الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر نشاط
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
Install the app
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِلقِصَص والرِوَايات ,,
[you] إقرأ معي ، قصة ( العَرْبانه ) من تأليفي ، انتظرك .!
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="المرتاح" data-source="post: 1191845" data-attributes="member: 4611"><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: Teal">اعيد لكم اجزاء القصة بثلاثتهم 1،2،3 وذلك لكيْ امنحكم الفرصة الكاملة للقراءة ، لكل ثلاثة اجزاء أخرى ..</span></span></span></p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"></span></span></p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"><span style="color: Purple">وإليكم القصة .</span></span></span></p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"></span></span></p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"></span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot] </span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot] <span style="font-size: 26px"><span style="color: Red"> </span></span><span style="font-size: 26px"><span style="color: Red">قصة ( العَرْبانه )</span></span></span></span><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot][/FONT]</span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot] </span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]دفعت بعربتي، وأخذتُ أجرّها، وأجرجرها، كأني أُجرجر وراءها خيبة عُمر امتدّت إليه أُمنيات ضحلة ، أُمنيات لا تَتحسّن بل تزداد سُوءً بعد سُوء.. أتردد على سُوق المدينة ، أحمل أكياس وأشياء أخرى ، أرميها في القمامة .. أحملها من دكاكين ومحلات الخضار مُقابل ثمن بخس ، مائة بيسة ، عن كل حِمْلٍ ثقيل ، يكسر ظهري ويُقوّس عموده الفقري .. كانت القمامة أو حاوية المزابل القذرة ، تبعد عن السوق ، بمقدار 50 متر أو يزيد .. في كل صباح باكرٍ، أنظر إلى الحاوية الكبيرة، حاوية جمع القاذورات والأوساخ والقمامة العفنة، أنها مصدر رزقي الوحيد، وأنا أسعى جاهداً لأكون صديقاً قذراً مِثْلها، بعد أن صكّت كُل الأعمال في وجهي .. وحين أتساءل ، لماذا .؟ لا إجابة شافية، غير هذه.. رُبما قدركَ المنحوس أودَى بكَ أن تكون هذه الأمكنة التي لجأتَ إليها ، كنايةً تُذكّرك بأن الحياة لحظات مدّ وجزْر وصُعود ونُزول ، لا تتوقف عند حدّ مُعيّن ، </span></span><span style="font-size: 22px"><span style="color: indigo">[FONT=&quot]ورُبما انكَ أول من استقبلتَ الحياة بوجهك ورُبّما تذكرك بأول رضْعةٍ من صدْر أمكَ ،[/FONT]</span><span style="color: indigo">[FONT=&quot] [/FONT]</span><span style="color: indigo">[FONT=&quot]تُذكّرك بأول جُرعةٍ من ثدْيها فانفطرتَ عليها [/FONT]</span>[FONT=&quot]، لا اعرف مُجمل هذه الكنايات ، لكنّي أكاد أُجزم لا يقينَ فيه ، بأنّ أمّك قد ولّتْ بوجهكَ ناحية القمامة لحظة الولادة العَسيرة ، أو تكون قد نستْ أو تناستْ لحظتها بأن تُغيّر وجهتكَ شطراً آخر غير شطر القمامة..! رُبما ذاك سبب رئيس جعلك تُعظّم المزابل وتتعلّق بحاويات القمامة .. ترددتُ كثيراً كيف أردّ على محاور خفيّ ، لا أعرف كنهه .. ثم قلت بعد إلحاح داخلي : أمي ، لا اعتقد ذلك .. أعقبتُها بسكتة ، ثمّ أردفتُ ، إنني مُتيقنٌ أن أمي تُيمّم وجهها شطر القُبلة وتُصلي بصوت خافت وتفيض عينها بالدموع، كنت أرى ذلك وأنا في حُضنها، ارضع من صدْرها وأمتصّ حَلمتها بقوة مجنونة.. قد يكون الأمر مُثار علاقة خاصة غير تلك ، إذ كان بيتنا قُبالة مزبلة المدينة .. فرد الصوت قبل أن أُكَمّل .. رُبما أنت مُحقاً في <span style="color: Indigo">هذه ..! وضعتُ يدي على وجهي احكّه بسبابتي كمن ينبش في شيء ..! لا زلتُ أتذكّر ذاكَ اليومَ ، يومَ أنْ رفض المَيْسورين وكِبَار رجال المدينة الاقتراب من هذا المكان ، ظنّا منهم ويقيناً من أعوانهم انه لا يصلح إلا لأمثالنا مكاناً نختبئ فيه ويضمّنا في أُسرةٍ محسوبة في تعداد وطنيتنا الكبيرة وهذه الأمكنة الجديدة هيَ أقرب إلى واقعنا المُعاش ، فالنّجَابةَ في فلسفة كِبَار الرّجال هيَ فضلٌ أُوتوا بها دون سِوَاهم .. قال الصوت وكأنه يوقضني من غفوة تفكيرٍ مُزرٍ : كُنْ انجدَ الناس</span> ركّابٌ لِصَعابها ، بفكرٍ يرتقي إلى أَنْجدها ، سَامٍ لمعاليها ، إني أعلم يقيناً انكَ من مناجيبَ الرجال ذي نباهةٍ ونجابةٍ ، فاضلٌ على أترابكَ ، ونباتُك حسناً ، لكن اعلم حقاً أن الشّعر لا يأتي إلا من جودة شاعرية خلاّقة ..! [/FONT]</span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]سمعتُ دربكة وطرق خُطواتٍ ، انظر في النّخلة التي توسطتْ طريقٌ مُؤدياً إلى قريتنا الصغيرة وهي تتمايل كأنها تلهب على وجهي ، تُخفّف حرارة الغضب المُتصاعدة إلى قمّة راسي .. أَمْعن النظر جيداً ، أُشخّصها ، أتفحّص النّحْلة وهي ترقص على شجرةٍ قُدّام بيتنا ، تتقافز على بتلات زهرتها.. كأنّها تُمنّيني بأكلةٍ شهيّة ، وتُؤكد بِرَقْصها وتقافزها على بِتْلة زهرتها بأنْ لا أعجل ، وكأني أحادثها .. أرغمَ كُل هذه العقبات الكَأْداء تُريديني </span></span><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]أنْ [/FONT][FONT=&quot]لا أَعْجل ، فإنْ لم أعجل اليومَ فمتى أتعجّل وتأخذني السرعة إلى حقّي .؟ من سوف يستعجلني ويستحثّني إلى عُجالة تُرضيني .؟ متى سَيُرفرف جناحيّ فوق عَقباتها .؟! بكيتُ حين خنقتني الدّْمعة وخرجت كَأْدَاءْ ، في ضيقٍ وغيض ، عَبّ صَدري بتنفس عميقٍ ، أخرجتُ زفرتها مرة واحدة . ثم صمتُّ ولم أُكمّل .. وكأنّ ذاك الصوت يؤكد لي ، إنْ كُنت تُريد عاجلةَ أمرك عجّلنا لك فيها كيف تشاء وتُريد .. كانت سرعة الصوت كطوقٌ يخترق مَسمعي ، تنتفض طبلة أذني وتتمزق غشاء باطنها ، حككتُ عُثنونَ شُعيراتٍ نبتتْ تحت ذقني ، تلك عادة حفظتها مُنذ صِغري ، قِيْلَ عنها ، أنها كإشارة مُوحية إلى تعثّر حظّي .. شيء في داخلي يستحثّني لأندفع بقولٍ غير مُكترثٍ لعواقبه ، سأُلقيه على عواهنه ولو بأُسلوبٍ مُبالغ فيه ..! أحسستُ بقلبي يتقلّص ، تمتمتُ بتسبيح حفظتُ بعض عباراته عن ظهْر قلب ، دعك<span style="color: Indigo">تُ بأصابعي مِسْباحٌ فتحركتا فُرضتا أصبعي وأنا أَدْعك حَبّات المَسْبحة بين السبّابة والإبهام ، وتمتمت بصوتٍ لا تسمعه إلا نفسي .. إنّهُم تَناثَوْا بينهم وأشاعوا أخبارهم ، أنْ لا قِيمة لنا وما صَلْفَ مُطالباتنا إلاّ كنُثار بقبقةٍ لا وَزْنَ لها غير نثْوَ سَوالفَ نبثّها بلا قِيْمةَ ولا مَعْنى ، أشبهَ بشجرة لا لِحَاء على قِشْرتها ..! كانَ هذا ذِكْرىَ من ماضٍ قاسٍ ، ت</span>وقفت بُرهة .. ذهب الصوت ثمّ اختفى كُلّياً وبَقِيت لوحدي .. أتفكّر في كُل شيء ، يمر شريط ذكرياته أمام عيني ، بوضوح لا يقبل إنكاره .. عندها بدت قناعتي بالاستسلام إلى إيمانٍ يدفعني إلى تغيير سُلوكٍ وطنيٍ لا يحمل عدائية .. بدت خطوات الانتقال الجديد تتعثّر ، ثُمّ تتلاشى ، تُمزقني جِرَاحات الغصصَ المكلوم ، وبدا غُموض يسكنني . أتساءل ، إلى هذا الحَد تقفَ مصاعب الحياة نداً ، تُظهر كراهيتها على عائلتي .. بقيتُ واجماً أستعجمَ ما خَفيَ واسْتَبْهم عليّ .. مكلوماً بجراحات تُمزّق آثار وطنيّة سنين الاعتزاز المكاني والاعتداد بالنفس .. تلكم السنون رغْم حَمْلها شقاوة أيام مُرّة ، ذَكَرها لي أبي مرات كثيرةٍ وأنا ما زُلت صغيراً ، غضاً ، نظراً ، أمسك بعَجْوة التّمر ، أعصرها في راحة يدي ، ثُمّ ألْقيها في فمي ، مخافة أن يراها أبي ، فينتهرني ، لان أبي كان يُؤدّبني حتى في طريقة جلسة الأكل وآدابها ، تلك هيَ بعضاً من مناقبَ قِيم التأدّب يوم ذاك ، إذْ كانت تُعتبر من قوامة الصّبي ، ومُفردة رُجولية مُرتّبة على طريقة تربية أُسرية تُحافظ على مكانتها في بيئتها المكانية ، لا شيء أكثر مِمّا يُعرف في اعتداد التربية إلا أدب الصبيّ ، فينشأ على اعتدال واستقامة كما يتساوى الليل والنهار .. فإنْ وجد سواد ليالٍ دهمتْ أحدهم قامَ واستنفر ولا يدع حِمْله إلا وقد انزاح ما كان من ظُلْمةٍ على غير<span style="color: Indigo">ه ، وإن وجد نهاراً يسطع في بيئة ما ، حَمَد وشكر وهنّأ غيره عليها ، إلا أن الجراحات بدتْ في تزايدٍ كُلّما تشاكَل الناس في تعدٍّ ملحوظ على مُقدّراتهم ، أخفاها أعداؤهم المُتربّصين بغيض وحقد بغيضٍ منذ زمنٍ بعيد يتلونه وتلهج ألسنتهم بحروفها ، لكنهم يؤكدون بفذلكة إنشا</span>ءات التعابير الورقيّة ، قلّ فِعْلها وكثُر دسّها قريباً وبعيداً ، وصار الرجال هُم أعداء الرجال بأنفسهم ، فتداخلتْ عداوة بعضهم في حِقْد غيرهم ، فهشّمتهم ومزّقتهم تمزيقاً .. ومنْ يومئذٍ وأبي يُحمّلني أثقالها إلى أيامئذ وأنا أحمل أثقال وِزْر الهَمّ والغصص حتّى قضّتْ مَضْجعي ، أثقلتني سِنينها وأيامها ، ساعاتها ودقائقها ، بكل ما تحمله من وزْر استثنائي لهذه العائلة المَكلومة بغصص الذلّ والمَهانة .. المقرونة بطرّفات بيئتها المكانية المُقرفة ، وتُرّهات شراهة حقارة الزمن البائس ، وحدنا من استثنى قاعدة التوافق مع خط الزمن الحسنَ ، ذاك المتاع الزائف الذي يعيشه الآخرين ويتلذذون بمذاقه ..! وقفتُ وقفة مُتشائمٍ يائسٍ وقد صُعقت بذكريات مَشئومة تطوف كُلّ حينٍ علىَ مُخيلتي ، وَقْعُها كالصاعقة على نفسي الضعيفة .. ضللتُ أبحث في فَهْمها ، عن وميضٍ أمل ، عن مَخرجٍ يَلوح لي ولو من بعيد ، ولا يلوح .. تبتعد الأُمنيات الحالمة بلياليها العِجَاف ، وتمتص نهاراتها ببياض لا ينقش على جُدرانها بقاءً .. غير هذا البقاء الذي أنا عليه من الأماني العِجاف ، أماني من بدايتها حقيرة ، ذات شُؤمٌ ، فظّةٌ ، غليظة ، أسقمتني ، وأثقلتني ، حتى صار حالي استثنائي بعربانةٍ لا أجدُ غيرها .. تهزّني الأماني السّقيمة<span style="color: Indigo"> ، وترتجف ذكرياتي ، تتساقط دقائق أيامَ انتظاري .. وأحلامي تتهشّم ، تتلاشى أمانيها ، تبدّدت مآربها الَمرْجوّة ، حينَ دوتْ صَواعقها المَرْعوبة بذكريات منحوسة ، أقرفتني طُوال سُنون الانتظار المَشحون بز</span>خمٍ لم تَعْتد به .. رغم ان شَعري الأبيض ، ينتشر في أماكن شتّى مُظلمة ، خفيتْ عن كثير واندسّتْ عن كل عين إلا عن عيني .. أخفيته كصمتي ، فاستحضرت التأزّم التالي .. ما بال ذلك الشّيب يشتعل برأسي كأنه عازم على قهري ، أيريد قَتْلني أم بيّت نيّته ليقتل كُل ذرّة طَيّبةٍ من جمالي الآدمي ، ذلكم الجمال الذي أكرمني به ربي ، ليزعزعَ كُل علاقة مُتصلة بي ، فلا أجد تناغماً يكفل لي عطاءً غير مجذوذ ، إلا حَنْق الشيب الذي يُطوقني ، أتراهُ يَحسبني متاعاً في السوق ، أم انتهتْ صلاحية علاقة سَواده بي ..؟! أماَ آنَ الأوان لتبيضه أم أنّ اشتعال الشّيْب في رأسي من ثبات الوتدِ على شعُيراتي غير الشائبة وهل هذا هو عزْمٍ أكيدٍ من بقايا نغصٍ قُدّرتْ لعائلتي .؟ فكيف ألحقُ بها وهيَ لا تجدَ ما يُمنّيها .؟ وهل الشّيْب المُشتعل به رأسي يُبْعدها عن عزيمتها الجادّة ، فتحنثْ عن قسمَها الذي أمدّته بيمينها لِتُعاهدني عليه حتى الساعة الأكيدة .. بعيداً عن عزاء الشيب الذي تغلغلَ في شُعيرات إبْطي ببياضٍ يُلاحقني ، قبل أن يَقطع عَسَبُه ويشقّ عليّ النّسْل فلا تنال شيء من مُبتغاها ، كما تُمنيها أنوثتها وحيث تمنّيات كُل اُنثى .. تلكم الأماني غير منزوعة الألفة ببياض شعرٍ يأكلني بسُحنته المُكتظة بسوادٍ حيّ قبل بِضْع سِنين .. وتساءلتُ : أهيَ بادية على فِعلٍ ما .. إذا ولّتْ صلاحيتي ـ ولو كان اعتقاداً ـ ؟ ألا يحق لها أن تهنأ بما تُمنّيه لنفسها من حياةٍ أُمَتّعها بها وإن بانَ لها ظاهرٍ بيا<span style="color: Indigo">ضٍ في رأسي .. ضحكتُ وأنا أحدث نفسي .. بياض الشّيْب غِطاء طبيعي خيرٌ من غطاءٍ قائمٍ بسوادٍ قابلٍ للزوال ، وكذا هو الحال إذا ما اقْتُلعت نَبْتة بياض الشيْب من جذورها ، ألا ترينه ، فيه شيء من فلتاتٍ مُعيبة..؟ أغمضتُ عيني ، سقطتْ دمعة .. وَتَلَوْت حُروف كتبتها </span>بيدي وخَطّها قلمي .. أيحقّ لتلك الأنثى أن تُمْلي شُروطها إلى مودّة تسكنها ، كأنْ يخلو هذا الشيب الذي اكتظّ بشراسته على كل أنحاء جسمي الظاهرة والخفيّة ، فأفقدتني شرعية مُبتغاها .. أيحقّ لها أن تدّعي بفضاءٍ لا أمَنّيها بها .؟ ألا تخلو هذه الأمنيات من التّعقل ..؟! لوحت راسي أسفاً ، ما أَعْجَلكِ من أنثى ..؟ نظرتُ إلى شُعيرات صدري ، شنّكتُ حاجبي ، فخارتْ كلماتي وانكفأتُ على حالي وهتفتُ بصوتٍ واهٍ .. هل الشّعيرات الشائبة سبباً رئيساً لانتهاء صلاحية فُحولتي .؟ ما ذنبي إن أكلني الشّيب في غير موعده الذهبي ..؟! وهل تُعاقبني مودّتها قبل أن تسكن إليها نفسي ..؟ أليس كُل نفس رطبةٍ راغبة إلى شيء يَسْكنها.. !؟[/FONT][FONT=&quot][/FONT]</span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]كان ذلك الهذيان عبارة عن صخْب عالٍ جداً ، زادته قسوة الأيام مرارةً حتى صار مَثار حديثٍ يختلج إلى ذاتي ، تنشره عبر مونولوج بَرْمَجتها اللوغورتمية يوم انهجستُ عن أمرها وارتددتُ عن فَهْمها ، نظراً لما لأيامئذٍ من شدائد ومِحَنٍ ، وودتُ لو لمْ يَخْتمر عجينها إلى الأبد ، فَصَخْبها عارمٍ دفينٍ في نفسي ، وكثيراً ما تختلط أصواتها بلا هَجْعةٍ أُمَنّي بها نفسي وحين ألوذ إلى هَجْعِها تخدعني فأستسلم إلى نهار مليء بصخب عالٍ يدق ناقوس خطره في نفسي ، ورغم ذلك فأنا استمسك بِعُروة الأمل ليكون موثقَ ليلها أقرب وأقرب .. بهكذا أملٍ وهاجسٍ غير بعيد ، بدوتُ كمتشائم ومتفائل في بِضْع هفواتٍ قاتمة ولحظاتٍ سعيدة مدفوعة بأملٍ دافئٍ أو شُؤمٍ بائس .. كُل ذلك يحدث ، حين أَفْقُد هدوء رُجولتي في ليلي البغيض ، بهكذا مُعالجة فظّة ولذيذة ، أحاول اجمع بَعْضي إلى بَعْضه ..! وأعيد مُحاولتها ، فأتناغم مع مُختلفها ، ألمس في لمْحةٍ ملامح شَبقها - حيناً - أو اختلس نظرةٍ غِرّةٍ في حين آخر <span style="color: Indigo">، أنشدَ ضِلّ حياةٍ مَسْكونة بهاجس الوُد والسّكن المُطمئن ..!؟ حديث مكتوم في داخلي لم أُفْضي به إلى غيري .. ليبقىَ سُؤالي قائماً ، تُرى كيف انزرعَ بياض الشّيْب في رأسي وإبْطي وأنا ما زلتُ غِراً ، لم أتجاو</span>ز الثلاثين من حياتي التعيسة .؟ نكّستُ رأسي ، وإذا بصدري يشتعل بياضاً ، فاهتزّ جسدي خوفاً .. قلقتُ كثيراً وترددت بتصويب نظرتي مرة أخرى .. كي لا ازداد خوفاً أو سُوءاً فتتبدّل حياتي إلى أكثر تعاسة من ذي قبل .! وذهبتُ إلى حيث أيام أمي التي لم تألو جُهداً أو تعبٍ أو خِدْمة إلا وفَعَلتها لتبقى كرامتنا محفوظة ، ولكنّ العُمر تقدّم بها ، كأنه يَرقبها ، يتلصّص عليها ، كيْ تبقى التعاسة بوابة الشُّؤْمٍ التي نَكْرهُها .. أتذكّر بقوة ساعة قِيَامها بالبحث عن مأوى لنا يَحمينا من برد شتاء قارس ، فنعيش كباقي الوجوه الآدمية .. تمرّ السنين طويلة ومُتهالكة ، تتقلّبُ بأوجاعها ومَصائبها العصيّة ، استبدلتْ أُمي بيتنا ذات العِمارة الطينية المُتشرذمة ، كأسنان ذاك العجوزٍ الذي كان يجلس كل صباح ومساء قُدّام بيتنا ، فنتقاسم معه الطعام والشراب .. وحين كبرتُ وصِرْت شاباً يُعْتد به ، علمتُ انه أبي .. فقدَ ذاكرته أثر صَدمته بقيام جرّافة كبيرة ، هشّمت بيته الذي ضمِنَ أنه أماناً على حياتنا ، بحجة المصلحة الوطنيّة .. </span></span><span style="font-size: 22px"><span style="color: navy">[FONT=&quot]لكن أبي وكما تروي أمي : رفض عبدالله كل الحُجج رفضاً قاطعاً وأبىَ النزول إلى رأي الذين حاجّوه بإقامة مشروعهم [/FONT]</span><span style="color: darkgreen">[FONT=&quot]،[/FONT]</span><span style="color: black">[FONT=&quot] مُؤكدين عزْمهم على تنازلهِ إجبارياً إن لم يكن اختيارياً ، فما يقومون به هو من اجل المصلحة الوطنية فقط .. ولكنّ أباك تمسّك برأيه واعتبرها حُجّةً باهتة ، وامتنع بقوة عن تنازله ولو بمقدار فرضة أصْبع ، مُتحدّياً الجرّافات التي تسحق كل شيء حتى لو حوّلته إلى فضاء خالٍ من أي نبتة على الرمال ..! كان إصراره قوياً هو والذين معه ، إذْ كانتْ وقفتهم تلك ، شكّلتْ مُنعطفاً خطيراً حين وجدوا عزم الرجال مُؤكّدين على التحدّي الكبير ، وكان ابوك يومذاك في مقدمة الرجال يهتف بأعلى صوت ، لا .. للمشروع .. فليسقط القائمون عليه ..!! وعلى أثر ذلك التحدّي أُصيب أباكَ بنوبةٍ ضغطٍ عالية وأزمةٍ نفسية عارمة ، اهتزّ لها جسده وارتعش ارتعاشةٍ بغيضةٍ كانتْ شديدة على جسده الضعيف .. فأخذ يتفوّه كما لو كان قد فَقَدَ عزمه وثباته ، فصاح قبل أنْ تُغيّبه فُجَاءة هذا التحدّي إلى حيث كانْ ..! " لنْ نسمح لأحدٍ أياً كانْ ، بِمُصادرة مَراعينا ومحوَ أمكنتنا وتفتيت بُنيتها ، فتكون كأنّها لمْ تكنْ من قبْل ، ولن نرضى بطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق آبائنا قهراً وإذلالاً ، وإقصاء أحفادنا بعيداً ، كيْ لا يَعْلموا شيئاً بعد أنْ عَلِمْنا كُلّ شيء.!! توقف بُرهة ثم واصل " لنْ نقبلَ بحُجج واهية ، فجّة كهذه ، إنّها حُججٍ أقربَ بهاتةً إلى عُش الغُراب ..![/FONT]</span>[FONT=&quot] "[/FONT]<span style="color: black">[FONT=&quot] [/FONT]</span>[FONT=&quot]قالتْ عمّتي خديجة التي تكبُر أبي سناً ، وكان تجلس بقرب أمي تحتسي القهوة وفي يدها شيء من تمرةٍ عالجتها بيدها حتى اصفرّت ، تفركها مرة ، وتدعكها مرة أخرى ، تُقلّبها بين أصابعها الثلاثة الإبهام والسبّابة والخُنصر ، وحينَ نهضتْ أمي من جلستها وكأنّها تفسح مجالاً أكبر لعمّتي خديجة لترسّخ في ذهني علاقة أبي برفضه المشروع على غير ما أشيع عنه ، وخاصة بعد نوبته تلك التي لم تُفلته إلى أن وُرِيَ جسده الثّرى وصار نَسْياً مَنْسياً ، انه كان يُحب الظهور من باب " خالفْ تُعرف " .[/FONT]</span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot] أحنتْ عمّتي رأسه<span style="color: Indigo">ا هامسة ، وقد شدّتني من كتفي ، إفْهم أمك جيداً ، فقد آثرت كُل شيء من أجلك ولم تَبخل ، بذلتْ كُلّ غالٍ ونفيس لتبقى .. كانتْ تدعو لك أن يَجعلك الله في نِعْمة وفَضلٍ وفي مَسرّة الحال وعفّة النّفس وفي عِلْمٍ ومَعرفةٍ مُتواصلة غير مُنقطعة ، يكفيكَ دُعاءها قبل ان تُقَدّم لك الحياة وتُهديك إياها ، استرخصتْ رُوحها وسُكونها ، كما لو كان ذلك تقعيداً من أيامها الباقية .. ولهذا السبب خُذ بنصيحتي ولا تَعْجل ، فإياك وتجعل عينيها تلتقي في عينيك ، فإن التقتا ، فاخفضْهما حالاً ، ولا تَهْجس أمامها ، كُن مُستمعاً ومُنْصتاً .. نظرتُ إلى</span> عمتي خديجة التي لا تزال تحتفظ بجمالها الفِطْري رغم تقدّمها في السن ، وأنا اُشنّك حاجبيْ وزوايا شفتيّ ترصّ على بعضها .. وبصوت خافضٍ على غير عادة صَوتي الجهوري :</span></span><span style="font-size: 22px"><span style="color: black">[FONT=&quot][/FONT]</span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]- طيب كلميني عن أبي والمال والجرافات والبساتين الجميلة وأهل القرية ، وأسباب تحدّيهم ورفض أبي القاطع إلى الحالة التي انتابته يومئذٍ وما قيل عنه .. ؟! ابتسمتْ ، غمغمت بكلمات لا افهمها .. قطّبتْ وعبستْ ، زوتْ عينيها كأنها انقبضتْ ، سقطتْ دمعة فأخفتها .. أحسستُ بإشفاقٍ فُجائي ناحيتها ، لا اعرف سببه ، لكنها طَمْأنتني ، لا تقلق ، أمر أباكَ ذهب وأمرك آتٍ .. لا تسمع لقولهم ، فأمّك يوم ذاك وحين كانت على أشدّها كانتْ تُحب النساء مُجالستها ومُحادثتها ، لم يُنسب إليها شيء مِمّا سمعت ، وأنا أُوصيكَ ، لا تكن كـ الزّاغْ ، وجهه اسود مُغْبَرّ وبقيّة جسمه مُتلوّن ببياض .. تذكرت هُنا بياض الشّيب في صدري وإبطي وبقية جسدي .. سألتها ما الزّاغ يا عمتي ، ضحكتْ ، الزّاغ ـ يا أحمد ـ غُرابُ كثيرٌ ما يأتي على زراعتنا ويتلف شيء من ثمرتها ، وانفرجت ابتسامتها ، إنْ لم يكن يُخرّب أحسنها ..! بعضهم يُؤكد انه طائرٌ حاسد .. لكن أباك قال ، انه طائر مُهاجر ، لا يستوطن بُلداننا في اغلب الظنّ ، سكتتْ ثمّ أردفت ، ما يَهَمّني هُنا ، هو أن تكون قريباً من أمّك ، أُمّك كانتْ أولّ من واستْ أبيك بِنَهْنِهةَ دمعةٍ سقطتْ من مُقلتيها ، فأنشأتْ بدمعتها مكانةً في قلبها لأبيك . أُمّك أخفتْها عن عين أبيك حتى مات ولكنّي لم استطع أنْ أُخفيها عنك ، إنها الأمانة يا ـ أحمد ـ داعبتني بوضع راحة يدها وأدخلتها في بطن يدي ، ضغطتْ على أصابعي فأحدثت فرقعة ، حَوّلتُ ناظري صَوْبها وابتسمت بوُدٍّ عائلي .. ثم أكملتْ ، كان أباكَ مُذْ صِغرهِ دقيق المُلاحظة ، شديد الحَدس ، حادّ النظْرة .. وكانت أُمّك كتوأم روحيّ له ، فَهِما بعضهما ، كأنّما ولدتهما أماً واحدة .. إذْ كانَ هو بطبيعته العاطفية يميل إليها ويجنح بودّه لها ويُرغبها ، وهيَ بحبها تعشقه وتتغنّى به ، كطائر يُحلّق بجناحيه غير مَهيض، ي</span></span><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]ُ[/FONT][FONT=&quot]رفرف بسعادة ، لم يُكدرهما شيء منذ أن تزوجا ، ولم يَنجبا غيرك في الحياة .. أنت يا أحمد وحيدهما ، لو كُنت تعلم يوم ذاك لعرفتَ كيفَ أخذتْ تُسلّيه تعزّياً ..