[ود]
¬| رُوحٌ مُحلِّقَة بَين أسْرآبِ الأمَل ✿ ،
المجلس الأعلى للتخطيط يدشن «تقرير التنمية البشرية عمان 2012»
الحبسي: التقرير وثيقة مكملة للتخطيط يستفاد منها لصياغة البدائل التنموية للمرحلة القادمة -
كتب_ سرحان المحرزي:–
احتفل أمس في مقر المجلس الأعلى للتخطيط بتدشين «تقرير التنمية البشرية عمان 2012» تحت رعاية معالي سلطان بن سالم الحبسي الأمين العام للمجلس. وأكد معاليه أن هذا التقرير يعد بمثابة عملية مسح شاملة لحالة التنمية البشرية في البلد حيث يوفر صورة عن هذه الحالة في القطاعات المختلفة التي تشكل المفهوم الشامل للتنمية البشرية، وان التقرير وثيقة مكملة للنشاط التخطيطي يستفاد منها لصياغة البدائل التنموية للمرحلة القادمة وفي تخصيص الموارد للأغراض التنموية المختلفة في الخطط المقبلة من ناحية أخرى.
وأضاف معاليه: إن تقارير التنمية البشرية تثير حوارا اجتماعيا موسعا حول القضايا التي تقدمها وتترك الفرصة للجهات ذات العلاقة أن تدرس القضايا المثارة وتقترح الحلول والمعالجات دون أن يحاول التقرير أن يلعب دور تلك الجهات بالمسارعة إلى تقديم حلول ومقترحات مستعجلة قد لا تكون أفضل الحلول بالضرورة.
وأشار إلى أن التقرير يوفر مادة تعليمية وتدريبية لكل المهتمين بالشأن التنموي في البلد، فهو يستعرض الموارد والتحديات وما تم انجازه وما ينتظر الانجاز بغية إتاحة الفرصة للمجتمع بالمشاركة في التنمية بصور مختلفة أساسها الوعي بطبيعة الوضع التنموي في البلد وما يواجهه من تحديات لكي تكون المشاركة بناءة وواقعية. وأوضح أن وظيفة التقرير الأساسية هي أن يوفر مسحا لحالة التنمية البشرية ويضعه أمام صناع القرار والمخططين الحكوميين وباقي شركاء التنمية وهم القطاع الخاص والمجتمع المدني، مؤكدا انه يستفاد منه من قبل المنظمات من داخل وخارج السلطنة، كما يستفيد منه المخططون وصناع القرار وذلك خلال إعداد الخطط الخمسية.
وأوضح معاليه أن إعداد التقرير أخذ فترة زمنية طويلة ويعد تقريرا شاملا.
ويأمل الحبسي أن تتركز التقارير المستقبلية على قضية معينة كالتعليم أو الصحة أو الجانب الاجتماعي بصفة عامة، كما يتوقع أن يصدر كل عامين تقرير لمحور معين.
وردا على سؤال عن الرؤية «المستقبلية عمان 2040» قال معاليه: أصدر المجلس الأعلى للتخطيط قرارا حول الرؤية المستقبلية القادمة وما زالت في البدايات وقد تم تكليفنا ببدء الإجراءات، وهناك فرق فنية تعمل مكونة من الوزارات المعنية بالبعد الاجتماعي بصفة خاصة، ونأمل أن تخرج بوثيقة واضحة تساعد على إعداد الخطة الخمسية التاسعة.
من جانبه قال حمد بن جبر المحروقي مدير عام تنمية القطاعات الخدمية بالمجلس ومقرر اللجنة الاستشارية للتقرير: أفرزت التطورات التي شهدها العالم خلال العقود الماضية والتي أعقبت صدور التقرير الأول عن التنمية البشرية عام 1990 العديد من القضايا التي أصبحت قضايا مركزية من وجهة نظر التنمية البشرية. ومن أبرز هذه القضايا التقدم الاجتماعي الذي يعني حصول الناس على قدرة أكبر على الوصول إلى المعرفة وإلى تغذية وخدمات صحية أفضل وان يكون النمو مترافقا مع الإنصاف. كما أن المشاركة والحرية والتي تعني تمكين الناس من المشاركة وإشاعة الحوكمة والديمقراطية والمساواة وتوفير الحقوق المدنية والسياسية والحرية الثقافية تعد قضايا أساسية أيضا في هذا السياق. يضاف إلى ما تقدم ضمان الاستدامة للأجيال القادمة بالمعنى البيئي والاقتصادي والاجتماعي وضمان الأمن البشري.
وقال المحروقي: تعتبر التقارير الوطنية عن التنمية البشرية، بمثابة عملية مسح شاملة لحالة التنمية البشرية في البلد المعني، حيث توفر صورة عن هذه الحالة في القطاعات المختلفة التي تشكل المفهوم الشامل للتنمية البشرية كمنهج تنموي حديث يجعل الإنسان محور اهتمام عملية التنمية باعتباره غايتها ووسيلتها حيث تقدم قراءة صاعدة من القاعدة إلى القمة عن حالة التنمية البشرية.
وأكد على أن التقارير لا توفر حلولا ولا تقدم توصيات، بل تقدم بلاغا عن حالة التنمية البشرية قطاعيا وجغرافيا ومن حيث النوع الاجتماعي ومن حيث العمر، وحسب ما تسمح به البيانات ونوعيتها وحداثتها والتي تعتبر محددا أساسيا لمحتويات التقرير ولنطاق التغطية التي يوفرها. وقد بينت التجربة ان أكثر التقارير نجاحا في التأثير على الحوار التنموي، هي تلك التي استطاعت أن تتبع مبادئ: الملكية الوطنية للتقرير واستقلالية التحليل وإعداد التقرير على أساس المشاركة وعدم الإقصاء ونوعية التحليل الذي يقدمه التقرير والمرونة والإبداع في العرض.
وأضاف: من المتعارف عليه أيضا في سياقات إعداد التقارير الوطنية عن التنمية البشرية، أن يكون التقرير الأول تقريرا شاملا يغطي كافة الميادين التي تدخل ضمن نطاق مفهوم التنمية البشرية المستدامة. وعلى ضوء تشخيص ذلك التقرير للميادين التي تحتاج إلى جهد تنموي إضافي لتسريع نموها أو لمعالجة بعض أوجه الخلل في عملية التنمية فيها، يتم اختيار أكثر تلك الميادين إلحاحا وحاجة للتركيز عليها لكي تكون مواضيع التقارير اللاحقة وحسب درجة الأهمية والحاجة للمعالجة.
وأوضح حمد بن جبر أن تكريس التقرير بأكمله لموضوع معين سوف يسمح بالتوسع في مناقشة ذلك الموضوع وتحليله بشكل تفصيلي يجعل تقديم الحلول لاحقا أكثر يسرا وأكثر ملاءمة. في حين أن كون التقرير شاملا يجعل المساحة المخصصة لكل موضوع تنموي محدودة وذلك تجنبا لتضخم التقرير إلى الحد الذي قد يجعله غير قابل للقراءة.
وأشار إلى أن التقرير الوطني الأول الذي أطلق في سبتمبر من عام 2004 جاء من هذا المنطلق حيث غطت بياناته الفترة لغاية نهاية عام 2000، على أن يكون كلا من التقارير اللاحقة ومنها التقرير الثاني مكرسا لقضية واحدة تعتبر الأكثر حاجة من سواها للبحث والدراسة المستفيضة. وقد تم بالفعل تشخيص عدد من الموضوعات كمقترحات لكي يتم من بينها اختيار موضوع التقرير الثاني، وبطبيعة الحال فإن هذا التشخيص تم استنادا إلى ما جاء به التقرير الأول من حقائق ومعلومات.
واستطرد: ان الفترة بين إصدار التقرير الأول والثاني شهدت أضخم إنفاق تنموي في تاريخ السلطنة، إضافة إلى كونها قد حفلت بالعديد من المتغيرات، أدى إلى اتخاذ القرار بأن يكون التقرير الثاني شاملا شأنه في ذلك شأن التقرير الأول. حيث تولدت القناعة بأن ذلك سوف يسهل الوقوف على الآثار التي تركها البرنامج التنموي الضخم على كافة جوانب التنمية البشرية في السلطنة.
واعتبر انه كان للتقرير الوطني الأول العديد من الآثار الإيجابية على المشهد التنموي في البلد، حيث تم تشخيص للمهام التنموية التي تحتاج إلى إنجاز في كل قطاع، إضافة إلى تبيان موقفها التنفيذي.
ويأمل المحروقي من التقرير الثاني أن يكون إطلاقه مناسبة لقيام حوار تنموي مجتمعي يهدف إلى تبصير كل الأطراف بحقائق وإشكاليات التنمية وما هو المطلوب من كل الأطراف بما في ذلك المواطن العادي الذي يعتبر هدف التنمية النهائي. كما انه يوفر الكثير من الحقائق للباحثين والمثقفين المعنيين بشؤون التنمية لدراستها وتقديم آراء وحلول مقترحة لاسيما وأن التقرير عادة لا يقدم حلولا أو مقترحات للإشكاليات التنموية.
وبين أن إشاعة الثقافة التنموية بين الجمهور العريض من حيث الإلمام بالموارد المتاحة وتكاليف تنفيذ المتطلبات المختلفة والقيود التي تحد أحيانا من القدرة على التنفيذ وكذلك الاطلاع على المشهد التنموي كاملا، كل ذلك يساعد في ترسيخ الشعور بالمسؤولية الوطنية للأفراد في سياق المشاركة في البناء التنموي وعدم اعتباره مسؤولية حكومية فقط.
والنقطة الجديرة بالإشارة هي أن هذا التقرير لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر رسمية بقضايا التنمية بل هو قراءة مهنية فنية للمشهد التنموي بكل أبعاده وتقديم تقييم لما أنجز بالفعل وبيان ما ينبغي عمله في المرحلة القادمة.
الفترة التي يغطيها التقرير
يغطي التقرير الثاني الفترة ما بين عام 2001- 2010 تقريبا، وهي الفترة التي شهدت تنفيذ خطتين تنمويتين هما الخطة الخمسية السادسة (2001-2005) والخطة الخمسية السابعة (2006-2010)، الأمر الذي يجعل توقيته مناسبا لتقييم الأداء التنموي خلال تلك الفترة.
وقد يلاحظ على بيانات التقرير أحيانا أنها تغطي سنوات تجاوزت الحد التاريخي الذي توقفت عنده باقي البيانات، وهذا في الواقع يعود إلى أن السنتين الأخيرتين (2010و 2011) قد شهدتا صدور توجيهات وقرارات حديثة أثرت على بعض المظاهر الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح الأمر الذي استلزم إبرازها وعدم تأخير استخدامها نظرا لأهميتها في معالجة بعض الاختناقات ونقاط الضعف في جوانب معينة.
الآثار المتوقعة
إن وظيفة التقرير الأساسية هي أن يقدم مسحا لحالة التنمية البشرية في البلد ويضعها أمام صناع القرار والمخططين الحكوميين وباقي شركاء التنمية وهم القطاع الخاص والمجتمع المدني. فعملية التنمية في السلطنة قطعت شوطا مهما وتجاوزت عملية البناء الأولي لمظاهر الدولة الحديثة ودخلت في طور بناء المظاهر الجديدة والمعقدة من مظاهر الحياة العصرية التي تنسجم مع التقدم العلمي والثقافي في العالم والتي أصبحت أكثر كلفة وتعقيدا. كما أن احتياجات المواطنين تغيرت وأصبحت تشمل فقرات جديدة لا سيما وان وسائل الاتصال الحديثة جعلت الجميع على إطلاع على ما يحصل في العالم.
وإزاء ذلك كله أصبح التداول في الشأن التنموي ضرورة تجعل جميع الأطراف والذين هم شركاء في التنمية، أمام مسؤولياتهم في هذا الشأن وتحديد الأدوار المطلوب من كل طرف أن يلعبها كما أنها تساهم في جعل هذه الأطراف تتبنى أهدافا ومطالب أكثر واقعية وأكثر قابلية للتطبيق.
آلية قياس تأثير التقارير
على المستوى العالمي، تم تحديد عدد من المتغيرات يتم الاستناد إليها في قياس تأثير التقارير على عملية التنمية في البلد المعني، وهي: التحسن في الإحصائيات كما ونوعا من حيث استجابتها لمتطلبات التنمية البشرية، وزيادة الوعي بمفاهيم وقضايا التنمية البشرية، وتوسيع الحوار حول السياسات وإحداث تغييرات متزايدة في السياسات، والتأثير على نشاط المجتمع المدني.
