأنك أحسست بما في خاطري !!
_ وماذا في خاطرك الآن ...
_ لا شيء .. لا شيء .. ولكنني سألت عنك .
_ أعرف يا أحمد .. إنك تسأل عن هديتك طبعًا .. عفوًا فقد تأخرت في إيصالها إليك ، وأنا آسف لذلك .. وهاهي ذي الهدية قد وصلت ، وأرجوك أن تسامحني على التقصير ..
هنا : أخرج عبد الرحمن صندوقًا لونه كلون الذهب في بريقه وجماله ، وثقله ثقل الحديد ، فناوله أحمد .. فعجب أحمد من ثقله فقال :
_ لقد أثقلت كثيرًا على نفسك بشراء هذه الهدية الثمينة ..
_ لا .. إنها شيء يسير لا يفي بشيء من محبتي لك ، أرجو ألا آخذ من وقتك كثيرًا فأنت الآن مشغول ، والمشغول لا يشغل ، أتمنى لك السعادة يا أخي ..
مضى عبد الرحمن .. تاركًا أحمد يحملق بعينيه إلى هديته ، وقد أسره الشوق الشديد لمعرفة ما يحتويه هذا الصندوق الذهبي الثقيل .. كيف لا وهي من أعز صديق في أجمل مناسبة وأروع فرحة .. شكر أحمد صديقه في قلبه ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة وفاء وثناء ، ثم اختار أن تكون هذه الهدية آخر الهدايا عرضًا على زوجته ، لتكون مسك الختام .
دخل أحمد على عروسه التي طالما هفت نفسه للقائها والتحدث إليها ، وبعد أن انقضت اللحظات الأولى ، واطمأنت نفس كلا العروسين للآخر .
لم ينتظر أحمد طويلاً بل سارع بدعاء زوجته لكشف خبايا هذه الهدايا ، وكلما فتح واحدة ذكر اسم صاحبها مثنيًا عليه بما يعرفه عنه ، غير أن الزوجة شدها ذلك الصندوق الذهبي فقالت :
_ وممن هذا الصندوق الجميل يا أحمد ؟
_ إنه من أعز أصدقائي ، إنه من عبد الرحمن الذي حدثتك عنه كثيرًا ..
_ هيا أسرع لنرى ما أهداك فيه .. فلابد أنها هدية في قمة الروعة ..
_ انتظري قليلاً فإنها آخر هدية سوف أعرضها عليك .. يبدو أنك مثلي مشتاقة إلى الكشف عنها .
_ أتردني يا أحمد في أول طلب لي .. أرجوك أريد أن أفتح الصندوق الآن وبنفسي أيضًا ..
_ لا بأس .. نفتحه الآن .. ولكن أنا الذي أفتحه ثم أخبرك بما فيه ..
_ أحضر أحمد الصندوق تلبية لطلبها .. ففتحه .. فكانت المفاجأة .. وعلت على وجهه حمرة الخجل ..
_ ماذا جرى لك يا أحمد .. أخبرني .. فإني في شوق لهدية أعز صديق لك ..
لم يستطع أحمد السكوت .. بل تمتم بكلمتين فقط قائلاً : الصندوق فارغ .. فارغ .. يا زوجتي العزيزة ..
_ فارغ .. !! أرأيت .. لقد بالغت كثيرًا في ثنائك على عبد الرحمن .. وأسرعت في مدحك له .. وهذه الهدية الجميلة تشهد بذلك !!
_ أرجوك .. لا تتسرعي هكذا في الحكم عليه ، فربما كانت العجلة في تنسيق الهدية سبب في نسيانها .. وسوف أثبت لك ذلك ..
أخرج أحمد الهاتف من جيبه على قلق منه واضطراب .. ثم اتصل بصديقه عبد الرحمن .. أجابه عبد الرحمن مباشرة بابتسامة ومرح :
_ أفي مثل هذه الساعة تتصل بي يا عريس ..هل تريد مني خدمة أقضيها لك ؟
أجابه أحمد بنوع من الجفاء قائلاً له :
_ أفي مثل هذه الليلة توقعني في مثل هذا الإحراج يا عبد الرحمن !! هل هذا وقت مزاح ؟
_ ما الأمر يا أحمد !!
