علمني كيف أخونك
¬°•| عُضوٍ شًرٍفٌ |•°¬
- إنضم
- 27 أغسطس 2008
- المشاركات
- 1,155
باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قال الله تعالى:{ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} ((الحجرات: 12)). وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)).
اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
1511- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت" ((متفق عليه)).
وهذا صريح أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.
1512- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". ((متفق عليه)).
1513- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة" ((متفق عليه)).
1514- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" ((متفق عليه)). (((1))).
1515- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يُلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالا يَهوي بها في جهنم". ((رواه البخاري)).
1516- وعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه”. رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1517- وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: " قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: “هذا”. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1518- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب! وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي". رواه الترمذي.
1519- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة". ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)).
1520- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك" ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)).
1521- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا”. ((رواه الترمذي)). (((2))).
1522- وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟ قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل” ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ: {يعملون} ((السجدة: 6)). ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذِروة سنامه" قلت" بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِروة سنامه الجهاد” ثم قال: “ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه قال: "كف عليك هذا" قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك! وهل يُكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد سبق شرحه في باب قبل هذا)).
1532- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتدرون ما الغيبة؟” قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته”. ((رواه مسلم)).
1524- وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنًى في حجة الوداع: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت” ((متفق عليه)).
1525- وعن عائشة رضي الله عنها: قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: "لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته!" قالت: وحكيت له إنسانًا فقال: “ما أحب أني حكيت إنسانًا وإن لي كذا وكذا”. ((رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.))
ومعني: "مزجته" خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}.
1526- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نُحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!”. ((رواه أبو داود.))
1527- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله". ((رواه مسلم)).
255- باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} ((القصص: 55)). وقال تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} ((المؤمنون: 3)). وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء: 36)) وقال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ((الأنعام: 68)).
1528- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عِرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".((رواه الترمذي وقال حديث حسن.))
1529- وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل المشهور الذي تقدم في باب الرجاء قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: "أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله! وإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" ((متفق عليه)).
(((3))).
1530- وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته وقد سبق في بابه التوبة. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فعل كعب مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم" ((متفق عليه)).
(((4))).
256- باب ما يباح من الغيبة
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو بستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول ظلمني فلان بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمر كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركتة، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها إذا رأى متفقهًا يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر بذلك، فعليه نصيحته ببيان حالة، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فيتفطن لذلك.
ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحًا، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المُكس؛ وجباية الأموال ظلمًا، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به؛ ويحرم ذكره بغيره من العيوب؛ إلا أن يكون لجوازه سبب آخر ما ذكرناه.
السادس: التعريف ، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب، كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة. فمن ذلك:
1531- عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟ " ((متفق عليه)).
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب.
1532- وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا" ((رواه البخاري)). قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.
1533- وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما معاوية، فصعلوك لا مال له ، وأما أبوالجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه" ((متفق عليه)) .
وفي رواية لمسلم : "وأما أبو الجهم فضراب للنساء" وهو تفسير لرواية: " لا يضع العصا عن عاتقه" وقيل: معناه: كثير الأسفار.
1534- وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي ، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليستغفر لهم فلووا رءوسهم. ((متفق عليه)) .
1535- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ((متفق عليه)) .
257- باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} ((سورة ن :11))، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق:18)).
1536- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة نمام" ((متفق عليه)).
1537- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: “إنهما يعذابان ، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير: أما أحدهما ، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ((متفق عليه وهذا لفظ إحدى روايات البخاري)).
قال العلماء: معنى "وما يعذبان في كبير" أي كبير في زعمهما وقيل: كبير تركه عليهما.
1538- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ ألا أنبئكم ما العِضَه؟ هي النميمة، القالة بين الناس" ((رواه مسلم)).
(((5))).
258- باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدعُ إليه حاجة كخوف مفسدة ونحوها
قال الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم} ((المائدة: 2)) وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.
1539- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يُبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيءا، فإني أحب أن أخرج إلىكم وأنا سليم الصدر". ((رواه أبوداود والترمذي))
259- باب ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، وكان الله بما يعملون محيطًا} ((النساء: 108)).
1540- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه" ((متفق عليه)).
1541- وعن محمد بن زيد أن ناسًا قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ((رواه البخاري)).
260- باب تحريم الكذب
قال الله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق : 18)).
1542- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ((متفق عليه)).
1543- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" ((متفق عليه)).
وقد سبق بيانه مع حديث أبي هريرة بنحوه في باب الوفاء بالعهد.
1544- وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " من تحلم بحلم لم يره، كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنُك يوم القيامة، ومن صور صورة، عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
(((6))).
1545- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا" ((رواه البخاري)) (((7))).
1546- وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه:((هل رأى أحد منكم رؤيا؟)) فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة:((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فليأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى!" قال: "قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى" قال: قلت: سبحان الله؟ ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور" فأحسب أنه قال: "فإذا فيه: لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا. قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهر" حسبت أنه كان يقول: "أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسب ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه، فيلقمه حجرًا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجرًا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، أو كأكره ما أنت راء رجلا مرأى فإذا هو عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا؟ قال لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت: ما هذا! وما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها، ولا أحسن! قالا لي: ارقَ لي: ارقَ فيها، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء! وشطر منهم كأقبح ما أنت راء! قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه. ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدًا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء. قالا لي: هذاك منزلك؟ قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبًا؟ فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكرية المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة" وفي رواية البرقاني: "ولد على الفطرة" فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا، تجاوز الله عنهم" ((رواه البخاري)).
وفي رواية له: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة" ثم ذكره وقال: "فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع؛ يتوقد تحته نارًا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت، رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة". وفيها: "حتى أتينا على نهر من دم" ولم يشك "فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شط النهر رجل، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج، رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج جعل يرمي في فيه بحجر، فيرجع كما كان". وفيها: "فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب". وفيها: "الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة" وفيها: "الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به إلى يوم القيامة، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته، أتيت منزلك" ((رواه البخاري)).
(((8)
)).
261- باب بيان ما يجوز من الكذب
اعلم أن الكذب، وإن كان أصله محرمًا، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب: "الأذكار"، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بكذب، جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا كان الكذب مباحًا، وإن كان واجبًا، كان الكذب واجبًا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.
واستدل العلماء لجواز الكذب في هذه الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس، فينمي خيرًا أو يقول خيرًا" ((متفق عليه)).
زاد مسلم في رواية: "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث" تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
262- باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
قال الله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36))، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)).
1547- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع".
1548- وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين" ((رواه مسلم)).
1549- وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضَّرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور" ((متفق عليه)).
(((9))).
263- باب بيان غلظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} ((الحج: 30))، وقال تعالى:{ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)). وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ((الفجر: 14)). وقال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} ((الفرقان:72)).
1550- وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور!" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
((متفق عليه)).
264- باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة
1551- عن أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه، وهو من أهل بيعة الرضوان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء، عُذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملكه، ولعن المؤمن كقتله" ((متفق عليه)).
1552- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لصدِّيق أن يكون لعانًا" ((رواه مسلم)).
1553- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة" ((رواه مسلم)).
1554- وعن سَمُرَة بن جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار". ((رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح)).
1555- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي". ((رواه الترمذي وقال حديث حسن)).
1556- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلا لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها".
1557- وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعرض لها أحد. ((رواه مسلم)).
1558- وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل، اللهم العنها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" ((رواه مسلم)).
(((10).
265- باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعيَّنين
قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} ((هود: 18)). وقال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} ((الأعراف: 44)).
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة" وأنه قال: "لعن الله آكل الربا" وأنه لعن المصورين، وأنه قال: "لعن الله من غير منار الأرض" أي حدودها، وأنه قال: "لعن الله السارق يسرق البيضة" وأنه قال: "لعن الله من لعن والديه" "ولعن الله من ذبح لغير الله"، وأنه قال: "من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، وأنه قال: "اللهم العن رعلا، وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله" وهذه ثلاث قبائل من العرب وأنه قال: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
وجميع هذه الألفاظ في الصحيح، بعضها في صحيحي البخاري ومسلم، وبعضها في أحدهما، وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليهما، وسأذكر معظمها في أبوابها من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
266- باب تحريم سب المسلم بغير حق
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينًا} ((الأحزاب: 58)).
1559- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" ((متفق عليه)).
1560- وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك" ((رواه البخاري)).
1561- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم" ((رواه مسلم)).
1562- وعنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هذا، لا تُعينوا عليه الشيطان" ((رواه البخاري)).
1563- وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال" ((متفق عليه)).
267- باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية
وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك، وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
1564- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". ((رواه البخاري)).
268- باب النهي عن الإيذاء
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينًا} ((الأحزاب: 58)).
1565- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ((متفق عليه)).
1566- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" ((رواه مسلم)). وهو بعض حديث طويل سبق في باب طاعة ولاة الأمور.
269- باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} ((الحجرات: 10))، وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} ((المائدة: 54))، وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} ((الفتح: 29)).
1567- وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" ((متفق عليه)).
1568- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا!" ((رواه مسلم)). وفي رواية له "تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين" وذكر نحوه.
270- باب تحريم الحسد وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها: سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ((النساء: 54)).
وفيه حديث أنس السابق في الباب قبله.
1569- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب".
271- باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه
قال الله تعالى: {ولا تجسسوا} ((الحجرات: 12))، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا} ((الأحزاب: 58)).
1570- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا، " ويشير إلى صدره "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". وفي رواية: "لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا".
وفي رواية: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا". وفي رواية: "لا تهاجروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض".
((رواه مسلم بكل هذه الروايات، وروى البخاري أكثرها)).
1571- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهم". حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1572- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي برجل فقيل له، هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال: إنَّا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شئ، نأخذ به". حديث حسن صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
272- باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم} ((الحجرات: 12)).
1573- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" ((متفق عليه)).
273- باب تحريم احتقار المسلمين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} ((الحجرات: 11))، وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} ((الهمزة: 1)).
1574- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر المسلم". ((رواه مسلم، وقد سبق قريبًا بطوله)).
1575- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس".((رواه مسلم)).
ومعنى "بَطَر الحق": دفعه، "وغمطهم": احتقارهم، وقد سبق بيانه أوضح من هذا في باب الكبر.
1576- وعن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك" ((رواه مسلم)).
274- باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم
قال الله تعالى: {إنماالمؤمنون إخوة} ((الحجرات:10)). وقال تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} ((النور:19)).
1577- وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن))
وفي الباب حديث أبي هريرة السابق في باب التجسس: " كل المسلم على المسلم حرام" الحديث.
275- باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع
قال تعالى : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينا} (( الأحزاب : 58)).
1578- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت" ((رواه مسلم)).
276- باب النهي عن الغش والخداع
قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينا} (( الأحزاب: 58)).
1579- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حمل علينا السلاح، فليس منا، ومن غشنا، فليس منا" ((رواه مسلم)).
وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: " ما هذا ياصاحب الطعام؟" قال أصابته السماء يارسول الله، قال: " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا".
1580- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " لا تناجشوا" ((متفق عليه)).