آلية إعداد التقرير
في إعداد التقرير الثاني تم اعتماد آلية جديدة تختلف عن تلك التي استخدمت في إعداد التقرير الأول، فبدلا عن تشكيل فرق بحثية تضم ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية، تم التعاقد مع عدد من الباحثين تم اختيارهم عن طريق نشر إعلان في صحف محلية وعربية يتضمن شروط المشاركة ومكافأة الباحثين ومواصفات الورقة الخلفية المطلوبة لكل قطاع بحيث إنها توفر قدرا مقبولا من المادة العلمية المطلوبة لكتابة كل فصل من فصول التقرير.
وتساهم هذه الآلية الجديدة في تحقيق هدف من أهداف التقرير حيث إنها تروج لثقافة البحث العلمي في هذا الميدان الحيوي، ويعتبر تقديم مكافأة مجزية للباحثين بمثابة رسالة ايجابية تدل على احترام الجهد العلمي والثقافي. كما أنها كانت مناسبة لإدخال عدد من الباحثين إلى ميدان التنمية البشرية وايجاد تماس بينهم وبين مفاهيم ومؤشرات التنمية البشرية المختلفة والتعرف على كيفية تناول مواضيعهم التخصصية في سياق شامل ومنهج تنموي متكامل هو منهج التنمية البشرية.
وقد وافق مجلس الوزراء على إعادة تشكيل كل من اللجنة الوزارية الاستشارية المشرفة على إعداد التقرير وكذلك فريق العمل الفني التنفيذي وذلك للأخذ بالاعتبار التغيرات التي حصلت على مسميات بعض الوزارات أو الوزارات التي استحدثت خلال الفترة الواقعة بين إعداد التقريرين الأول والثاني.
قدم الفصل الأول من التقرير عرضا شاملا للنقاش الفكري الذي دار حول تقارير التنمية البشرية. ومنذ أن صدر التقرير العالمي الأول عن التنمية البشرية في عام 1990م من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والتقرير يثير الكثير من النقاش والجدل حول طبيعته وفلسفة المنهج التنموي الجديد الذي يبشر به وهو منهج التنمية البشرية الذي يجعل البشر الغاية والوسيلة لعملية التنمية. ولقد دفع هذا النقاش الموسع القائمين على إصدار التقرير إلى إحداث سلسلة من عمليات التطوير على الجوانب المختلفة المحيطة بعملية إنتاجه وإصداره، بالإضافة إلى تطوير محتواه العلمي والتحليلي. ويعتبر هذا الفصل مساهمة من السلطنة في إثراء هذا النقاش إضافة إلى انه يوفر مصدرا نظريا للباحثين والمختصين حيث يقدم عرضا مركزا وشاملا لأبعاد الحوار المشار إليها.
أما الفصل الثاني من التقرير فقد تم تكريسه لاستعراض حالة التنمية البشرية في السلطنة حيث يرصد هذا الفصل الوضع الراهن للتنمية البشرية في سلطنة عمان واتجاهاتها وتقدير قيم الأدلة المختلفة بالاستناد إلى الأرقام الوطنية. وقد أتاحت المسوح الوطنية الحديثة إمكانية حساب الأدلة الجديدة لإجمالي السكان وللعمانيين أيضا وكذلك على مستوى المحافظات والمناطق، كما أمكن حساب دليل التنمية البشرية للشباب والذي يعتبر عملا رياديا على مستوى العالم حيث لم يسبق لدولة حساب دليل التنمية البشرية للشباب باستثناء دولة واحدة فقط.
ومن أهم مساهمات هذا التقرير، التقييم المنهجي الذي يقدمه لأداء عناصر التنمية البشرية وتقديم استعراض شامل لأنماط واتجاهات التنمية البشرية في السلطنة ومقارنتها بالاتجاهات السائدة في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي والدول ذات التنمية البشرية المرتفعة. ويقدم الفصل قياسا للتفاوت في دليل التنمية البشرية المرتبط بنوع الجنس ومؤشرات رضا العمانيين عن ظروفهم المعيشية وكذلك يقدم عرضا لكيفية استغلال الوقت من قبل العمانيين.
وقد تم تكريس الفصل الثالث من التقرير لاستعراض أداء الاقتصاد العماني خلال الفترة 2001-2010 والتي تغطي تقريبا فترة تنفيذ الخطتين الخمسيتين السادسة والسابعة.
ولقد شهدت الفترة المذكورة جملة تطورات ذات تأثير مباشر على النمو الاقتصادي في السلطنة. لعل أهمها الارتفاع الكبير في أسعار النفط التي وصلت إلى حدود 140 دولارا للبرميل في عام 2008، مما أدى إلى ارتفاع إيرادات السلطنة من صادراتها النفطية وزيادة الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري بشكل كبير.
ولاشك أن تلك التطورات كان لها آثار هامة على المتغيرات الاقتصادية في البلد، بعضها كان بمثابة تأثيرات خارجية أثرت على الحياة الاقتصادية وبعضها الآخر كان قد تولد داخليا كنتيجة طبيعية للعوامل التي اشرنا إليها آنفا.
وقد كان لكل من الخطتين مجموعة من الأهداف الكلية التي تستند إلى الإطار العام لاستراتيجية التنمية طويلة الأجل (1996-2020).
وحاول هذا الفصل الوقوف على النتائج الفعلية للخطتين المذكورتين إضافة إلى دراسة بعض القضايا الاقتصادية ذات الصلة بالتنمية البشرية المستدامة، إضافة إلى التحديات التي لازالت تواجه الاقتصاد العماني والتي من أبرزها استمرار الدور الأساسي للحكومة في الساحة الاقتصادية وهو ما يتعارض مع ما أرادته الرؤية من دور متنام للقطاع الخاص، كما أن الأوضاع المالية الحالية غير قابلة للاستدامة وأن سوق العمل بعيد عن المسار المستهدف حيث إن هيكل التوظيف غير متوازن ومعدل مشاركة المواطنين العمانيين منخفض. ومن الواضح هيمنة المصارف على القطاع المالي وهي تقرض المؤسسات الكبيرة والمستهلكين بكثافة ولا تجد حافزا يدفعها نحو إقراض المشاريع الصغيرة أو المتوسطة. ومع أن قطاعي السياحة والأسماك يمثلان قطاعات واعدة وقادرة على المنافسة إلا أن كلا منهما يواجه تحدياته الخاصة.
ويعتبر موضوع الإنصاف في توزيع ثمار التنمية من الموضوعات الحيوية التي أصبحت تهتم بها الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية. كما أن التنمية البشرية المستدامة، تعرف بأنها تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب، بل توزع ثماره بشكل عادل أيضا.
