سأختصر لكم.....البارحة، وفي حوالي الحادية عشر كنت عائداً من مركز لولو المضيف، استدرت عند دوار الشرطة لأعود لمحطة وقود السوق، وأنا متوقف بالمحطة وانبوب الوقود موصل بفتحة خزان السيارة تقدم نحوي هندي بائس تقطر قذارة "البان" الحمراء من شفتيه ومن بين أسنانه، كان يرتجف من البرد وهو يرفع لي بطاقات تعبئة رصيد الهاتف. في الحقيقة هو ليس بغريب عليّ أو عليكم ولعل أكثركم رآه يحاول استجداء بعض المال بحمل المشتريات للسيارة في سوق الخضار. لم أكن بحاجة لبطاقة ومع ذلك قررت شراء واحدة لما رأيت من بؤسه.
بعدما دفعت لعامل المحطة لم يتبقّ لدي سوى قطعة نقدية واحدة من فئة الخمسين، وعندما دفعتها لذلك البائس كان عليه أن يأخذ خمسة ريالات ثمن البطاقة ويعيد لي خمسة وأربعون ريالاً.......لكنه أخذ يقلبها في يده ويصدر إشارات فهمت منها أنه ليس لديه فكّة......ولم يلبث أن استدار بحركة سريعة وركض في اتجاه الوادي وهو يشير لي بأنه سيعود، راقبته حتى اختفى في الظلام أسفل الوادي باتجاه الجسر.....انتظرت، وانتظرت....لكنه لم يعد.
بعد مرور عشر دقائق أيقنت أنه هرب ، صرت أردد في نفسي المثل "يا مدوّر خير تلقى شرّ". نزلت من السيارة واقتربت من حافة الوادي، تمكنت من رؤية خيالين في الظلام.....خفت من النزول في الظلام أول الأمر، ثم قدّرت أني لو صرخت سيسمعني أحد ما في المقهى القريب.....أعطاني ذلك بعض الشجاعة. أطفأت السيارة ونزلت للوادي....وكلما اقتربت من الشبحين كلما غلب على ظني أن أحدهما هو ذلك الهندي الذي أخذ الخمسين ريالا.....ولم يخب ظنّي، عندما كنت على بعد خطوات منهما تأكدت أنه هو، أما الآخر فهو ذلك الذي يبيع الأشرطة والبطاطس على طريق العين. ومع أن خطواتي كانت مسموعة إلا أنهما لم يهتمّا لي واستمرا في نقاشهما حتى بعد أن سلّمت عليهما........تنهد ذلك الهندي تنهيدة عميقة تنم عن ضيقه بما كان يقوله "حسّون"....هكذا عرفت أنه اسمه بعد ذلك أما الهندي فعرفت اسمه أيضاً، إنه كومار.
بعد تلك التنهيدة التفت كومار نحوي وهو يعتذر عن تأخره....قال
-أنا شديد الأسف أيها السيد المحترم......لكن حسّون يرفض إعطائي الفكة قبل أن أترجم له رسالة زوجته الهندية، وكما ترى فهو قد تعاطى كمية كبيرة من العطر المسكر ويصعب التفاهم معه......هل تصدق أني ترجمت له هذه الرسالة اليوم عشر مرّات.
تقدّم حسون نحوي وهو يزيح كومار من أمامي وهو يقول
-أسكت....أسكت....هندي غبي، لو كنت تصلح لأي شيء لكان حالك أفضل من هذا البؤس.....هل تصدق أيها الطيب أنه يأكل وينام ويتغوط في حاوية القمامة....هل تصدق هذا...
حاولت مقاطعته لأوضح لهما أن لا علاقة لي بهما سوى أني أريد مالي.....حتى أني لم أعد أريد البطاقة، تقززت منها ومن كومار. لكن حسون أمسك بيدي واقترب مني حتى كدت أختنق من رائحة العطر التي تفوح منه.....قال
-أيها الطيب...أمر الرسالة شديد الأهمية، ولو سمعت ما كتبته لي زوجتي من عبارات الحب الرقيقة وما بثته لي من أشواقها ودعواتها الصالحة لكنت عرفت أيّ زوجة لدي.....إنها بالمناسبة حين اخترتها كانت أجمل فتاة في حيدر أباد كلها، اسمها حسينة، وقد أنجبت لي ابنة رائعة الحسن والجمال، ليتك تراها......آخر مرة رأيتها كانت قبل سنتين، كانت حينها في السادسة عشر، ومع ذلك كانت تبدو كأنها بنت عشرين......ما رأيك أيها الطيب لو سكبت لك كأساً من شرابي هذا ريثما نكمل الحديث عن زوجتي......أو خذ كأسي أنا إنها مملوءة.
تدخل كومار هنا
-أبعد سمّك هذا هن هذا الرجل المحترم......هل تحسب أنه من أمثالك!!! أنا متأكد أنه رجل كريم، لقد أعطاني بخشيشاً جيداً في آخر مرة حملت له الفواكه للسيارة، أما أنت فإني أقرأ لك هذه الرسالة منذ زمن ولم تعطني قرشاً واحداً.
-لأنك تخطئ في القراءة كل مرّة.....كيف تريدني أن أعطيك شيئاً، وفي أحيان كثيرة تغافلني لتشرب من شرابي......هندي لعين.
-هل سمعت أيها السيد المحترم، لقد نعتني بالهندي اللعين......دعني أخبرك عنه شيئاً، تلك الرسالة التي أقرأها له منذ سنتين.....سأقرأها أمامه الآن وستستمع لي بنفسك.....وستعلم أن الأمر ليس كما يقول.
-ليس لي دخل بكما أنتما الإثنان.....أعطوني مالي لأذهب.
-لا أيها السيد المحترم، أنت محترم وأنا أهتم لك ولا أرضى بأي حال من الأحوال أن تذهب وأنت تحمل فكرة سيئة عني من أكاذيب حسون.......اسمع ماذا تقول زوجته في الرسالة
"السلام عليكم ......حسون.....أين أنت؟ لماذا لم تعد من البريمي؟ على الأقل أرسل لنا بعض المال.....لاشك لقد أخبروك أن صاحب المنزل قد طردنا منذ بضعة أشهر. أتعجب منك كيف ترضى لنا هذه المهانة....لي ولابنتك فيروز....لولا الشيخ تفضل علينا وأعطانا الغرفة التي بالمزرعة يعلم الله ماذا كان سيحل بنا، وكأن الله نظر لحالنا وعوضنا عن غيابك، فقد أصبح قلب الشيخ حانياً علينا بالرغم من أن الجميع كانوا يقولون أنه قاسي القلب، أنه كثيراً ما يأخذ فيروز للسوق ويشتري لها ما تريد، وقد تصدق أو لا تصدق فقد اشترى لها آخر مرة ذهبت معه قلادة ذهبية ووعدها أن يتدبر أمر علاجي.......لقد استفحل مرض ركبي في غيابك، لم أعد قادرة على الوقوف لأكثر من دقيقة، وبالليل لا أستطيع النوم حتى ساعة متأخرة.
لقد سمعت أنك تتاجر في البريمي، أتمنى أن تعود بأسرع وقت، أنا متأكدة أنك ستسر بابنتك، لقد أصبحت رائعة الجمال، خصوصاً عندما ترتدي الملابس الجميلة التي يشتريها لها الشيخ.
زوجتك حسينة."
والآن ماذا تقول أيها المحترم، كما ترى لقد قرأتها له للمرة الحادية عشر.
-كاذب أنت يا كومار.....لا تصدقه أيها الطيب، أنا أشك أصلاً أنه يعرف القراءة، وأظن أنه يأتي بهذا الكلام من عقله الخرب.
إلى هنا ويأست من الخروج بفائدة من بين كومار وحسّون، يممت وجهي لسيارتي، وقبل أن أصل لها كان حسّون خلفي يتأسف لي أنه ليس لديه فكّه للخمسي ريالاً وأنه مستعد لإعطائي شريطاً دينياً وكيس بطاطس عوضاً عنها.
بعدما دفعت لعامل المحطة لم يتبقّ لدي سوى قطعة نقدية واحدة من فئة الخمسين، وعندما دفعتها لذلك البائس كان عليه أن يأخذ خمسة ريالات ثمن البطاقة ويعيد لي خمسة وأربعون ريالاً.......لكنه أخذ يقلبها في يده ويصدر إشارات فهمت منها أنه ليس لديه فكّة......ولم يلبث أن استدار بحركة سريعة وركض في اتجاه الوادي وهو يشير لي بأنه سيعود، راقبته حتى اختفى في الظلام أسفل الوادي باتجاه الجسر.....انتظرت، وانتظرت....لكنه لم يعد.
بعد مرور عشر دقائق أيقنت أنه هرب ، صرت أردد في نفسي المثل "يا مدوّر خير تلقى شرّ". نزلت من السيارة واقتربت من حافة الوادي، تمكنت من رؤية خيالين في الظلام.....خفت من النزول في الظلام أول الأمر، ثم قدّرت أني لو صرخت سيسمعني أحد ما في المقهى القريب.....أعطاني ذلك بعض الشجاعة. أطفأت السيارة ونزلت للوادي....وكلما اقتربت من الشبحين كلما غلب على ظني أن أحدهما هو ذلك الهندي الذي أخذ الخمسين ريالا.....ولم يخب ظنّي، عندما كنت على بعد خطوات منهما تأكدت أنه هو، أما الآخر فهو ذلك الذي يبيع الأشرطة والبطاطس على طريق العين. ومع أن خطواتي كانت مسموعة إلا أنهما لم يهتمّا لي واستمرا في نقاشهما حتى بعد أن سلّمت عليهما........تنهد ذلك الهندي تنهيدة عميقة تنم عن ضيقه بما كان يقوله "حسّون"....هكذا عرفت أنه اسمه بعد ذلك أما الهندي فعرفت اسمه أيضاً، إنه كومار.
