سلامة العزيزية
¬°•| مشرفة سابقة |•°¬
أستيقضت الفتاة على صوت ضجيج غريب، فتحت عينيها في تعب ودوارّ وقالت محادثة ً نفسها بعد أن ألقت نظرةً على ساعتها : يبدو أني نمت ليومين كاملين .. وضعت قدميها على الأرض وهي تشعر أن الأرض من تحتها تبتعد وهي تشعر بدوار .. رفعت رأسها ومسكته بيديها الصغيرتين في محاولة لاستعادة وعيها .. وكان الضجيج بالخارج مزعجاً ، توجهت نحو بوابة الشقة وفتحتها ثم خرجت لترى الأمر الغريب .. فقد رأت جميع أصحاب الشقق المجاورة في الخارج .. مذعورين .. وأصوات بكاء النساء اندمجت مع أصوات صرخات الرجال الغاضبين على أنغام موسيقى الإنذارات الخارجية التي توحي بأن أمرا ً خطيراً قد حصل .. وبأن كارثه قد قامت ، نفضت رأسها لتحاول التركيز ثم نزلت مع السلم .. متجهة نحو الدور السفلي ، إلى مكان تجمع جميع من في تلك البناية،
وهي في طريقها إلى الأسفل لفت انتباهها تلك العجوز التي احتضنت السلم وهي تكح بشدة كحة جافة جدا ً .. وقفت الفتاة عند العجوز لتسألها : ما بك يا جارتي ؟ ردت العجوز : آآه يا أبنتي .. جسدي إنهار .. أنه الألم قد توزع على جسدي كله .. أشعر بجسدي يتمزق .. أنقذيني أرجوك .. وتحاول الفتاة إنقاذ العجوز برفعها قليلاً .. إلا أن العجوز ازدادت كحتها ومن ثم أخرجت ما يوجد في جوفها على وجه الفتاة التي صرخت بعد ان فلتت العجوز منها لتسقط على السلم .. درجاً على درج حتى ختمت آخر درجة على حياتها بعد أن فضخت رأسها بها وأنتشر الدماء في كل مكان .. ومن أعلى السلم أخذت الفتاة تبكي في هلع وخوفّ ..
لم تعر أي اهتمام للقيء التي توزع على جسدها فهولّ الجثة التي أمامها حازت على كل ذرات الخوف بجسدها .. صرخ الرجالّ وغطوا الجثة وحاولوا تهدئة الأوضاع التي يكاد أن يتفجر بداخل هذه البناية المليئة بالسكان، تفاجئت الفتاة من عدم هلع الجميع كما هو الحال معها .. عندما أكملت نزول السلم الأخير تفاجئت بوجود غرفة على اليمينّ توجد بها مجموعة من الجثثّ من ضمنها جثة العجوز !!! مما زاد الأمر سوءاً وخوفاً وحيرة .. صرخت : أخــرجــونــاااا من هنـــا .. التفتت إلى آخر الرواق فإذا بأم حولها أطفالها قد أسودت عيناها وهي تسعل وتبكي ، وتغطي عيناها بيديها كمحاولة لمنع رؤية الضوء .. فأصبحت تمشي تنظر ما الذي حدث بالمكان الذي أصبح كالكابوس .. فإذا بهذا الرجل الذي يخبرّ صاحبة الذي بجانبه بأنه يشعر بألم شديد في بطنه ليرد عليه صاحبه أنه يعاني مثل هذه العرضّ بالإضافة إلى ألام متفرقة في عضلات جسده .. ويتفقون أنهم جميعاً يعانون من حمى شديدة .. وهي تتابع سيرها سمعت طفل يشكي أبيه من دماء تخرج من السبيلين ..
لم تنتبه لنفسها فقد كانت تهتف في بكاء صامت : أخرجونا من هنا أخرجونا من هنا أخرجونا من هنا أخرجونا من …. ثم مسك يديها رجل من سكان البناية وقال لها اهدئي يا إيزابيلا لن نستطيع الخروج من هنا .. فالشرطة العراقية قد أغلقت المكان وحاصرته وأقفلته .. فلا أحد يستطيع الخروج الآن .. قالوا سيرسلون أحد الأطباء المختصين لمعالجة هؤلاء المرضى ..
استمروا يومينّ في الحجز داخل هذه البناية .. مما أدى إلى تفاقم المشكلة وانتشار العدوى إلى الكثير من سكان البناية .. إيزابيلا كانت قد يئست من الوضع و مكثت في غرفتهاّ تصلي وتدعي الإله بأن يغفر لها ما فعلت .. فهي تشعر أن نهايتها اقتربت .. وقد أغلقت جميع مصادر النور في شقتها كمحاولة في الحفاظ على عينيها التي تتألم من الضوء ..
كانت تدعي وبين كل كلمة وأخرى تأخذ نفساً عميقاً .. فهي تعاني من تسارع دقات القلبّ .. ذهبت إلى دورة المياه للاستحمام ورأت جلدها بلون غريب وكأنه طفح قد انتشر في كل مكان .. ناوبتها الكحة الجافة حتى سقطت على ركبتيها، فاستفرغت على الأرض .. أخذت تتنفس سريعاً بعد ذلك وعندما وضعت يديها على فمّها انتبهت أن هناك ثمة دماء يخرج من فمها وأنفها ..
سعلت شديداً ثم استجمعت قواها لتقف وترتدي ملابسها .. ولكن الآلام التي بجسدها كانت أقوى بكثير حيث أسقطتها بجانب سريرها في ألم شديد .. عينيها الصفراويتين تثبتان أن الكبد لا يعمل جيداً .. وضعت رأسها أرضاً في استسلام ،، عندها سمعت صوت ضجيج ليس كسابق عهده .. ضجيج من نوع آخر .. وضعت يدها على الأرض في قوة لتحاول الوقوف .. وعندما خرجت من شقتها لتنظر للأسفل فإذا بخلاف شديد بين الأهالي في الأسفل .. أكثر من نصف المحجوزين في معركة وتشابك عنيفّ ..
رفعت إيزابيلا عينيها إلى السقف متسائلة : يا ترى ؟ هل هذا هو نهاية العالم ؟ هل ستكون نهايتي هنا ؟ !
يا أطبائنا ، ذو القلوب الرحيمة
هيا بنا لنأخذ العدة ونرجع بالزمن للخلف لننقذ هؤلاء الناس
فهذا المرض والعدوى فتكت بهم فتكاً وآذتهم بشدة ..
هيا لذهب لهم ولنرى ما يمكننا فعله ..
التعديل الأخير: