اليوبيل الماسي
موقوف
الاقتصادية 14/03/2009
صندوق النقد الدولي أن الصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي تكبدت كثيرا من الخسائر في استثماراتها في المؤسسات المالية العالمية، إلا أن حجم هذه الخسائر يتفاوت بين صندوق وآخر تبعا لطبيعة الاستثمارات في هذه الصناديق. إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن هذه الدول في أوضاع مالية جيدة تمكنها من امتصاص الصدمات الاقتصادية فقد دخلت هذه البلدان الأزمة في وضع قوي بصورة ممتازة، ويمنحها ذلك مناعة كبيرة ضد التراجع العالمي.
وحسب تقديرات مؤسسة الخدمات المالية الدولية ارتفعت قيمة الأصول الخاضعة لإدارة صناديق الثروة السيادية بنسبة 18 في المائة خلال عام 2008، لتصل إلى 3.9 تريليون دولار. أما الخسائر التي منيت بها الصناديق فيما يتصل ببعض استثماراتها خلال العام، فقد تم تعويضها بتدفقات مالية جديدة تجاوزت حجم الخسائر. وإضافة إلى ذلك، توجد 5.5 تريليون دولار إضافية ارتبطت بكيانات استثمارية سيادية أخرى، مثل صناديق المعاشات والصناديق التنموية. ومن المتوقع تباطؤ معدل النمو السنوي الذي شهدته صناديق الثروة السيادية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، البالغ 18 في المائة، جراء انخفاض أسعار السلع في الفترة الأخيرة، خاصة النفط، وانكماش الاقتصاد العالمي، ما قد يسفر عن تباطؤ عمليات تراكم احتياطيات النقد الأجنبي في الدول الآسيوية.
ووفقا للمؤسسة تكبدت صناديق الثروة السيادية، خاصة الآسيوية منها منذ اندلاع أزمة الرهن العقاري، خسائر ضخمة فيما يتصل بما يزيد على 60 مليار دولار تستثمرها في المصارف التابعة للولايات المتحدة وسويسرا والمملكة المتحدة. ونتيجة لذلك ولحالة الانكماش التي مني بها الاقتصاد العالمي أولت صناديق الثروة السيادية اهتماماً أكبر خلال الفترة الأخيرة بعمليات ضخ السيولة والمساعدة على تنشيط اقتصاداتها المحلية.
ووصلت قيمة ما تملكه صناديق الثروة السيادية التي يجري تمويلها من خلال عائدات الصادرات من السلع، خاصة النفط، إلى 2.5 تريليون دولار بنهاية عام 2008 منها 875 مليار دولار عائدة إلى هيئة أبو ظبي للاستثمار 433 مليار دولار لساما و265 مليار دولار لهيئة الاستثمار الكويتية و83 مليار دولار لهيئة دبي للاستثمار و60 مليارا لهيئة قطر للاستثمار.
ويشير الصندوق إلى بعض التقديرات الأولية التي توضح أن الصناديق السيادية ذات المخصصات العالية في الأسهم والأسواق الناشئة والحصص في الشركات الخاصة ربما تكون قد فقدت نحو 40 في المائة من قيمة حوافظها في الفترة بين كانون الأول (ديسمبر) 2007 وكانون الأول (ديسمبر) 2008. ومن ناحية أخرى شهدت الصناديق السيادية ذات الحوافظ التي تتسم بالتحفظ تراجعا محدودا في قيمة حوافظها. ومع هذا فمازالت الصناديق السيادية تمتلك احتياطيات كبيرة.
وفي مختلف أنحاء مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي لم يتأثر القطاع المصرفي كثيرا وذلك بفضل متانة أوضاعه في بعض هذه الدول واندماجه المحدود في الأسواق المالية العالمية في دول أخرى. ومع هذا فإن عديدا من البنوك تتوخى الحذر في قرارات الإقراض فيما تشهد بعض البلدان توقف نشاط الائتمان.
وقد تباين تأثير الأزمة المالية العالمية في البورصات العربية تباينا كبيرا من بلد لآخر. وظهرت الآثار في فترة مبكرة في البلدان ذات الروابط القوية بالأسواق المالية العالمية فقد هبطت مؤشرات البورصات في المنطقة بنسبة 50 في المائة في المتوسط. وشهدت مؤشرات أسواق الأوراق المالية في بلدان مجلس التعاون الخليجي تراجعا تراوح بين 30 و60 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2008. وردا على ذلك أعلنت هذه البلدان إجراءات وآليات إنقاذ متباينة للحفاظ على السيولة وتدعيم بورصاتها. ولم تسلم من التراجع أسواق الأوراق المالية في البلدان خارج مجلس التعاون الخليجي. إلا أن بعض المؤشرات، ومنها مؤشرا لبنان وتونس، اتسمت بمرونة نسبية.
كما كان للأزمة المالية العالمية تأثير فوري في إمكانية الحصول على التمويل الخارجي في مختلف أنحاء العالم. وقد زادت هوامش الاقتراض على القروض السيادية وقروض الشركات في الأسواق الناشئة. ولم تمثل البلدان العربية استثناء لهذا الوضع. ومع هذا فقد كانت البلدان العربية أقل تأثرا بأزمة الائتمان فمع دخولها الأزمة بموازين مدفوعات ذات مراكز جيدة أو امتلاكها موارد بديلة لتمويل العجز الكبير في حساباتها الجارية، مثل التحويلات المالية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو المساعدات الخارجية، تمكنت البلدان العربية من تجنب اللجوء إلى الأسواق في النصف الثاني من عام 2008.
وفيما يخص التأثير المحتمل حتى الآن في الاقتصاد الحقيقي للعالم العربي قال الصندوق إن معظم البلدان العربية بشكل عام لم تتعرض بدرجة كبيرة للآثار المالية للأزمة حتى الآن. ومع هذا فإن تأثير هذه الأزمة في الاقتصاد الحقيقي مازال يكشف عن وجهه ويمكن أن يكون كبيرا في عديد من البلدان فالبلدان التي تتمتع بمساحة للمناورة في ماليتها العامة خلال مواجهتها الأزمة ستكون في وضع أقوى خلال التعامل مع آثارها في الاقتصاد الحقيقي والقطاع العائلي.
ورغم ذلك، فإن عديدا من البلدان العربية كانت تعاني عجزا ماليا وهي مقبلة على الأزمة. وتواجه أغلب البلدان العربية بالفعل تراجعا في نمو الصادرات نتيجة للتراجع الاقتصادي العالمي أو انخفاض أسعار النفط. ومع ذلك فإن تأثير بطء الاقتصاد العالمي سيتباين حسب الوضع الأولي للحسابات المالية والخارجية ودرجة الاندماج الاقتصادي مع المناطق التي تأثرت بدرجة عالية.
وأضاف أنه يمكن تصنيف بلدان المنطقة إلى أربع فئات من أجل مناقشة القنوات المحتملة لنقل الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي.
أولا، هناك بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، التي تتمتع بقدرات مالية كبيرة وعدد قليل من السكان. هذه الفئة في أفضل وضع لامتصاص الصدمات الاقتصادية فقد دخلت هذه البلدان الأزمة في وضع قوي بصورة ممتازة. ويمنحها ذلك مناعة كبيرة ضد التراجع العالمي. وسيأتي أكبر تأثير للأزمة الاقتصادية العالمية في شكل انخفاض أسعار النفط، التي تبقى أكثر العناصر المنفردة أهمية في تحديد الأداء الاقتصادي. وسيرغمها استمرار أسعار النفط في الهبوط على السحب من الاحتياطي المالي وتقليص الاستثمارات. وإذا انخفضت أسعار النفط بدرجة كبيرة فقد ينتكس الأداء الاقتصادي مثلما حدث خلال الصدمات النفطية في السابق. وسينعكس التأثير الأولي على المالية العامة وعلى توظيف العمالة الوافدة، لكن هذا السيناريو ما زال بعيدا.
ثانيا، هناك البلدان المصدرة للنفط ذات الكثافة السكانية العالية والاحتياجات الاجتماعية الكبيرة، لكنها ذات فوائض مالية أقل من بلدان مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن هذه البلدان من مصدري النفط وذات عوائد نفطية كبيرة إلا أنها ذات كثافة سكانية عالية وتتحمل التزامات اجتماعية كبيرة مما يجعل من الصعب عليها ضبط الإنفاق عند حدوث تراجع اقتصادي. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة المالية العالمية بأوضاع مالية وخارجية أضعف من بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. ومن المرجح أن تؤدي هذه الأزمة إلى تسريع وتيرة التراجع في الفائض التجاري لدى هذه الفئة. ويرجح أن تواجه هذه الحكومات تحديات مالية وهي تسعى جاهدة لمواجهة التحديات الاجتماعية الطويلة الأجل مثل البطالة. وربما تتأثر الأسر المعيشية والوظائف مع تدني الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.
ثالثا، هناك البلدان غير المصدرة للنفط ذات الروابط القوية ببلدان مجلس التعاون الخليجي من خلال التحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، أو التي تعتمد بشدة على المساعدات الخارجية أو على كل منهما. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة وهي في أضعف حال من ناحية الأرصدة المالية والخارجية. ويؤدي الهبوط السريع لأسعار النفط أو استمرار انخفاض أسعاره إلى تعريض هذه البلدان لتقلص شديد في التحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من بلدان مجلس التعاون الخليجي. كما أن استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية سيجعلها أكثر تعرضا لانخفاض المساعدات الأجنبية. ويرجح أن تتأثر ميزانيات الأسر والحكومات معا. وستظهر على الأرجح ضغوط اجتماعية مع انكماش الحيز المالي وضعف شبكات الأمان الاجتماعي وعودة العمالة المغتربة.
رابعا، هناك البلدان ذات التنوع الاقتصادي والروابط التجارية والسياحية القوية بأوروبا. هذه البلدان ستشعر بأكبر تأثير اقتصادي بسبب هبوط الطلب الأوروبي على الواردات والإنفاق السياحي، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من أوروبا سوف تتراجع. وسيضيف هذا التأثير القادم من منطقة اليورو إلى قنوات أخرى أقل أهمية ربما تتأثر بها هذه البلدان. وستظهر هذه التأثيرات بشكل مباشر في قطاع مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وفي التوظيف ودخل الأسر؛ أما الآثار في المالية العامة والقطاع المصرفي المحلي فستظهر في جولة ثانية.
وقد بادرت حكومات دول مجلس التعاون والدول العربية إلى اتخاذ عدد من التدابير للتعامل مع مواطن الضعف التي حددتها في اقتصادها فعلى سبيل المثال، تدخلت بلدان مجلس التعاون الخليجي مبكرا لمساندة أنظمتها المصرفية وبورصاتها. وقد فعلت ذلك عن طريق تخفيف السياسات المالية، وتأمين الالتزامات على النظام المصرفي (بما في ذلك ضمان الودائع)، وأيضا عن طريق ضخ سيولة نقدية جديدة حينما اقتضى الأمر، فعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية خطة للإنفاق الاستثماري وقدمت أموالا للبنك السعودي للتسليف والادخار لتأمين السلف للأسر المنخفضة الدخل. وتعكف الكويت على مناقشة مجموعة إجراءات للمساعدة على استقرار الأوضاع الاقتصادية. كما أعلنت مصر مجموعة إجراءات للتحفيز المالي تهدف إلى الاستثمار في البنية التحتية لخلق فرص عمل. وفي الأردن تم وضع ودائع مكفولة بضمانات في البنوك المحلية والإعلان عن برنامج للتحفيز المالي. وأعلنت تونس إجراءات لمساندة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة ولتهيئة فرص العمل.
وشدد الصندوق على أنه ربما تكون الأزمة المالية العالمية فرصة فعلية لإعادة هيكلة برامج شبكات الأمان وذلك لتحرير مزيد من الموارد من أجل الفقراء ومن تأثروا بالأزمة بدرجة كبيرة. ثانيا، على البلدان أن تنتبه وهي تضع برامج التحفيز الاقتصادي إلى معالجة القيود والاختناقات التي تعوق النمو على المدى الطويل، فالاستثمار في إزالة هذه الاختناقات يمكن أن يساعد على خلق فرص عمل ويعزز الاستهلاك على المدى القصير في الوقت الذي يشجع فيه النمو المحتمل في فترة ما بعد الأزمة. ثالثا، يجب تركيز الانتباه أيضا على تنسيق المحفزات المالية في مختلف البلدان حتى يمكن لهذه المحفزات أن تؤازر بعضها بعضا.