بعد تلك التنهيدة التفت كومار نحوي وهو يعتذر عن تأخره....قال
-أنا شديد الأسف أيها السيد المحترم......لكن حسّون يرفض إعطائي الفكة قبل أن أترجم له رسالة زوجته الهندية، وكما ترى فهو قد تعاطى كمية كبيرة من العطر المسكر ويصعب التفاهم معه......هل تصدق أني ترجمت له هذه الرسالة اليوم عشر مرّات.
تقدّم حسون نحوي وهو يزيح كومار من أمامي وهو يقول
-أسكت....أسكت....هندي غبي، لو كنت تصلح لأي شيء لكان حالك أفضل من هذا البؤس.....هل تصدق أيها الطيب أنه يأكل وينام ويتغوط في حاوية القمامة....هل تصدق هذا...
حاولت مقاطعته لأوضح لهما أن لا علاقة لي بهما سوى أني أريد مالي.....حتى أني لم أعد أريد البطاقة، تقززت منها ومن كومار. لكن حسون أمسك بيدي واقترب مني حتى كدت أختنق من رائحة العطر التي تفوح منه.....قال
-أيها الطيب...أمر الرسالة شديد الأهمية، ولو سمعت ما كتبته لي زوجتي من عبارات الحب الرقيقة وما بثته لي من أشواقها ودعواتها الصالحة لكنت عرفت أيّ زوجة لدي.....إنها بالمناسبة حين اخترتها كانت أجمل فتاة في حيدر أباد كلها، اسمها حسينة، وقد أنجبت لي ابنة رائعة الحسن والجمال، ليتك تراها......آخر مرة رأيتها كانت قبل سنتين، كانت حينها في السادسة عشر، ومع ذلك كانت تبدو كأنها بنت عشرين......ما رأيك أيها الطيب لو سكبت لك كأساً من شرابي هذا ريثما نكمل الحديث عن زوجتي......أو خذ كأسي أنا إنها مملوءة.
تدخل كومار هنا
-أبعد سمّك هذا هن هذا الرجل المحترم......هل تحسب أنه من أمثالك!!! أنا متأكد أنه رجل كريم، لقد أعطاني بخشيشاً جيداً في آخر مرة حملت له الفواكه للسيارة، أما أنت فإني أقرأ لك هذه الرسالة منذ زمن ولم تعطني قرشاً واحداً.
-لأنك تخطئ في القراءة كل مرّة.....كيف تريدني أن أعطيك شيئاً، وفي أحيان كثيرة تغافلني لتشرب من شرابي......هندي لعين.
-هل سمعت أيها السيد المحترم، لقد نعتني بالهندي اللعين......دعني أخبرك عنه شيئاً، تلك الرسالة التي أقرأها له منذ سنتين.....سأقرأها أمامه الآن وستستمع لي بنفسك.....وستعلم أن الأمر ليس كما يقول.
-ليس لي دخل بكما أنتما الإثنان.....أعطوني مالي لأذهب.
-لا أيها السيد المحترم، أنت محترم وأنا أهتم لك ولا أرضى بأي حال من الأحوال أن تذهب وأنت تحمل فكرة سيئة عني من أكاذيب حسون.......اسمع ماذا تقول زوجته في الرسالة
"السلام عليكم ......حسون.....أين أنت؟ لماذا لم تعد من البريمي؟ على الأقل أرسل لنا بعض المال.....لاشك لقد أخبروك أن صاحب المنزل قد طردنا منذ بضعة أشهر. أتعجب منك كيف ترضى لنا هذه المهانة....لي ولابنتك فيروز....لولا الشيخ تفضل علينا وأعطانا الغرفة التي بالمزرعة يعلم الله ماذا كان سيحل بنا، وكأن الله نظر لحالنا وعوضنا عن غيابك، فقد أصبح قلب الشيخ حانياً علينا بالرغم من أن الجميع كانوا يقولون أنه قاسي القلب، أنه كثيراً ما يأخذ فيروز للسوق ويشتري لها ما تريد، وقد تصدق أو لا تصدق فقد اشترى لها آخر مرة ذهبت معه قلادة ذهبية ووعدها أن يتدبر أمر علاجي.......لقد استفحل مرض ركبي في غيابك، لم أعد قادرة على الوقوف لأكثر من دقيقة، وبالليل لا أستطيع النوم حتى ساعة متأخرة.
لقد سمعت أنك تتاجر في البريمي، أتمنى أن تعود بأسرع وقت، أنا متأكدة أنك ستسر بابنتك، لقد أصبحت رائعة الجمال، خصوصاً عندما ترتدي الملابس الجميلة التي يشتريها لها الشيخ.
زوجتك حسينة."
والآن ماذا تقول أيها المحترم، كما ترى لقد قرأتها له للمرة الحادية عشر.
-كاذب أنت يا كومار.....لا تصدقه أيها الطيب، أنا أشك أصلاً أنه يعرف القراءة، وأظن أنه يأتي بهذا الكلام من عقله الخرب.
إلى هنا ويأست من الخروج بفائدة من بين كومار وحسّون، يممت وجهي لسيارتي، وقبل أن أصل لها كان حسّون خلفي يتأسف لي أنه ليس لديه فكّه للخمسي ريالاً وأنه مستعد لإعطائي شريطاً دينياً وكيس بطاطس عوضاً عنها.