1581- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَجَش، ((متفق عليه)).
وعنه قال: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في البيوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بايعت؟ فقل : لا خلابة" ((متفق عليه)). "الخِلابة" بخاء معجمة مكسورة، وباء موحدة: وهي الخديعة.
1583- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا".
"خَبَب" بخاء معجمة، ثم باء موحدة مكررة: أي: أفسده وخدعه.
277- باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ((المائدة:1)). وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} ((الإسراء: 34)).
1584- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" ((متفق عليه)).
1585- وعن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان" ((متفق عليه)).
1586- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا لا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة" ((رواه مسلم)).
1587- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره" ((رواه البخاري)).
278- باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ((البقرة:264)). وقال تعالى: { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} (( البقرة :262)).
1588- وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" ((رواه مسلم)).
وفي رواية له : " المسبل إزاره" يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخُيلاء.
279- باب النهي عن الافتخار والبغي
قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} (( النجم: 32)) وقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} ((الشورى: 42)).
1589- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد" ((رواه مسلم)) قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة.
1590- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم" ((رواه مسلم)).
(((11)
280- باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في المهجور أو تظاهر بفسق أو نحو ذلك
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} ((الحجرات: 10)). وقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ((المائدة: 2)).
1591- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" ((متفق عليه)).
1592- وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" ((متفق عليه)).
1593- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" ((رواه مسلم)).
1594- وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في والتحريش بينهم " ((رواه مسلم)).
التحريش: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
1595- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات دخل النار".((رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري)).
1596- وعن أبي خراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي، ويقال السلمي الصحابي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه".((رواه أبو داود بإسناد صحيح)).
1597- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه، وليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة". ((رواه أبو داود بإسناد حسن قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى، فليس من هذا في شيء)).
281- باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة وهو أن يتحدثا سرًا بحيث لا يسمعهما وفي معناه إذا تحدثا بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} ((المجادلة: 10)).
1598- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث" ((متفق عليه)).
((ورواه أبو دواد وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك. ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتناجى اثنان دون واحد".
1599- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه" ((متفق عليه)).
282- باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا} ((النساء: 36)).
1600- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هِرة حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" ((متفق عليه)).
(((12)ا)).
1601- وعنه أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه روح غرضًا. ((متفق عليه)).
"الغَرَض" : بفتح الغين المعجمة والراء، وهو الهدف، والشيء الذي يرمى إليه.
1602- وعن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصبر البهائم. ((متفق عليه)).
ومعناه: تحبس للقتل.
1603- وعن أبي علي سويد بن مقرن رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. ((رواه مسلم)). ورواية: "سابع إخوة لي".
1604- وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: "كنتُ أضرب غلامًا لي بالوسط، فسمعت صوتًا من خلفي: "اعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدرُ عليك منك على هذا الغلام" فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.
((وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته))
((وفي رواية: فقلت: يارسول الله هو حر لوجه الله تعالى، فقال: "أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار" ((رواه مسلم بهذه الروايات)).
1605- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ضرب غلامًا له حدًا لم يأتهِ، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه" ((رواه مسلم)).
1606- وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصُب على رءوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ يُعذبون في الخراج وفي رواية: حُبسوا في الجزية. فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا" ((رواه مسلم. "الأنباط" الفلاحون من العجم)).
1607- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا موسوم الوجه، فأنكر ذلك؟ فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين. ((رواه مسلم)).
(((13))).
1608- وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر عليه حمار قد وُسم في وجهه، فقال: "لعن الله الذي وسمه" ((رواه مسلم. وفي رواية لمسلم أيضًا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه)).
283- باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى القملة ونحوها
1609- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا" لرجلين من قريش سماهما "فأحرقوهما بالنار" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما" ((رواه البخاري)).
1610- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها" ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: "من حرق هذه؟" قلنا: نحن. قال: "إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا رب النار". (((14))).
284- باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه
قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} ((النساء: 58)).
وقال تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} ((البقرة: 283)).
1611- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع" ((متفق عليه. معنى "أتبع": أحيل)).
285- باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها وكراهة شرائه شيئًا تصدق به من الذي تصدق عليه أو أخرجه عن زكاة أو كفارة ونحوها ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
1612- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" ((متفق عليه)).
((وفي رواية: "مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله". وفي رواية: "العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
1613- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" ((متفق عليه)).
قوله: "حملت على فرس في سبيل الله" معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
286- باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} ((النساء: 10)). وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} ((الأنعام: 152)). وقال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح} ((البقرة: 220)).
1614- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" ((متفق عليه. "الموبقات" المهلكات)).
287- باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يمحق الله الربا ويربي الصدقات} إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} ((البقرة: 275-278).
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله.
1615- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله" ((رواه مسلم)).
(((15))).
288- باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} ((البينة:5)). وقال تعالى: {لا تُبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس} (( البقرة: 264)). وقال تعالى: { يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} (( النساء:142)).
1616- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه" ((رواه مسلم)).
1617- وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل اسُتشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى اسُتشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم. وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل: ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار" ((رواه مسلم)). (((16))).
1618- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن ناسًا قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((رواه البخاري)).
1619- وعن جُندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي الله يرائي به" ((متفق عليه)). ((رواه مسلم أيضًا من رواية ابن عباس رضي الله عنه)).
"سمَّع" بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياء " سمَّع الله به" أي فضحه يوم القيامة، ومعنى: " من راءى" أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم "راءى الله به" أي: أظهر سريرته على رءوس الخلائق.
1620- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
289- باب ما يُتوهم أنه رياء وليس برياء
1621- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن" ((رواه مسلم)).
290- باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ((النور:30)). وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء:36))، وقال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور} ((غافر:19)). وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ((الفجر: 14)).
1622- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه". ((متفق عليه. وهذا لفظ مسلم، ورواية البخاري مختصرة)).
1623- وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات". قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُد نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر المعروف والنهي عن المنكر" ((متفق عليه)).
1624- وعن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه قال: كنا قعودًا بالأفنية نتحدث فيها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالم علينا فقال: "ما لكم ولمجالس الصعدات؟ فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: "إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام" ((رواه مسلم)). "الصُّعُدات" بضم الصاد والعين، أي: الطرقات.
1625- وعن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: "اصرف بصرك" ((رواه مسلم)).
1626- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "احتجبا منه" فقلنا: يا رسول الله إلىس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟!" ((رواه أبو داود والترمذي: وقال حديث حسن صحيح)).
1627- وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" ((رواه مسلم)).
قال الله تعالى:{ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} ((الحجرات: 12)). وقال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)).
اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء.
1511- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا، أو ليصمت" ((متفق عليه)).
وهذا صريح أنه ينبغي أن لا يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت مصلحته، ومتى شك في ظهور المصلحة، فلا يتكلم.
1512- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده". ((متفق عليه)).
1513- وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة" ((متفق عليه)).
1514- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" ((متفق عليه)). (((1))).
1515- وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يُلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يُلقي لها بالا يَهوي بها في جهنم". ((رواه البخاري)).
1516- وعن أبي عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه”. رواه مالك في الموطأ والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1517- وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به قال: " قل ربي الله ثم استقم" قلت: يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: “هذا”. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
1518- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب! وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي". رواه الترمذي.
1519- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة". ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)).
1520- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خطيئتك" ((رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)).
1521- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أصبح ابن آدم، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان، تقول: اتقِ الله فينا، فإنما نحن بك: فإن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا”. ((رواه الترمذي)). (((2))).
1522- وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار؟ قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل” ثم تلا: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ: {يعملون} ((السجدة: 6)). ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذِروة سنامه" قلت" بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِروة سنامه الجهاد” ثم قال: “ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه قال: "كف عليك هذا" قلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك! وهل يُكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟" ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، وقد سبق شرحه في باب قبل هذا)).
1532- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أتدرون ما الغيبة؟” قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته”. ((رواه مسلم)).
1524- وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنًى في حجة الوداع: "إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت” ((متفق عليه)).
1525- وعن عائشة رضي الله عنها: قالت قلت للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال بعض الرواة: تعني قصيرة، فقال: "لقد قلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته!" قالت: وحكيت له إنسانًا فقال: “ما أحب أني حكيت إنسانًا وإن لي كذا وكذا”. ((رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.))
ومعني: "مزجته" خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه لشدة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، قال الله تعالى: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى}.
1526- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نُحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم!”. ((رواه أبو داود.))
1527- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله". ((رواه مسلم)).
255- باب تحريم سماع الغيبة وأمر من سمع غيبة محرمة بردها والإنكار على قائلها فإن عجز أو لم يقبل منه فارق ذلك المجلس إن أمكنه
قال الله تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه} ((القصص: 55)). وقال تعالى: {والذين هم عن اللغو معرضون} ((المؤمنون: 3)). وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء: 36)) وقال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ((الأنعام: 68)).
1528- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رد عن عِرض أخيه، رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".((رواه الترمذي وقال حديث حسن.))
1529- وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل المشهور الذي تقدم في باب الرجاء قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فقال: "أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقل ذلك ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله! وإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله" ((متفق عليه)).
(((3))).
1530- وعن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته وقد سبق في بابه التوبة. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في القوم بتبوك: "ما فعل كعب مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه، والنظر في عطفيه فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم" ((متفق عليه)).
(((4))).
256- باب ما يباح من الغيبة
اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو بستة أسباب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول ظلمني فلان بكذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا.
الثالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمر كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ومع ذلك، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركتة، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة.
ومنها إذا رأى متفقهًا يتردد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر بذلك، فعليه نصيحته ببيان حالة، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك، ويخيل إليه أنه نصيحة فيتفطن لذلك.
ومنها أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحًا، وإما بأن يكون فاسقًا، أو مغفلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة الناس، وأخذ المُكس؛ وجباية الأموال ظلمًا، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به؛ ويحرم ذكره بغيره من العيوب؛ إلا أن يكون لجوازه سبب آخر ما ذكرناه.
السادس: التعريف ، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب، كالأعمش والأعرج والأصم والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة. فمن ذلك:
1531- عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “ائذنوا له، بئس أخو العشيرة؟ " ((متفق عليه)).
احتج به البخاري في جواز غيبة أهل الفساد وأهل الريب.
1532- وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان من ديننا شيئًا" ((رواه البخاري)). قال الليث بن سعد أحد رواة هذا الحديث: هذان الرجلان كانا من المنافقين.
1533- وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن أبا الجهم ومعاوية خطباني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما معاوية، فصعلوك لا مال له ، وأما أبوالجهم، فلا يضع العصا عن عاتقه" ((متفق عليه)) .
وفي رواية لمسلم : "وأما أبو الجهم فضراب للنساء" وهو تفسير لرواية: " لا يضع العصا عن عاتقه" وقيل: معناه: كثير الأسفار.
1534- وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي ، فاجتهد يمينه: ما فعل، فقالوا: كذب زيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع في نفسي مما قالوا شدة حتى أنزل الله تعالى تصديقي {إذا جاءك المنافقون} ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، ليستغفر لهم فلووا رءوسهم. ((متفق عليه)) .