_ هديتك .. صندوق فارغ .. فارغ يا أعز صديق !!
_ ابتسم عبد الرحمن ثم قال : إنه ليس بفارغ .. فقط تأمله .. تأمله جيدًا ..
_ ليس بفارغ !!
هنا .. جذبت الزوجة الصندوق من يدي زوجها .. لتمعن النظر فيه ، فإذا بها تجد شيئًا غريبًا .. إنها شعرة طويلة .. فأمسكتها من طرفها ملوحة بها أمام ناظر أحمد ، فأمسكها أحمد من طرفها الآخر وهو في غاية العجب والاستنكار ، وبقيت الشعرة بين يديهما ، فصرخ أحمد في الهاتف على عبد الرحمن مستحقرًا ما رأى :
_ شعرة .. !! شعرة يا عبد الرحمن !!
فقال عبد الرحمن : نعم : إنها شعرة ... ولكن حافظا عليها ...
**************
عفوًا أيها الزوجان الكريمان .. لست أقصد أن الذي بينكما هو تلك الشعرة الضعيفة الرقيقة ، بل إن ما بينكما ميثاق وصفه الله بالغلظ فقال : { وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [ النساء ( 21 ) ] .
غير أن عقد الزواج اقتران بين روحين ، تنبت على ضفافه ورود السكن والمودة والرحمة التي قال الله فيها : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .
وإنه لعقد تقطع الأرواح فيه على نفسها مواثيق الصفاء والأمانة ، وتوقع فيها تواقيع التضحية والبذل ، والصبر والشكر .
ولكن لما كان الزوجان قد تربى كل واحد منهما في بيئة تختلف عن الأخرى ، وتطبع كل منهما بأطباع تلك البيئة وتقاليدها وأخلاقها ، كان من الطبيعي أن يكون لكل منهما طريقة تختلف عن الآخر في التعامل ، ومنهج ينفرد به في بعض التصرفات ، وإذا نظرنا إلى هذا السلوك التي تميز بها أحد الزوجين عن الآخر نظرة منطقية فإنه لا يخلو من أربع حالات :
الأولى : سلوك يرضى به الطرف الآخر ، أو يستحسنه ، وقد يستفيد منه ، ويتطبع به ، كالحلم ، والأناة ، والمشورة ، ونحو ذلك .
الثانية : سلوك لا يقف منه الطرف الآخر موقف الرافض أو الراضي ، وذلك لأنه لا مسيس له باتفاقهما أو اختلافهما ، ولا أثر له على حقوق أحد منهما بالآخر ، فهذا لا يؤثر على حياتهما ، ولا يكون مثار جدل بينهما ، كطريقة الجلوس ، والأكل والشرب ، والرغبة في بعض المأكولات والرغبة عن بعضها الآخر ، ونحو ذلك .
الثالثة : سلوك قد يتضايق منه الطرف الآخر ، ولكن من السهولة تغييره من أجل الوفاق والوئام ، كاختيار وقت الوجبات ، والنوم ، والزيارات ، والقراءة ، فهذا يجب السعي في تغييره بكل الوسائل ، لأنه يضاعف السعادة ويزيد في الأنس .
الرابعة : سلوك يتضايق منه الطرف الآخر ، ويجب تغييره ، ولو كان تغييره صعبًا ، كعدم طاعة الزوجة لزوجها في الحلال ، أو كعدم إعطاء الزوج زوجته حقوقها الواجبة لها شرعًا ، أو بذاءة اللسان ، أو إخلاف الوعد ، أو عدم الغيرة ، ونحو ذلك ، ووجوب تغيير هذا السلوك إنما هو صادر من الشرع ، حيث قال الله تعالى :
{ وعاشروهن بالمعروف } ، وقال تعالى : { فإمساك بمعروف } .
الخامسة : سلوك يتضايق منه الطرف الآخر ، ويصعب تغييره ، ولكن لا يتعلق به محذور شرعي ، ويمكن أن يصبر عليه الطرف المتضايق ويحتسب الأجر فيه ، وهو الذي غالبًا ما تنشأ عنه الخلافات الزوجية ، التي قد يكون مصيرها أحيانًا إلى الطلاق ، كسرعة الغضب ، أو الفتور العاطفي والعملي ، أو إظهار معنى التسلط والقوة ، فهذا هو السلوك الذي يجب أن يكون بين الزوجين بسببه شعرة معاوية ، بحيث إذا بلغت نتائج هذا التصرف إلى الشدة من قبل أحدهما كان على الآخر أن يرخي حتى لا تنقطع بينهما هذه الشعرة ، وقد أشار النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك فقال : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) ، رواه مسلم .
لقد استطاع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن يقود سفينة الأمة إلى بر الأمان بشعرته التي قال فيها : بيني وبين الناس شعرة لا تنقطع ؛ إذا شدوا أرخيت ، وإذا أرخوا شددت .
فهل تستطيع أيها الزوج الحبيب أن تقود أسرتك بنجاح بمثل هذا الشعرة !! ، فإنه ليس المهم فحسب أن نبدأ بالمحبة ، ولكن أن نستمر عليها ... ،،،
إنها .... ولكن حافظا عليها !! (1)
فيصل بن سعود الحليبي
لقد أتم أحمد تجهيز كل شيء لزواجه الليلة ، ولم يبق إلا تنسيق الهدايا التي جلبها له أقرباؤه وأحبابه لتكون أكثر جمالاً حينما يريد قضاء وقت مفعم بالفرح والمفاجأة مع عروسه في معرفة ما تخبؤه هذه المعلبات الجميلة من هدايا معبرة عن وفاء أصحابه ومحبتهم له .
غير أن أحمد تذكر صديقه الحميم عبد الرحمن ، وأخذه شيء من التعجب ، حيث إنه لم يجد له هدية ولو صغيرة ضمن هذه الهدايا ، ولكن محبته له جعلته يحمل هذا الأمر على انشغاله أو نسيانه ..
وفجأة .. طُرق الباب ..
_ مَن الطارق ؟
_ افتح أيها العريس السعيد .. أنا عبد الرحمن .
_ عبد الرحمن !! تفضّل تفضّل .. كأنك أحسست بما في خاطري !!
_ وماذا في خاطرك الآن ...
_ لا شيء .. لا شيء .. ولكنني سألت عنك .
_ أعرف يا أحمد .. إنك تسأل عن هديتك طبعًا .. عفوًا فقد تأخرت في إيصالها إليك ، وأنا آسف لذلك .. وهاهي ذي الهدية قد وصلت ، وأرجوك أن تسامحني على التقصير ..
هنا : أخرج عبد الرحمن صندوقًا لونه كلون الذهب في بريقه وجماله ، وثقله ثقل الحديد ، فناوله أحمد .. فعجب أحمد من ثقله فقال :
_ لقد أثقلت كثيرًا على نفسك بشراء هذه الهدية الثمينة ..
_ لا .. إنها شيء يسير لا يفي بشيء من محبتي لك ، أرجو ألا آخذ من وقتك كثيرًا فأنت الآن مشغول ، والمشغول لا يشغل ، أتمنى لك السعادة يا أخي ..
مضى عبد الرحمن .. تاركًا أحمد يحملق بعينيه إلى هديته ، وقد أسره الشوق الشديد لمعرفة ما يحتويه هذا الصندوق الذهبي الثقيل .. كيف لا وهي من أعز صديق في أجمل مناسبة وأروع فرحة .. شكر أحمد صديقه في قلبه ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة وفاء وثناء ، ثم اختار أن تكون هذه الهدية آخر الهدايا عرضًا على زوجته ، لتكون مسك الختام .
دخل أحمد على عروسه التي طالما هفت نفسه للقائها والتحدث إليها ، وبعد أن انقضت اللحظات الأولى ، واطمأنت نفس كلا العروسين للآخر .
لم ينتظر أحمد طويلاً بل سارع بدعاء زوجته لكشف خبايا هذه الهدايا ، وكلما فتح واحدة ذكر اسم صاحبها مثنيًا عليه بما يعرفه عنه ، غير أن الزوجة شدها ذلك الصندوق الذهبي فقالت :
_ وممن هذا الصندوق الجميل يا أحمد ؟
_ إنه من أعز أصدقائي ، إنه من عبد الرحمن الذي حدثتك عنه كثيرًا ..
_ هيا أسرع لنرى ما أهداك فيه .. فلابد أنها هدية في قمة الروعة ..
_ انتظري قليلاً فإنها آخر هدية سوف أعرضها عليك .. يبدو أنك مثلي مشتاقة إلى الكشف عنها .
_ أتردني يا أحمد في أول طلب لي .. أرجوك أريد أن أفتح الصندوق الآن وبنفسي أيضًا ..
_ لا بأس .. نفتحه الآن .. ولكن أنا الذي أفتحه ثم أخبرك بما فيه ..
_ أحضر أحمد الصندوق تلبية لطلبها .. ففتحه .. فكانت المفاجأة .. وعلت على وجهه حمرة الخجل ..
_ ماذا جرى لك يا أحمد .. أخبرني .. فإني في شوق لهدية أعز صديق لك ..
لم يستطع أحمد السكوت .. بل تمتم بكلمتين فقط قائلاً : الصندوق فارغ .. فارغ .. يا زوجتي العزيزة ..
_ فارغ .. !! أرأيت .. لقد بالغت كثيرًا في ثنائك على عبد الرحمن .. وأسرعت في مدحك له .. وهذه الهدية الجميلة تشهد بذلك !!
_ أرجوك .. لا تتسرعي هكذا في الحكم عليه ، فربما كانت العجلة في تنسيق الهدية سبب في نسيانها .. وسوف أثبت لك ذلك ..
أخرج أحمد الهاتف من جيبه على قلق منه واضطراب .. ثم اتصل بصديقه عبد الرحمن .. أجابه عبد الرحمن مباشرة بابتسامة ومرح :
_ أفي مثل هذه الساعة تتصل بي يا عريس ..هل تريد مني خدمة أقضيها لك ؟
أجابه أحمد بنوع من الجفاء قائلاً له :
_ أفي مثل هذه الليلة توقعني في مثل هذا الإحراج يا عبد الرحمن !! هل هذا وقت مزاح ؟
_ ما الأمر يا أحمد !!
_ هديتك .. صندوق فارغ .. فارغ يا أعز صديق !!
_ ابتسم عبد الرحمن ثم قال : إنه ليس بفارغ .. فقط تأمله .. تأمله جيدًا ..
_ ليس بفارغ !!
هنا .. جذبت الزوجة الصندوق من يدي زوجها .. لتمعن النظر فيه ، فإذا بها تجد شيئًا غريبًا .. إنها شعرة طويلة .. فأمسكتها من طرفها ملوحة بها أمام ناظر أحمد ، فأمسكها أحمد من طرفها الآخر وهو في غاية العجب والاستنكار ، وبقيت الشعرة بين يديهما ، فصرخ أحمد في الهاتف على عبد الرحمن مستحقرًا ما رأى :
_ شعرة .. !! شعرة يا عبد الرحمن !!
فقال عبد الرحمن : نعم : إنها شعرة ... ولكن حافظا عليها ...
**************
عفوًا أيها الزوجان الكريمان .. لست أقصد أن الذي بينكما هو تلك الشعرة الضعيفة الرقيقة ، بل إن ما بينكما ميثاق وصفه الله بالغلظ فقال : { وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [ النساء ( 21 ) ] .
