سعود الظاهري
:: إداري سابق ومؤسس ::
[FONT="Comic Sans
MS"]
:: ::
:: بسم الله الرحمن الرحيم ::
:: ::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
,,,
مقال أعجبني من جريدة الوطن العمانية فنقلته
الفَهْمُ الخاطِئ لِلتَّديُّنِ حَذَّرَتْ مِنْهُ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ
«الغُلُو فِي الدِّينِ» ظَاهِرَة تَأرِيخِيَّة تَشْمَلُ كُلَّ العُصُورِ
الحَمْدُ لِلهِ الرَّؤوفِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القَائلُ فِي كِتَابِهِ: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، المَبْعُوثُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنونَ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، وَالاقْتِدَاءِ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسُنَّتِهِ، فَالخَيْرُ كُلُّ الخَيْرِ فِي الالتِزَامِ بِمَا شَرَعَ اللهُ دُونَ زِيَادَةٍ أَو نَقْصٍ، فَالزِّيَادَةُ غُلُوٌّ فِي الدِّينِ كَمَا أَنَّ النَّقْصَ تَفْرِيطٌ فِيهِ، لِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ دِينَهُ وَاضِحًا جَلِيًّا، وَجَعَلَ مَصْدَرَهُ رَاسِخًا مَحفُوظًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، كَي لاَ يَلْتَبِسَ الدِّينُ بِمُمَارَسَاتِ الذِينَ يَحِيدُونَ عَنِ الهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَيَزِيدُونَ فِي الطَّاعَةِ أُمُورًا يَبْـتَدِعُونَهَا.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
هُنَاكَ قَضِيَّةٌ تَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَيَفْهَمُونَ التَّديُّنَ فَهْمًا غَيْرَ دَقِيقٍ، وَذَلِكَ بِظَنِّهِمْ أَنَّ المَشَقَّةَ التِي تُوجَدُ فِي بَعْضِ العِبَادَاتِ وَالشَّعَائِرِ الإِسلاَمِيَّةِ إِنَّمَا هِيَ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ إِنَّمَا يَرتَبِطُ بِهَا، فَيُسَارِعُونَ إِلَى تَحْمِيلِ أَنْفُسِهِمُ المَشَقَّةَ أَكْثَرَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ العِبَادَةُ؛ طَمَعًا فِي الثَّوَابِ وَزِيَادَةِ الأَجْرِ، كَمَنَ يَتَيَسَّرُ لَهُ أَدَاءُ العِبَادَةِ بِيُسْرٍ فَيَبْحَثُ عَنِ الطَّرِيقِ العَسِيرِ لأَدَائِهَا، أَو يَزِيدُ فِي المَطْلُوبِ فِيهَا ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الأَجْرِ، وَهَذَا الفَهْمُ لِلتَّديُّنِ خَاطِئٌ، وَقَدْ حَذَّرَتْ مِنْهُ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ وَيُسَمَّى (الغُلُوَّ فِي الدِّينِ)، وَالغُلُوُّ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الاعتِدَالِ، وَيَشْمَلُ طَرَفَيِ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَيَخْتَصُّ غَالِبًا بِطَرَفِ الإِفْرَاطِ ويُجْعَلُ مُقَابِلاً لِلتَّقْصِيرِ، فَالغُلُوُّ نَقِيضُ التَّقْصِيرِ، وَمَعْنَاهُ الخُرُوجُ عَنِ الحَدِّ، وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)، فَنَهَى اللهُ تَعَالَى عَنِ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ القَدْرِ المَشْرُوعِ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَشْروعٍ، وَيأْتِي الغُلُوُّ غَالِبًا كَمَا أَشَارَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ الأَعْمَى لِسُلُوكِ أَشْخَاصٍ يَدَّعُونَ التَّديُّنَ فَيُبَالِغُونَ فِيهِ فَيَضِلُّونَ ويُضِلُّونَ، لِذَلِكَ أَوصَتْ نُصُوصُ القُرآنِ بِاتِّبَاعِ كَلاَمِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُ بِالاستِقَامَةِ التِي هِيَ الاعْتِدَالُ، وَيُعَقِّبُ سُبْحَانَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ طُغْيَانٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم- بِدُونِ غُلُوٍّ وَلاَ مُبَالَغَةٍ وَلاَ تَشْدِيدٍ يُحِيلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ يُسْرٍ إِلَى عُسْرٍ.عِبادَ اللهِ:
قَدْ يَسأَلُ سَائلٌ: أَلَيْسَتِ العِبَادَاتُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَشَقَّةٍ؟ أَلَيْسَ الأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ؟ أَي أَنَّ الذِي يَتْعَبُ وَيتَحمَّلُ مَشَقَّةً فِي العِبَادَةِ يَنَالُ أَجْرًا عَلَى قَدْرِ تَحَمُّلِهِ، فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقابِلَ زِيَادَةَ المَشقَّةِ ثَوَابٌ. إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ دَقِيقٌ، لَكِن يَنْبَغِي أَنْ نَفْهَمَ المَشَقَّةَ فِي العِبَادَةِ وَالتِي يُثَابُ عَلَيْهَا المُسلِمُ مِنْ مَنْظُورٍ عِلْمِيٍّ وَضَابِطٍ شَرعِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ المَشَقَّةَ التِي تُعتَبَرُ فِي الثَّوَابِ وَالأَجْرِ هِيَ تِلْكَ التِي تَتَضَمَّنُها العِبَادَةُ مِنْ طَبِيعَتِها وَهِيَ مِنْ مَقْدُورِ الإِنْسَانِ، وَأَمَّا المَشقَّةُ التِي يَبْـتَدِعُها الإِنْسَانُ ويُمْكِنُ أَدَاءُ العِبَادَةِ بِدُونِهَا فَإِنَّها تُعَدُّ غُلُوًّا فِي الدِّينِ وَخُروجًا عَنِ السُّنَّةِ، فَمَثَلاً عِنْدَمَا يَخْرُجُ المُسلِمُ لأَدَاءِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجَدِ سَيَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الحَرِّ فِي الصَّيْفِ وَالبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ؛ فَيُثَابُ عَلَى مَا يَتَحَمَّلُهُ مِنْ هَذِهِ المَشَقَّةِ، لَكِنَّهُ إِنْ تَعَمَّدَ المَشْيَ فِي أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْحَرِّ قَاصِدًا أَنْ يَتَحَمَّـلَ مَشَقَّةً أَكْبَرَ لِيَحْظَى بِثَوابٍ أَكْبَرَ -مَعَ إِمكَانِ تَجَنُّبِهِ ذَلِكَ- فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُعَدُّ مُغَالِيًا فِي الدِّينِ؛ لأَنَّ اللهَ لَمْ يَتَعبَّدْنَا بِتَعْذِيبِ أَنْفُسِنَا وَلَمْ يَجْعلِ المَشقَّةَ جَوهَرًا فِي العِبَادَةِ، إِنَّمَا هِيَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ أَحْوَالُهَا كَكُلِّ الأَعْمَالِ فِي الحَيَاةِ لَهَا قِسْطٌ مِنَ المَشَقَّةِ، لِذَلِكَ نَجِدُ الشَّرِيعَةَ تُخَفِّفُ التَّكْلِيفَ وَتُسقِطُ الفَرِيضَةَ وَتُتِيحُ بَدَائلَ لَهَا إِذَا عَجَزَ المُسلِمُ عَنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهَا الطَّبِيعَيَّةِ، فَمَنْ عَجَزَ عَنِ القِيَامِ فِي الصَّلاَةِ صلَّى جَالِسًا، وَمَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فِي حَالِ المَرَضَ أَفْطَرَ وَقَضَى، وَهَكَذَا فِي بَقِيَّةِ التَّكَالِيفِ الشَّرعِيَّةِ، فَالغُلُوُّ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ نَنْظُرَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ خُروجٌ عَنِ المَشْروعِ، وَتَحمِيلُ النَّفْسِ مَا لاَ تَحتَمِلُ، فَكُلُّ مَنْ يُفَسِّرُ مَسأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ بِطَرِيقَةٍ تَجْعَلُهُ عَسِيرًا وَغَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى تَطْبِيقِهِ؛ إِنَّمَا يَكُونُ مُغَالِيًا فِي فَهْمِ الدِّينِ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَوابٌ عَلَى مَشَقَّةٍ لاَ يَقْتَضِيها الشَّرعُ. هَذَا وَقَدْ حَفَلَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ بِشَواهِدَ لِمَنْ طَمِعَ بِالثَّوَابِ مِنْ نَافِذَةِ المَشَقَّةِ وَالغُلُوِّ، فَحَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ وَرَدَّهُمْ إِلَى الصَّوابِ، مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: (هَاتِ القُطْ لِي) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَقَطتُّ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذْفِ - أَي حَصَى الرَّمْيِ الصِّغَارُ-، فَلَمَّا وَضَعتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: (بِأَمثَالِ هَؤلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهلَكَ مَنْ كَانَ قَبْـلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ)، فَأَشَارَ إِلَى الاعتِدَالِ فِي اختِيَارِ حَجْمِ الحَصَى المُجْمُوعَةِ لأَجْـلِ رَمْيِ الجَمَرَاتِ، وَأَنَّ اختِيَارَ الحِجَارَةِ الكَبِيرَةِ هُوَ مِنَ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالتَّشَدُّدِ، وَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- مُحَذِّرًا مِنْ هَذَا التَّشَدُّدِ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واستَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)، وَالغَدْوَةُ السَّيْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالرَّوْحَةُ السَّيْرُ آخِرَهُ، وَالدُّلْجَةُ سَيْرُ اللَّيْلِ، وَالمَعنَى: استَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَةِ العِبَادَةِ بِإِيقَاعِهَا فِي الأَوقَاتِ التِي تَنْشَطُ فِيهَا النَّفْسُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّنَا إِذْ نَتَحَدَّثُ عَنِ (الغُلُوِّ فِي الدِّينِ) فِي مُقَابِلِ التَّقْصِيرِ وَالتَّفلُّتِ مِنَ الدِّينِ، إِنَّمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ ظَاهِرَةٍ تَأرِيخِيَّةٍ تَشْمَلُ كُلَّ العُصُورِ، حتَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَعُوا فِيهَا؛ فَحَذَّرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا، ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ امرأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قِيلَ: فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ اللَّيلَ كُلَّهُ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى عُرِفَتِ الكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا، وَاكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ طَاقَتَهُ، فَإِذَا تَعِبَ فَلْيَرقُدْ)، وَوَرَدَ أَنَّ رَجُلاً نَذَرَ أَنْ يَقِفَ فِي الشَّمْسِ، وَأَلاَّ يَتَكَلَّمَ، وَأَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَلاَ يَستَظِلَّ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ حَولَهُ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ نَذَرَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: (مُرُوهُ فَلْيَستَظِلَّ وَلْيَركَبْ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا لِنَفْسِهِ)، وَرُوِيَ أَنَّ ثَلاَثَةً جَاؤُوا يَسأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا -أَي رَأَوْهَا قَلِيلَةً- وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصَلِّي وَلاَ أَنَامُ، وَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ: لاَ آكُلُ اللَّحْمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُمْ: (أَنْتُمُ الذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْرَفَكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ، وَإِنَّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَحْسِمُ المَسأَلَةَ فِي التَّديُّنِ وَضَوابِطِهِ (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)، فَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنِ السُّنَّةِ هُوَ غُلُوٌّ لاَ يُثُابُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَعْصِيَةٍ؛ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ كَالنَّقْصِ فِيهِ، وَمَنْ يَدَّعِي التَّدَيُّنَ بِغَيْرِ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ كَمَنْ يَدَّعِي النَّقْصَ فِيهَا، فَقِمَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ وَأَعلَى ثَوابٍ يُمكِنُ أَنْ يُعطَى لأيِّ عَمَلٍ هُوَ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِالتَّبَتُّلِ فَقَالَ: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- التَّبَتُّلَ بِفِعْلِهِ؛ وَشَرَحَ أَنَّهُ امتِثَالُ الأَمْرِ وَاجتِنَابُ النَّهْيِ، وَلَيْسَ بِتَرْكِ المُبَاحَاتِ، وَقَدْ أَخْبَرَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مآلَ مَنْ غَلا فِي دِينِهِ الهَلاَكُ، فَقَالَ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونُ) قَالَها ثَلاَثًا، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِخَطَرِ (التَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ) الذِي هُوَ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ وَالتَّطَرُّفُ فِيهِ، قَالَ العُلَمَاءُ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ)، أَي: المُتَعَمِّـقُونَ المُغَالُونَ المُجَاوِزُونَ الحُدُودَ فِي أَقوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
....* ....* ....*
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ المُتَتَبِّعَ لِتَأْرِيخِ دَعَواتِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- يَلْحَظُ تَفَاوُتَ الأُمَمِ فِي مِقْدَارِ الاستِجَابَةِ لِلْرُّسُلِ، وَتَنوَّعَ دَرَجَاتِ المَدْعُوِّينَ فِي سُلُوكِ الطَّرِيقِ الحَقِّ، بَيْنَ مُتَمَسِّكٍ بِالحَقِّ وَثَابِتٍ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مُفَرِّطٍ زَائغٍ مُضَيِّعٍ لِحُدُودِ اللهِ، وَبَيْنَ غَالٍ تَجَاوَزَ تِلْكَ الحُدُودَ، وَهَذِهِ الأَصنَافُ فِي جَمِيعِ الأَزْمِنَةِ، لَكِنَّ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ جَاءَتَ دَاعِيَةً إِلَى الاستِقَامَةِ وَالالتِزَامِ بِالطَّرِيقِ المُثْلَى مِنْ خِلاَلِ وَسَطِيَّةِ الدِّينِ التِي تُجَنِّبُ المُسلِمَ الزَّيْغَ نَحْوَ الغُلُوِّ إِفْرَاطًا أَو تَفْرِيطًا؛ فَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوةً لِلْعَالَمِ فِي أَخْلاَقِهِ وَسُلُوكِهِ وَاعتِدَالِهِ، وَكَانَ أَهمُّ مَا يُمَيِّزُ سُلُوكَهُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ الرِّفْقَ وَاليُسْرَ، بَلْ كَانَ شَدِيدَ الإِنْكَارِ عَلَى المُتَشَدِّدِينَ فِي الدِّينِ الذِينَ يَخْرُجُونَ بِتَدَيُّنِهِمْ عَنِ الاعتِدَالِ، لِذَلِكَ أَوصَانَا -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- فَقَالَ: (إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللهِ، فَإِنَّ المُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبقَى)، وَالمُنْبَتُّ هُوَ الذِي يَركَبُ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَى عَجَلٍ فَيَضْرِبُهَا حتَّى تُسْرِعَ، وَيَقتَلُهَا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ، فَلاَ هَوُ وَصَلَ سَرِيعًا وَلاَ أَبقَى عَلَى دَابَّتِهِ، وَهَكَذَا الغَالِي فِي دِينِهِ يَظَلُّ بِغُلُوِّهِ حتَّى يَخْرُجَ مِنَ الهَدْيِ الصَّالِحِ، ويُضَيِّعَ الدِّينَ بِغُلُوِّهِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهِ.
أَيُّهَا المُؤمِنونَ:
إِنَّ الإِسلاَمَ دِينُ يُسْرٍ وَرَحْمَةٍ، جَاءَ لِهِدَايَةِ الإِنْسَانِ وَتَقْوِيمِ سُلُوكِهِ، وَلَمْ يَأْتِ أَيُّ تَكْلِيفٍ شَرعِيٍّ لِتَعْذِيبِ الإِنْسَانِ، فَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ إِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَستَطِيعُ الإِنْسَانُ فِعْلَهُ وَالقِيَامَ بِهِ، فَكلُّ مَا نَهَانَا اللهُ عَنْهُ فَفِي إِمْـكَانِنَا أَنْ نَنْتَهِيَ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا فَفِي إِمكَانِنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ المَشَقَّةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فِي الدِّينِ، وَإِنْ تَجَاوَزَتْ قُدْرَةَ الإِنْسَانِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ إِلَى بَدِيلٍ أَخَفَّ بِحَسَبِ الاستِطَاعَةِ، وَكُلُّ ابتِغَاءٍ لِرِضَا اللهِ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَخُروجٌ عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ وَرَغْبَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ أَنْ يُسَدِّدَ ويُقَارِبَ فِي العَمَلِ وَيَلْتَزِمَ بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القَائلِ: (لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ، قِيلَ: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْذَرُوا الغُلُوَّ وَالإِفْرَاطَ فِي مُجَاوَزَةِ المِقْدَارِ المُعْـتَبَرِ شَرعًا، وَانْهَجُوا فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ مَنْهَجًا وَسَطًا سَدِيدًا.
نَسأَلُ اللهَ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي العَمَلِ، وَالالتِزَامَ بِهَدْيِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتِهَاءِ الأَجَلِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).
احترامي لك
!!!
كـ
الـود
ـل
:: ::
:: والسموحة ::
:: ::
~:●الـظاهـري ●:~.
[/FONT]
MS"]
:: ::
:: بسم الله الرحمن الرحيم ::
:: ::
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
,,,
الفَهْمُ الخاطِئ لِلتَّديُّنِ حَذَّرَتْ مِنْهُ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ
«الغُلُو فِي الدِّينِ» ظَاهِرَة تَأرِيخِيَّة تَشْمَلُ كُلَّ العُصُورِ
الحَمْدُ لِلهِ الرَّؤوفِ الرَّحِيمِ بِعِبَادِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، القَائلُ فِي كِتَابِهِ: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، المَبْعُوثُ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَمَسَّكَ بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا أَيُّهَا المُؤمِنونَ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، وَالاقْتِدَاءِ بِهَدْيِ نَبِيِّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَسُنَّتِهِ، فَالخَيْرُ كُلُّ الخَيْرِ فِي الالتِزَامِ بِمَا شَرَعَ اللهُ دُونَ زِيَادَةٍ أَو نَقْصٍ، فَالزِّيَادَةُ غُلُوٌّ فِي الدِّينِ كَمَا أَنَّ النَّقْصَ تَفْرِيطٌ فِيهِ، لِذَلِكَ جَعَلَ اللهُ دِينَهُ وَاضِحًا جَلِيًّا، وَجَعَلَ مَصْدَرَهُ رَاسِخًا مَحفُوظًا لِكُلِّ الأَجْيَالِ، كَي لاَ يَلْتَبِسَ الدِّينُ بِمُمَارَسَاتِ الذِينَ يَحِيدُونَ عَنِ الهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَيَزِيدُونَ فِي الطَّاعَةِ أُمُورًا يَبْـتَدِعُونَهَا.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
