أبومحمد
¬°•| عضــو شرف |•°¬
- إنضم
- 8 مايو 2012
- المشاركات
- 505
((الخطر من إطلاق النظر )) مقال لأحمد بن قذلان المزروعي
قد يتساهل الكثير في إطلاق بصره إلى ما حرم الله من مشاهدة النساء الأجانب متناسياً أن النظرة إلى الحرام سهم يطلقه الناظر ليقتل به نفسه وطعن به قلبه؛ إذ النظر إلى الحرام نقل للصورة الخارجية لترسخ في القلب فيشتعل فيه لهيب الشهوة فينحرق القلب بحرارة التفكير والخواطر التي تضرّ بقلبه والتي لا يزال الشيطان بنفخ فيها حتى يضرم الجسد بحرارة الشهوات والخطايا.
يقول ابن القيم:”ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوء مكاناً من قلب الناظر, ولي من قصيدة:
يارامياً بسهام اللحظ مجتهداً … أنت القتيل بما ترمي فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له … أحبس رسولك لا يأتيك بالعطب.
وأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحاً فيتبعها جرح على جرح ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها, ولي أيضاً في هذا المعنى:
مازلت تتبع نظرة في نظرة في نظرة…في أثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في الـ…تحقيق تجريح على تجريح
فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا … فالقلب منك ذبيـــــــــــح“.الجوابالكافي(107)
فإطلاق النظر إلى ما حرُم النظر إليه:”أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان, فإن النظرة تولد خطرة ثم تولد الخطرة فكرة ثم تولد الفكرة شهوة ثم تولد الشهوة إرادة ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع,
وفي هذا قيل:الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده.
ولهذا قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر … ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت في قلب صاحبها … كمبلغ السهم بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا طرف يقلبه … في أعين العين موقوف على الخطر“. الجواب الكافي(106)
وليس هذا فحسب بل “من آفات النظر إلى المحرم أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات فيرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه, وهذا من أعظم العذاب أن ترى ما لا صبر لك عنه ولا عن بعضه ولا قدرة لك عليه”. الجواب الكافي(106).
فمن أراد السلامة فليمتثل قول الله تعالى{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} النور:30
فمن تأمل هذا الأمر بغض البصر الذي يعقبه إحصان الفرج, الذي يورث الزكاة والطهر والطيب, وصلاح القلب وسعادته, قطع نظره بلا ريب لله عما حرم الله تعالى, فكيف إن عرف العبد أن في غض البصر عما حرم ثمرات عظيمة ,منها:
1- أنه امتثال لأمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى.
2- أنه يمنع من وصول أثر السم المسموم الذي لعلّ فيه هلاكه إلى قلبه.
3- أنه يورث القلب أنساً بالله فإن إطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضرّ من إطلاق البصر؛ فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
4- أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
5- أنه يكسب القلب نوراً كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة ولهذا ذكر سبحانه آية النور عقيب الأمر بغض البصر , وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان.
6- أنه يورث الفراسة الصادقة التي يميز بها بين المحق والمبطل والصادق والكاذب, وكان شاه بن شجل الكرماني يقول:”من عمر ظاهره بإتباع السنة, وباطنه بدوام المراقبة, وغض بصره عن المحارم, وكف نفسه عن الشهوات, واعتاد أكل الحلال لم تخط له فراسة”.
7- إنه يورث القلب ثباتاً وشجاعة وقوة ويجمع الله له بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة كما في الأثر:”الذي يخالف هواه يفرّ الشيطان من ظله” ومثل هذا تجده في المتبع هواه من ذلّ النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها وما جعل الله سبحانه فيمن عصاه كما قال الحسن:”إنهم وان طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا تفارق رقابهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه”.
8- أنه يسدّ على الشيطان مدخله من القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهوى في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنماً يعكف عليه القلب ثم يعده ويمنّيه ويوقد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة, فيصير القلب في اللهب.
9- أنه يفرغ القلب للفكرة في مصالحه والاشتغال بها وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول عليه بينه وبينها فتنفرط عليه أموره ويقع في إتباع هواه وفي الغفلة عن ذكر ربه .
10- أن بين العين والقلب منفذاً يوجب اشتغال أحدهما عن الآخر وإن يصلح بصلاحه ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب وكذلك في جانب الصلاح فإذا خربت العين وفسدت خرب القلب وفسد وصار كالمزبلة التي هي محل النجاسات والقاذورات والأوساخ فلا يصلح لسكني معرفة الله ومحبته والإنابة إليه والأنس به والسرور بقربه فيه.ينظر:الجواب الكافي(125-127).
ولهذا أخي القارئ جاءت الأحاديث النبوية محذرة من إطلاق البصر والنظر إلى ما حرم الله النظر إليه:
1- فقال صلى الله عليه وسلم:”إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهى والفرج يصدق ذلك ويكذبه“.رواه أبوداود(2154).
2-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه:”يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة“رواه الترمذي(2777).
3-قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ثلاثة لا ترى أعينهم النار عين حرست في سبيل الله وعين بكت من خشية الله وعين كفت عن محارم الله“رواه الطبراني في الكبير(16347).
أخي المسلم وأختي المسلمة((احفظ الله يحفظك))واعلم أنها ثواني معدودة ونظرات في لحظة سريعة , فما أجملها وأشرفها من لحظة كففت فيها بصرك فأثمرت هذه الثمرات العظيمة, وما أخطرها من لحظة أطلقت فيها بصرك فأورثت هذه النتائج الوخيمة.
فإن قلت: العبد ضعيف خطاء, والنظرة سريعة خطافة, والشيطان يختلس ويوسوس, والدنيا تجملت وتزخرفت؟
فالجواب: والله تواب يحب التوابين فتب واستغفر فهو الغفور الرحيم {قُلْ يَعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رّحْمَةِ اللّهِ إِنّ اللّهَ يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ}الزمر:53
منقول ( شبكة سحاب)