صعراء يا بلد العجائب، فيها تولد أجمل الجنّيات من أزهار الليمون، وعندما يصبحن في عمر الفتيات يذهبن ليسرحن شعورهن عند مجرى الماء ثم يتكحّلن من سواد الليل. فيها تختبئ النجوم لتسمع حكايات الأطفال في المساء، ولن تجد مكاناً آخر غير صعراء تبكي فيه النساء على القمر حين يُخسف، ويرفع الرجال أكفهم بالدعاء له أن يتعافى، قلوبهم ورد، وكلامهم عذب، وأيديهم ندّ.
إن نظرت لوجوه أهلها تعرف أنهم خلقوا من طينتها، تفوح من الرجال رائحة النخيل، وتفوح من النساء رائحة الياسمين، يتعطر الفجر بضحكاتهم ورائحة قهوتهم.
الكلام السابق كان للمغفور له التاجر جاسم الكمالي(والد علي وخليفة الكمالي)، وكان رحمه الله يحضر في شهور القيظ لواحة صعراء كعادة أهل دبي في كل قيظ، المرحوم يبدو أن له ذكريات جميلة جداً هنا امتدت لسنوات طفولته وجزء من شبابه، ولعل ذلك كان من الفترة 1925 إلى 1950.
المغفور له كتب عن ذكرياته كما يشير هو في أول الكتاب بناء على طلب أحد أصدقاءه الذي كان يستمتع بالاستماع لتلك الذكريات، ولست على ثقة من أنه فعلاً أنهى كتابتها لأني لم أحصل إلا على بضع صفحات مطبوعة بالآلة الكاتبة، وقد وعدني من أعطاني تلك الصفحات بالتحري عن بقية الكتاب.
كنت متشوق أن أكتب هذا الموضوع منذ مدّة، وكنت أنتظر بقية صفحات الكتاب بلهفة شديدة، ولمّا تأخرت علي قررت أن أضع ما عندي خوفاً عليه من الضياع والنسيان.
في الصفحات التالية وخلال الأيام القادمة سأحاول وضع مقاطع من تلك المذكرات التي كتبت باسلوب أدبي قديم لكن بحس مرهف ينم عن إحساس شاعري مبكر.