ولد بن كعب
¬°•| صاحب العطاء|•°¬
- إنضم
- 5 يوليو 2010
- المشاركات
- 505
بسم الله الرحمن الرحيم
قلبٌ يحتضر
لا تروقُ لي أحزمة الظلام عند مغيب الشمس حينما تسفرُ عن ذلك القلب الكئيب .. يجر رداءه المتقطعُ من برد المشاعر حافيآ على طريقٍ مقفره , أراهُ ممسكآ بعصىً يتوكأُ عليها وكأنه ناهز الثمانين من العمر , ولكنه في حقيقة الأمر لم يُكمل الثلاثين عامآ .. يالها من مأساةٍ مُرَّه , فقد يجف لساني حينما أهِمُّ على إيقافه وسؤاله عن هذه الحال , فرفعتُ له يدي هذه المره ملوحآ , ولكنه لم يعرني أي إهتمام ..
تابع طريقهُ ماشيآ وفي يده الأخرى كيسآ ليس به سوى سكينآ ملطخةً بالدماء , وبعضآ من بقايا سهامٍ باليه .. يجرها على الأرض جرآ , ويسحبها على الطريق سحبآ , لا يحومُ فوق رأسه سوى طائرآ ذو مخالبٍ حاده , وكأنه هو الآخر ينتظر دوره ان يحين ..
لم تفارق عينيَّ ذلك المشهد المأساوي ولو للحظه , فما غاب عن ناظري إلا حينما آواى إلى مغارته ليرتاح فيها مثلما إعتاد أن يفعل .. أشحتُ ببصري وسط ذهولي المعتاد , ولكن ما أذهلني اكثر هو سماعي لتلك الأنّات المتكرره , وتلك الزفرات المتناثره .. فرجعتُ ببصري متصورآ تلك الحال المزريه التي يعانيها هذا المسكين ..
عزمتُ على الصعود إلى مغارته , لعلي اواسيه واخففُ من علته , فحينما وصلت إلى باب المغارةِ كانت الآنات في هبوطٍ وذبول , وزفراته في صعودٍ ونزول .. فلم أتمالك نفسي من رهبةِ الموقف وشدته ..
ألقيتُ نظرةً على المكان ومحتواه .. فلم أرى سوى كماداتٍ تقطر دمآ , ولم أرى سوى سكاكين معلقه , كُتب أسفل كل سكينآ تواريخ لم تكن واضحه , وبعضآ من الرموز المُبهمه .. لم يكن عقلي في مكانه , وإنما كان سارحآ وغارقآ في تأويل ما يراه , حاولتُ تفسير بعضآ من هذه الألغاز المحيره ولكن دون جدوى , فلم أفق من سكرتي هذه إلا على صرخةٍ اهتزت لها أوصالي خوفآ ورعبآ ..
إتجهت لذلك القلب المُسجى على رداءٍ أبيض , فأشر لي بيده واقتربتُ منه , فلم أتبين ملامحه بتلك الدقه الكبيره , ولكن ما جذبَ ناظري هو تلك الدموع الغزيره التي تجري على جانبي وجه ..
حاول أن ينطق ببعضٍ من الكلمات التي لم أفهم معانيها , ولكنني أدركت بأنه يحتضر حينما رأيتُ دموعه في ازدياد , وملامحه في انعقاد .. هالني الموقفُ كثيرآ فلم أدري كيف أفعل , اخذت أضمد بعضآ من جراحه النازفه , وشيئآ من كسوره التالفه , فلم اتوقفُ إلا على يده وهي على صدري بأن لا فائدةَ من فعلي هذا ..
لم أكترثُ لما يريد ولكن ما هز وجداني هو إحكام قبضته على رقبتي .. تجمدتُ مكاني من هول فعله , ثم قال : " لا تفعل .. إتركني وكفى " قلت له : " لا .. لن أتركك هنا على هذه الحال " .. قال : " لاجدوى من المحاوله .. هذه دقائقي الأخيره " قلت له : " لاتقول هكذا .. فلا زال ف يالعمر متسعآ لتعيش بعيدآ عن هذه التعاسةِ والبأساه " قال : " انني أحتضر .. أحسُ بنزعآ شديدآ وسط عروقي " ثم قال : " لي طلبٌ أخيرٌ منك " قلتُ : " وماهو " قال : " إجعل من هذا الرداء الأبيض كفنآ لي , وأحفر لي في هذه المغاره عند تلك الزاويه حيثُ تلك السيوف المعلقه , وفي ذلك الصندوقُ الأسود بعضآ من الأوراق القديمه وأرجو أن تدفنها معي "
سقطت يداه من على رقبتي , و جمدت عيناه عن الحركةِ في محجرها , وبرد جسمه النحيف , فأيقنت حينها أنه قد فارق الحياه .. ذرفت عيني دمعة أحرقت طريق نزولها وكأنها الحميم .. أغمضتُ عينيه ودثرتهُ برداءه ..
عملتُ بكل ما أوصاني به , وحتى الرسائل التي طلبها دفنتها في لحده , ودفنته حيث طلب , وأقمت له شاهدآ من خشب كتبتُ عليه ( هنا يرقدُ قلبآ مات من حبه ) , وحين هممتُ بالخروج , هبت عليَّ من جهةِ قبره ريحآ طيبه , تحمل ُ أريجآ تسلت به نفسي عن تلك اللحظات المجنونة التي عشتها معه , فأيقنت حينها أن خالقه لم يرتضي له الحزنُ والتعاسة في الدارين , وأردكتُ بأنه قد عوضهُ خيرآ ..
لم تفارقني هذه الحادثه منذ أكثر من عشرين عامآ , فما زلتُ إلى الآن أزور تلك الطريق التي إعتدتُ ان أراهُ فيها ماشيآ , ولكنني اليوم أفتقده , فأشخصُ ببصري نحو تلك المغارةِ لعله يخرج منها فأراه ولكن هيهات .. رحمة الله عليك وسلامه أيها الشهيد ..
التعديل الأخير: