يا نجية القمر !!
غربة هي الأيام نقضيها ثم نمضيها بين فوات لحظة لا تسعد، وليتها ترد وهيهات أن تُسترد. تأكل منا تلك الغربة أينع ما جادت به يد العمر الخفية، ونحن بسذاجتنا نحسبها منحةً تُهدى إلينا على طول انتظار، واستشراف موعد هو كاذب يا نجيته في سره، مارق في تيه غوايته.
ونعود إلى القمر! نصافح المناجاة السالفة الجميلة جمال الماضي فإذا بها تعلن البراءة منا، وكأننا ادعيناها ادعاءً، وافترينا حضورها الليلة افتراءً...وفي وجه القمر تلوح تلك الفوارق معلنة انسحاب الماضي مخدوشاً في وجهه الجميل بخربشة أظفارنا المولعة بالتشويه، والمغرمة بتعاسة الحال أكثر من ولعها باسترداد الجزء اليسير من قصة مناجاة الأمس.
لا أخفيك أنني ناجيته، وحاورته احتيالا على كبريائه المستعلي، وأدرت دفة الحوار يمنة ويسرةً حول قرصه العالي المستبد بلفة الوشاح النوراني..لكنه صمت، ثم صمت، ثم أدبر في دهليز الليل يريني من قسمات إدباره نقيض ما كنت أرى من ضحكات وجهه، وأسارير استدارته. ولا عتب هنالك إلا أن جريرة الآدمية تحيق بي في نظره، وفرية التعلي بذاتي يكذبها تعلّيه ، وانخفاضي، وحلم ليل مر من بين أظهرنا ذات مساء أطفأ الفتيلة، وكسر بعدها المصباح.
آه يا نجية الأمس من ليلة كئيبة ما شفع لنا فيها ماضي المناجاة، وليس لنا فيها إلا أن نضحك كثيرا استعصاءً على دافق الدمع المروع.