1535- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند امرأة أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم؟ قال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" ((متفق عليه)) .
257- باب تحريم النميمة وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد
قال الله تعالى: {هماز مشاء بنميم} ((سورة ن :11))، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق:18)).
1536- وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة نمام" ((متفق عليه)).
1537- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: “إنهما يعذابان ، وما يعذبان في كبير! بلى إنه كبير: أما أحدهما ، فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ((متفق عليه وهذا لفظ إحدى روايات البخاري)).
قال العلماء: معنى "وما يعذبان في كبير" أي كبير في زعمهما وقيل: كبير تركه عليهما.
1538- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ ألا أنبئكم ما العِضَه؟ هي النميمة، القالة بين الناس" ((رواه مسلم)).
(((5))).
258- باب النهي عن نقل الحديث وكلام الناس إلى ولاة الأمور إذا لم تدعُ إليه حاجة كخوف مفسدة ونحوها
قال الله تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم} ((المائدة: 2)) وفي الباب الأحاديث السابقة في الباب قبله.
1539- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا يُبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيءا، فإني أحب أن أخرج إلىكم وأنا سليم الصدر". ((رواه أبوداود والترمذي))
259- باب ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول، وكان الله بما يعملون محيطًا} ((النساء: 108)).
1540- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “تجدون الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خيار الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه" ((متفق عليه)).
1541- وعن محمد بن زيد أن ناسًا قالوا لجده عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ((رواه البخاري)).
260- باب تحريم الكذب
قال الله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق : 18)).
1542- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا" ((متفق عليه)).
1543- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" ((متفق عليه)).
وقد سبق بيانه مع حديث أبي هريرة بنحوه في باب الوفاء بالعهد.
1544- وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: " من تحلم بحلم لم يره، كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، صب في أذنيه الآنُك يوم القيامة، ومن صور صورة، عذب وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ".
(((6))).
1545- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا" ((رواه البخاري)) (((7))).
1546- وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه:((هل رأى أحد منكم رؤيا؟)) فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال لنا ذات غداة:((إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه، فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فليأخذه، فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل المرة الأولى!" قال: "قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر، فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى" قال: قلت: سبحان الله؟ ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور" فأحسب أنه قال: "فإذا فيه: لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضئوا. قلت: ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على نهر" حسبت أنه كان يقول: "أحمر مثل الدم، وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسب ما يسبح، ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفغر له فاه، فيلقمه حجرًا، فينطلق فيسبح، ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه، فغر له فاه، فألقمه حجرًا، قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل كريه المرآة، أو كأكره ما أنت راء رجلا مرأى فإذا هو عنده نارٌ يحشها ويسعى حولها. قلت لهما: ما هذا؟ قال لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع، وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قلت: ما هذا! وما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أرَ دوحة قط أعظم منها، ولا أحسن! قالا لي: ارقَ لي: ارقَ فيها، فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة، فأتينا باب المدينة فاستفتحنا، ففتح لنا، فدخلناها، فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء! وشطر منهم كأقبح ما أنت راء! قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، وإذا هو نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض، فذهبوا فوقعوا فيه. ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم، فصاروا في أحسن صورة. قال: قالا لي: هذه جنة عدن، وهذاك منزلك، فسما بصري صعدًا، فإذا قصر مثل الربابة البيضاء. قالا لي: هذاك منزلك؟ قلت لهما: بارك الله فيكما، فذراني فأدخله. قالا: أما الآن فلا، وأنت داخله. قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبًا؟ فما هذا الذي رأيت؟ قالا لي: أما إنا سنخبرك: أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر، فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق. وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر، ويلقم الحجارة، فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكرية المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها، فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة، فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله، فكل مولود مات على الفطرة" وفي رواية البرقاني: "ولد على الفطرة" فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وأولاد المشركين، وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن، وشطر منهم قبيح، فإنهم قوم خلطوا عملا صالحًا وآخر سيئًا، تجاوز الله عنهم" ((رواه البخاري)).
وفي رواية له: "رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة" ثم ذكره وقال: "فانطلقنا إلى نقب مثل التنور، أعلاه ضيق وأسفله واسع؛ يتوقد تحته نارًا، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كادوا أن يخرجوا، وإذا خمدت، رجعوا فيها، وفيها رجال ونساء عراة". وفيها: "حتى أتينا على نهر من دم" ولم يشك "فيه رجل قائم على وسط النهر، وعلى شط النهر رجل، وبين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد أن يخرج، رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج جعل يرمي في فيه بحجر، فيرجع كما كان". وفيها: "فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارًا لم أرَ قط أحسن منها، فيها رجال شيوخ وشباب". وفيها: "الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به ما رأيت إلى يوم القيامة" وفيها: "الذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن، فنام عنه بالليل، ولم يعمل فيه بالنهار، فيفعل به إلى يوم القيامة، والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين، وأما هذه الدار فدار الشهداء، وأنا جبريل، وهذا ميكائيل، فارفع رأسك، فرفعت رأسي، فإذا فوقي مثل السحاب، قالا: ذاك منزلك، قلت: دعاني أدخل منزلي، قالا: إنه بقي لك عمر لم تستكمله، فلو استكملته، أتيت منزلك" ((رواه البخاري)).
(((8)
)).
261- باب بيان ما يجوز من الكذب
اعلم أن الكذب، وإن كان أصله محرمًا، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب: "الأذكار"، ومختصر ذلك: أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بكذب، جاز الكذب. ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا كان الكذب مباحًا، وإن كان واجبًا، كان الكذب واجبًا. فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله، وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ، وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب، فليس بحرام في هذا الحال.
