همس العُطر
¬°•| روح مُنـاهآ الجنّة|•°¬
* السلآم عليكم ورحمة اللّه وبكاته *
~ الــصّــبــــر ~
من المنازل التي حققها الصالحون من عبادالله، منزلة الصبر؛ التي امتدحها الله تعالى في كتابه، وأمر بها، وحث عليها رسولالله . قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا.. الآية [آل عمران:200] وقال: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10] وقال: ولمن صبر وغفر إن ذلكلمن عزم الأمور [الشورى:43] وقال تعالى عن عبده ونبيه أيوب عليه السلام: إنا وجدناهصابرً نعم العبد إنه أواب [ص:44 ] .
وقال رسول الله : { الصبر ضياء } [رواه مسلم] وقال: { من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر } [متفق عليه] وقال: { عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له } [رواه مسلم] .
قال أهل العلم: الصبر نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر،ونصف شكر.
والصـبر ثلاثـة أنواع :
1- صبر على طاعة اللّه :
وبخاصة العبادات التي تصعب على النفوس بسبب الكسل كالصلاة، أو بسبب البخلكالزكاة، أو بسببهما جميعاً كالحج والجهاد. ولتحقيق هذا النوع العظيم من الصبر،ينبغي على العبد بعض الوظائف المعينة والميسرة له، وهي:
*
الاستعانة بالله: واعتقاد أنه تعالى هو المُصبّر للعبد. وإخلاص النية له تعالى، بأن يكون الباعثللعبد على الصبر هو محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.
*
التخلص مندواعي الفتور وأسبابه، بألا يغفل عن الله ولا يتكاسل عن تحقيق الآداب والسنن فهيبمثابة المروضات للنفس، والممهدات لها لأداء الفرائض والواجبات، وبخاصة مع تعليقالفكر دائماً بأجر الصابرين الذي ادخره الله لهم.
*
مراعاة أن الصبر في هذاالمجال يصبح مع الوقت سهلاً تتعود النفس عليه، لأنه مع الإخلاص يتحقق بإذن الله عونالله للعبد، وتصبيره على ما كان يستثقله، كما قال تعالى: والذين جاهدوا فينالنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين [العنكبوت:69] .
فهذه الوظائف إذ قامبها العبد، فإنها كفيلة بإذن الله أن تساعده على التحلي بالصبر على طاعة الله،ولزومها والثبات عليها.
2صبر عن معصية الله :
وهو أشد ما يكونالعبد حاجة إليه، وبخاصة إذا تيسرت أسباب المعصية، وغاب الرقيب من البشر. وكلما كانالفعل الممنوع مما يتيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة والكذب ونحوهما، كان الصبرعليه أثقل.
مثاله: أن ترى الإنسان إذا لبس الحرير أو الذهب استنكرت ذلك. ويغتاب أكثر نهاره، فلا تستنكر ذلك. لكن العبد لم يُترك سدى فقد حباه ربه الحليمبكل ما يصلحه، فما ترك داء يصيب عبده إلا أنزل له شفاءً، لذلك كان لهذا النوع منقلة الصبر عن المعاصي ما يعالجه، ويعين الإنسان على تحقيقه. وقبل وصف علاج هذاالداء، نذكر وصفاً لحال بعض عباد الله الصالحين في صبرهم عن المعاصي، وقد توفرت لهمكل أسباب مواقعتها، لكنهم بتوفيق الله ثم بإخلاصهم لله نجوا من الوقوع فيها.
فأفضل عباد الله أنبياؤه، ففيهم القدوة كما قال تعالى: أولئك الذين هدىالله فبهداهم اقتده [الأنعام:90] لذلك نحاول أن نرى صورة عملية لهذا النوع من الصبرالثقيل على النفس والصعب عليها، ومن خلال موقف نبي الله يوسف عليه السلام، وقدعُرضت له الفتنة وتيسرت كل أسبابها.
يقول ابن القيم رحمه الله عن موقف يوسفوعظيم صبره عليه السلام: ( وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كانصبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته في الجب،وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب لهفيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فصبر اختياره، ورضىومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كانشاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعزباً ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريباً،والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله،ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب وهي سيدتهوقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص. ومع ذلكتوعدته إن لم يفعل، بالسجن والصَغَار، ومع هذه الدواعي كلها، صبر اختياراً وإيثاراًلما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه ) [مدارج السالكين:2/156] .
وعودة إلى الحديث عن علاج قلة الصبر عن المعاصي، فنذكرمثالاً لما يصلح علاجهاً لمن لم يستطع الصبر عن شهوة اتيان النساء، التي غلبته بحيثلا يملك فرجه، ولا عينه ولا قلبه وعلاجه كالتالي:
1- مواظبة الصوم، وتقليلالطعام قدر الإمكان فإن ذلك كاسر لهيجان الشهوة، مما يساعد من صبره قليل.
2- قطع الأسباب المهيجة لتلك الشهوة، فإنما تهيج بالنظر وتتحرك، فدواء ذلككف البصر عن الوقوع على الصور المشتهاة، وما أكثر انتشارها في هذا الزمان، فإنالنظر سهم مسموم من سهام إبليس. ومن أسبابه الاختلاط بالنساء، والتساهل في الحديثمعهن، ومصافحتهن وأمور أخرى .
