غراسيات (95)
قبل سنتين تقريبا إلتقيته في مكة المكرمة ... وبالتحديد في الطابق الثاني بالمسجد الحرام .
▪ولأنه من بلدي وعليه سمات الأجداد والتي أضاف عليها شيئا من روح الحضارة آثرت الجلوس بجنبه.
▪كان يفرش سجادته فوق سجادة المسجد وقد أحضر مصحفا كبيرا وحاملا للمصحف.
▪وعلى الرغم من كبر سنه لكنه كان يتلو القرآن بطريقة مجودة وبصوت الأجداد ، ذكرني بالمساجد القديمة التي كانت تبنى بالتراب في القرى حيث الهدوء والسكينة.
▪بدأت أستعرض معه مسيرته مع تعليم القرآن وتعلمه ، فأخبرني أنه تعلم في الكتاتيب القرآنية في قريته وأنه كان يعلم الصغار في المسجد.
▪أخبرني عن شخصيات درسها القرآن أصبحت الآن تتبوأ مناصب ومسؤوليات في المجتمع.
▪صمت قليلا وخلع نظارته ذات الإطار القديم ثم أخرج نظارة أخرى أكبر حجما ، وهو يقول هذه النظارة للقراءة يا ولدي ضعف مني البصر.
▪سألته عن حال أبنائه مع القرآن ، لعلي أسمع منه فكرة جديدة نضيء بها درب شبابنا مع القرآن.
▪نظر إلي بصمت وماهي إلا ثواني حتى خلع نظارته ليمسح الدمعة التي انحدرت على خده ، أحسست بحجم معاناته وأن الأبناء ليس بالضرورة أن يكونوا نسخة من الآباء.
▪إبتسم لي وحمد الله تعالى ورفع يده بالدعاء وقال:لدي 10أبناء و7منهم يحفظون القرآن كاملا أما ثلاثة فأملي أن أفرح بختمتهم في حياتي.
▪تذكرت الدمعة التي سالت على خده فقلت له :لماذا دمعت عينك يا والدي؟ فقال:هي دمعة الفرح يا بني ، أعظم ما أنجزته في حياتي هو اهتمامي بالقرآن في حياة أبنائي وعلى الرغم من أنهم جميعا في وظائف ممتازة وأقلهم يحمل شهادة البكالوريوس ، لكنني لم أفتخر بشي قدر افتخاري بحفظهم للقرآن.
▪هنا توقفت عن الاستماع بأذني وأنصت بقلبي لهدف هذا الأب في الحياة وسرحت مع مخيلتي في عالم الآخرة وتخيلت هذا الأب يوم القيامة وقد ألبسة 10 أبناء تاج الوقار بحفظهم للقرآن.
▪ما أعظمها من نعمة وما أجمله من إنجاز في الحياة عندما تربي للأمة إبنا يحفظ القرآن فإن هذا الإبن سيسقط ما تربى عليه في تربية أولاده وحياة من حوله.
▪مسكين ذلك الأب الذي أفنى زهرة شبابه وبقية عمره وهو يحلم أن يعلم أبناءه القرآن الكريم لكن شغلته الدنيا فمات والحلم لم يتحقق..
▪مسكين ذلك الأب الذي قدم لأبنائه كل سبل الراحة والرفاهية وراح عن الدنيا وأبنائه لا يعرفون كيف يسجدون سجدة التلاوة..
▪مسكين ذلك الأب الذي درس أبنائه في أرقى الجامعات ولكنه نسى أن يعلمهم أن عدد سور القرآن 114 سورة ..
▪مسكين ذلك الأب الذي علمهم فنون الإتيكيت الدولي وأصبحوا بارعين فيه لكنه لم يعلمهم من هو الحال المرتحل؟
▪رجعت للشايب الوقور وسألته: كيف استطاع غرس حب القرآن في قلوب أولاده؟
▪غير من جلسته وصمت برهة ونظر إلي وقال :كل ذلك توفيق من ربي سبحانه ، يا ولدي رزقني ربي قلبا صافيا ليس فيه غل على أحد ولم أظلم أحدا في حياتي.
▪حدثت مشكلات في حياتي وظُلِمتُ أموالي من أقربائي لكنني أحتسبت ذلك عند الله ومن ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه.
▪يا ولدي كن مع الله وسيفتح لك كل الأبواب .
▪تركت الشايب الوقور وهو مستقبل للقبلة يدعو الله تعالى أن يبارك له في أولاده ويصلحهم ويرزقهم الذرية الصالحة.
▪أمنت خلف دعائه وذهبت ولكن صورته لم تذهب عن ذاكرتي.
▪سألت عنه في قريته فعلمت بعد فترة أنه مات.
فرحمك الله أيها الأب البار بأبنائه.
-------------------------
كتبها: محمد بن عامر المعمري
مدير مراكز غراس
Facebook.com/abuhosam888
للمزيد زوروا أكاديمية غراس للقرآن الكريم.
Facebook.com/grasna
--------------
لا تقف عندك إنشرها .