وبناء على ما تقدم، تناول الفصل الرابع بالتحليل واقع توزيع الدخل والاستهلاك، ومستويات المعيشة والفقر متعدد الأبعاد إضافة إلى مجموعة الترتيبات التي تندرج ضمن ما أصبح يعرف بشبكات الأمان الاجتماعي، والتي تعني مجموعة البرامج والسياسات الحكومية وغير الحكومية التي تضمن الحفاظ على حد أدنى من مستوى المعيشة للناس وعدم السماح بانزلاقهم إلى مستويات من العوز والفاقة تهدد كرامتهم الإنسانية.
حيث تم استعراض واقع الدخل والاستهلاك ومستويات المعيشة وتوزيع الاستثمارات على المحافظات لما لذلك من أثر في تسريع التنمية الإقليمية والتفاوت في القدرة على الوصول إلى الخدمات ودليل الفقر متعدد الأبعاد وشبكات الأمان الاجتماعي في السلطنة.
ويقدم الفصل الخامس من التقرير والمعنون بـ (التنمية المعرفية.. الطريق إلى التنمية البشرية) عرضا لحالة التعليم في السلطنة مبينا التقدم المحرز في مختلف الجوانب إلى جانب بيان ما ينبغي القيام به للارتقاء أكثر بمستوى التعليم بكافة مراحله والتأكيد على أهمية اقتصاد المعرفة إضافة إلى استعراض حالة البحث العلمي في السلطنة. ويقدم التقرير عرضا للتحديات التي تواجه قطاع التعليم بمستوياته المختلفة.
أما الفصل السادس والذي اعتبر التنمية الصحية استثمارا في البشر، فانه يوفر مسحا لتطور الوضع الصحي لسكان السلطنة خلال الفترة موضع الدراسة إضافة إلى التطور الحاصل في مجالات الخدمات الصحية والمؤسسات الصحية ودور المشاركات المجتمعية والتي هي عملية تتحمل فيها المجتمعات والأسر والأفراد مسؤولية المحافظة على الصحة والمشاركة في الأنشطة الصحية ضمن الجهود المبذولة لتنمية المجتمع. ولغرض الوقوف على حالة القطاع الصحي في السلطنة مقارنة بما هو عليه في دول أخرى، يوفر التقرير عدد من المقارنات الرقمية بهذا الخصوص.كما يقدم التقرير استعراضا لدور القطاع الحكومي والخاص والأسري في تحمل نفقات الخدمات الصحي إضافة إلى ابرز التحديات التي يواجهها القطاع الصحي بشقيه الحكومي والخاص. ويعتبر التشغيل والتعمين من المواضيع التي تحظى باهتمام من قبل الجهات الحكومية وعموم المواطنين العمانيين وذلك لما لها من أثر على حالة الأمان الاجتماعي للمواطنين وضمان مستوى لائق من العيش للفرد والأسرة إضافة إلى تأمين مشاركة وطنية أعلى في الجهد التنموي الذي تشهده السلطنة. وبناء على ذلك فقد تناول الفصل السابع من التقرير، التنمية البشرية وقضايا التشغيل. حيث قدم نبذة عن تطور تشريعات العمل في السلطنة وسياسات التشغيل وتطوير القدرات المهنية والتقنية للقوى العاملة الوطنية ومؤشرات القوى العاملة والتشغيل والباحثون عن عمل في السلطنة والحوار الاجتماعي وعلاقات العمل في السلطنة حيث اكتملت منظومة التمثيل الثلاثي لأطراف الإنتاج في السلطنة والتي تضم: الحكومة ممثلة بوزارة القوة العاملة وأصحاب الأعمال ممثلين بغرفة تجارة وصناعة عمان، والعمال ممثلين بالاتحاد العام لعمال سلطنة عمان.
وأخيرا يقدم الفصل عرضا لتحديات سوق العمل العمانية في مجالات التدريب والتشغيل والتعمين والتنظيم.
ونظرا لأهمية البعد البيئي والاستدامة في التنمية حيث تتسم العلاقة بين البيئة الآمنة واستدامة التنمية بكونها علاقة مركبة وتبادلية، ووجود إشكالية دائمة تنتج من ضرورة الموارد البيئية للتنمية من ناحية والخشية من أن تسرف الجهود التنموية في استنزاف تلك الموارد من ناحية أخرى، فقد كُرّس الفصل الثامن لتناول قضايا الكلفة البيئية للتنمية والموارد البيئية في السلطنة ومؤشرات الحالة البيئية والقضايا والمشكلات التي تهدد البيئة العمانية إضافة إلى إدارة البيئة في السلطنة.
وتحتل قضايا المرأة والطفل مكانة متميزة في ميدان التنمية البشرية المستدامة نظرا لما تحظى به من أهمية من الناحيتين الإنسانية والتنموية. فالمرأة تمثل نصف المجتمع وان النهوض بها يعني النهوض بطاقات كبيرة للبناء والتنمية كما الطفل هو أمل المستقبل وان حسن تربيته وتعليمه وتنشأته تعني ضمانا للمستقبل. ولذلك افرد التقرير الفصل التاسع لتناول موضوع تنمية المرأة والطفل حيث يستعرض تزايد الاهتمام بقضايا الطفل والمرأة محليا وعربيا ودوليا والمرأة من منظور التنمية البشرية ووضع المرأة العمانية في التشريعات وتطور هذه التشريعات خلال فترة الدراسة ومؤشرات تطور أوضاع المرأة العمانية والمرأة العمانية في الوظائف العليا والمرأة في مجال العمل التطوعي وأوضاع الطفل في السلطنة وأخيرا التحديات التي تواجه المرأة العمانية والطفل.
أما الفصل الأخير من التقرير فيستعرض موضوعا ذا أهمية خاصة وهو موضوع الشراكة في التنمية ودور المجتمع المدني كشريك ثالث في التنمية.
ويكتسب هذا الموضوع أهميته من كون إدارة شؤون المجتمع والدولة إدارة سليمة مرهونة بقيام علاقات صحية ومتوازنة بين القوى الفاعلة التي تمثل الشراكة في التنمية، وهي الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ويستعرض الفصل قضايا العلاقة بين أوضاع المجتمع المدني والتنمية البشرية وكذلك المجتمع المدني في السلطنة من حيث تطور التشريعات الخاصة به والمظاهر الحديثة لمفهوم المجتمع المدني فيها والتحديات التي تواجه بناء وتنمية المجتمع المدني في السلطنة.
الحبسي: التقرير وثيقة مكملة للتخطيط يستفاد منها لصياغة البدائل التنموية للمرحلة القادمة -
كتب_ سرحان المحرزي:–
احتفل أمس في مقر المجلس الأعلى للتخطيط بتدشين «تقرير التنمية البشرية عمان 2012» تحت رعاية معالي سلطان بن سالم الحبسي الأمين العام للمجلس. وأكد معاليه أن هذا التقرير يعد بمثابة عملية مسح شاملة لحالة التنمية البشرية في البلد حيث يوفر صورة عن هذه الحالة في القطاعات المختلفة التي تشكل المفهوم الشامل للتنمية البشرية، وان التقرير وثيقة مكملة للنشاط التخطيطي يستفاد منها لصياغة البدائل التنموية للمرحلة القادمة وفي تخصيص الموارد للأغراض التنموية المختلفة في الخطط المقبلة من ناحية أخرى.
وأضاف معاليه: إن تقارير التنمية البشرية تثير حوارا اجتماعيا موسعا حول القضايا التي تقدمها وتترك الفرصة للجهات ذات العلاقة أن تدرس القضايا المثارة وتقترح الحلول والمعالجات دون أن يحاول التقرير أن يلعب دور تلك الجهات بالمسارعة إلى تقديم حلول ومقترحات مستعجلة قد لا تكون أفضل الحلول بالضرورة.
وأشار إلى أن التقرير يوفر مادة تعليمية وتدريبية لكل المهتمين بالشأن التنموي في البلد، فهو يستعرض الموارد والتحديات وما تم انجازه وما ينتظر الانجاز بغية إتاحة الفرصة للمجتمع بالمشاركة في التنمية بصور مختلفة أساسها الوعي بطبيعة الوضع التنموي في البلد وما يواجهه من تحديات لكي تكون المشاركة بناءة وواقعية. وأوضح أن وظيفة التقرير الأساسية هي أن يوفر مسحا لحالة التنمية البشرية ويضعه أمام صناع القرار والمخططين الحكوميين وباقي شركاء التنمية وهم القطاع الخاص والمجتمع المدني، مؤكدا انه يستفاد منه من قبل المنظمات من داخل وخارج السلطنة، كما يستفيد منه المخططون وصناع القرار وذلك خلال إعداد الخطط الخمسية.
وأوضح معاليه أن إعداد التقرير أخذ فترة زمنية طويلة ويعد تقريرا شاملا.
ويأمل الحبسي أن تتركز التقارير المستقبلية على قضية معينة كالتعليم أو الصحة أو الجانب الاجتماعي بصفة عامة، كما يتوقع أن يصدر كل عامين تقرير لمحور معين.
وردا على سؤال عن الرؤية «المستقبلية عمان 2040» قال معاليه: أصدر المجلس الأعلى للتخطيط قرارا حول الرؤية المستقبلية القادمة وما زالت في البدايات وقد تم تكليفنا ببدء الإجراءات، وهناك فرق فنية تعمل مكونة من الوزارات المعنية بالبعد الاجتماعي بصفة خاصة، ونأمل أن تخرج بوثيقة واضحة تساعد على إعداد الخطة الخمسية التاسعة.
من جانبه قال حمد بن جبر المحروقي مدير عام تنمية القطاعات الخدمية بالمجلس ومقرر اللجنة الاستشارية للتقرير: أفرزت التطورات التي شهدها العالم خلال العقود الماضية والتي أعقبت صدور التقرير الأول عن التنمية البشرية عام 1990 العديد من القضايا التي أصبحت قضايا مركزية من وجهة نظر التنمية البشرية. ومن أبرز هذه القضايا التقدم الاجتماعي الذي يعني حصول الناس على قدرة أكبر على الوصول إلى المعرفة وإلى تغذية وخدمات صحية أفضل وان يكون النمو مترافقا مع الإنصاف. كما أن المشاركة والحرية والتي تعني تمكين الناس من المشاركة وإشاعة الحوكمة والديمقراطية والمساواة وتوفير الحقوق المدنية والسياسية والحرية الثقافية تعد قضايا أساسية أيضا في هذا السياق. يضاف إلى ما تقدم ضمان الاستدامة للأجيال القادمة بالمعنى البيئي والاقتصادي والاجتماعي وضمان الأمن البشري.
وقال المحروقي: تعتبر التقارير الوطنية عن التنمية البشرية، بمثابة عملية مسح شاملة لحالة التنمية البشرية في البلد المعني، حيث توفر صورة عن هذه الحالة في القطاعات المختلفة التي تشكل المفهوم الشامل للتنمية البشرية كمنهج تنموي حديث يجعل الإنسان محور اهتمام عملية التنمية باعتباره غايتها ووسيلتها حيث تقدم قراءة صاعدة من القاعدة إلى القمة عن حالة التنمية البشرية.
وأكد على أن التقارير لا توفر حلولا ولا تقدم توصيات، بل تقدم بلاغا عن حالة التنمية البشرية قطاعيا وجغرافيا ومن حيث النوع الاجتماعي ومن حيث العمر، وحسب ما تسمح به البيانات ونوعيتها وحداثتها والتي تعتبر محددا أساسيا لمحتويات التقرير ولنطاق التغطية التي يوفرها. وقد بينت التجربة ان أكثر التقارير نجاحا في التأثير على الحوار التنموي، هي تلك التي استطاعت أن تتبع مبادئ: الملكية الوطنية للتقرير واستقلالية التحليل وإعداد التقرير على أساس المشاركة وعدم الإقصاء ونوعية التحليل الذي يقدمه التقرير والمرونة والإبداع في العرض.
وأضاف: من المتعارف عليه أيضا في سياقات إعداد التقارير الوطنية عن التنمية البشرية، أن يكون التقرير الأول تقريرا شاملا يغطي كافة الميادين التي تدخل ضمن نطاق مفهوم التنمية البشرية المستدامة. وعلى ضوء تشخيص ذلك التقرير للميادين التي تحتاج إلى جهد تنموي إضافي لتسريع نموها أو لمعالجة بعض أوجه الخلل في عملية التنمية فيها، يتم اختيار أكثر تلك الميادين إلحاحا وحاجة للتركيز عليها لكي تكون مواضيع التقارير اللاحقة وحسب درجة الأهمية والحاجة للمعالجة.