3- تسلية النفس بالمباح مما تشتهيه النفس، وهذه الشهوة لا يكسرها مثلالنكاح، والقاعدة التي يجب أن يستحضرها الإنسان دائماً، هي أن كل ما يشتهيه الطبعمن الحرام، ففي المباحات ما يغني عنه بحمد الله تعالى، مما يريح النفس من عناءالآثار التي تتركها المعصية في نفس العاصي أو أحواله عموماً بل الأكثر من ذلك أنالعبد يؤجر على فعل المباح إذا قصد به التعفف، والابتعاد عن الحرام .
3- صبر على ابتلاء الله وامتحانه:
بأنواع المصائب من أمراض،ونقص في الأموال والأنفس، وهذا كله مما لا كسب للإنسان، بل فعل الله بالعبدامتحاناً وتمحيصاً وتطهيراً. والصبر على هذا النوع من المقدورات من أعلى المقامات،لأن سنده اليقين في ثواب الله، وحسن عوضه، وأنه أرحم الراحمين لا يفعل ذلك بعبدهإلا لحكمة يعلمها، وإلا لمصلحة ذلك العبد إما عاجلاً أو آجلاً. وما دامت هذهالابتلاءات ليست من كسب العبد، ولا حيلة له فيها أو معها، فالأفضل له الصبر عليها،واحتساب مشقتها على الله تعالى . وقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها } [متفق عليه].
ومن المواقف التي تؤنس العبد، ما يروى من سيرة بعض العلماء والصالحين، فقدروى ثابت البناني قال: ( مات عبدالله بن مطرف، فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة،وقد أدهن فغضبوا وقالوا: يموت عبدالله، ثم تخرج في ثياب من هذه مدهناً؟ قال: أفأستكين لها، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إليّ منالدنيا وما فيها، ثم تلا قوله تعالى: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإناإليه راجعون [البقرة،157:156]. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( من إجلالومعرفة حقه، ألا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك ). وقال رجل للإمام أحمد رحمه الله: كيف تجدك يا أبا عبدالله؟ قال: بخير في عافية، فقال له: حممت (أي أصبت بالحمى)البارحة؟ قال: إذا قلت لك: أنا في عافية فحسبك، ولاتخرجني إلى ما أكره.
فلتحصيل هذه المنزلة العظيمة، منزلة الصبر بجميع أنواعه، فليشمر المشمرون،للدخول في زمرة عباد الله المخلصين.. الأنبياء، والصديقين والشهداء والصالحين، وحسنأولئك رفيقاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. طرق تحقيق منزلة الصبر لما لهذهالمنزلة من المكانة في الدين، ولما غلب على سلف هذه الأمة، علمائها وصالحيها، منالتحلي بها والتواصي بها، يجدر أن نتعرف على الأسباب المعينة على التحلي بالصبر،لأنه دواء لكثير من العلل والأمراض النفسية بل والعضوية كذلك. ولكنه دواءاً احتاجإلى قوة في النفس والإرادة لتحمله، لأنه محتف بمرارة الدواء، وكذلك يشق على كثير منالناس، إلا من وفقه الله تعالى. فالصبر من الأدوية التي أنزلها الله تعالى لكثيرالأدواء، وقدر به الشفاء، وهو وإن كان شاقاً كما سبق فإن تحصيله يمكن إذا تحققأمران هما العلم والعمل.
فكل مرض يحتاج إلى علم وعمل يليق به خاص به، ومنالأمثلة العملية على ذلك. إذا افتقر المرء إلى الصبر عن شهوة الجماع، وهذا أكثرشيوعاً في الناس، وقد غلبت عليه بحيث لا يملك فرجه ولا عينه ولا قلبه، فعلاج ذلكبثلاثة أشياء: أحدها: مواظبة الصوم والتقليل من الطعام وهذا من أعظم ما يحمل النفسعلى الصبر لأن فيه حبساً لها على المباح، فتكون بعد ذلك أحبس عن المحرم والممنوع. الثاني: تسلية النفس بالمباح من جنس المشتهى، وذلك بالنكاح. وها هنا قاعدة، وهي: أنكل ما يشتهيه الطبع من الحرام، ففي المباحات غنية عنه. وهذا هو العلاج الأنفع لأكثرالناس. الثالث: قطع الأسباب المهيجة لتلك الشهوة، وأهمها النظر، والنظر يقع بالعينوبالقلب، والقلب محرك للشهوة، فدواء هذا الاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصورالمشتهاة لأن النظر سهم من سهام ابليس.
فهذه الأشياء الثلاثة تجمع العلموالعمل، العلم بالوسائل المشروعة، والطرق الشرعية بتهذيب النفس، والعمل على تحقيقتلك الوسائل، وبذلك يستعان - بعد الله تعالى - على تحمل الصبر، وفيه تحقيق حسنيينهما: 1- طاعة الله بالصبر على المكاره والتكاليف وبالصبر عن المعاصي. 2- ثواب اللهالذي ذكره في كتابه بقوله: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب [الزمر:10] وقوله: ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون [النحل:96]. وصلى الله على نبينامحمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسـلام عليكم ورحمة الله وبركـاته
التعديل الأخير: