[ود]
¬| رُوحٌ مُحلِّقَة بَين أسْرآبِ الأمَل ✿ ،
"زهرة" تتلقى الرعاية بمستشفى "الرحمة"
29-01-2012
29-01-2012
مسقط - أحمد الهنائي
قامت المديرية العامة للخدمات الصحية بمسقط التابعة لوزارة الصحة، بزيارةٍ عاجلةٍ إلى "زهرة البلوشية" بعد أن نشرت "الشبيبة" موضوعها في العدد الصادر رقم (5865) يوم السبت 21 يناير 2012م، وتم نقلها إلى مستشفى "الرحمة" لتجد العناية والرعاية الطبية، وعليه تقول مقررة مشاركة المجتمع بالمديرية العامة للخدمات الصحية بمسقط جوخة الفارسية: "في اليوم التالي من نشر الموضوع بـ(الشبيبة) قمنا بزيارة عاجلة للمرأة الطاعنة بالسن "زهرة" إلى منزلها الكائن بوادي عدي، وقد تفاجأنا حقاً من البيئة الصحية السيئة التي كانت تعيش فيها، حيث إن المنزل متهاوٍ والغرفة تفوح منها روائح منتنةٍ للغاية، إضافة إلى أنها مغلقة من جميع الاتجاهات ولا توجد بها أية فتحات للتهوية، كما أن الحشرات تنتشر في كل مكان، وفعلاً لا يقوى الزائر على المكوث هنالك بضع دقائق، فما بالكم بالعيش فيها".
تواصل الفارسية حديثها عن لحظات الزيارات الأولى بقولها: "حينما وصلنا إليها، وجدناها تشارف على الموت، ولله الحمد أننا وصلنا في الوقت المناسب. كانت "زهرة" تشتكي من جوع وعطش شديدين، فأحضرنا لها طعاماً مناسباً وقمنا بتغذيتها، وشرعنا إلى تنظيفها حيث كانت حالتها رثة في منظر مأساوي يدمي القلوب، وتقشعر له الأبدان. كانت لحظات عصيبة لا يمكن للمرء أمامها إلا أن يعلن حالة الانكسار والضعف، وخوفاً من المساءلة القانونية قررنا الانتظار قليلا حتى نرى الكيفية المناسبة التي نحصل من خلالها على شرعيةٍ في نقلها".
سيارة إسعاف
الخوف من المساءلة تلاشى بعد زيارتها، فالقلب لا يقوى على مشاهدة هذه الحالات ولا نستطيع الوقوف مكتوفي الأيدي هكذا، هذا ما جعل المعنيين بالأمر في المديرية العامة للخدمات الصحية يأذنون بنقلها فوراً إلى مستشفى الرحمة، وتقول جوخة أيضاً: "ذهبنا من جديد إلى "زهرة" عبر سيارة إسعاف مجهزة، فعمدت الممرضات إلى تنظيفها وتغيير ملابسها، والعناية التامة بها قبل نقلها، وقد تبين لنا أنها كانت تعاني من بعض الآلام إثر التهاب جرح أسفل ظهرها، ويبدو أنها كانت تصرخ كثيراً من الألم لكونها تريد أن تقلب نفسها ولكنها لم تجد من يعتني بها ويساعدها على ذلك، بعدها تم إسعافها إلى مستشفى الرحمة حتى تجد مأوى مناسبا لها أو يتكفل أحدٌ برعايتها رعايةً تامة، وهي الآن تجد العناية التامة بالمستشفى".
حالما ذهبنا لزيارتها بمستشفى "الرحمة" استقبلنا محمود بن محمد الصابري مشرف التمريض بالمستشفى، وقد أخذنا رأسنا إلى غرفة "زهرة"، وكانت لحظتها تخضع لإجراء الأشعة للتأكد من صحتها، فبادرني الصابري بالقول: "لا تعاني "زهرة" من أمراضٍ معينة، لكنها كانت تعيش في بيئة غير صحية، وقد تعرضت لإهمال شديد من قبل أهلها. وبالرغم من أنه مرّت أيام على نقلها إلى هنا، إلا أنه إلى اليوم لم يأت أحدٌ للسؤال عنها، وكما علمت فإن بناتها يعانين من فقر مدقع، لكن ما عدا ذلك فإن "زهرة" تجد كل ما تحتاج إليه من رعاية في "الرحمة" وهذا لا يعني أن المستشفى يستقبل "المسنين" فهو ليس داراً لرعاية المسنين، إنما هي حالة خاصة تعاملنا معها لخصوصيتها".