وأوضح حمد بن جبر أن تكريس التقرير بأكمله لموضوع معين سوف يسمح بالتوسع في مناقشة ذلك الموضوع وتحليله بشكل تفصيلي يجعل تقديم الحلول لاحقا أكثر يسرا وأكثر ملاءمة. في حين أن كون التقرير شاملا يجعل المساحة المخصصة لكل موضوع تنموي محدودة وذلك تجنبا لتضخم التقرير إلى الحد الذي قد يجعله غير قابل للقراءة.
وأشار إلى أن التقرير الوطني الأول الذي أطلق في سبتمبر من عام 2004 جاء من هذا المنطلق حيث غطت بياناته الفترة لغاية نهاية عام 2000، على أن يكون كلا من التقارير اللاحقة ومنها التقرير الثاني مكرسا لقضية واحدة تعتبر الأكثر حاجة من سواها للبحث والدراسة المستفيضة. وقد تم بالفعل تشخيص عدد من الموضوعات كمقترحات لكي يتم من بينها اختيار موضوع التقرير الثاني، وبطبيعة الحال فإن هذا التشخيص تم استنادا إلى ما جاء به التقرير الأول من حقائق ومعلومات.
واستطرد: ان الفترة بين إصدار التقرير الأول والثاني شهدت أضخم إنفاق تنموي في تاريخ السلطنة، إضافة إلى كونها قد حفلت بالعديد من المتغيرات، أدى إلى اتخاذ القرار بأن يكون التقرير الثاني شاملا شأنه في ذلك شأن التقرير الأول. حيث تولدت القناعة بأن ذلك سوف يسهل الوقوف على الآثار التي تركها البرنامج التنموي الضخم على كافة جوانب التنمية البشرية في السلطنة.
واعتبر انه كان للتقرير الوطني الأول العديد من الآثار الإيجابية على المشهد التنموي في البلد، حيث تم تشخيص للمهام التنموية التي تحتاج إلى إنجاز في كل قطاع، إضافة إلى تبيان موقفها التنفيذي.
ويأمل المحروقي من التقرير الثاني أن يكون إطلاقه مناسبة لقيام حوار تنموي مجتمعي يهدف إلى تبصير كل الأطراف بحقائق وإشكاليات التنمية وما هو المطلوب من كل الأطراف بما في ذلك المواطن العادي الذي يعتبر هدف التنمية النهائي. كما انه يوفر الكثير من الحقائق للباحثين والمثقفين المعنيين بشؤون التنمية لدراستها وتقديم آراء وحلول مقترحة لاسيما وأن التقرير عادة لا يقدم حلولا أو مقترحات للإشكاليات التنموية.
وبين أن إشاعة الثقافة التنموية بين الجمهور العريض من حيث الإلمام بالموارد المتاحة وتكاليف تنفيذ المتطلبات المختلفة والقيود التي تحد أحيانا من القدرة على التنفيذ وكذلك الاطلاع على المشهد التنموي كاملا، كل ذلك يساعد في ترسيخ الشعور بالمسؤولية الوطنية للأفراد في سياق المشاركة في البناء التنموي وعدم اعتباره مسؤولية حكومية فقط.
والنقطة الجديرة بالإشارة هي أن هذا التقرير لا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر رسمية بقضايا التنمية بل هو قراءة مهنية فنية للمشهد التنموي بكل أبعاده وتقديم تقييم لما أنجز بالفعل وبيان ما ينبغي عمله في المرحلة القادمة.
الفترة التي يغطيها التقرير
يغطي التقرير الثاني الفترة ما بين عام 2001- 2010 تقريبا، وهي الفترة التي شهدت تنفيذ خطتين تنمويتين هما الخطة الخمسية السادسة (2001-2005) والخطة الخمسية السابعة (2006-2010)، الأمر الذي يجعل توقيته مناسبا لتقييم الأداء التنموي خلال تلك الفترة.
وقد يلاحظ على بيانات التقرير أحيانا أنها تغطي سنوات تجاوزت الحد التاريخي الذي توقفت عنده باقي البيانات، وهذا في الواقع يعود إلى أن السنتين الأخيرتين (2010و 2011) قد شهدتا صدور توجيهات وقرارات حديثة أثرت على بعض المظاهر الاقتصادية والاجتماعية بشكل واضح الأمر الذي استلزم إبرازها وعدم تأخير استخدامها نظرا لأهميتها في معالجة بعض الاختناقات ونقاط الضعف في جوانب معينة.
الآثار المتوقعة
إن وظيفة التقرير الأساسية هي أن يقدم مسحا لحالة التنمية البشرية في البلد ويضعها أمام صناع القرار والمخططين الحكوميين وباقي شركاء التنمية وهم القطاع الخاص والمجتمع المدني. فعملية التنمية في السلطنة قطعت شوطا مهما وتجاوزت عملية البناء الأولي لمظاهر الدولة الحديثة ودخلت في طور بناء المظاهر الجديدة والمعقدة من مظاهر الحياة العصرية التي تنسجم مع التقدم العلمي والثقافي في العالم والتي أصبحت أكثر كلفة وتعقيدا. كما أن احتياجات المواطنين تغيرت وأصبحت تشمل فقرات جديدة لا سيما وان وسائل الاتصال الحديثة جعلت الجميع على إطلاع على ما يحصل في العالم.
وإزاء ذلك كله أصبح التداول في الشأن التنموي ضرورة تجعل جميع الأطراف والذين هم شركاء في التنمية، أمام مسؤولياتهم في هذا الشأن وتحديد الأدوار المطلوب من كل طرف أن يلعبها كما أنها تساهم في جعل هذه الأطراف تتبنى أهدافا ومطالب أكثر واقعية وأكثر قابلية للتطبيق.
آلية قياس تأثير التقارير
على المستوى العالمي، تم تحديد عدد من المتغيرات يتم الاستناد إليها في قياس تأثير التقارير على عملية التنمية في البلد المعني، وهي: التحسن في الإحصائيات كما ونوعا من حيث استجابتها لمتطلبات التنمية البشرية، وزيادة الوعي بمفاهيم وقضايا التنمية البشرية، وتوسيع الحوار حول السياسات وإحداث تغييرات متزايدة في السياسات، والتأثير على نشاط المجتمع المدني.
آلية إعداد التقرير
في إعداد التقرير الثاني تم اعتماد آلية جديدة تختلف عن تلك التي استخدمت في إعداد التقرير الأول، فبدلا عن تشكيل فرق بحثية تضم ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية، تم التعاقد مع عدد من الباحثين تم اختيارهم عن طريق نشر إعلان في صحف محلية وعربية يتضمن شروط المشاركة ومكافأة الباحثين ومواصفات الورقة الخلفية المطلوبة لكل قطاع بحيث إنها توفر قدرا مقبولا من المادة العلمية المطلوبة لكتابة كل فصل من فصول التقرير.