واستدل العلماء لجواز الكذب في هذه الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يُصلح بين الناس، فينمي خيرًا أو يقول خيرًا" ((متفق عليه)).
زاد مسلم في رواية: "قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث" تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
262- باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه
قال الله تعالى: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36))، وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)).
1547- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع".
1548- وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين" ((رواه مسلم)).
1549- وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضَّرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور" ((متفق عليه)).
(((9))).
263- باب بيان غلظ تحريم شهادة الزور
قال الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور} ((الحج: 30))، وقال تعالى:{ولا تقفُ ما ليس لك به علم} ((الإسراء: 36)). وقال تعالى: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} ((ق: 18)). وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ((الفجر: 14)). وقال تعالى: {والذين لا يشهدون الزور} ((الفرقان:72)).
1550- وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟" قلنا: بلى يا رسول الله. قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" وكان متكئا فجلس، فقال: "ألا وقول الزور!" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
((متفق عليه)).
264- باب تحريم لعن إنسان بعينه أو دابة
1551- عن أبي زيد ثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنه، وهو من أهل بيعة الرضوان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء، عُذب به يوم القيامة، وليس على رجل نذر فيما لا يملكه، ولعن المؤمن كقتله" ((متفق عليه)).
1552- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لصدِّيق أن يكون لعانًا" ((رواه مسلم)).
1553- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة" ((رواه مسلم)).
1554- وعن سَمُرَة بن جُندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار". ((رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح)).
1555- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذي". ((رواه الترمذي وقال حديث حسن)).
1556- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلا لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها".
1557- وعن عمران بن الحصين رضي الله عنه الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت، فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعرض لها أحد. ((رواه مسلم)).
1558- وعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال بينما جارية على ناقة عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل، اللهم العنها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة" ((رواه مسلم)).
(((10).
265- باب جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعيَّنين
قال الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} ((هود: 18)). وقال تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} ((الأعراف: 44)).
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الواصلة والمستوصلة" وأنه قال: "لعن الله آكل الربا" وأنه لعن المصورين، وأنه قال: "لعن الله من غير منار الأرض" أي حدودها، وأنه قال: "لعن الله السارق يسرق البيضة" وأنه قال: "لعن الله من لعن والديه" "ولعن الله من ذبح لغير الله"، وأنه قال: "من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين"، وأنه قال: "اللهم العن رعلا، وذكوان، وعصية عصوا الله ورسوله" وهذه ثلاث قبائل من العرب وأنه قال: "لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". وأنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال".
وجميع هذه الألفاظ في الصحيح، بعضها في صحيحي البخاري ومسلم، وبعضها في أحدهما، وإنما قصدت الاختصار بالإشارة إليهما، وسأذكر معظمها في أبوابها من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
266- باب تحريم سب المسلم بغير حق
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينًا} ((الأحزاب: 58)).
1559- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" ((متفق عليه)).
1560- وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك" ((رواه البخاري)).
1561- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المتسابان ما قالا فعلى البادي منهما حتى يعتدي المظلوم" ((رواه مسلم)).
1562- وعنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب قال: "اضربوه" قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه. فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، قال: "لا تقولوا هذا، لا تُعينوا عليه الشيطان" ((رواه البخاري)).
1563- وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال" ((متفق عليه)).
267- باب تحريم سب الأموات بغير حق ومصلحة شرعية
وهو التحذير من الاقتداء به في بدعته، وفسقه، ونحو ذلك، وفيه الآية والأحاديث السابقة في الباب قبله.
1564- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". ((رواه البخاري)).
268- باب النهي عن الإيذاء
قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينًا} ((الأحزاب: 58)).
1565- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" ((متفق عليه)).
1566- وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه" ((رواه مسلم)). وهو بعض حديث طويل سبق في باب طاعة ولاة الأمور.
269- باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} ((الحجرات: 10))، وقال تعالى: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} ((المائدة: 54))، وقال تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} ((الفتح: 29)).
1567- وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" ((متفق عليه)).
1568- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئًا، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا!" ((رواه مسلم)). وفي رواية له "تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين" وذكر نحوه.
270- باب تحريم الحسد وهو تمني زوال النعمة عن صاحبها: سواء كانت نعمة دين أو دنيا قال الله تعالى: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} ((النساء: 54)).
وفيه حديث أنس السابق في الباب قبله.
1569- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، أو قال: العشب".
271- باب النهي عن التجسس والتسمع لكلام من يكره استماعه
قال الله تعالى: {ولا تجسسوا} ((الحجرات: 12))، وقال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينا} ((الأحزاب: 58)).
1570- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا، " ويشير إلى صدره "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وعرضه، وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". وفي رواية: "لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا".
وفي رواية: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا". وفي رواية: "لا تهاجروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض".
((رواه مسلم بكل هذه الروايات، وروى البخاري أكثرها)).
1571- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك إن اتبعت عورات المسلمين أفسدتهم، أو كدت تفسدهم". حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح.
1572- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي برجل فقيل له، هذا فلان تقطر لحيته خمرًا، فقال: إنَّا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شئ، نأخذ به". حديث حسن صحيح رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم.
272- باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم} ((الحجرات: 12)).
1573- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث" ((متفق عليه)).
273- باب تحريم احتقار المسلمين
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} ((الحجرات: 11))، وقال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} ((الهمزة: 1)).
1574- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر المسلم". ((رواه مسلم، وقد سبق قريبًا بطوله)).
1575- وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة، فقال: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس".((رواه مسلم)).
