السلام عليكم ورحمة الله ,,,
لعل من اشكل عليه هذا العمل لعله يعذر من قام بهذا العمل ويشكره لحماية التوحيد وليس فيه إهانة للأموات كما يدعيه البعض ,,
والله من وراء القصد.
أولا: وسائل الشرك :
إن الإمام الشافعي ، رحمه الله تعالى ، كان من أكثر الناس حرصا على حماية جناب التوحيد ، والتحذير من وسائل الشرك ، وأشدهم نهيا عنها ، وكذلك أتباعه ، وقد وردت عنهم في ذلك نصوص كثيرة منها:
جـاء عـن الإمـام الشـافعـي وأتبـاعـه: النهي عن ما هو من وسائل الشرك كتجصيص القبور وتعليتهـا والبناء عليها والكتابـة عليها ، وإسراجها ، واتخـاذها
مساجد والصلاة إليها ، واستقبالها للدعاء والطواف بها والقعود عليها ، وتقبيلها ومسحها باليد ، وأن يضرب
عليها مظلة أو أن يقول: والله وحياتك أو يقول: ما شاء الله وشئت .
كراهية الشافعي البناء على القبر وتجصيصه وأن يكتب عليه :
قال الشافعي : " وأكره أن يبنى على القبر مسجد وأن يسوى ، أو يصلى عليه وهو غير مسوى ، أو يصلى إليه " .
واستعماله رحمه الله للفظ الكراهة إنما يقصد به التحريم كما هو مقتضى النصوص الشرعية ، وليس المقصود بكلامه الكراهة باصطلاح الفقهاء المتأخرين .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " يكره أن يجصص القبر وأن يكتب عليه اسم صاحبه ، أو غير ذلك ، وأن يبنى عليه " .
وقال أيضا: " ورأيت من الولاة من يهدم ما بُنِيَ فيها ، ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولأن في ذلك تضييقا على الناس " .
كراهية الشافعي أن يجعل القبر مسجدا :
قال الشافعي : " وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس " .
وقال النووي : " ويكره تجصيص القبر والبناء والكتابة ، ولو بنى في مقبرة مسبلة هدم " .
وقـال ابن حجر المكـي الهيثمي : " الكبيرة الثـالثة والرابعة ، والخامسة ، والسادسة ، والسابعة ، والثامنة ، والتاسعة اتخاذ القبور مساجد ، وإيقاد السرج عليها ، واتخاذها أوثانا ، والطواف بها ، واستلامها ، والصلاة إليها . . . ثم قال: تنبيه: هذه الستة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية . كأنه أخذ ذلك مما ذكرته من هذه الأحاديث ووجه أخذ القبر مسجدا منها واضح؛ لأنه- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- لعن من فعل ذلك ، وجعل من فعل ذلك بقبور صلحائه شر الخلق عند الله يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية: يحذر ما صنعوا أي
يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا ، واتخاذ القبر مسجدا ، معناه الصلاة عليه أو إليه ، وحينئذ فقوله: والصلاة إليه مكرر إلا أن يراد باتخاذها مساجد الصلاة عليها فقط ، نعم إنما يتجه هذا الأخذ إن كان القبر معظما من نبي أو ولي كما أشارت إليه الرواية: إن كان فيهم الرجل الصالح . . . ومن ثَمَّ قال أصحابنا: تحرم الصلاة إلى قبور الأنبيـاء والأولياء . . . ومثلهـا مثل: الصـلاة عليه ، والتبرك والإعظام ، وكون هذا الفعل كبيرة ظاهرة ، ظاهر من الأحاديث المذكورة ، وكأنه قاس على ذلك كل تعظيم للقبر: كإيقاد السرج عليه تعظيما له ، وتبركا به ، والطواف به كذلك ، وهو أخذ غير بعيد سيما وقد صرح في الحديث المذكور آنفا بلعن من اتخذ على القبر سرجا ، وأما اتخاذها أوثانا فجاء النهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم: لا تتخذوا قبري وثنا يعبد بعدي أي لا تعظموه تعظيم غيركم لأوثانهم ، بالسجود له أو بنحوه ، إلى أن
قال: فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها واتخاذها مساجد أو بناءها عليها . والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ، ويجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نهى عن ذلك ، وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل وسراج على القبر ولا يصح وقفه ونذره " . حكم الطواف بالقبر وتقبيله ومسحه باليد :
قال النووي : " ولا يجوز أن يطاف بقبره صلى الله عليه وسلم ، ويكره لصاق البطن والظهر بجدار القبر ، قاله أبو عبد الله الحليمي وغيره ، قالوا: ويكره مسحه باليد وتقبيله بل الأدب أن يبعد منه ، كما يبعد منه من حضره في حياته صلى الله عليه وسلم .
هذا هو الصواب الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه ، ولا يغتر بمخالفة كثير من العوام وفعلهم ، كذلك فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بالأحاديث الصحيحة وأقوال العلماء ، ولا يلتفت إلى محادثات العوام وجهالاتهم وغيره . . . ومن خطر بباله أن المسح باليد ونحوه أبلغ في البركة فهو من جهالته وغفلته؛ لأن البركة إنما هي فيما وافق الشرع وكيف يبتغى الفضل في مخالفة
الصواب " .
وكلام النووي رحمه الله تعالى ، فيه دليل على أن أكثر ما يفعله الجهال من العوام في زماننا هو من المحدثات المخالفة للشرع الحنيف ، والتي لا ينبغي ولا يجوز التعويل عليها أو الاحتجاج بها ، ولا بركة فيها لمخالفتها لشرع الله تعالى .
حكم وضع مظلة على القبر
قال البغوي : " يكره أن يضرب على القبر مظلة؛ لأن عمر رضي الله عنه رأى مظلة على قبر فأمر برفعها وقال: دعوه يظله عمله " .
وجاء في المنهاج وشرحه لابن حجر ما ملخصه :
" ويكره تجصيص القبر والبناء عليه . . . والكتابة عليه ، للنهي الصحيح عن الثلاثة ، سواء كتابة اسمه وغيره في لوح عند رأسه أو في غيره ، نعم بحث الأذرعيّ حرمة كتابة القرآن للامتهان بالدوس والتنجيس بصديد الموتى عند تكرار الدفن ، ووقع المطر . وندب كتابة اسمه لمجرد التعريف به على طول السنين ، لا سيما بقبور الأنبياء والصالحين . . . قال: ليس العمل عليه الآن ، فإن أئمة المسلمين من المشرق للمغرب مكتوب على قبورهم ، فهو عمل قد أخذ به الخلف عن السلف ، ويرد بمنعه هذه الكلية ، وبفرضها فالبناء على قبورهم أكثر من الكتابة عليها
في المقابر المسبلة كما هو مشاهد ، لا سيما بالحرمين ومصر ونحوهما ، وقد علموا بالنهي عنه ، فكذا هي ، فإن قلت: هو إجماع فعل ، وهو حجة كما صرحوا به قلت: ممنوع بل هو أكثري إذ لم يحفظ ذلك حتى عن العلماء الذين يرون منعه ، وبفرض كونه إجماعا فعليـا فعمل حجيته- كما هو ظاهر- عند صلاح الأزمنة ، بحيث ينفذ فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد تعطل ذلك منذ أزمنة ، ولو بني نفس القبر لغير حاجة مما مر- كما هو ظاهر- إلى أن قال: وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة مصر من البناء حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه ، التي بناها بعض الملوك ، وينبغي لكل أحد هدم ذلك ، ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام " .
ولتنظر أيها القارئ إلى مبلغ احتياط هؤلاء العلماء في حماية جانب التوحيد ، حتى أفتى جمع منهم بهدم القبة التي على قبر الشافعي رحمه الله وهو من كبار أئمة أهل السنة ، فكيف بمن دونه في العلم والفضل ، حتى لقد بنيت قباب على قبور أناس غير معروفي الأصل ، وليسوا من أهل العلم والفضل ، كما حدث عند السيد البدوي ، وغيره ممن لهم قباب معروفة مشهورة .
وقال البيضاوي - كما في حاشية السيوطي على سنن النسائي : " لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم ،
ويتوجهون إليها تعظيما لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة والدعاء نحوها ، واتخذوها أوثانا ، لعنهم الله ، ومنع المسلمين من مثل ذلك . وأصل الشرك إنما حدث من تعظيم القبر والتوجه إليه " .
وقال السويدي الشافعي : " فتراهم يرفعونها فوق كل رفيع ، ويكتبون عليها الآيات القرآنية ويعملون لها التوابيت من خشب الصندل والعاج ، ويضعون فوقها ستور الحرير المحلاة بالذهب العقيان والفضة الخالصة ، ولم يرضهم ذلك حتى أداروا عليها شبابيك من الفضة وغيره ، وعلقوا عليها قناديل الذهب ، وبنوا عليها قبابا من الذهب ، أو الزجاج المنقوش ، وزخرفوا أبوابها ، وجعلوا لها الأقفال من الفضة وغيرها خوفا عليها من اللصوص ، كل ذلك مخالف لدين الرسل ، وعين المحادة لله ورسوله ، فإن كانوا متبعين فلينظروا إليه ، صلى الله عليه وسلم ، كيف كان يفعل بأصحابه الذين هم أفضل الأصحاب ، وينظروا إلى قبره الشريف وما عملت الصحابة فيه " .
وقال النووي : " إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا ، خوفا من المبالغة في تعظيمهم والافتتان به ، فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ، ولما احتاجت الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين كثر المسلمون ، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله؛ لئلا يظهر في المسجد ويؤدي إلى المحذور ، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين ، وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يمكن أحد من استقبال القبر " .
وجاء في الباعث في إنكار البدع والحوادث: ص 103: " فانظروا رحمكم الله أينما وجدتم سدرة أو شجرة يقصدها الناس ويعظمون من شأنها ويرجون البراء والشفاء من قبلها وينوطون بها المسامير والخرق ، فهي ذات أنواط فاقطعوها " .
شبهة وجوابها :
لقد استدل القبورية على جواز بناء المساجد على القبور ، بقصة أصحاب الكهف ، حيث اتخذ قومهم لهم مسجدا . وأجاب عن هذه الشبهة الحافظ ابن كثير بجوابين:
الأول : أن هذا عمل الكفار والمشركين فليس بحجة .
والثاني : على فرض أن هذا عمل المسلمين ولكنهم غير محمودين في هذا العمل .
ومن كل ما سبق يتبين مدى حرص أئمة الشافعية كغيرهم من باقي علماء المذاهب الأخرى ، على حماية التوحيد مما يخدش ، وكذلك حرصهم على إبعاد كل مظاهر الشرك وإغلاق أبوابها ، فحرموا كل ما يؤدي إليه من تعظيم القبور بأي شكل كان ، والحلف بغير الله ونحو ذلك ، فالعجب ممن ينتسب إلى الشافعي من أدعياء العلم أو غيرهم ، ثم يفعل مثل هذه المنكرات ويدعو إليها ويزينها للناس يبيحها ، فما أجرأ هؤلاء على مخالفة النصوص ، وعلى مخالفة الأئمة الكبار رحمهم الله تعالى .
الخلاصة :
1 - كان الشافعي رحمه الله ، هو وأتباعه من أشد الناس نهيا عن الوسائل المؤدية إلى الشرك .
2 - ثبت فهم النصوص الكثيرة في التحذير من الغلو في المقبورين بأي صورة من الصور .
3 - ثبت كذلك نهيهم الشديد عن الحلف بغير الله تعالى.