وتساهم هذه الآلية الجديدة في تحقيق هدف من أهداف التقرير حيث إنها تروج لثقافة البحث العلمي في هذا الميدان الحيوي، ويعتبر تقديم مكافأة مجزية للباحثين بمثابة رسالة ايجابية تدل على احترام الجهد العلمي والثقافي. كما أنها كانت مناسبة لإدخال عدد من الباحثين إلى ميدان التنمية البشرية وايجاد تماس بينهم وبين مفاهيم ومؤشرات التنمية البشرية المختلفة والتعرف على كيفية تناول مواضيعهم التخصصية في سياق شامل ومنهج تنموي متكامل هو منهج التنمية البشرية.
وقد وافق مجلس الوزراء على إعادة تشكيل كل من اللجنة الوزارية الاستشارية المشرفة على إعداد التقرير وكذلك فريق العمل الفني التنفيذي وذلك للأخذ بالاعتبار التغيرات التي حصلت على مسميات بعض الوزارات أو الوزارات التي استحدثت خلال الفترة الواقعة بين إعداد التقريرين الأول والثاني.
قدم الفصل الأول من التقرير عرضا شاملا للنقاش الفكري الذي دار حول تقارير التنمية البشرية. ومنذ أن صدر التقرير العالمي الأول عن التنمية البشرية في عام 1990م من قبل البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، والتقرير يثير الكثير من النقاش والجدل حول طبيعته وفلسفة المنهج التنموي الجديد الذي يبشر به وهو منهج التنمية البشرية الذي يجعل البشر الغاية والوسيلة لعملية التنمية. ولقد دفع هذا النقاش الموسع القائمين على إصدار التقرير إلى إحداث سلسلة من عمليات التطوير على الجوانب المختلفة المحيطة بعملية إنتاجه وإصداره، بالإضافة إلى تطوير محتواه العلمي والتحليلي. ويعتبر هذا الفصل مساهمة من السلطنة في إثراء هذا النقاش إضافة إلى انه يوفر مصدرا نظريا للباحثين والمختصين حيث يقدم عرضا مركزا وشاملا لأبعاد الحوار المشار إليها.
أما الفصل الثاني من التقرير فقد تم تكريسه لاستعراض حالة التنمية البشرية في السلطنة حيث يرصد هذا الفصل الوضع الراهن للتنمية البشرية في سلطنة عمان واتجاهاتها وتقدير قيم الأدلة المختلفة بالاستناد إلى الأرقام الوطنية. وقد أتاحت المسوح الوطنية الحديثة إمكانية حساب الأدلة الجديدة لإجمالي السكان وللعمانيين أيضا وكذلك على مستوى المحافظات والمناطق، كما أمكن حساب دليل التنمية البشرية للشباب والذي يعتبر عملا رياديا على مستوى العالم حيث لم يسبق لدولة حساب دليل التنمية البشرية للشباب باستثناء دولة واحدة فقط.
ومن أهم مساهمات هذا التقرير، التقييم المنهجي الذي يقدمه لأداء عناصر التنمية البشرية وتقديم استعراض شامل لأنماط واتجاهات التنمية البشرية في السلطنة ومقارنتها بالاتجاهات السائدة في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي والدول ذات التنمية البشرية المرتفعة. ويقدم الفصل قياسا للتفاوت في دليل التنمية البشرية المرتبط بنوع الجنس ومؤشرات رضا العمانيين عن ظروفهم المعيشية وكذلك يقدم عرضا لكيفية استغلال الوقت من قبل العمانيين.
وقد تم تكريس الفصل الثالث من التقرير لاستعراض أداء الاقتصاد العماني خلال الفترة 2001-2010 والتي تغطي تقريبا فترة تنفيذ الخطتين الخمسيتين السادسة والسابعة.
ولقد شهدت الفترة المذكورة جملة تطورات ذات تأثير مباشر على النمو الاقتصادي في السلطنة. لعل أهمها الارتفاع الكبير في أسعار النفط التي وصلت إلى حدود 140 دولارا للبرميل في عام 2008، مما أدى إلى ارتفاع إيرادات السلطنة من صادراتها النفطية وزيادة الإنفاق الحكومي بشقيه الجاري والاستثماري بشكل كبير.
ولاشك أن تلك التطورات كان لها آثار هامة على المتغيرات الاقتصادية في البلد، بعضها كان بمثابة تأثيرات خارجية أثرت على الحياة الاقتصادية وبعضها الآخر كان قد تولد داخليا كنتيجة طبيعية للعوامل التي اشرنا إليها آنفا.
وقد كان لكل من الخطتين مجموعة من الأهداف الكلية التي تستند إلى الإطار العام لاستراتيجية التنمية طويلة الأجل (1996-2020).
وحاول هذا الفصل الوقوف على النتائج الفعلية للخطتين المذكورتين إضافة إلى دراسة بعض القضايا الاقتصادية ذات الصلة بالتنمية البشرية المستدامة، إضافة إلى التحديات التي لازالت تواجه الاقتصاد العماني والتي من أبرزها استمرار الدور الأساسي للحكومة في الساحة الاقتصادية وهو ما يتعارض مع ما أرادته الرؤية من دور متنام للقطاع الخاص، كما أن الأوضاع المالية الحالية غير قابلة للاستدامة وأن سوق العمل بعيد عن المسار المستهدف حيث إن هيكل التوظيف غير متوازن ومعدل مشاركة المواطنين العمانيين منخفض. ومن الواضح هيمنة المصارف على القطاع المالي وهي تقرض المؤسسات الكبيرة والمستهلكين بكثافة ولا تجد حافزا يدفعها نحو إقراض المشاريع الصغيرة أو المتوسطة. ومع أن قطاعي السياحة والأسماك يمثلان قطاعات واعدة وقادرة على المنافسة إلا أن كلا منهما يواجه تحدياته الخاصة.
ويعتبر موضوع الإنصاف في توزيع ثمار التنمية من الموضوعات الحيوية التي أصبحت تهتم بها الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية. كما أن التنمية البشرية المستدامة، تعرف بأنها تنمية لا تكتفي بتوليد النمو وحسب، بل توزع ثماره بشكل عادل أيضا.