نضارة متأخرة
تفاجأتُ كثيراً حينما رأيت "زهرة" وكأنني أرى امرأةً أخرى، فقد تغيرت معالمها كثيراً، وعاد إلى وجهها شيئاً من النضارة، فهي غير التي رأيتها للمرة الأولى، كما أن "النطق" رجع إليها، إذ كانت في السابق لا تقوى على الكلام مطلقاً، كما أنه يبدو أن النظر ارتدَّ إليها أيضاً، وهي تنظر بعينٍ واحدة والأخرى لا ترى بها، غير أنها قبل فترةٍ كانت لا ترى أبداً بسبب الإهمال وفوضى المكان الذي تعيش به، كما أن التغذية الجيدة التي تتلقاها الآن بالمستشفى أعاد إليها حيويتها، بيد أن "العقل" قد ذهب منها، بحكم هرمها وتقدمها في العمر، ذلك أنها تجاوزت الثمانين أو التسعين عاماً. حاولت الحديث معها، إلا أنه لا تعي شيئاً من حديثها إلا فيما يخص صحتها، التي ظلت تلهج بترديد "الحمد لله"، والمسكينة لا تعلم أنه تم نقلها إلى المستشفى، وهي تعيش بذكرى منزلها، وتخالُ أنها باقيةً فيه ولم تتحرك منه مطلقاً.
فيما يخص الفترة التي ستقضيها بالمستشفى تقول جوخة الفارسية: "ستظل "زهرة" في "الرحمة" إلى أن تجد بيئة اجتماعية مناسبة، فهي ليست بحاجة إلى علاج بقدر ما هي بحاجة إلى رعاية واحتضان وألفة اجتماعية وجو عائلي مليء بالمحبة، من حقها أن تعيش بقية حياتها مع أبنائها، لذا تواصلنا مع إحدى بناتها وقد أوعزت التقصير إلى ضعف الإمكانات المالية وقلت ما باليد، وعليه فإنها أكدت لنا بأنها ستقوم برعايتها في منزلها إن تم بناء مرفق خاص لها في منزلها الكائن بالسيب، فمنزلها هو الآخر متهالك والبيئة الصحة منعدمةً بها، وهي لا تملك السيولة المالية لبناء المرفق، وعليه فإن المديرية ستقوم بتوفير "ممرضة" تقوم بزيارتها بين فترة وأخرى إذا ما تمكنت من الانتقال إلى منزل أهلها، فالوزارة تمتلك ممرضات معنيات بهذا الشأن يطلق عليهن "ممرضات المجتمع"، فهن يقمن بزيارة المسنات وتقديم كل المعلومات المهمة لمن يقوم بخدمتهن عن كيفية الاعتناء بهن ومتابعتهن ورعايتهن، تلكم الزيارات تتم بطريقة دورية".
وقفة إنسانية أخيرة
إذن تحتاج "زهرة" إلى من يقدم لها يد العون في دعمها بمبلغ مالي لتتمكن من بناء ملحق لها، ومثلما يشير أحد المقاولين أن مبلغ بناء غرفة مع دورة مياه بكامل عدتها قد لا يتجاوز الثلاثة آلاف ريال، وعليه نوجه أصحاب اليد البيضاء والمعنيين إلى مساعدتها والوقوف إلى جانبها فيما تبقى من حياتها، وقد تكفل أحد القراء بعد نشر الموضوع بتوفير "عاملة منزل" تقوم بخدمتها ورعايتها، كما أنها ستكون بحاجة إلى "حفاظات" للمسنين، وهذه مكلفة بعض الشيء، على أمل أن تقوم إحدى الجهات الخيرية أو الخاصة بتوفيرها لها، زهرة تمد يدها الواهنة المرتعشة تطلب الوقوف إلى جانبها، فلا تجعلوا هذه اليد تعود خائبة منكسرة.