المصدر _
http://www.argaam.com/Portal/......./ArticleDetail.aspx?articleid=97961
صندوق النقد الدولي أن الصناديق السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي تكبدت كثيرا من الخسائر في استثماراتها في المؤسسات المالية العالمية، إلا أن حجم هذه الخسائر يتفاوت بين صندوق وآخر تبعا لطبيعة الاستثمارات في هذه الصناديق. إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن هذه الدول في أوضاع مالية جيدة تمكنها من امتصاص الصدمات الاقتصادية فقد دخلت هذه البلدان الأزمة في وضع قوي بصورة ممتازة، ويمنحها ذلك مناعة كبيرة ضد التراجع العالمي.
وحسب تقديرات مؤسسة الخدمات المالية الدولية ارتفعت قيمة الأصول الخاضعة لإدارة صناديق الثروة السيادية بنسبة 18 في المائة خلال عام 2008، لتصل إلى 3.9 تريليون دولار. أما الخسائر التي منيت بها الصناديق فيما يتصل ببعض استثماراتها خلال العام، فقد تم تعويضها بتدفقات مالية جديدة تجاوزت حجم الخسائر. وإضافة إلى ذلك، توجد 5.5 تريليون دولار إضافية ارتبطت بكيانات استثمارية سيادية أخرى، مثل صناديق المعاشات والصناديق التنموية. ومن المتوقع تباطؤ معدل النمو السنوي الذي شهدته صناديق الثروة السيادية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، البالغ 18 في المائة، جراء انخفاض أسعار السلع في الفترة الأخيرة، خاصة النفط، وانكماش الاقتصاد العالمي، ما قد يسفر عن تباطؤ عمليات تراكم احتياطيات النقد الأجنبي في الدول الآسيوية.
ووفقا للمؤسسة تكبدت صناديق الثروة السيادية، خاصة الآسيوية منها منذ اندلاع أزمة الرهن العقاري، خسائر ضخمة فيما يتصل بما يزيد على 60 مليار دولار تستثمرها في المصارف التابعة للولايات المتحدة وسويسرا والمملكة المتحدة. ونتيجة لذلك ولحالة الانكماش التي مني بها الاقتصاد العالمي أولت صناديق الثروة السيادية اهتماماً أكبر خلال الفترة الأخيرة بعمليات ضخ السيولة والمساعدة على تنشيط اقتصاداتها المحلية.
ووصلت قيمة ما تملكه صناديق الثروة السيادية التي يجري تمويلها من خلال عائدات الصادرات من السلع، خاصة النفط، إلى 2.5 تريليون دولار بنهاية عام 2008 منها 875 مليار دولار عائدة إلى هيئة أبو ظبي للاستثمار 433 مليار دولار لساما و265 مليار دولار لهيئة الاستثمار الكويتية و83 مليار دولار لهيئة دبي للاستثمار و60 مليارا لهيئة قطر للاستثمار.
ويشير الصندوق إلى بعض التقديرات الأولية التي توضح أن الصناديق السيادية ذات المخصصات العالية في الأسهم والأسواق الناشئة والحصص في الشركات الخاصة ربما تكون قد فقدت نحو 40 في المائة من قيمة حوافظها في الفترة بين كانون الأول (ديسمبر) 2007 وكانون الأول (ديسمبر) 2008. ومن ناحية أخرى شهدت الصناديق السيادية ذات الحوافظ التي تتسم بالتحفظ تراجعا محدودا في قيمة حوافظها. ومع هذا فمازالت الصناديق السيادية تمتلك احتياطيات كبيرة.
وفي مختلف أنحاء مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي لم يتأثر القطاع المصرفي كثيرا وذلك بفضل متانة أوضاعه في بعض هذه الدول واندماجه المحدود في الأسواق المالية العالمية في دول أخرى. ومع هذا فإن عديدا من البنوك تتوخى الحذر في قرارات الإقراض فيما تشهد بعض البلدان توقف نشاط الائتمان.
وقد تباين تأثير الأزمة المالية العالمية في البورصات العربية تباينا كبيرا من بلد لآخر. وظهرت الآثار في فترة مبكرة في البلدان ذات الروابط القوية بالأسواق المالية العالمية فقد هبطت مؤشرات البورصات في المنطقة بنسبة 50 في المائة في المتوسط. وشهدت مؤشرات أسواق الأوراق المالية في بلدان مجلس التعاون الخليجي تراجعا تراوح بين 30 و60 في المائة خلال الربع الأخير من عام 2008. وردا على ذلك أعلنت هذه البلدان إجراءات وآليات إنقاذ متباينة للحفاظ على السيولة وتدعيم بورصاتها. ولم تسلم من التراجع أسواق الأوراق المالية في البلدان خارج مجلس التعاون الخليجي. إلا أن بعض المؤشرات، ومنها مؤشرا لبنان وتونس، اتسمت بمرونة نسبية.
