أبومحمد
¬°•| عضــو شرف |•°¬
- إنضم
- 8 مايو 2012
- المشاركات
- 505
النجاة من الفتن وحفظ اللسان
الحمد لله رب العالمين أمرَ بحفظِ اللسانِ إلا بما فيه خيرٌ للإنسان، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (خَلَقَ الإِنسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله كلُ كلامهِ هدا وبيان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سبقونا بالإيمان، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى، قال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)، وقال صلى الله عليه وسلم: “وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً(.
عبادَ الله، في هذه الأيامِ وبسببِ كثَرةِ الفتنِ وكَثرةِ الشرورِ بين الناس وبسببِ ما تروجُه وسائلُ الإعلامِ والتويتراتِ والوسائلِ الكثيرةِ الدقيقةِ والمنتشرة في البيوتِ وفي كلِ مكانٍ يُنشرُ فيها من الأخبارِ ومن الإثاراتِ ما يَشيبُ الرؤوسَ ويُشغلُ الناس، والناسُ إذا اجتمعوا في مجالسِهم لابد لهم من حديثٍ إما في الخيرِ وإما في الشرِ وإما بما لا فائدةَ فيه.
فعلى المسلمين أن يكفوا ألسنتَهم عن الكلامِ في الشرِ وأن يقتصروا على الكلامِ في الخيرِ وما فيه المصلحة لهم ولغيرهِم، وكذلك الكفُ عن الكلامِ الذي لا فائدةَ فيه، فإن كلامَ الإنسانِ مكتوبٌ عليه ومسجلٌ عليه: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ( .
فعلى المسلم أن يَتحفظَ من لسانهِ قد قال صلى الله عليه وسلم: “وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ” أَوْ قال: “عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ”.
فلمسلم يحفظُ لسانهِ إلا بما فيه خيرٌ له ولغيره أو ما يحتاجُ إليه: (إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ)، الصدقةُ تشملُ الصدقةَ بالمال، الصدقةَ بالجاه، والصدقةَ بالكلامِ الطيبِ كلُ هذا يَدخلُ في الصدقةِ: (إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ) أمرَ بمعروفٍ من تعليمِ علمٍ، وأمرٍ بمعروفٍ ونهي عن المنكرِ، ودعوةٍ إلى الخيرِ توجيهٌ سديدٌ فهذا نفعُه يتعدى وخيرُه يَرجعُ إلى المتُكلمِ به إذا نفعَ اللهُ بكلامه، (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) وهذا هو محطُ الفائدةِ إذا حصلَ بين الناسِ سوءُ تفاهُمٍ، حصلَ بينهم نزعاتٌ ونزغاتٌ، حصل بينهم فتنٌ وحروبٌ فالإنسانُ يتكلمُ بالإصلاح لا بما يزيدُ الشرَ ويُؤججُ الفتنةَ، والمسلمُ يحفظُ لسانَه من هذه الأمورِ ولا يتكلمُ إلا بخيرٍ، والإصلاحُ بين الناسِ قد يكون بين الأفرادِ بين فردين مختلفين مختصمين تُصلحُ بينهما وتُسوي ما بينهما من نزاعٍ، أو إصلاحٌ بين جماعةٍ وجماعة: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)، إن الكفارَ يُحرضونَكم على نشرِ الفتنةِ فيما بينكم وعلى التعادي والتباغضِ بما يبثونهُ بينكم من الإشاعاتِ ومن الكذبِ ومن التحريض، فخذوا حذرَكم منهم ولا تتكلموا إلا بخيرٍ وإصلاح.فالمسلمُ إما أن يتكلمَ بخيرٍ فيغنم أو يسكتَ عن شرٍ فيسلم، ولا فائدةَ في الكلامِ لا يحصلُ به كفُ فتنةٍ ولا يحصلُ به إصلاحٌ إنما هو يُحرضُ على الفتنةِ وعلى العداواتِ وعلى الشرورِ وقد ينتجُ عنه حروبٌ، فعلى المسلمِ دائماً أن يتوقفَ في هذه الفتن لاسيما ما يتعلقُ بأمورِ المسلمينَ من الأمنِ أو الخوفِ لا يتكلمْ إلا بما فيه إصلاحٌ وخيرٌ إن كان عندُه عِلمٌ ومقدِرةٌ، أما إن كان ليس عنده علمٌ ولا مقدرةٌ فيمسك لسانَه وليسلمْ في نفسِه؛ لكن يدعو اللهَ للمسلمينَ لا يَعجزُ أحدٌ عن الدعاء، يدعو اللهَ للمسلمينَ بالصلاحِ، ويسألُ اللهَ للمسلمين بدفعِ الفتنِ عنهم والشرورِ وحفظِ بلادهِم وحفظِ دينهِم أولاً يدعو اللهَ، ويُكثرُ من الدعاءِ في وقتِ الفتن فإن اللهَ قريبٌ مجيبٌ قال الله جلا وعلا: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً(.فالأمورُ العامة إذا كان ما بلغك عن أخيك من النقيصةِ أو الذمِ فإنك لا تلتفتْ إلى هذا؛ بل تتوقفْ حتى ولو كان صحيحاً لا تنشرُه قال الله جلا وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يعني: تثبتوا (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وفي هذه الآية: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ) هذا ما يتعلقُ بالجماعةِ والأمةِ، وهذا لا يَصلحُ أن يدخلَ فيه العامةُ ويدخلَ فيه الغوغاءُ، ويدخلَ فيه أهلُ الأهواءِ إنما يَدخلُ فيه المصلحون الذين يُسوون النزعاتِ بين المسلمين ويكفون الحروبَ بين المسلمين ُيرجعُ إلى العلماءِ الربانيين، يُرجعُ إلى الساسةِ العارفين بأمورِ السياسةِ ومعالجتِها، يُرجعُ إلى هاتين الفئتينِ الأمور العامة التي تتعلقُ بالأمنِ أو الخوفِ يُرجعُ فيها إلى من يحولها على الوجِه الصحيحِ مَنْ عندَه علمٌ ومَنْ عندَه خبرةٌ بالسياسةِ من ولاةِ الأمور يُرجعُ إلى هؤلاءِ وهؤلاءِ تُسندُ الأمورُ إليهم ولا يَدخلُ فيها من هب ودب فإن هذا يُحدثُ شرورا ويُحدثُ عداواتٍ حتى بين الأفرادِ كلُ واحدٍ يتكلمُ في ناحيةٍ ثم يُبغضُ الآخرَ الذي يُخالفُ كلامَه وهكذا وهذا ما يريدُه الشيطانُ ويريدُه أعداءُ الإنسانِ من الكفارِ والمنافقين.فعلى المسلم أن يُمسكَ لسانه ولا تنَسى قولَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”، أنت إذا صمتَ سلمتَ، أما إذا تكلمتَ فإن لسانَك يمُلككُ حينئذٍ، رأى النبيُ صلى الله عليه وسلم في منامه رأى ثورا يَخرجُ من جحرٍ ضيقٍ ثم يُحاولُ أن يَرجعَ ويَدخلَ فيه فيعجز فسألَ عنه فقال: “هذا الرجلُ يتكلمُ بالكلمةِ ثم يريدُ أن يتداركَها فلا يستطيعُ ذلك”.
فعليك أن تُمسكَ لسانكَ ما دامتَ ممسكا لسانك فأنت في عافيةٍ، فإذا تكلمتَ فإنك لا تقدرُ على ردِ الكلامِ ولا ما يترتبُ عليه من الآثامِ أو من الأضرارِ وربما كلمة تُطيحُ برأسِ
المتُكلمِ كما قال الشاعر:
يموتُ الفتى من عثرةٍ بلسانه *** وليس يموتُ المرءُ من عثرةِ الرِّجلِ
فعثرتُه بالقولِ تُذهبُ رأسَه *** وعثرتُه بالرِّجل تبرأ على مهلِ
فعلى المسلم أن يُمسكَ لسانَه وأن يحفظَه وأن لا يتكلمَ إلا بخيرٍ وإذا كان للكلامِ مجالٌ في الخيرِ فليتكم، أما إذا كان لم يكن هناك مجالٌ أو هو لا يعرفُ فليمسك لسانه وليسلم، ويسلم غيرُه من شره.ِ
فاتقوا الله، عباد الله، حافظوا على ألسنتِكم، حافظوا على مجتمعِكم، حافظوا على بيوتِكم وأولادِكم ونسائِكم من الدخولِ في هذه الفتنِ والشرور، وقانا اللهُ وإياكم والمسلمين شرها إنه جوادٌ كريم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيانِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميعِ المسلمين من كلٍ ذنب فاستغفره إنه هو الغفور رحيم.
الخطبة الثانية.
الحمد لله على فضله وإحسانه وأشكرهُ على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، وأطيعوه وسددوا أمورَكم، وحافظوا على نعمةِ الله عليكم بالشكر، حافظوا عليها بالشكرِ ولا تنفروها بكفرِها، فإنكم في نعمةٍ وفي أمانٍ في هذه البلاد – ولله الحمد -، فاحمدوا الله على ذلك، ونصحوا من ترونه يقعُ في أعراضِ المسلمين أو في أعراضِ الولاة، أو في أعرضِ العلماء تأثرا بما يُرى ويُسمعُ في هذه الوسائلِ المفسدة، أنصحوهم ولاسيما إن كانوا من أولادِكم ونسائِكم ومن لكم سلطةٌ عليهم: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، يقول الشاعر الآخر:
كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه *** كانت تخافُ لقاءَه الشجعانُ
قتله لسانُه قال كلمةً طيرة رأسَه هذا في الدنيا وعذابُ الله في الآخرةِ أشد: (وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ)، ربما تكون الكلمةُ الواحدةُ كفراً تُخرجُ من الملة.
فاتقوا الله، عباد الله، وحافظوا وتحفظوا على ألسنتِكم قبل أن تُتحفظوا من عدوِكم، أنت تحملُ عدوا لك بين فكيك وهو اللسانُ فتحفظْ منه لأنه سيفٌ مصلت إذا لم تحافظْ عليه قطعَك.
فاتقوا الله، عباد الله، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
واعلموا أنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديَّ هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتها، وكلَ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يدَ اللهِ على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا، وأصلح سلطاننا، وولّ علينا خيارَنا، واكفِنا شرَ شرارِنا ولا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا، وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أرنا الحق حقا ورزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، اللَّهُمَّ تب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، وعافنا من البلايا والفتن ما ظهر منها وما بطن.