ومعنى "بَطَر الحق": دفعه، "وغمطهم": احتقارهم، وقد سبق بيانه أوضح من هذا في باب الكبر.
1576- وعن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان! فإني قد غفرت له، وأحبطت عملك" ((رواه مسلم)).
274- باب النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم
قال الله تعالى: {إنماالمؤمنون إخوة} ((الحجرات:10)). وقال تعالى: { إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة} ((النور:19)).
1577- وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". ((رواه الترمذي وقال: حديث حسن))
وفي الباب حديث أبي هريرة السابق في باب التجسس: " كل المسلم على المسلم حرام" الحديث.
275- باب تحريم الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع
قال تعالى : {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينا} (( الأحزاب : 58)).
1578- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت" ((رواه مسلم)).
276- باب النهي عن الغش والخداع
قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثما مبينا} (( الأحزاب: 58)).
1579- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حمل علينا السلاح، فليس منا، ومن غشنا، فليس منا" ((رواه مسلم)).
وفي رواية له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: " ما هذا ياصاحب الطعام؟" قال أصابته السماء يارسول الله، قال: " أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس! من غشنا فليس منا".
1580- وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: " لا تناجشوا" ((متفق عليه)).
1581- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النَجَش، ((متفق عليه)).
وعنه قال: ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في البيوع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بايعت؟ فقل : لا خلابة" ((متفق عليه)). "الخِلابة" بخاء معجمة مكسورة، وباء موحدة: وهي الخديعة.
1583- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من خبب زوجة امرئ، أو مملوكه، فليس منا".
"خَبَب" بخاء معجمة، ثم باء موحدة مكررة: أي: أفسده وخدعه.
277- باب تحريم الغدر
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} ((المائدة:1)). وقال تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا} ((الإسراء: 34)).
1584- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أربع من كن فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن، كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" ((متفق عليه)).
1585- وعن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان" ((متفق عليه)).
1586- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا لا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة" ((رواه مسلم)).
1587- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجره" ((رواه البخاري)).
278- باب النهي عن المن بالعطية ونحوها
قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} ((البقرة:264)). وقال تعالى: { الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى} (( البقرة :262)).
1588- وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم" قال: فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار. قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" ((رواه مسلم)).
وفي رواية له : " المسبل إزاره" يعني: المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخُيلاء.
279- باب النهي عن الافتخار والبغي
قال تعالى: {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} (( النجم: 32)) وقال تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} ((الشورى: 42)).
1589- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله تعالى أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد" ((رواه مسلم)) قال أهل اللغة: البغي: التعدي والاستطالة.
1590- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم" ((رواه مسلم)).
(((11)
280- باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إلا لبدعة في المهجور أو تظاهر بفسق أو نحو ذلك
قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} ((الحجرات: 10)). وقال تعالى: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ((المائدة: 2)).
1591- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تقاطعوا ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" ((متفق عليه)).
1592- وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال: يلتقيان، فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" ((متفق عليه)).
1593- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا، إلا امرءا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا" ((رواه مسلم)).
1594- وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في والتحريش بينهم " ((رواه مسلم)).
التحريش: الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم.
1595- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث، فمات دخل النار".((رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري)).
1596- وعن أبي خراش حدرد بن أبي حدرد الأسلمي، ويقال السلمي الصحابي رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه".((رواه أبو داود بإسناد صحيح)).
1597- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث، فليلقه، وليسلم عليه، فإن رد عليه السلام، فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه، فقد باء بالإثم، وخرج المسلم من الهجرة". ((رواه أبو داود بإسناد حسن قال أبو داود: إذا كانت الهجرة لله تعالى، فليس من هذا في شيء)).
281- باب النهي عن تناجي اثنين دون الثالث بغير إذنه إلا لحاجة وهو أن يتحدثا سرًا بحيث لا يسمعهما وفي معناه إذا تحدثا بلسان لا يفهمه
قال الله تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} ((المجادلة: 10)).
1598- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانوا ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث" ((متفق عليه)).
((ورواه أبو دواد وزاد: قال أبو صالح: قلت لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرك. ورواه مالك في الموطأ: عن عبد الله بن دينار قال: كنت أنا وابن عمر عند دار خالد بن عقبة التي في السوق، فجاء رجل يريد أن يناجيه، وليس مع ابن عمر أحد غيري، فدعا ابن عمر رجلا آخر حتى كنا أربعة فقال لي وللرجل الثالث الذي دعا: استأخرا شيئًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يتناجى اثنان دون واحد".
1599- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه" ((متفق عليه)).
282- باب النهي عن تعذيب العبد والدابة والمرأة والولد بغير سبب شرعي أو زائد على قدر الأدب
قال الله تعالى: {وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورًا} ((النساء: 36)).
1600- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هِرة حبستها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" ((متفق عليه)).
(((12)ا)).
1601- وعنه أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرًا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه روح غرضًا. ((متفق عليه)).
"الغَرَض" : بفتح الغين المعجمة والراء، وهو الهدف، والشيء الذي يرمى إليه.
1602- وعن أنس رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُصبر البهائم. ((متفق عليه)).
ومعناه: تحبس للقتل.
1603- وعن أبي علي سويد بن مقرن رضي الله عنه قال: لقد رأيتني سابع سبعة من بني مقرن ما لنا خادم إلا واحدة لطمها أصغرنا فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقها. ((رواه مسلم)). ورواية: "سابع إخوة لي".
1604- وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: "كنتُ أضرب غلامًا لي بالوسط، فسمعت صوتًا من خلفي: "اعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدرُ عليك منك على هذا الغلام" فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا.
((وفي رواية: فسقط السوط من يدي من هيبته))
((وفي رواية: فقلت: يارسول الله هو حر لوجه الله تعالى، فقال: "أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار" ((رواه مسلم بهذه الروايات)).
1605- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ضرب غلامًا له حدًا لم يأتهِ، أو لطمه، فإن كفارته أن يعتقه" ((رواه مسلم)).
1606- وعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه مر بالشام على أناس من الأنباط، وقد أقيموا في الشمس، وصُب على رءوسهم الزيت فقال: ما هذا؟ يُعذبون في الخراج وفي رواية: حُبسوا في الجزية. فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" فدخل على الأمير، فحدثه، فأمر بهم فخلوا" ((رواه مسلم. "الأنباط" الفلاحون من العجم)).
1607- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا موسوم الوجه، فأنكر ذلك؟ فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره، فكوي في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين. ((رواه مسلم)).
(((13))).
1608- وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر عليه حمار قد وُسم في وجهه، فقال: "لعن الله الذي وسمه" ((رواه مسلم. وفي رواية لمسلم أيضًا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه)).
283- باب تحريم التعذيب بالنار في كل حيوان حتى القملة ونحوها
1609- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانًا" لرجلين من قريش سماهما "فأحرقوهما بالنار" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: "إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانًا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما" ((رواه البخاري)).
1610- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها" ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: "من حرق هذه؟" قلنا: نحن. قال: "إنه لا ينبغي أن يعذِّب بالنار إلا رب النار". (((14))).
284- باب تحريم مطل الغني بحق طلبه صاحبه
قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} ((النساء: 58)).
وقال تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا فليؤد الذي اؤتمن أمانته} ((البقرة: 283)).
1611- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم وإذا أُتبع أحدكم على مليء فليتبع" ((متفق عليه. معنى "أتبع": أحيل)).
285- باب كراهية عودة الإنسان في هبة لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها إلى الموهوب له وفي هبة وهبها لولده وسلمها أو لم يسلمها وكراهة شرائه شيئًا تصدق به من الذي تصدق عليه أو أخرجه عن زكاة أو كفارة ونحوها ولا بأس بشرائه من شخص آخر قد انتقل إليه
1612- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" ((متفق عليه)).
((وفي رواية: "مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء، ثم يعود في قيئه فيأكله". وفي رواية: "العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
1613- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تشتره ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه" ((متفق عليه)).
قوله: "حملت على فرس في سبيل الله" معناه: تصدقت به على بعض المجاهدين.
286- باب تأكيد تحريم مال اليتيم
قال الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} ((النساء: 10)). وقال تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} ((الأنعام: 152)). وقال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم، والله يعلم المفسد من المصلح} ((البقرة: 220)).
1614- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" ((متفق عليه. "الموبقات" المهلكات)).
287- باب تغليظ تحريم الربا
قال الله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا، وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون* يمحق الله الربا ويربي الصدقات} إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا} ((البقرة: 275-278).
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة، منها حديث أبي هريرة السابق في الباب قبله.
1615- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله" ((رواه مسلم)).
(((15))).
288- باب تحريم الرياء
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} ((البينة:5)). وقال تعالى: {لا تُبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس} (( البقرة: 264)). وقال تعالى: { يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} (( النساء:142)).
1616- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه" ((رواه مسلم)).
1617- وعنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل اسُتشهد، فأتي به، فعرفه نعمته، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى اسُتشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به، فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال فما عملت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال: عالم. وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل: ثم أُمر به، فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها. قال: فما عملت فيها ؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار" ((رواه مسلم)). (((16))).
1618- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن ناسًا قالوا له: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم؟ قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ((رواه البخاري)).
1619- وعن جُندب بن عبد الله بن سفيان رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من سمَّع سمَّع الله به، ومن يرائي الله يرائي به" ((متفق عليه)). ((رواه مسلم أيضًا من رواية ابن عباس رضي الله عنه)).
"سمَّع" بتشديد الميم، ومعناه: أظهر عمله للناس رياء " سمَّع الله به" أي فضحه يوم القيامة، ومعنى: " من راءى" أي: من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم "راءى الله به" أي: أظهر سريرته على رءوس الخلائق.
1620- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
289- باب ما يُتوهم أنه رياء وليس برياء
1621- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: " تلك عاجل بشرى المؤمن" ((رواه مسلم)).
290- باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن لغير حاجة شرعية
قال الله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} ((النور:30)). وقال تعالى: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} ((الإسراء:36))، وقال تعالى: {يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور} ((غافر:19)). وقال تعالى: {إن ربك لبالمرصاد} ((الفجر: 14)).
1622- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه". ((متفق عليه. وهذا لفظ مسلم، ورواية البخاري مختصرة)).
1623- وعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات". قالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُد نتحدث فيها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه" قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر المعروف والنهي عن المنكر" ((متفق عليه)).
1624- وعن أبي طلحة زيد بن سهل رضي الله عنه قال: كنا قعودًا بالأفنية نتحدث فيها فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالم علينا فقال: "ما لكم ولمجالس الصعدات؟ فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر، ونتحدث. قال: "إما لا فأدوا حقها: غض البصر، ورد السلام، وحسن الكلام" ((رواه مسلم)). "الصُّعُدات" بضم الصاد والعين، أي: الطرقات.
1625- وعن جرير رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال: "اصرف بصرك" ((رواه مسلم)).
1626- وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أُمرنا بالحجاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "احتجبا منه" فقلنا: يا رسول الله إلىس هو أعمى لا يبصرنا، ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟!" ((رواه أبو داود والترمذي: وقال حديث حسن صحيح)).
1627- وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد" ((رواه مسلم)).