غير أن عقد الزواج اقتران بين روحين ، تنبت على ضفافه ورود السكن والمودة والرحمة التي قال الله فيها : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .
وإنه لعقد تقطع الأرواح فيه على نفسها مواثيق الصفاء والأمانة ، وتوقع فيها تواقيع التضحية والبذل ، والصبر والشكر .
ولكن لما كان الزوجان قد تربى كل واحد منهما في بيئة تختلف عن الأخرى ، وتطبع كل منهما بأطباع تلك البيئة وتقاليدها وأخلاقها ، كان من الطبيعي أن يكون لكل منهما طريقة تختلف عن الآخر في التعامل ، ومنهج ينفرد به في بعض التصرفات ، وإذا نظرنا إلى هذا السلوك التي تميز بها أحد الزوجين عن الآخر نظرة منطقية فإنه لا يخلو من أربع حالات :
الأولى : سلوك يرضى به الطرف الآخر ، أو يستحسنه ، وقد يستفيد منه ، ويتطبع به ، كالحلم ، والأناة ، والمشورة ، ونحو ذلك .
الثانية : سلوك لا يقف منه الطرف الآخر موقف الرافض أو الراضي ، وذلك لأنه لا مسيس له باتفاقهما أو اختلافهما ، ولا أثر له على حقوق أحد منهما بالآخر ، فهذا لا يؤثر على حياتهما ، ولا يكون مثار جدل بينهما ، كطريقة الجلوس ، والأكل والشرب ، والرغبة في بعض المأكولات والرغبة عن بعضها الآخر ، ونحو ذلك .
الثالثة : سلوك قد يتضايق منه الطرف الآخر ، ولكن من السهولة تغييره من أجل الوفاق والوئام ، كاختيار وقت الوجبات ، والنوم ، والزيارات ، والقراءة ، فهذا يجب السعي في تغييره بكل الوسائل ، لأنه يضاعف السعادة ويزيد في الأنس .
الرابعة : سلوك يتضايق منه الطرف الآخر ، ويجب تغييره ، ولو كان تغييره صعبًا ، كعدم طاعة الزوجة لزوجها في الحلال ، أو كعدم إعطاء الزوج زوجته حقوقها الواجبة لها شرعًا ، أو بذاءة اللسان ، أو إخلاف الوعد ، أو عدم الغيرة ، ونحو ذلك ، ووجوب تغيير هذا السلوك إنما هو صادر من الشرع ، حيث قال الله تعالى :
{ وعاشروهن بالمعروف } ، وقال تعالى : { فإمساك بمعروف } .
الخامسة : سلوك يتضايق منه الطرف الآخر ، ويصعب تغييره ، ولكن لا يتعلق به محذور شرعي ، ويمكن أن يصبر عليه الطرف المتضايق ويحتسب الأجر فيه ، وهو الذي غالبًا ما تنشأ عنه الخلافات الزوجية ، التي قد يكون مصيرها أحيانًا إلى الطلاق ، كسرعة الغضب ، أو الفتور العاطفي والعملي ، أو إظهار معنى التسلط والقوة ، فهذا هو السلوك الذي يجب أن يكون بين الزوجين بسببه شعرة معاوية ، بحيث إذا بلغت نتائج هذا التصرف إلى الشدة من قبل أحدهما كان على الآخر أن يرخي حتى لا تنقطع بينهما هذه الشعرة ، وقد أشار النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى ذلك فقال : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ) ، رواه مسلم .
لقد استطاع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن يقود سفينة الأمة إلى بر الأمان بشعرته التي قال فيها : بيني وبين الناس شعرة لا تنقطع ؛ إذا شدوا أرخيت ، وإذا أرخوا شددت .
فهل تستطيع أيها الزوج الحبيب أن تقود أسرتك بنجاح بمثل هذا الشعرة !! ، فإنه ليس المهم فحسب أن نبدأ بالمحبة ، ولكن أن نستمر عليها ... ،،،