كما كان للأزمة المالية العالمية تأثير فوري في إمكانية الحصول على التمويل الخارجي في مختلف أنحاء العالم. وقد زادت هوامش الاقتراض على القروض السيادية وقروض الشركات في الأسواق الناشئة. ولم تمثل البلدان العربية استثناء لهذا الوضع. ومع هذا فقد كانت البلدان العربية أقل تأثرا بأزمة الائتمان فمع دخولها الأزمة بموازين مدفوعات ذات مراكز جيدة أو امتلاكها موارد بديلة لتمويل العجز الكبير في حساباتها الجارية، مثل التحويلات المالية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو المساعدات الخارجية، تمكنت البلدان العربية من تجنب اللجوء إلى الأسواق في النصف الثاني من عام 2008.
وفيما يخص التأثير المحتمل حتى الآن في الاقتصاد الحقيقي للعالم العربي قال الصندوق إن معظم البلدان العربية بشكل عام لم تتعرض بدرجة كبيرة للآثار المالية للأزمة حتى الآن. ومع هذا فإن تأثير هذه الأزمة في الاقتصاد الحقيقي مازال يكشف عن وجهه ويمكن أن يكون كبيرا في عديد من البلدان فالبلدان التي تتمتع بمساحة للمناورة في ماليتها العامة خلال مواجهتها الأزمة ستكون في وضع أقوى خلال التعامل مع آثارها في الاقتصاد الحقيقي والقطاع العائلي.
ورغم ذلك، فإن عديدا من البلدان العربية كانت تعاني عجزا ماليا وهي مقبلة على الأزمة. وتواجه أغلب البلدان العربية بالفعل تراجعا في نمو الصادرات نتيجة للتراجع الاقتصادي العالمي أو انخفاض أسعار النفط. ومع ذلك فإن تأثير بطء الاقتصاد العالمي سيتباين حسب الوضع الأولي للحسابات المالية والخارجية ودرجة الاندماج الاقتصادي مع المناطق التي تأثرت بدرجة عالية.
وأضاف أنه يمكن تصنيف بلدان المنطقة إلى أربع فئات من أجل مناقشة القنوات المحتملة لنقل الأزمة إلى الاقتصاد الحقيقي.
أولا، هناك بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط، التي تتمتع بقدرات مالية كبيرة وعدد قليل من السكان. هذه الفئة في أفضل وضع لامتصاص الصدمات الاقتصادية فقد دخلت هذه البلدان الأزمة في وضع قوي بصورة ممتازة. ويمنحها ذلك مناعة كبيرة ضد التراجع العالمي. وسيأتي أكبر تأثير للأزمة الاقتصادية العالمية في شكل انخفاض أسعار النفط، التي تبقى أكثر العناصر المنفردة أهمية في تحديد الأداء الاقتصادي. وسيرغمها استمرار أسعار النفط في الهبوط على السحب من الاحتياطي المالي وتقليص الاستثمارات. وإذا انخفضت أسعار النفط بدرجة كبيرة فقد ينتكس الأداء الاقتصادي مثلما حدث خلال الصدمات النفطية في السابق. وسينعكس التأثير الأولي على المالية العامة وعلى توظيف العمالة الوافدة، لكن هذا السيناريو ما زال بعيدا.
ثانيا، هناك البلدان المصدرة للنفط ذات الكثافة السكانية العالية والاحتياجات الاجتماعية الكبيرة، لكنها ذات فوائض مالية أقل من بلدان مجلس التعاون الخليجي. ورغم أن هذه البلدان من مصدري النفط وذات عوائد نفطية كبيرة إلا أنها ذات كثافة سكانية عالية وتتحمل التزامات اجتماعية كبيرة مما يجعل من الصعب عليها ضبط الإنفاق عند حدوث تراجع اقتصادي. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة المالية العالمية بأوضاع مالية وخارجية أضعف من بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. ومن المرجح أن تؤدي هذه الأزمة إلى تسريع وتيرة التراجع في الفائض التجاري لدى هذه الفئة. ويرجح أن تواجه هذه الحكومات تحديات مالية وهي تسعى جاهدة لمواجهة التحديات الاجتماعية الطويلة الأجل مثل البطالة. وربما تتأثر الأسر المعيشية والوظائف مع تدني الإنفاق الاجتماعي والإنفاق على البنية التحتية.
ثالثا، هناك البلدان غير المصدرة للنفط ذات الروابط القوية ببلدان مجلس التعاون الخليجي من خلال التحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة، أو التي تعتمد بشدة على المساعدات الخارجية أو على كل منهما. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة وهي في أضعف حال من ناحية الأرصدة المالية والخارجية. ويؤدي الهبوط السريع لأسعار النفط أو استمرار انخفاض أسعاره إلى تعريض هذه البلدان لتقلص شديد في التحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من بلدان مجلس التعاون الخليجي. كما أن استمرار الأزمة الاقتصادية العالمية سيجعلها أكثر تعرضا لانخفاض المساعدات الأجنبية. ويرجح أن تتأثر ميزانيات الأسر والحكومات معا. وستظهر على الأرجح ضغوط اجتماعية مع انكماش الحيز المالي وضعف شبكات الأمان الاجتماعي وعودة العمالة المغتربة.
رابعا، هناك البلدان ذات التنوع الاقتصادي والروابط التجارية والسياحية القوية بأوروبا. هذه البلدان ستشعر بأكبر تأثير اقتصادي بسبب هبوط الطلب الأوروبي على الواردات والإنفاق السياحي، كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الوافدة من أوروبا سوف تتراجع. وسيضيف هذا التأثير القادم من منطقة اليورو إلى قنوات أخرى أقل أهمية ربما تتأثر بها هذه البلدان. وستظهر هذه التأثيرات بشكل مباشر في قطاع مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، وفي التوظيف ودخل الأسر؛ أما الآثار في المالية العامة والقطاع المصرفي المحلي فستظهر في جولة ثانية.
وقد بادرت حكومات دول مجلس التعاون والدول العربية إلى اتخاذ عدد من التدابير للتعامل مع مواطن الضعف التي حددتها في اقتصادها فعلى سبيل المثال، تدخلت بلدان مجلس التعاون الخليجي مبكرا لمساندة أنظمتها المصرفية وبورصاتها. وقد فعلت ذلك عن طريق تخفيف السياسات المالية، وتأمين الالتزامات على النظام المصرفي (بما في ذلك ضمان الودائع)، وأيضا عن طريق ضخ سيولة نقدية جديدة حينما اقتضى الأمر، فعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة العربية السعودية خطة للإنفاق الاستثماري وقدمت أموالا للبنك السعودي للتسليف والادخار لتأمين السلف للأسر المنخفضة الدخل. وتعكف الكويت على مناقشة مجموعة إجراءات للمساعدة على استقرار الأوضاع الاقتصادية. كما أعلنت مصر مجموعة إجراءات للتحفيز المالي تهدف إلى الاستثمار في البنية التحتية لخلق فرص عمل. وفي الأردن تم وضع ودائع مكفولة بضمانات في البنوك المحلية والإعلان عن برنامج للتحفيز المالي. وأعلنت تونس إجراءات لمساندة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة ولتهيئة فرص العمل.
وشدد الصندوق على أنه ربما تكون الأزمة المالية العالمية فرصة فعلية لإعادة هيكلة برامج شبكات الأمان وذلك لتحرير مزيد من الموارد من أجل الفقراء ومن تأثروا بالأزمة بدرجة كبيرة. ثانيا، على البلدان أن تنتبه وهي تضع برامج التحفيز الاقتصادي إلى معالجة القيود والاختناقات التي تعوق النمو على المدى الطويل، فالاستثمار في إزالة هذه الاختناقات يمكن أن يساعد على خلق فرص عمل ويعزز الاستهلاك على المدى القصير في الوقت الذي يشجع فيه النمو المحتمل في فترة ما بعد الأزمة. ثالثا، يجب تركيز الانتباه أيضا على تنسيق المحفزات المالية في مختلف البلدان حتى يمكن لهذه المحفزات أن تؤازر بعضها بعضا.
المصدر _
http://www.argaam.com/Portal/......./ArticleDetail.aspx?articleid=97961