هُنَاكَ قَضِيَّةٌ تَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَيَفْهَمُونَ التَّديُّنَ فَهْمًا غَيْرَ دَقِيقٍ، وَذَلِكَ بِظَنِّهِمْ أَنَّ المَشَقَّةَ التِي تُوجَدُ فِي بَعْضِ العِبَادَاتِ وَالشَّعَائِرِ الإِسلاَمِيَّةِ إِنَّمَا هِيَ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ، وَأَنَّ الثَّوَابَ إِنَّمَا يَرتَبِطُ بِهَا، فَيُسَارِعُونَ إِلَى تَحْمِيلِ أَنْفُسِهِمُ المَشَقَّةَ أَكْثَرَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ العِبَادَةُ؛ طَمَعًا فِي الثَّوَابِ وَزِيَادَةِ الأَجْرِ، كَمَنَ يَتَيَسَّرُ لَهُ أَدَاءُ العِبَادَةِ بِيُسْرٍ فَيَبْحَثُ عَنِ الطَّرِيقِ العَسِيرِ لأَدَائِهَا، أَو يَزِيدُ فِي المَطْلُوبِ فِيهَا ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الأَجْرِ، وَهَذَا الفَهْمُ لِلتَّديُّنِ خَاطِئٌ، وَقَدْ حَذَّرَتْ مِنْهُ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ وَيُسَمَّى (الغُلُوَّ فِي الدِّينِ)، وَالغُلُوُّ مُجَاوَزَةُ حَدِّ الاعتِدَالِ، وَيَشْمَلُ طَرَفَيِ الإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، وَيَخْتَصُّ غَالِبًا بِطَرَفِ الإِفْرَاطِ ويُجْعَلُ مُقَابِلاً لِلتَّقْصِيرِ، فَالغُلُوُّ نَقِيضُ التَّقْصِيرِ، وَمَعْنَاهُ الخُرُوجُ عَنِ الحَدِّ، وَقَدْ حَذَّرَ اللهُ مِنْهُ، فَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)، فَنَهَى اللهُ تَعَالَى عَنِ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ القَدْرِ المَشْرُوعِ إِلَى مَا لَيْسَ بِمَشْروعٍ، وَيأْتِي الغُلُوُّ غَالِبًا كَمَا أَشَارَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ التَّقْلِيدِ الأَعْمَى لِسُلُوكِ أَشْخَاصٍ يَدَّعُونَ التَّديُّنَ فَيُبَالِغُونَ فِيهِ فَيَضِلُّونَ ويُضِلُّونَ، لِذَلِكَ أَوصَتْ نُصُوصُ القُرآنِ بِاتِّبَاعِ كَلاَمِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-، قَالَ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- وَأُمَّتَهُ مِنْ بَعْدِهِ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَأْمُرُ بِالاستِقَامَةِ التِي هِيَ الاعْتِدَالُ، وَيُعَقِّبُ سُبْحَانَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الطُّغْيَانِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ طُغْيَانٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ هُوَ مَا أَمَرَ بِهِ اللهُ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم- بِدُونِ غُلُوٍّ وَلاَ مُبَالَغَةٍ وَلاَ تَشْدِيدٍ يُحِيلُ هَذَا الدِّينَ مِنْ يُسْرٍ إِلَى عُسْرٍ.عِبادَ اللهِ:
قَدْ يَسأَلُ سَائلٌ: أَلَيْسَتِ العِبَادَاتُ تَشْتَمِلُ عَلَى مَشَقَّةٍ؟ أَلَيْسَ الأَجْرُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ؟ أَي أَنَّ الذِي يَتْعَبُ وَيتَحمَّلُ مَشَقَّةً فِي العِبَادَةِ يَنَالُ أَجْرًا عَلَى قَدْرِ تَحَمُّلِهِ، فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقابِلَ زِيَادَةَ المَشقَّةِ ثَوَابٌ. إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ دَقِيقٌ، لَكِن يَنْبَغِي أَنْ نَفْهَمَ المَشَقَّةَ فِي العِبَادَةِ وَالتِي يُثَابُ عَلَيْهَا المُسلِمُ مِنْ مَنْظُورٍ عِلْمِيٍّ وَضَابِطٍ شَرعِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ المَشَقَّةَ التِي تُعتَبَرُ فِي الثَّوَابِ وَالأَجْرِ هِيَ تِلْكَ التِي تَتَضَمَّنُها العِبَادَةُ مِنْ طَبِيعَتِها وَهِيَ مِنْ مَقْدُورِ الإِنْسَانِ، وَأَمَّا المَشقَّةُ التِي يَبْـتَدِعُها الإِنْسَانُ ويُمْكِنُ أَدَاءُ العِبَادَةِ بِدُونِهَا فَإِنَّها تُعَدُّ غُلُوًّا فِي الدِّينِ وَخُروجًا عَنِ السُّنَّةِ، فَمَثَلاً عِنْدَمَا يَخْرُجُ المُسلِمُ لأَدَاءِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ فِي المَسْجَدِ سَيَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الحَرِّ فِي الصَّيْفِ وَالبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ؛ فَيُثَابُ عَلَى مَا يَتَحَمَّلُهُ مِنْ هَذِهِ المَشَقَّةِ، لَكِنَّهُ إِنْ تَعَمَّدَ المَشْيَ فِي أَشِعَّةِ الشَّمْسِ وَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْحَرِّ قَاصِدًا أَنْ يَتَحَمَّـلَ مَشَقَّةً أَكْبَرَ لِيَحْظَى بِثَوابٍ أَكْبَرَ -مَعَ إِمكَانِ تَجَنُّبِهِ ذَلِكَ- فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يُعَدُّ مُغَالِيًا فِي الدِّينِ؛ لأَنَّ اللهَ لَمْ يَتَعبَّدْنَا بِتَعْذِيبِ أَنْفُسِنَا وَلَمْ يَجْعلِ المَشقَّةَ جَوهَرًا فِي العِبَادَةِ، إِنَّمَا هِيَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ أَحْوَالُهَا كَكُلِّ الأَعْمَالِ فِي الحَيَاةِ لَهَا قِسْطٌ مِنَ المَشَقَّةِ، لِذَلِكَ نَجِدُ الشَّرِيعَةَ تُخَفِّفُ التَّكْلِيفَ وَتُسقِطُ الفَرِيضَةَ وَتُتِيحُ بَدَائلَ لَهَا إِذَا عَجَزَ المُسلِمُ عَنْ تَحَمُّلِ مَشَقَّتِهَا الطَّبِيعَيَّةِ، فَمَنْ عَجَزَ عَنِ القِيَامِ فِي الصَّلاَةِ صلَّى جَالِسًا، وَمَنْ صَعُبَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ فِي حَالِ المَرَضَ أَفْطَرَ وَقَضَى، وَهَكَذَا فِي بَقِيَّةِ التَّكَالِيفِ الشَّرعِيَّةِ، فَالغُلُوُّ فِي الدِّينِ يَنْبَغِي أَنْ نَنْظُرَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ خُروجٌ عَنِ المَشْروعِ، وَتَحمِيلُ النَّفْسِ مَا لاَ تَحتَمِلُ، فَكُلُّ مَنْ يُفَسِّرُ مَسأَلَةً مِنْ مَسَائِلِ الدِّينِ بِطَرِيقَةٍ تَجْعَلُهُ عَسِيرًا وَغَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَى تَطْبِيقِهِ؛ إِنَّمَا يَكُونُ مُغَالِيًا فِي فَهْمِ الدِّينِ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَوابٌ عَلَى مَشَقَّةٍ لاَ يَقْتَضِيها الشَّرعُ. هَذَا وَقَدْ حَفَلَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ بِشَواهِدَ لِمَنْ طَمِعَ بِالثَّوَابِ مِنْ نَافِذَةِ المَشَقَّةِ وَالغُلُوِّ، فَحَذَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ وَرَدَّهُمْ إِلَى الصَّوابِ، مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: (هَاتِ القُطْ لِي) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَلَقَطتُّ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الخَذْفِ - أَي حَصَى الرَّمْيِ الصِّغَارُ-، فَلَمَّا وَضَعتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ: (بِأَمثَالِ هَؤلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّما أَهلَكَ مَنْ كَانَ قَبْـلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ)، فَأَشَارَ إِلَى الاعتِدَالِ فِي اختِيَارِ حَجْمِ الحَصَى المُجْمُوعَةِ لأَجْـلِ رَمْيِ الجَمَرَاتِ، وَأَنَّ اختِيَارَ الحِجَارَةِ الكَبِيرَةِ هُوَ مِنَ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ وَالتَّشَدُّدِ، وَقَدْ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- مُحَذِّرًا مِنْ هَذَا التَّشَدُّدِ: (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واستَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ)، وَالغَدْوَةُ السَّيْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ، وَالرَّوْحَةُ السَّيْرُ آخِرَهُ، وَالدُّلْجَةُ سَيْرُ اللَّيْلِ، وَالمَعنَى: استَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَةِ العِبَادَةِ بِإِيقَاعِهَا فِي الأَوقَاتِ التِي تَنْشَطُ فِيهَا النَّفْسُ.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّنَا إِذْ نَتَحَدَّثُ عَنِ (الغُلُوِّ فِي الدِّينِ) فِي مُقَابِلِ التَّقْصِيرِ وَالتَّفلُّتِ مِنَ الدِّينِ، إِنَّمَا نَتَحَدَّثُ عَنْ ظَاهِرَةٍ تَأرِيخِيَّةٍ تَشْمَلُ كُلَّ العُصُورِ، حتَّى بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَقَعُوا فِيهَا؛ فَحَذَّرَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِنْهَا، ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَمِعَ امرأَةً مِنَ اللَّيْلِ تُصَلِّي، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قِيلَ: فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ اللَّيلَ كُلَّهُ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى عُرِفَتِ الكَرَاهِيَةُ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ لاَ يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا، وَاكلَفُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ)، وَفِي رِوَايَةٍ: (لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ طَاقَتَهُ، فَإِذَا تَعِبَ فَلْيَرقُدْ)، وَوَرَدَ أَنَّ رَجُلاً نَذَرَ أَنْ يَقِفَ فِي الشَّمْسِ، وَأَلاَّ يَتَكَلَّمَ، وَأَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا وَلاَ يَستَظِلَّ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَالنَّاسُ حَولَهُ قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: رَجُلٌ نَذَرَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-: (مُرُوهُ فَلْيَستَظِلَّ وَلْيَركَبْ، فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا لِنَفْسِهِ)، وَرُوِيَ أَنَّ ثَلاَثَةً جَاؤُوا يَسأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا أُخْبِرُوا بِهَا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا -أَي رَأَوْهَا قَلِيلَةً- وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: أَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فأُصَلِّي وَلاَ أَنَامُ، وَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَفِي رِوَايَةٍ: لاَ آكُلُ اللَّحْمَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهُمْ: (أَنْتُمُ الذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَعْرَفَكُمْ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ، وَإِنَّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي). إِنَّ هَذَا الحَدِيثَ يَحْسِمُ المَسأَلَةَ فِي التَّديُّنِ وَضَوابِطِهِ (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)، فَكُلُّ مَا خَرَجَ عَنِ السُّنَّةِ هُوَ غُلُوٌّ لاَ يُثُابُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَتَحَوَّلُ إِلَى مَعْصِيَةٍ؛ لأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدِّينِ كَالنَّقْصِ فِيهِ، وَمَنْ يَدَّعِي التَّدَيُّنَ بِغَيْرِ مَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ كَمَنْ يَدَّعِي النَّقْصَ فِيهَا، فَقِمَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ وَأَعلَى ثَوابٍ يُمكِنُ أَنْ يُعطَى لأيِّ عَمَلٍ هُوَ مَا كَانَ عَلَى السُّنَّةِ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ بِالتَّبَتُّلِ فَقَالَ: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- التَّبَتُّلَ بِفِعْلِهِ؛ وَشَرَحَ أَنَّهُ امتِثَالُ الأَمْرِ وَاجتِنَابُ النَّهْيِ، وَلَيْسَ بِتَرْكِ المُبَاحَاتِ، وَقَدْ أَخْبَرَ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مآلَ مَنْ غَلا فِي دِينِهِ الهَلاَكُ، فَقَالَ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ، هَلَكَ المُتَنَطِّعُونُ) قَالَها ثَلاَثًا، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِخَطَرِ (التَّنَطُّعِ فِي الدِّينِ) الذِي هُوَ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ وَالتَّطَرُّفُ فِيهِ، قَالَ العُلَمَاءُ: (هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ)، أَي: المُتَعَمِّـقُونَ المُغَالُونَ المُجَاوِزُونَ الحُدُودَ فِي أَقوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
....* ....* ....*
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ المُتَتَبِّعَ لِتَأْرِيخِ دَعَواتِ الرُّسُلِ -عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- يَلْحَظُ تَفَاوُتَ الأُمَمِ فِي مِقْدَارِ الاستِجَابَةِ لِلْرُّسُلِ، وَتَنوَّعَ دَرَجَاتِ المَدْعُوِّينَ فِي سُلُوكِ الطَّرِيقِ الحَقِّ، بَيْنَ مُتَمَسِّكٍ بِالحَقِّ وَثَابِتٍ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ مُفَرِّطٍ زَائغٍ مُضَيِّعٍ لِحُدُودِ اللهِ، وَبَيْنَ غَالٍ تَجَاوَزَ تِلْكَ الحُدُودَ، وَهَذِهِ الأَصنَافُ فِي جَمِيعِ الأَزْمِنَةِ، لَكِنَّ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ جَاءَتَ دَاعِيَةً إِلَى الاستِقَامَةِ وَالالتِزَامِ بِالطَّرِيقِ المُثْلَى مِنْ خِلاَلِ وَسَطِيَّةِ الدِّينِ التِي تُجَنِّبُ المُسلِمَ الزَّيْغَ نَحْوَ الغُلُوِّ إِفْرَاطًا أَو تَفْرِيطًا؛ فَكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أُسْوةً لِلْعَالَمِ فِي أَخْلاَقِهِ وَسُلُوكِهِ وَاعتِدَالِهِ، وَكَانَ أَهمُّ مَا يُمَيِّزُ سُلُوكَهُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ الرِّفْقَ وَاليُسْرَ، بَلْ كَانَ شَدِيدَ الإِنْكَارِ عَلَى المُتَشَدِّدِينَ فِي الدِّينِ الذِينَ يَخْرُجُونَ بِتَدَيُّنِهِمْ عَنِ الاعتِدَالِ، لِذَلِكَ أَوصَانَا -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- فَقَالَ: (إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلاَ تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللهِ، فَإِنَّ المُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلاَ ظَهْرًا أَبقَى)، وَالمُنْبَتُّ هُوَ الذِي يَركَبُ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَى عَجَلٍ فَيَضْرِبُهَا حتَّى تُسْرِعَ، وَيَقتَلُهَا مِنْ شِدَّةِ الضَّرْبِ، فَلاَ هَوُ وَصَلَ سَرِيعًا وَلاَ أَبقَى عَلَى دَابَّتِهِ، وَهَكَذَا الغَالِي فِي دِينِهِ يَظَلُّ بِغُلُوِّهِ حتَّى يَخْرُجَ مِنَ الهَدْيِ الصَّالِحِ، ويُضَيِّعَ الدِّينَ بِغُلُوِّهِ فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرِيصًا عَلَيْهِ.
أَيُّهَا المُؤمِنونَ:
إِنَّ الإِسلاَمَ دِينُ يُسْرٍ وَرَحْمَةٍ، جَاءَ لِهِدَايَةِ الإِنْسَانِ وَتَقْوِيمِ سُلُوكِهِ، وَلَمْ يَأْتِ أَيُّ تَكْلِيفٍ شَرعِيٍّ لِتَعْذِيبِ الإِنْسَانِ، فَجَمِيعُ التَّكَالِيفِ إِنَّمَا هِيَ مِمَّا يَستَطِيعُ الإِنْسَانُ فِعْلَهُ وَالقِيَامَ بِهِ، فَكلُّ مَا نَهَانَا اللهُ عَنْهُ فَفِي إِمْـكَانِنَا أَنْ نَنْتَهِيَ عَنْهُ، وَكُلُّ مَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا فَفِي إِمكَانِنَا أَنْ نَفْعَلَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، وَعَلَيْهِ فَإِنَّ المَشَقَّةَ غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ فِي الدِّينِ، وَإِنْ تَجَاوَزَتْ قُدْرَةَ الإِنْسَانِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ إِلَى بَدِيلٍ أَخَفَّ بِحَسَبِ الاستِطَاعَةِ، وَكُلُّ ابتِغَاءٍ لِرِضَا اللهِ بِتَعْذِيبِ النَّفْسِ هُوَ مَعْصِيَةٌ وَخُروجٌ عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ وَرَغْبَةٌ عَنْ سُنَّتِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَالمَطْلُوبُ مِنَ المُسلِمِ أَنْ يُسَدِّدَ ويُقَارِبَ فِي العَمَلِ وَيَلْتَزِمَ بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- القَائلِ: (لَنْ يَدْخُلَ الجَنَّةَ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ، قِيلَ: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِرَحْمَتِهِ).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْذَرُوا الغُلُوَّ وَالإِفْرَاطَ فِي مُجَاوَزَةِ المِقْدَارِ المُعْـتَبَرِ شَرعًا، وَانْهَجُوا فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ مَنْهَجًا وَسَطًا سَدِيدًا.
نَسأَلُ اللهَ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي العَمَلِ، وَالالتِزَامَ بِهَدْيِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- حتَّى انتِهَاءِ الأَجَلِ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَاناً صَادِقاً ذَاكِراً، وَقَلْباً خَاشِعاً مُنِيْباً، وَعَمَلاً صَالِحاً زَاكِياً، وَعِلْماً نَافِعاً رَافِعاً، وَإِيْمَاناً رَاسِخاً ثَابِتاً، وَيَقِيْناً صَادِقاً خَالِصاً، وَرِزْقاً حَلاَلاً طَيِّباً وَاسِعاً، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ:
(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ).
احترامي لك
!!!
كـ
:: ::
:: والسموحة ::
:: ::
~:●الـظاهـري ●:~.
[/FONT]