سعود الظاهري
:: إداري سابق ومؤسس ::
ينعقد مؤتمر أوبك بعد أيام قليلة وسط حملة إعلامية وسياسية ضد “القومية النفطية”، وهو التعبير الذي يطلق على السياسة التي تعتمدها بعض الدول المصدرة للنفط من أجل حماية قطاع النفط من هيمنة الدول والشركات الأجنبية/المتعددة الجنسية. في سياق هذه السياسة تلجأ الدول المصدرة للنفط إلى إنشاء شركات وطنية تدير عملية التنقيب عن النفط واستخراجه وتكريره وتسويقه بالكامل. ويلاحظ تقرير نشرته صحيفة “الهيرالد تريبيون الدولية” (16/08/2008) أن القومية النفطية تزداد رسوخاً اليوم، جنباً الى جنب مع ارتفاع أسعار النفط، على حساب الشركات النفطية المتعددة القوميات، أو بالأحرى الغربية. ففي السبعينات كانت الشركات الكبرى اكسون، شل، شيفرون وكونوكو تسيطر على ما يقارب النصف من عملية انتاج النفط وتسويقه في العالم، أما اليوم فيقول تقرير الهيرالد تريبيون انها بالكاد تسيطر على 13% من إنتاج النفط العالمي.
هذا التطور يلقى ترحيباً وتشجيعاً في الدول المصدرة للنفط إذ إنه، في نظر القائمين عليها والمعنيين بمصالحها الاقتصادية والنفطية يضع قطاع النفط الاستراتيجي تحت سيطرة السلطات الوطنية ويخضع عملية انتاج النفط لمصلحة الدول المصدرة ويمكنها من تعزيز المداخيل النفطية ومن ثم تحويل جزء منها إلى التنمية وإلى تلبية الحاجات الاجتماعية المتنامية للمواطنين. أما في الدول التي تنتمي إليها الشركات “المتعددة القوميات” والتي تقوم بينها وبين نخبها الحاكمة علاقات وثيقة من التعاون والتساند والتشارك - هاليبورتن وديك تشيني في الولايات المتحدة مثلاً - فإن ردود الفعل على هذه الظاهرة هي على الأغلب سلبية.
ففي الولايات المتحدة، وضعت قيادة القوات الجنوبية الأمريكية تقريراً حذرت فيه من تنامي “القومية النفطية”. وأشار التقرير إلى أن الشركات القومية لا تملك التقنية الكافية لإدارة عملية اكتشاف النفط واستخراجه وتسويقه. واعتبر التقرير أن افتقار هذه الشركات إلى التقنية المتقدمة التي تتوفر لدى الشركات “المتعددة الجنسية” فقط سوف يؤدي إلى تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار ومن ثم إلى أزمة نفطية واقتصادية عالمية. وأشار التقرير إلى مخاطر هذا الوضع على الولايات المتحدة لأن القومية النفطية انتشرت في أمريكا اللاتينية التي تستورد منها الولايات المتحدة حوالي ثلث ما تستهلكه من النفط. أخيراً توصل التقرير إلى أن المسألة لا تتعلق بالحصول على النفط فحسب، بل بضمان أمن الولايات المتحدة القومي وانه على القيادة الأمريكية ألا تتعاطى مع المسألة على أساس انها مسألة اقتصادية بحتة، بل مسألة سياسية واستراتيجية تحتاج إلى معالجات على هذا المستوى.
وفيما يركز تقرير القيادة العسكرية الامريكية المعنية بأمريكا اللاتينية على هذه المنطقة بصورة حصرية، فإن تقارير أخرى تتناول أوضاع إنتاج النفط في مناطق متعددة من العالم. وفي هذا السياق يركز ستيفان بلانك، الأستاذ في الكلية الحربية الأمريكية على أوضاع إنتاج النفط في روسيا حيث يلاحظ أنه في تدهور مستمر. وتخالف هذه الصورة، كما يلاحظ بلانك الصورة التي تسعى القيادة الروسية الى تعميمها على العالم والتي تنبئ بأن انتاج النفط الروسي هو في أحسن حال وأن روسيا قادرة على استخدام نفطها من أجل تعزيز مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية خاصة في علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي. ويعتقد بلانك أن افتقار شركة غازبروم النفطية الروسية الى التكنولوجيا المتقدمة أدى الى تراجع انتاج النفط في روسيا، وأن موسكو تمد أوروبا الوسطى والغربية بالنفط الذي تأتي به من جمهوريات آسيا الوسطى وليس من آبار النفط الروسية. إذا استمر هذا الوضع الذي تتحمل مسؤوليته “القومية النفطية الروسية”، كما يعتقد بلانك وبعض المحللين النفطيين والاستراتيجيين الآخرين في الغرب، فإن التدهور في إنتاج النفط الروسي سوف يستمر ومعه الارتفاع المتصاعد في أسعار النفط وتفاقم الأزمات الاقتصادية العالمية.
وإذ تتحمل القومية النفطية، في نظر ناقديها، مسؤولية هذه الأزمات، فإن البعض من ناقديها يحذر من تنامي هذه النزعة الاقتصادية حتى لدى بعض الدول التي أخذت تتحلل منها في السابق مثل الجزائر وأنغولا ونيجيريا. حكومات هذه الدول تراجعت، كما يقول بيت ستارك، نائب رئيس “شركة العلاقات الصناعية” الأمريكية عن هذه السياسة وعادت إلى وضع قيود على الاستثمارات الأجنبية في قطاع النفط “الاستراتيجي”. فضلاً عن ذلك، والأهم منه، كما يقول غولدمان ساخس، فإن أزمة إنتاج وتوفير النفط تمثل الوجه الآخر لأزمة إنتاج الغذاء وهما في بعض الأحيان يشكلان وجهين لعملة واحدة تعبر عن وضع اقتصادي عالمي متأزم.
ما الحل اذن؟
الحل الذي تطرحه شركات النفط الغربية ومساندوها الاقوياء في النخب الحاكمة هو في انحسار القومية النفطية لمصلحة “العولمة” النفطية وشركات النفط التي تعمل في اطارها. ويقدم جيف كاري، مسؤول البحوث في بنك الولايات المتحدة، صورة عن هذا المتغير الذي تنشده المصالح النفطية الغربية إذ يقول: في العالم العقلاني الأمثل يمكن لدول الخليج التي تشعر بحاجة ماسة إلى ضمان حاجاتها من الغذاء أن تشتري مزارع تؤمن لها هذه الحاجات في أراضي الولايات المتحدة الشاسعة والصالحة للزراعة. بالمقابل، يمكن لشركات النفط الأمريكية أن تشتري حقول النفط في دول الخليج. هكذا يستفيد الطرفان وينعم الجميع بمزايا التعاون الدولي!
ما ينقص هذا الوصف “للعالم العقلاني الامثل” الخالي من القومية النفطية هو أن حكومة الولايات المتحدة تستطيع إذا شاءت وإذا قررت أن تضع يدها على ممتلكات الدول الأخرى. بالمقابل، فإن الدول الأخرى التي لا تملك من أسباب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية ما تحوزه الولايات المتحدة، فإنها لا تملك القدرة على وضع يدها على ممتلكات الولايات المتحدة. فحتى فيدل كاسترو، وخلال أوج قوة المعسكر الشرقي لم يجرؤ على المساس بالقاعدة الأمريكية في غوانتانامو. حتى تصحح هذه الصورة، فإن القومية النفطية باقية.
جريدة الخليج الاماراتية