وبناء على ما تقدم، تناول الفصل الرابع بالتحليل واقع توزيع الدخل والاستهلاك، ومستويات المعيشة والفقر متعدد الأبعاد إضافة إلى مجموعة الترتيبات التي تندرج ضمن ما أصبح يعرف بشبكات الأمان الاجتماعي، والتي تعني مجموعة البرامج والسياسات الحكومية وغير الحكومية التي تضمن الحفاظ على حد أدنى من مستوى المعيشة للناس وعدم السماح بانزلاقهم إلى مستويات من العوز والفاقة تهدد كرامتهم الإنسانية.
حيث تم استعراض واقع الدخل والاستهلاك ومستويات المعيشة وتوزيع الاستثمارات على المحافظات لما لذلك من أثر في تسريع التنمية الإقليمية والتفاوت في القدرة على الوصول إلى الخدمات ودليل الفقر متعدد الأبعاد وشبكات الأمان الاجتماعي في السلطنة.
ويقدم الفصل الخامس من التقرير والمعنون بـ (التنمية المعرفية.. الطريق إلى التنمية البشرية) عرضا لحالة التعليم في السلطنة مبينا التقدم المحرز في مختلف الجوانب إلى جانب بيان ما ينبغي القيام به للارتقاء أكثر بمستوى التعليم بكافة مراحله والتأكيد على أهمية اقتصاد المعرفة إضافة إلى استعراض حالة البحث العلمي في السلطنة. ويقدم التقرير عرضا للتحديات التي تواجه قطاع التعليم بمستوياته المختلفة.
أما الفصل السادس والذي اعتبر التنمية الصحية استثمارا في البشر، فانه يوفر مسحا لتطور الوضع الصحي لسكان السلطنة خلال الفترة موضع الدراسة إضافة إلى التطور الحاصل في مجالات الخدمات الصحية والمؤسسات الصحية ودور المشاركات المجتمعية والتي هي عملية تتحمل فيها المجتمعات والأسر والأفراد مسؤولية المحافظة على الصحة والمشاركة في الأنشطة الصحية ضمن الجهود المبذولة لتنمية المجتمع. ولغرض الوقوف على حالة القطاع الصحي في السلطنة مقارنة بما هو عليه في دول أخرى، يوفر التقرير عدد من المقارنات الرقمية بهذا الخصوص.كما يقدم التقرير استعراضا لدور القطاع الحكومي والخاص والأسري في تحمل نفقات الخدمات الصحي إضافة إلى ابرز التحديات التي يواجهها القطاع الصحي بشقيه الحكومي والخاص. ويعتبر التشغيل والتعمين من المواضيع التي تحظى باهتمام من قبل الجهات الحكومية وعموم المواطنين العمانيين وذلك لما لها من أثر على حالة الأمان الاجتماعي للمواطنين وضمان مستوى لائق من العيش للفرد والأسرة إضافة إلى تأمين مشاركة وطنية أعلى في الجهد التنموي الذي تشهده السلطنة. وبناء على ذلك فقد تناول الفصل السابع من التقرير، التنمية البشرية وقضايا التشغيل. حيث قدم نبذة عن تطور تشريعات العمل في السلطنة وسياسات التشغيل وتطوير القدرات المهنية والتقنية للقوى العاملة الوطنية ومؤشرات القوى العاملة والتشغيل والباحثون عن عمل في السلطنة والحوار الاجتماعي وعلاقات العمل في السلطنة حيث اكتملت منظومة التمثيل الثلاثي لأطراف الإنتاج في السلطنة والتي تضم: الحكومة ممثلة بوزارة القوة العاملة وأصحاب الأعمال ممثلين بغرفة تجارة وصناعة عمان، والعمال ممثلين بالاتحاد العام لعمال سلطنة عمان.
وأخيرا يقدم الفصل عرضا لتحديات سوق العمل العمانية في مجالات التدريب والتشغيل والتعمين والتنظيم.
ونظرا لأهمية البعد البيئي والاستدامة في التنمية حيث تتسم العلاقة بين البيئة الآمنة واستدامة التنمية بكونها علاقة مركبة وتبادلية، ووجود إشكالية دائمة تنتج من ضرورة الموارد البيئية للتنمية من ناحية والخشية من أن تسرف الجهود التنموية في استنزاف تلك الموارد من ناحية أخرى، فقد كُرّس الفصل الثامن لتناول قضايا الكلفة البيئية للتنمية والموارد البيئية في السلطنة ومؤشرات الحالة البيئية والقضايا والمشكلات التي تهدد البيئة العمانية إضافة إلى إدارة البيئة في السلطنة.
وتحتل قضايا المرأة والطفل مكانة متميزة في ميدان التنمية البشرية المستدامة نظرا لما تحظى به من أهمية من الناحيتين الإنسانية والتنموية. فالمرأة تمثل نصف المجتمع وان النهوض بها يعني النهوض بطاقات كبيرة للبناء والتنمية كما الطفل هو أمل المستقبل وان حسن تربيته وتعليمه وتنشأته تعني ضمانا للمستقبل. ولذلك افرد التقرير الفصل التاسع لتناول موضوع تنمية المرأة والطفل حيث يستعرض تزايد الاهتمام بقضايا الطفل والمرأة محليا وعربيا ودوليا والمرأة من منظور التنمية البشرية ووضع المرأة العمانية في التشريعات وتطور هذه التشريعات خلال فترة الدراسة ومؤشرات تطور أوضاع المرأة العمانية والمرأة العمانية في الوظائف العليا والمرأة في مجال العمل التطوعي وأوضاع الطفل في السلطنة وأخيرا التحديات التي تواجه المرأة العمانية والطفل.
أما الفصل الأخير من التقرير فيستعرض موضوعا ذا أهمية خاصة وهو موضوع الشراكة في التنمية ودور المجتمع المدني كشريك ثالث في التنمية.
ويكتسب هذا الموضوع أهميته من كون إدارة شؤون المجتمع والدولة إدارة سليمة مرهونة بقيام علاقات صحية ومتوازنة بين القوى الفاعلة التي تمثل الشراكة في التنمية، وهي الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
ويستعرض الفصل قضايا العلاقة بين أوضاع المجتمع المدني والتنمية البشرية وكذلك المجتمع المدني في السلطنة من حيث تطور التشريعات الخاصة به والمظاهر الحديثة لمفهوم المجتمع المدني فيها والتحديات التي تواجه بناء وتنمية المجتمع المدني في السلطنة.