`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤
¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
وضع سعود طرف القلم على شفتيه. كانت الريح تعوي في الخارج، وغبار التراب لا تراه العين في الظلام. كانت الإنارة في الحجرة تخفت مرة وتزادا مرات، ولا يزال صوت الريح ينسل إلى الداخل كصرير باب مزعج. استرخى برأسه على وسادة وفرد رجليه، كان البساط أحمر اللون مزركشا بأشكال هندسية، وكان السقف أبيض تخللته زينة جميلة على حواشيه، أطبقت عقارب الساعة على الواحدة إلا عشرا، كان الظلام في الخارج يضغط على الأرجاء وتبعث فيك الرياح خيالات مرعبة بالأشياء المتطايرة، والظلال المتراقصة على الجدران، والأصوات الخفية بين ثنايا أغصان الشجيرات. تقع الحجرة خارج البيت، ولا ممر لها إلا من الباب الرئيس. ثم بدا أن مثل الغشاوة يتشكل على عينيه وبعض الرجفة تسري في قلبه، لا يرى إلى نفسه والورقة التي أمامه، وقد تبعثرت أرقامها هنا وهناك، ويحس كما لو أنه في ضائع لا يرى الحياة في نفسه. ولكأنما يأبى أن يفلت بالورقة من أمامه، وقد تشبثت يداه بها، تمنى لو أن الساعة تتجمد في مكانها وأن الوقت يقف في أفلاكه
هيه، كيف كان؟ كثيرا ما سمعها علي، وكثيرا ما سمع الجواب نفسه: مشينا الحال.
كانت الأوراق مبعثرة، وبعضها ديس عليها، وأخريات مزقت هنا وهناك، وبين الأفراد الذين تسمع ضحكاتهم، تسمع أيضا نحيب بعضهم. لم يكن سعود من هؤلاء ولا أؤلئك، فلا إحساس. لو أني أعرف ما أريد. كان يخاف من أن تفتر شفتاه عن تبسم فهو لا يستحقه، ويخشى من أن يكتئب لأنه لا يدري أين مصيره. عبر البوابة إلى حيث الشمس، وبدا له أن يمشي، ويمشي، إلى أين لا يدري، فقط يريد أن يمشي ولكأنما كان السحر يفعل فعلته، لم يدر أين تجره قدماه حتى انتهى به السير إلى طريق جانبي على يمينه تحفه أشجار وتتطاير الحشائش على ضفتيه. وفجأة أحس بصدره يضيق، وكأن النفس كاد أن ينقطع من رئتيه، حاول أن يتحرك ولكن جسده تيبس مكانه، ثم أظلمت الدنيا، كل شيء من حوله استحال ظلاما، وكأنما أحس بيد تنسل رويدا رويدا نحو رقبته، حاول الصراخ، جرب الاستغاثة غير أن الفزع بداخله لما يجاوز شفتيه، ثم رأى نورا يتراقص فوقه، حاول أن يرفع رأسه للأعلى على ما فيه من الخوف واليأس، ثم انجاب الهواء في رئتيه، وجلس فزعا في الحجرة يرقب المصباح الذي يخفت ضوئه تارة ويزيد تارة أخرى بفعل التيار المتقطع، ولهث ممسكا بقلبه، ويتحسس موضع رقبته، آه للمسكين غلبه النعاس فانهالت عليه الكوابيس، وبرعدة خفيفة مؤلمة تسري في أوصاله، تلفت في أرجاء المكان خوفا أن يرى يدا تنسل نحو جسده، ولما لم ير شيئا، أمسك كتابه الذي انكفأ أرضا، وقام.
هيه، كيف كان؟ كثيرا ما سمعها علي، وكثيرا ما سمع الجواب نفسه: مشينا الحال.
كانت الأوراق مبعثرة، وبعضها ديس عليها، وأخريات مزقت هنا وهناك، وبين الأفراد الذين تسمع ضحكاتهم، تسمع أيضا نحيب بعضهم. لم يكن سعود من هؤلاء ولا أؤلئك، فلا إحساس. لو أني أعرف ما أريد. كان يخاف من أن تفتر شفتاه عن تبسم فهو لا يستحقه، ويخشى من أن يكتئب لأنه لا يدري أين مصيره. عبر البوابة إلى حيث الشمس، وبدا له أن يمشي، ويمشي، إلى أين لا يدري، فقط يريد أن يمشي ولكأنما كان السحر يفعل فعلته، لم يدر أين تجره قدماه حتى انتهى به السير إلى طريق جانبي على يمينه تحفه أشجار وتتطاير الحشائش على ضفتيه. وفجأة أحس بصدره يضيق، وكأن النفس كاد أن ينقطع من رئتيه، حاول أن يتحرك ولكن جسده تيبس مكانه، ثم أظلمت الدنيا، كل شيء من حوله استحال ظلاما، وكأنما أحس بيد تنسل رويدا رويدا نحو رقبته، حاول الصراخ، جرب الاستغاثة غير أن الفزع بداخله لما يجاوز شفتيه، ثم رأى نورا يتراقص فوقه، حاول أن يرفع رأسه للأعلى على ما فيه من الخوف واليأس، ثم انجاب الهواء في رئتيه، وجلس فزعا في الحجرة يرقب المصباح الذي يخفت ضوئه تارة ويزيد تارة أخرى بفعل التيار المتقطع، ولهث ممسكا بقلبه، ويتحسس موضع رقبته، آه للمسكين غلبه النعاس فانهالت عليه الكوابيس، وبرعدة خفيفة مؤلمة تسري في أوصاله، تلفت في أرجاء المكان خوفا أن يرى يدا تنسل نحو جسده، ولما لم ير شيئا، أمسك كتابه الذي انكفأ أرضا، وقام.