[/FONT][FONT=&quot]؟ كانت[/FONT][FONT=&quot] نظراتهما تُؤكد عزمها على المُضي قُدماً مهما عظمَ الامر وغلظ ، لنْ يصيرا اضداد بعض لا في فكرتهما ولا في توجّهاتهما ، يجتمعا على نبْضٍ واحدٍ، أتذكّر يوم قبض عبدالله بيد أمّك عزّة وقال وهو في أمر واقعته العصيبة ، ونبضات قلبه آخذة إلى الهبوط ، إن أردتّ إسعافي فاجعليني قُدّام تلك الجرّافات .. بكت عمّتي خديجة .. وأردفتْ ، كانت يومها مُفردة الجرّافات لا تَسْعفها غير اللحظات القاسية .؟ لحظات اضطرّتنا جميعاً إلى ما هو اشدّ قسوة وأَلجْأتنا إلى أن نقف وقفةَ الضّرير الاحوج ، ويا للأسف لحقَ بنا أذاها ومكروهها .. يوم أنْ ضرسَ الزّمن واشتدّ علينا الخطْبَ بقوّة ضَراسته وبأسَ شَراسته .؟! و<span style="color: Indigo"> كان شأن أمك وحالها ساعتئذٍ حرنةً مأخوذة بتدافع الجرّافات التي تُهشّم البيت والبُستان ذي الثمار النّظرة ، وحُجتهم المأفونة انه اُقيم في وقتٍ كانتْ أعين المصلحة الوطنية نائمة وها هي الآن قد استيقظتْ ورأت ما لم تره عين ولكنه خطرَ على قلب القائمون على المشروع .. ومن لحظتها تبدّلتْ أحوال أخي عبدالله ، ولم يستطع توقيف العمل القائم على تهشيم بيته وتمنى ما لم يتمنّاه أحدٌ في نفسه .. تمنى لو يأتيه الموت قبل ان يرى هذه القسوة والتسلّط الوقح ، إذا لا إنسانية يُخشى عليها من قوة سُلطوية تذلّ من ترتبط بهم مكانياً وتراهُم لا يستحقون حتى الاهتمام ، فالنملة عند سليمان الحكيم كان لها مكانة فأعطته عزماً وقوة ، وحُسن تدبير .. ولكنّ المسئولين يرون تهشيم بيت عبدالله ، لأنه ليس صَرحاً مُمَرّداً ولا بئر بترول ، ولا خزائن تحته ولا كنوز فوقه ، غير بُستانٍ يأكل منه ، وزريبة غنم يعتاش عليها وبيتٌ يضمّه هو وأهله ، فهل</span>[/FONT]<span style="color: Indigo">[FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أيحقّ له الوقوف أمام[/FONT]</span>[FONT=&quot]<span style="color: Indigo"> قوة المصالح الوطنية .. سقطت دمعة عمتي خديجة ، وهي تسرد حديثها ، سق</span>ط بيت عبدالله أمام مرأى الأعين حُطاماً ، إذْ كان في نظر القائمون على المصلحة الوطنية ، أنه بيت أقيم بطريقة لم تكن مُستقيمة يومذاك غير قانونية رغم شرعيتها الدينية ، فالبيت قد مرت عليه أكثر من عقدين من الزمن ، ولكنها اليوم أضحت ممتلكات خارجة عن القانون ، لا وجه حق في قيامها من وجهة نظر المصلحة الوطنية ، ولم يكتفوا بإزالة البيت والبستان ومزرعة صغيرة اتخذها أبوك زريبة للأغنام ، فقد أصدرتْ الجهات المعنية أمراً مُلزماً لجميع ساكني هذه القرية الضارب أطنابها في أعماق الزمن الغابرة ، بتوقيف وسجن كل من يلحق الأذى أو يُعطّل عاملي المصلحة الوطنية حتى ولو كان بحجة شرعية ، فلا شيء فوق القانون .!! والحقوق مكفولة بعد التنفيذ .. يكفلها القانون فقط لا غير ..!! لكن أخي عارض هذا الرأي ومعه رجالٌ ، قاموا معه ، وظنوا أن إخراجهم من ديارهم مذلّة لهم ، وفي الأثر " من يمت دون ماله أو عِرْضه فهو شهيد .." وأبوك يا أحمد شهيداً في الجنة ، لأنه حضيَ بالاثنين معاً ومات دونهما ..!! فضلاً عن أنّ الجراّفات دأبتْ على ترويع وإزعاج مواطني هذه الوطنية المُهشمة بقوةٍ ل<span style="color: Indigo">ا غالبَ لها غير القوة الشرعية التي يتمسّك بها الرجال ويعتدّون بها .. وقفتْ عمتي ، وشرعتْ كالخطيب بين المصلين .. لو كان ربّي يأخذهم على أخطائهم لما بقيَ أحد منهم في الحال ولَفِنيَ الناس ولم يبقى احد على البسيطة ولكن يُؤخّر ذلك عنده في كتاب ، لتُجزى كُلّ نفسٍ بما عملت ويُقضى بين المُتخاصمين ، يوم ذاك يوماً أغرّ لا قوة ولا سُلطة أقوى من الحق المُبين ، يوم ينظرون فيما قالوا وما عملوا وما كانوا يفعلون ، اليومَ فقط تقول النّفس الأمارة بالسُّوء ، ربي ارجعون ، أعمل صالحاً ، وأغيّر نظرتي ، لعلّي أكون راشدة لنفسي وصالحة لغيري </span>، ولكن القوة الصادحة في هذا اليوم ، لا ظُلْم اليوم ، فأين هُم المُعْتبرون حقاً .. !! بكتْ عمتي ، وغمغمت ..ثم أردفتْ : أنهم يظنون بفعْلهم أنّهم يُجانبون الصّواب ويُحسنون صُنْعاً ، لكن هيْت لهم ، فإزعاج المَغْلوب على أمره وتهشيم جُدران بيته وسحق بُستانه بالجرّافات ليستْ من الحَصافة الإنسانية وليستْ من القِيم الوطنية والمُثَلِ المُتوارثة .. كان أباكَ لا يَرتدّ عن قول الحق ، تُنازعه نفسه إنْ لم يَقُلْها علناً يقول الحقيقة ولو على نفسه ، هكذا عهدناهُ مذ صِغره ، لا يخشى لَوْمة لائم ، تفزّ الكلمات من فمه عامرة بالإيمان ، لكنه للأسف لم يُتمّهُنّ .. لم يستطع ولم يَقْدر ، كأنما أمرٌ كمّمَ فاهُ ، لثغ لسانه وتثاقل .. ارتجفتْ شفتاه ، واهتزت أطرافها . قلتُ لعمتي وأنا إلى جانبها وقد ارتصّ ثوبها التقليدي بجسدها ، ثم تابعتْ تُكْمل حديثها .. كان عبدالله .. فقاطعتها ، نعم يا عمّتي أتذكر ذاك الموقف جيداً .. دمدمتْ عمتي برأسها إلى صَدْرها واغرورقتْ عينيها بالدمع ، ماءً ينسكب من حُجر مُقلتيها ، بلّل ثوبها البلدي الأنيق بزركشته الجميلة ، التي قلّ أنْ تجد مثله زيّاً نسوياً فضفاضاً ، حافظتْ عليه المرأة في حارتنا الكبيرة .. أغمضتُ عيني فكأنّي أراهُ حاضراً غير غائب .. تابعتُ بدقة تفاصيل انقطاعه عن البُكاء ، ثمّ غَمْغم كأنما شيء يَنْفجر في داخله ، ينشطر .. يتقطّع فلم تعُدْ أحبال صَوته فاعلة ولم تكنْ دَمْعته حاضرة ، توقف فجأة .. شخصتْ عينيه وقد صَوّبها تجاه الحقْل والجدار ثم وَ<span style="color: Indigo">مَضتْ عينه إلى أمي .. ساعتئذٍ قد اصفرّ وجهه وتجمّد جسده .. صاحتْ أمي بغضبْ .. وشفتاها تتشنّجان وغدا وجهها احمر .. أحسّت أُمّي بإشفاقٍ فُجائي ، إشفاقٌ غير مُبين ، لم تُظهره لغيره من قبْل هذه الحالة المُريبة التي أزعجتها .. بَهَتتْ وحَمْلقتْ ، ثم وضعتْ يدها فوق عينيه وأرْخَتْهُما إلى تحت ، فَأَغْمَضْتهما بيدها ، كأنها تمسح عليها مَسْحة أخيرة ، مَسْحةً بقتْ ذِكْراها تحمل قيَم الوُدّ ودفء السّكن وحُس</span>ن العِشْرة ، مُتنسّمةً بالفضْل والإحسان والمعروف الذي لا يُنسى أبداً .. حملتْ شيئاً ثقيلاً وألْقتهُ على جسده ، فكان غطاءً سميكًا ، سحبته من علياء رأسه حتى أخمص قدميه وكتمتْ غيضاً . تنفست وسحبت هواءً عميقاً ، كأنما آلة كهربائية تشفط شيء بقوتها .! وعلى أثر هذه الكلمات ، انسحبتْ عمتي ، وأخذت تسير بخطوات ثقيلة ، إلى خارج دارنا ، كمن يُجرّ إلى حتْف اُنْفه ..! أرقب ثوبها وقد تبلّل لحافها واختلطت دُموعها بِمُخاطها .![/FONT]</span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]بعد سبع ليالٍ وعشيّة جلستْ أمي بقربي ، وأخذتْ تحكي مناقبَ أبي ، تُحرّضني على البَقاء على نهجه القويم والسّيْر المُسْتمد من أخلاقه وقِيَمه ، وأنْ لا استسلمْ لأحدٍ كانَ من كانْ أو من يكونْ هُو ..؟ وإن مُتّ دونها .. فالحياة مكتوبة وكذا الموت لا احد يزيد فيه .. كل شيء عند الخالق مُقدّ<span style="color: Indigo">ر ومكتوب .. وبهدهدة أُم ، إعلمْ يا ـ بُنيّ ـ لا تُنْزع الرُّوح إلا بِعِلْمه ، يَعْلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور .. حتى الورقة التي تسقط من الشجر يَعْلمها ، كل شيء مَعْلوم ، لا يَخفى عليه أمر وإنْ بلغْ .. ! فإياك ثُمّ إياك ، أن تكونَ أقل قِيَمة أو أرخص ثمناً من قيمته ومَعانيه الثمينة ومَبْلغ فهم أخلاقه .. فأباك عاشَ برجولته حيّاً وماتَ عليها .. بَكي</span>تُ بحرقة ، ارتميتُ في أحضانها .. شعرتُ بقشعريرة ، ثم وَخْزةٍ تَسري في جسدي ، حقدتُّ على القائمين على هذه الوطنية ، وعلى أؤلئك الذين يسترخصون أموال الناس ، هواناً عليهم ، ذُلاً وَقَرْفاً .. يترفّعون على غيرهم بقوة مَكانتهم ويَنْسُجون خُيوطاً باهتة ـ كخيوط العنكبوت أو هي أشدّ ضَعْفاً ـ ومن وقفَ في وجههم أذلّوه وأهانوه وحقّروه .. كما فعلوا بأبي .. أقسمتُ في داخلي ، ثم جهرتُ به لتعلمَ أمي يقيناً : </span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]- أُقْسم يا أمي ، أني سأنتقم لروح أبي .. سأنتقم من تلك الأنفس التي تستحقرني وتَسْتضعف غيري من الناس . ولكن ألا تُخبريني القصة بكل تفاصيلها الدقيقة ، كيْ تبقى مُختزلة في ذاكرتي .! قبّلتي أمي بين جبيني ، وراحت تسرد حكاية أبي :</span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> </span></span><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px">[FONT=&quot]- عاش أبوك طوال حياته عزيزاً كريماً ، حتى جاء اليومَ الذي كان هو ومن معهُ على ذُلٍ ومهانةٍ وهَوان وطنيّة كحال غيره من البُؤساء والمُستضعفين والمُسْتق<span style="color: Indigo">صدين كما هو الحال في حكاية أبيك هذه .. فعزّتْ عليه أن يُفارقها أو يَهْرب منها ، لتبقى هذه الحكاية المَريرة شاهدةً على رُجولته وعزّة نفسه ، يومذاكَ كُنت صغيراً ، ولمْ تَعيَ كثيراً منها .. سكتتْ و</span>هي تَغْرز عينيها في عيني .. ظلّ بيتنا ومزرعتنا بحقلها الصغير الذي نقتات من أزهاره وثمار مزروعاته خيراً كثيراً .. كما استفاد منه مُجتمعَ هذه القرية المُتسامح أهلها ، حتى جيراننا كان لهم نصيبٌ وافر منه ، حين يكون لديهم خصْب من الزّرع أو مَحْلٌ من الماء ، إذْ كان أبوك طيباً قانعاً ، لا يدّخر شيئاً كثيراً لنفسه إذا ما عَلمَ أن هناك من يحتاجه أو من هُو أحوج منه .. إلى أن جاء ذاك اليوم المشئوم ، فلمْ تطول ليالي ونهار المُهلة غير أيامٍ معدودة .. حتى ابتدأتْ طاحونة العذابِ بكلّ ما تحمله من أسىً وأذىً نفسي ، من خلال ثقافة الحِرْمان ومصالح اللّقْمة الوطنية التي سَرعان ما أودتْ بِقَهر ثقافة الأمان والعيش الاجتماعي بما تحمله من قيمٍ ومَعارف كُنّا عليها مُلتزمون بأخلاقياتها ، ولكنّ اللّقْمة الوطنية تطلعتْ إلى أبعد من ذلك ، فأخذتْ تقتلع المزروعات ، فطار صوابك ومن معه من الرجال وتوثّب كفأر مذعور ، ماذا يفعل .؟ وكيف يتصرف .؟ أمام طيّات المزروعات التي أخذتها الجرّافات وطيّتها طياً كما تُطْوى قراطيساً لا مَنفعة منها ولا صلاح .. ويوم ذاك كانت صرخة أبيك مَدْويّة .. أمَا آنَ لهذا الليل الغاشمْ أن يَنْجلي ..!! ثُمّ أخذ يجرّ قدميه ووقف بصلابة أمام حلْق الجراّفة غير عابئ ولا خائف ، وقدّم رُوحه قُرباناً لذكرى لن تموت .. ذكرى الذلّ والمهانة والاحتقار .. ذكرى تأريخ اللّقمة الوطنية البخْسة .!؟ لكنّ قدمَ بعض الرجال خارتْه ، فربما شعرتْ بأن لا فائدة لوقفتها ، لكن عبدالله كان ذا عزْمٍ وجَلَدٍ وقُوة وشَكيمة لا تَلِيْن ،<span style="color: Indigo"> فقد أبرّ بقَسَمه .. لمْ يتزحزحَ ولمْ يَقُم من مكانه .. فاستكان بقوة إيمانه ، بأنّ التأريخ لن يخذله .. ويومها قد أوجستُ في نفسي خِيْفةً وأنا انظرُ إليه من باب غرفتي القائمة على أعمدة قوية وجُدرانها مَبْنية بالطوب والجص البلدي غير الموروربَ ، وغير المُحكم إغلاقه كُلّياً .. رفعتُ أنفي لاشتمّ النسيم لئلاّ اختنق ، ظهرتْ صورة جسد عبدالله من فتحة الباب تلك ، ظهرتْ لي صُورته كأنّما جلس القرفصاء بعزّة وشموخ وبيده مَسْبحته يَدْعَكُها بأصابعه ورأسه يتحرّك بالنفْي والرفض ، وأكتافه تُوحي أنها تسبّح بمتمتمات ربّانيه .. وتساءلتُ ، أيكونوا قد لَبَدُو بكمينٍ لعبدالله .؟أحسستُ بقلبي يدق يكاد ينقبض .. وشعرتُ بأنّ نبضات قلب زوجي عبدالله تتقلص عضلاتها ، وتسير إلى دقات بطيئة .. تمنّيتُ أنْ لا يجلس على صخرة تدفّق الماء ، فلتوّها رطبة من اثر السّيْل الذي استمرّ لأيام عِدّة وتبدو زلقةً ، دَبقةً من </span>آثار طحلب الماء .. كان النهار لا يزال باقياً ولم تزل الأشكال واضحة ، مرئية بوضوح أمام الأعين النقيّة بطلعتها البهيّة التي ترى الأشياء جميلة كما ترى الآخرون عليها حق لهم أن يتمتّعوا بجمالها ، ناهيك عن حُكم سُكنى الوُدّ بينهم وارتباطهم بوثيقة قُربى صِلة المكان .. فما أكبره من ارتباط وثيق وما أعظمها من صلةٌ تقربنا إلى ذات الشيء زُلفىً ولو كان صغيراً ، فهو في صُدورنا وقلوبنا كبيراً .. وفي الأثر نقرأ أن رسولنا الكريم نظر إلى مكّة مرة ، وقال قولة تأريخية ، لولاء أنّ اهلكِ أخرجوني منكِ لما خرجت ..!! ، على تلوَ كلماتي تلك ، كانت الشمس تسقط بقرصها إلى أعماق الأرض وفق رُؤيتنا لدوران الأرض ، ونورها الوضاء ، آخذٌ في التلاشي ، وتزداد ظُلْمة المكان سواداً كُلّما بس<span style="color: Indigo">ط الظلام نُفوذه وشدّته على أرجاء المكان .. في هذه اللحظة أخذتُ أُناغي دفئه كطفلي الذي ألاعبه ، الذي سقط بغير حول مني ولا قوة ، عند تلك الصخرة حين اندلقَ مني طفلي قاسم ابن الأربعة </span>شهور ، وانزلق عبر تدحرجه من فوق الصخرة التي جلس عليها الآن أباك ضداً وندّاً ضد أؤلئك الأوغاد الذين تكالبت علينا مصالحهم وصارت وطنيتنا منفعة تتقاذفها المصالح أينما ولّت أو حلّت .. وإلا ماذا تقول في إخراجنا منها بحجة مشروع سياحي .. فنادق وملاعبَ للجولف .. ودُورٌ للسينما ونوادٍ هُم عليها قائمون .. وما أدرانا بعد ذلك هُم فاعلون .؟! نظر أبوك في حينها ، نظرةً قوية وكبيرة ، أحسستُ بوخزها كحرق نار ، تُوشمني بها يدٍ هيَ الأصل عليلة وبِعِلّتها تود أن أكون مَريضةً ، سَقيمة مِثْلها ..!! ساعتها كانت ابتسامة عبدالله ، إبتسامة يسخر بها مني .. إبتسامة يُشمّتُ بها عَقْمي .. من يومذاك المشؤوم .. نظرته تُوحي إلى فراغ الدار .. وهي الوخزة التي تُؤلمني .. فقاسمٌ ، قسمَ بيننا مودّتنا ، وقسَم دارنا ، وشتت حقْلنا ، ليجعله <span style="color: Indigo">ذاهبٌ إلى حيث هو ذاهب .. فقاسم ذهب بروحه إلى سماء ربّه العالية ، وحقّنا المُجحف من أصحاب المشاريع الوطنية سيبقى للتأريخ مآباً وسيسلك طريق الاُنْفة والشموخ ، وسيكتب حروفه بماء الذهب الذي يبقى ولا يزول .؟! سقطة دمعتي، اغرورقتْ مقلت</span>ايَ ، وفاضتْ دمعاً ، وسالتْ كما تسيل الأنهار .. وتخايلتُ وأنا بتخايلي ذاك ، تمنيت وتمنيتُ ، كثيراً ، تمنيتُ ، وأنا أراني وسط سيْل عرمرم ، وكوكبة من نجوم آدمية ، أطفال ، وصبايا .. أُداعبهم وأُلاطفهم ، أحافظ عليهم كما ينبغي ، لا أفعل فِعْلتي الأولى ، كما انزلق قاسم ، فأسرع به الموت ولم يأتي بعده أحداً ، لأبقىَ على عُقمٍ ، قسمَ مودتنا ولو كان ذلك خُفية في الصدور .. بكيتُ من الفرحة وأنا أرى هذا السّيْل يتدفق في نهرٍ غير مقسوم بيني وبين زوجي عبدال<span style="color: Indigo">له ، كلانا يُوزّع ابتساماته لجميع اؤلئك الأطفال .. بكيت من الفرحة الكبيرة التي اعترتني فجأة .. تأثرتُ من حالة العُقم التي انختمتْ بمجيء أختيك التوأم .. وقفت بُرهة ، أتحسس بطني .. انظر في مرآة</span> أمامي ، هززتُ راسي ، أنا الآن كبرتُ .. في الأربعين من سِنين عُمري الذاهب بغير رجعة ، فأيّ مُضغةٍ بَعْدها تتخلّقْ .. لنْ يتخلّقْ آخر بَعْدهما .. وكأني اهزأ على نفسي .. مَن يتمنى تلكم الكوكبة ، يجب أن يكون عُمره أقل بكثير من أربعينية السِنين ..؟! لحظتها كان رجل جميل ، يقف قُبالتي .. لم أتبيّنه اهو عبدالله أم غيره .. لكنّ حدسي لم يذهب بعيداً ، حينَ أيقنتُ انه قريب الشّبه من صُورته الآدمية . واجهني بأسئلة كثيرة .. من يتحدّى رغبة ليستْ له ، فكُلّ رغبة ولّتْ لا تعود ، ونزعة السنين لا يقدِرَ عليها أحدٌ .. فإنْ حيتْ رغبة ماتتْ أخرى ، ومن يموت لا ينشأ إلا بقدرٍ وكلّ مُقدّرٍ له قدر <span style="color: Indigo">ورزق يحمله في كتاب .؟فالنفس لم تَعُد بيدها فِعْل طريق الحياة ولا صُنع البقاء لنفسها ..!؟ تموت وتبقى وِفْقَ طبيعتها .؟ فلعلّ خيرٌ تعلمه النفس ، ثمّ تهجس ظنّاً فيه ، ورُبّ ظنّاً تتوجّس منه النفس فتنقلب على عَقب</span>يْها من شرٍّ قادم ، ولكنّ الخير يكون فيه ..! فكلاهما في غّيبيات ، وأنا أدلّك على صنيعٍ جميلٍ .. إياكِ أنْ تحملي الظنّ القَطْعي أو الجزْم في الشرّ والخير ..؟ </span></span>[/FONT]</p><p><span style="font-family: 'Comic Sans MS'"><span style="font-size: 22px"> للقصة بقية ..</span></span></p></blockquote><p></p>
[QUOTE="المرتاح, post: 1191845, member: 4611"] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][COLOR=Teal]اعيد لكم اجزاء القصة بثلاثتهم 1،2،3 وذلك لكيْ امنحكم الفرصة الكاملة للقراءة ، لكل ثلاثة اجزاء أخرى ..[/COLOR] [COLOR=Purple]وإليكم القصة .[/COLOR] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="] [/SIZE][/FONT][SIZE=6][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="] [SIZE=7][COLOR=Red] [/COLOR][/SIZE][SIZE=7][COLOR=Red]قصة ( العَرْبانه )[/COLOR][/SIZE][/SIZE][/FONT][SIZE=6][FONT="][/FONT][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="] [/SIZE][/FONT][SIZE=6][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]دفعت بعربتي، وأخذتُ أجرّها، وأجرجرها، كأني أُجرجر وراءها خيبة عُمر امتدّت إليه أُمنيات ضحلة ، أُمنيات لا تَتحسّن بل تزداد سُوءً بعد سُوء.. أتردد على سُوق المدينة ، أحمل أكياس وأشياء أخرى ، أرميها في القمامة .. أحملها من دكاكين ومحلات الخضار مُقابل ثمن بخس ، مائة بيسة ، عن كل حِمْلٍ ثقيل ، يكسر ظهري ويُقوّس عموده الفقري .. كانت القمامة أو حاوية المزابل القذرة ، تبعد عن السوق ، بمقدار 50 متر أو يزيد .. في كل صباح باكرٍ، أنظر إلى الحاوية الكبيرة، حاوية جمع القاذورات والأوساخ والقمامة العفنة، أنها مصدر رزقي الوحيد، وأنا أسعى جاهداً لأكون صديقاً قذراً مِثْلها، بعد أن صكّت كُل الأعمال في وجهي .. وحين أتساءل ، لماذا .؟ لا إجابة شافية، غير هذه.. رُبما قدركَ المنحوس أودَى بكَ أن تكون هذه الأمكنة التي لجأتَ إليها ، كنايةً تُذكّرك بأن الحياة لحظات مدّ وجزْر وصُعود ونُزول ، لا تتوقف عند حدّ مُعيّن ، [/SIZE][/FONT][SIZE=6][COLOR=indigo][FONT="]ورُبما انكَ أول من استقبلتَ الحياة بوجهك ورُبّما تذكرك بأول رضْعةٍ من صدْر أمكَ ،[/FONT][/COLOR][COLOR=indigo][FONT="] [/FONT][/COLOR][COLOR=indigo][FONT="]تُذكّرك بأول جُرعةٍ من ثدْيها فانفطرتَ عليها [/FONT][/COLOR][FONT="]، لا اعرف مُجمل هذه الكنايات ، لكنّي أكاد أُجزم لا يقينَ فيه ، بأنّ أمّك قد ولّتْ بوجهكَ ناحية القمامة لحظة الولادة العَسيرة ، أو تكون قد نستْ أو تناستْ لحظتها بأن تُغيّر وجهتكَ شطراً آخر غير شطر القمامة..! رُبما ذاك سبب رئيس جعلك تُعظّم المزابل وتتعلّق بحاويات القمامة .. ترددتُ كثيراً كيف أردّ على محاور خفيّ ، لا أعرف كنهه .. ثم قلت بعد إلحاح داخلي : أمي ، لا اعتقد ذلك .. أعقبتُها بسكتة ، ثمّ أردفتُ ، إنني مُتيقنٌ أن أمي تُيمّم وجهها شطر القُبلة وتُصلي بصوت خافت وتفيض عينها بالدموع، كنت أرى ذلك وأنا في حُضنها، ارضع من صدْرها وأمتصّ حَلمتها بقوة مجنونة.. قد يكون الأمر مُثار علاقة خاصة غير تلك ، إذ كان بيتنا قُبالة مزبلة المدينة .. فرد الصوت قبل أن أُكَمّل .. رُبما أنت مُحقاً في [COLOR=Indigo]هذه ..! وضعتُ يدي على وجهي احكّه بسبابتي كمن ينبش في شيء ..! لا زلتُ أتذكّر ذاكَ اليومَ ، يومَ أنْ رفض المَيْسورين وكِبَار رجال المدينة الاقتراب من هذا المكان ، ظنّا منهم ويقيناً من أعوانهم انه لا يصلح إلا لأمثالنا مكاناً نختبئ فيه ويضمّنا في أُسرةٍ محسوبة في تعداد وطنيتنا الكبيرة وهذه الأمكنة الجديدة هيَ أقرب إلى واقعنا المُعاش ، فالنّجَابةَ في فلسفة كِبَار الرّجال هيَ فضلٌ أُوتوا بها دون سِوَاهم .. قال الصوت وكأنه يوقضني من غفوة تفكيرٍ مُزرٍ : كُنْ انجدَ الناس[/COLOR] ركّابٌ لِصَعابها ، بفكرٍ يرتقي إلى أَنْجدها ، سَامٍ لمعاليها ، إني أعلم يقيناً انكَ من مناجيبَ الرجال ذي نباهةٍ ونجابةٍ ، فاضلٌ على أترابكَ ، ونباتُك حسناً ، لكن اعلم حقاً أن الشّعر لا يأتي إلا من جودة شاعرية خلاّقة ..! [/FONT][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]سمعتُ دربكة وطرق خُطواتٍ ، انظر في النّخلة التي توسطتْ طريقٌ مُؤدياً إلى قريتنا الصغيرة وهي تتمايل كأنها تلهب على وجهي ، تُخفّف حرارة الغضب المُتصاعدة إلى قمّة راسي .. أَمْعن النظر جيداً ، أُشخّصها ، أتفحّص النّحْلة وهي ترقص على شجرةٍ قُدّام بيتنا ، تتقافز على بتلات زهرتها.. كأنّها تُمنّيني بأكلةٍ شهيّة ، وتُؤكد بِرَقْصها وتقافزها على بِتْلة زهرتها بأنْ لا أعجل ، وكأني أحادثها .. أرغمَ كُل هذه العقبات الكَأْداء تُريديني [/SIZE][/FONT][SIZE=6][FONT="]أنْ [/FONT][FONT="]لا أَعْجل ، فإنْ لم أعجل اليومَ فمتى أتعجّل وتأخذني السرعة إلى حقّي .؟ من سوف يستعجلني ويستحثّني إلى عُجالة تُرضيني .؟ متى سَيُرفرف جناحيّ فوق عَقباتها .؟! بكيتُ حين خنقتني الدّْمعة وخرجت كَأْدَاءْ ، في ضيقٍ وغيض ، عَبّ صَدري بتنفس عميقٍ ، أخرجتُ زفرتها مرة واحدة . ثم صمتُّ ولم أُكمّل .. وكأنّ ذاك الصوت يؤكد لي ، إنْ كُنت تُريد عاجلةَ أمرك عجّلنا لك فيها كيف تشاء وتُريد .. كانت سرعة الصوت كطوقٌ يخترق مَسمعي ، تنتفض طبلة أذني وتتمزق غشاء باطنها ، حككتُ عُثنونَ شُعيراتٍ نبتتْ تحت ذقني ، تلك عادة حفظتها مُنذ صِغري ، قِيْلَ عنها ، أنها كإشارة مُوحية إلى تعثّر حظّي .. شيء في داخلي يستحثّني لأندفع بقولٍ غير مُكترثٍ لعواقبه ، سأُلقيه على عواهنه ولو بأُسلوبٍ مُبالغ فيه ..! أحسستُ بقلبي يتقلّص ، تمتمتُ بتسبيح حفظتُ بعض عباراته عن ظهْر قلب ، دعك[COLOR=Indigo]تُ بأصابعي مِسْباحٌ فتحركتا فُرضتا أصبعي وأنا أَدْعك حَبّات المَسْبحة بين السبّابة والإبهام ، وتمتمت بصوتٍ لا تسمعه إلا نفسي .. إنّهُم تَناثَوْا بينهم وأشاعوا أخبارهم ، أنْ لا قِيمة لنا وما صَلْفَ مُطالباتنا إلاّ كنُثار بقبقةٍ لا وَزْنَ لها غير نثْوَ سَوالفَ نبثّها بلا قِيْمةَ ولا مَعْنى ، أشبهَ بشجرة لا لِحَاء على قِشْرتها ..! كانَ هذا ذِكْرىَ من ماضٍ قاسٍ ، ت[/COLOR]وقفت بُرهة .. ذهب الصوت ثمّ اختفى كُلّياً وبَقِيت لوحدي .. أتفكّر في كُل شيء ، يمر شريط ذكرياته أمام عيني ، بوضوح لا يقبل إنكاره .. عندها بدت قناعتي بالاستسلام إلى إيمانٍ يدفعني إلى تغيير سُلوكٍ وطنيٍ لا يحمل عدائية .. بدت خطوات الانتقال الجديد تتعثّر ، ثُمّ تتلاشى ، تُمزقني جِرَاحات الغصصَ المكلوم ، وبدا غُموض يسكنني . أتساءل ، إلى هذا الحَد تقفَ مصاعب الحياة نداً ، تُظهر كراهيتها على عائلتي .. بقيتُ واجماً أستعجمَ ما خَفيَ واسْتَبْهم عليّ .. مكلوماً بجراحات تُمزّق آثار وطنيّة سنين الاعتزاز المكاني والاعتداد بالنفس .. تلكم السنون رغْم حَمْلها شقاوة أيام مُرّة ، ذَكَرها لي أبي مرات كثيرةٍ وأنا ما زُلت صغيراً ، غضاً ، نظراً ، أمسك بعَجْوة التّمر ، أعصرها في راحة يدي ، ثُمّ ألْقيها في فمي ، مخافة أن يراها أبي ، فينتهرني ، لان أبي كان يُؤدّبني حتى في طريقة جلسة الأكل وآدابها ، تلك هيَ بعضاً من مناقبَ قِيم التأدّب يوم ذاك ، إذْ كانت تُعتبر من قوامة الصّبي ، ومُفردة رُجولية مُرتّبة على طريقة تربية أُسرية تُحافظ على مكانتها في بيئتها المكانية ، لا شيء أكثر مِمّا يُعرف في اعتداد التربية إلا أدب الصبيّ ، فينشأ على اعتدال واستقامة كما يتساوى الليل والنهار .. فإنْ وجد سواد ليالٍ دهمتْ أحدهم قامَ واستنفر ولا يدع حِمْله إلا وقد انزاح ما كان من ظُلْمةٍ على غير[COLOR=Indigo]ه ، وإن وجد نهاراً يسطع في بيئة ما ، حَمَد وشكر وهنّأ غيره عليها ، إلا أن الجراحات بدتْ في تزايدٍ كُلّما تشاكَل الناس في تعدٍّ ملحوظ على مُقدّراتهم ، أخفاها أعداؤهم المُتربّصين بغيض وحقد بغيضٍ منذ زمنٍ بعيد يتلونه وتلهج ألسنتهم بحروفها ، لكنهم يؤكدون بفذلكة إنشا[/COLOR]ءات التعابير الورقيّة ، قلّ فِعْلها وكثُر دسّها قريباً وبعيداً ، وصار الرجال هُم أعداء الرجال بأنفسهم ، فتداخلتْ عداوة بعضهم في حِقْد غيرهم ، فهشّمتهم ومزّقتهم تمزيقاً .. ومنْ يومئذٍ وأبي يُحمّلني أثقالها إلى أيامئذ وأنا أحمل أثقال وِزْر الهَمّ والغصص حتّى قضّتْ مَضْجعي ، أثقلتني سِنينها وأيامها ، ساعاتها ودقائقها ، بكل ما تحمله من وزْر استثنائي لهذه العائلة المَكلومة بغصص الذلّ والمَهانة .. المقرونة بطرّفات بيئتها المكانية المُقرفة ، وتُرّهات شراهة حقارة الزمن البائس ، وحدنا من استثنى قاعدة التوافق مع خط الزمن الحسنَ ، ذاك المتاع الزائف الذي يعيشه الآخرين ويتلذذون بمذاقه ..! وقفتُ وقفة مُتشائمٍ يائسٍ وقد صُعقت بذكريات مَشئومة تطوف كُلّ حينٍ علىَ مُخيلتي ، وَقْعُها كالصاعقة على نفسي الضعيفة .. ضللتُ أبحث في فَهْمها ، عن وميضٍ أمل ، عن مَخرجٍ يَلوح لي ولو من بعيد ، ولا يلوح .. تبتعد الأُمنيات الحالمة بلياليها العِجَاف ، وتمتص نهاراتها ببياض لا ينقش على جُدرانها بقاءً .. غير هذا البقاء الذي أنا عليه من الأماني العِجاف ، أماني من بدايتها حقيرة ، ذات شُؤمٌ ، فظّةٌ ، غليظة ، أسقمتني ، وأثقلتني ، حتى صار حالي استثنائي بعربانةٍ لا أجدُ غيرها .. تهزّني الأماني السّقيمة[COLOR=Indigo] ، وترتجف ذكرياتي ، تتساقط دقائق أيامَ انتظاري .. وأحلامي تتهشّم ، تتلاشى أمانيها ، تبدّدت مآربها الَمرْجوّة ، حينَ دوتْ صَواعقها المَرْعوبة بذكريات منحوسة ، أقرفتني طُوال سُنون الانتظار المَشحون بز[/COLOR]خمٍ لم تَعْتد به .. رغم ان شَعري الأبيض ، ينتشر في أماكن شتّى مُظلمة ، خفيتْ عن كثير واندسّتْ عن كل عين إلا عن عيني .. أخفيته كصمتي ، فاستحضرت التأزّم التالي .. ما بال ذلك الشّيب يشتعل برأسي كأنه عازم على قهري ، أيريد قَتْلني أم بيّت نيّته ليقتل كُل ذرّة طَيّبةٍ من جمالي الآدمي ، ذلكم الجمال الذي أكرمني به ربي ، ليزعزعَ كُل علاقة مُتصلة بي ، فلا أجد تناغماً يكفل لي عطاءً غير مجذوذ ، إلا حَنْق الشيب الذي يُطوقني ، أتراهُ يَحسبني متاعاً في السوق ، أم انتهتْ صلاحية علاقة سَواده بي ..؟! أماَ آنَ الأوان لتبيضه أم أنّ اشتعال الشّيْب في رأسي من ثبات الوتدِ على شعُيراتي غير الشائبة وهل هذا هو عزْمٍ أكيدٍ من بقايا نغصٍ قُدّرتْ لعائلتي .؟ فكيف ألحقُ بها وهيَ لا تجدَ ما يُمنّيها .؟ وهل الشّيْب المُشتعل به رأسي يُبْعدها عن عزيمتها الجادّة ، فتحنثْ عن قسمَها الذي أمدّته بيمينها لِتُعاهدني عليه حتى الساعة الأكيدة .. بعيداً عن عزاء الشيب الذي تغلغلَ في شُعيرات إبْطي ببياضٍ يُلاحقني ، قبل أن يَقطع عَسَبُه ويشقّ عليّ النّسْل فلا تنال شيء من مُبتغاها ، كما تُمنيها أنوثتها وحيث تمنّيات كُل اُنثى .. تلكم الأماني غير منزوعة الألفة ببياض شعرٍ يأكلني بسُحنته المُكتظة بسوادٍ حيّ قبل بِضْع سِنين .. وتساءلتُ : أهيَ بادية على فِعلٍ ما .. إذا ولّتْ صلاحيتي ـ ولو كان اعتقاداً ـ ؟ ألا يحق لها أن تهنأ بما تُمنّيه لنفسها من حياةٍ أُمَتّعها بها وإن بانَ لها ظاهرٍ بيا[COLOR=Indigo]ضٍ في رأسي .. ضحكتُ وأنا أحدث نفسي .. بياض الشّيْب غِطاء طبيعي خيرٌ من غطاءٍ قائمٍ بسوادٍ قابلٍ للزوال ، وكذا هو الحال إذا ما اقْتُلعت نَبْتة بياض الشيْب من جذورها ، ألا ترينه ، فيه شيء من فلتاتٍ مُعيبة..؟ أغمضتُ عيني ، سقطتْ دمعة .. وَتَلَوْت حُروف كتبتها [/COLOR]بيدي وخَطّها قلمي .. أيحقّ لتلك الأنثى أن تُمْلي شُروطها إلى مودّة تسكنها ، كأنْ يخلو هذا الشيب الذي اكتظّ بشراسته على كل أنحاء جسمي الظاهرة والخفيّة ، فأفقدتني شرعية مُبتغاها .. أيحقّ لها أن تدّعي بفضاءٍ لا أمَنّيها بها .؟ ألا تخلو هذه الأمنيات من التّعقل ..؟! لوحت راسي أسفاً ، ما أَعْجَلكِ من أنثى ..؟ نظرتُ إلى شُعيرات صدري ، شنّكتُ حاجبي ، فخارتْ كلماتي وانكفأتُ على حالي وهتفتُ بصوتٍ واهٍ .. هل الشّعيرات الشائبة سبباً رئيساً لانتهاء صلاحية فُحولتي .؟ ما ذنبي إن أكلني الشّيب في غير موعده الذهبي ..؟! وهل تُعاقبني مودّتها قبل أن تسكن إليها نفسي ..؟ أليس كُل نفس رطبةٍ راغبة إلى شيء يَسْكنها.. !؟[/FONT][FONT="][/FONT][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]كان ذلك الهذيان عبارة عن صخْب عالٍ جداً ، زادته قسوة الأيام مرارةً حتى صار مَثار حديثٍ يختلج إلى ذاتي ، تنشره عبر مونولوج بَرْمَجتها اللوغورتمية يوم انهجستُ عن أمرها وارتددتُ عن فَهْمها ، نظراً لما لأيامئذٍ من شدائد ومِحَنٍ ، وودتُ لو لمْ يَخْتمر عجينها إلى الأبد ، فَصَخْبها عارمٍ دفينٍ في نفسي ، وكثيراً ما تختلط أصواتها بلا هَجْعةٍ أُمَنّي بها نفسي وحين ألوذ إلى هَجْعِها تخدعني فأستسلم إلى نهار مليء بصخب عالٍ يدق ناقوس خطره في نفسي ، ورغم ذلك فأنا استمسك بِعُروة الأمل ليكون موثقَ ليلها أقرب وأقرب .. بهكذا أملٍ وهاجسٍ غير بعيد ، بدوتُ كمتشائم ومتفائل في بِضْع هفواتٍ قاتمة ولحظاتٍ سعيدة مدفوعة بأملٍ دافئٍ أو شُؤمٍ بائس .. كُل ذلك يحدث ، حين أَفْقُد هدوء رُجولتي في ليلي البغيض ، بهكذا مُعالجة فظّة ولذيذة ، أحاول اجمع بَعْضي إلى بَعْضه ..! وأعيد مُحاولتها ، فأتناغم مع مُختلفها ، ألمس في لمْحةٍ ملامح شَبقها - حيناً - أو اختلس نظرةٍ غِرّةٍ في حين آخر [COLOR=Indigo]، أنشدَ ضِلّ حياةٍ مَسْكونة بهاجس الوُد والسّكن المُطمئن ..!؟ حديث مكتوم في داخلي لم أُفْضي به إلى غيري .. ليبقىَ سُؤالي قائماً ، تُرى كيف انزرعَ بياض الشّيْب في رأسي وإبْطي وأنا ما زلتُ غِراً ، لم أتجاو[/COLOR]ز الثلاثين من حياتي التعيسة .؟ نكّستُ رأسي ، وإذا بصدري يشتعل بياضاً ، فاهتزّ جسدي خوفاً .. قلقتُ كثيراً وترددت بتصويب نظرتي مرة أخرى .. كي لا ازداد خوفاً أو سُوءاً فتتبدّل حياتي إلى أكثر تعاسة من ذي قبل .! وذهبتُ إلى حيث أيام أمي التي لم تألو جُهداً أو تعبٍ أو خِدْمة إلا وفَعَلتها لتبقى كرامتنا محفوظة ، ولكنّ العُمر تقدّم بها ، كأنه يَرقبها ، يتلصّص عليها ، كيْ تبقى التعاسة بوابة الشُّؤْمٍ التي نَكْرهُها .. أتذكّر بقوة ساعة قِيَامها بالبحث عن مأوى لنا يَحمينا من برد شتاء قارس ، فنعيش كباقي الوجوه الآدمية .. تمرّ السنين طويلة ومُتهالكة ، تتقلّبُ بأوجاعها ومَصائبها العصيّة ، استبدلتْ أُمي بيتنا ذات العِمارة الطينية المُتشرذمة ، كأسنان ذاك العجوزٍ الذي كان يجلس كل صباح ومساء قُدّام بيتنا ، فنتقاسم معه الطعام والشراب .. وحين كبرتُ وصِرْت شاباً يُعْتد به ، علمتُ انه أبي .. فقدَ ذاكرته أثر صَدمته بقيام جرّافة كبيرة ، هشّمت بيته الذي ضمِنَ أنه أماناً على حياتنا ، بحجة المصلحة الوطنيّة .. [/SIZE][/FONT][SIZE=6][COLOR=navy][FONT="]لكن أبي وكما تروي أمي : رفض عبدالله كل الحُجج رفضاً قاطعاً وأبىَ النزول إلى رأي الذين حاجّوه بإقامة مشروعهم [/FONT][/COLOR][COLOR=darkgreen][FONT="]،[/FONT][/COLOR][COLOR=black][FONT="] مُؤكدين عزْمهم على تنازلهِ إجبارياً إن لم يكن اختيارياً ، فما يقومون به هو من اجل المصلحة الوطنية فقط .. ولكنّ أباك تمسّك برأيه واعتبرها حُجّةً باهتة ، وامتنع بقوة عن تنازله ولو بمقدار فرضة أصْبع ، مُتحدّياً الجرّافات التي تسحق كل شيء حتى لو حوّلته إلى فضاء خالٍ من أي نبتة على الرمال ..! كان إصراره قوياً هو والذين معه ، إذْ كانتْ وقفتهم تلك ، شكّلتْ مُنعطفاً خطيراً حين وجدوا عزم الرجال مُؤكّدين على التحدّي الكبير ، وكان ابوك يومذاك في مقدمة الرجال يهتف بأعلى صوت ، لا .. للمشروع .. فليسقط القائمون عليه ..!! وعلى أثر ذلك التحدّي أُصيب أباكَ بنوبةٍ ضغطٍ عالية وأزمةٍ نفسية عارمة ، اهتزّ لها جسده وارتعش ارتعاشةٍ بغيضةٍ كانتْ شديدة على جسده الضعيف .. فأخذ يتفوّه كما لو كان قد فَقَدَ عزمه وثباته ، فصاح قبل أنْ تُغيّبه فُجَاءة هذا التحدّي إلى حيث كانْ ..! " لنْ نسمح لأحدٍ أياً كانْ ، بِمُصادرة مَراعينا ومحوَ أمكنتنا وتفتيت بُنيتها ، فتكون كأنّها لمْ تكنْ من قبْل ، ولن نرضى بطَمْس مَوْروث أجدادنا وانتزاع حق آبائنا قهراً وإذلالاً ، وإقصاء أحفادنا بعيداً ، كيْ لا يَعْلموا شيئاً بعد أنْ عَلِمْنا كُلّ شيء.!! توقف بُرهة ثم واصل " لنْ نقبلَ بحُجج واهية ، فجّة كهذه ، إنّها حُججٍ أقربَ بهاتةً إلى عُش الغُراب ..![/FONT][/COLOR][FONT="] "[/FONT][COLOR=black][FONT="] [/FONT][/COLOR][FONT="]قالتْ عمّتي خديجة التي تكبُر أبي سناً ، وكان تجلس بقرب أمي تحتسي القهوة وفي يدها شيء من تمرةٍ عالجتها بيدها حتى اصفرّت ، تفركها مرة ، وتدعكها مرة أخرى ، تُقلّبها بين أصابعها الثلاثة الإبهام والسبّابة والخُنصر ، وحينَ نهضتْ أمي من جلستها وكأنّها تفسح مجالاً أكبر لعمّتي خديجة لترسّخ في ذهني علاقة أبي برفضه المشروع على غير ما أشيع عنه ، وخاصة بعد نوبته تلك التي لم تُفلته إلى أن وُرِيَ جسده الثّرى وصار نَسْياً مَنْسياً ، انه كان يُحب الظهور من باب " خالفْ تُعرف " .[/FONT][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="] أحنتْ عمّتي رأسه[COLOR=Indigo]ا هامسة ، وقد شدّتني من كتفي ، إفْهم أمك جيداً ، فقد آثرت كُل شيء من أجلك ولم تَبخل ، بذلتْ كُلّ غالٍ ونفيس لتبقى .. كانتْ تدعو لك أن يَجعلك الله في نِعْمة وفَضلٍ وفي مَسرّة الحال وعفّة النّفس وفي عِلْمٍ ومَعرفةٍ مُتواصلة غير مُنقطعة ، يكفيكَ دُعاءها قبل ان تُقَدّم لك الحياة وتُهديك إياها ، استرخصتْ رُوحها وسُكونها ، كما لو كان ذلك تقعيداً من أيامها الباقية .. ولهذا السبب خُذ بنصيحتي ولا تَعْجل ، فإياك وتجعل عينيها تلتقي في عينيك ، فإن التقتا ، فاخفضْهما حالاً ، ولا تَهْجس أمامها ، كُن مُستمعاً ومُنْصتاً .. نظرتُ إلى[/COLOR] عمتي خديجة التي لا تزال تحتفظ بجمالها الفِطْري رغم تقدّمها في السن ، وأنا اُشنّك حاجبيْ وزوايا شفتيّ ترصّ على بعضها .. وبصوت خافضٍ على غير عادة صَوتي الجهوري :[/SIZE][/FONT][SIZE=6][COLOR=black][FONT="][/FONT][/COLOR][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]- طيب كلميني عن أبي والمال والجرافات والبساتين الجميلة وأهل القرية ، وأسباب تحدّيهم ورفض أبي القاطع إلى الحالة التي انتابته يومئذٍ وما قيل عنه .. ؟! ابتسمتْ ، غمغمت بكلمات لا افهمها .. قطّبتْ وعبستْ ، زوتْ عينيها كأنها انقبضتْ ، سقطتْ دمعة فأخفتها .. أحسستُ بإشفاقٍ فُجائي ناحيتها ، لا اعرف سببه ، لكنها طَمْأنتني ، لا تقلق ، أمر أباكَ ذهب وأمرك آتٍ .. لا تسمع لقولهم ، فأمّك يوم ذاك وحين كانت على أشدّها كانتْ تُحب النساء مُجالستها ومُحادثتها ، لم يُنسب إليها شيء مِمّا سمعت ، وأنا أُوصيكَ ، لا تكن كـ الزّاغْ ، وجهه اسود مُغْبَرّ وبقيّة جسمه مُتلوّن ببياض .. تذكرت هُنا بياض الشّيب في صدري وإبطي وبقية جسدي .. سألتها ما الزّاغ يا عمتي ، ضحكتْ ، الزّاغ ـ يا أحمد ـ غُرابُ كثيرٌ ما يأتي على زراعتنا ويتلف شيء من ثمرتها ، وانفرجت ابتسامتها ، إنْ لم يكن يُخرّب أحسنها ..! بعضهم يُؤكد انه طائرٌ حاسد .. لكن أباك قال ، انه طائر مُهاجر ، لا يستوطن بُلداننا في اغلب الظنّ ، سكتتْ ثمّ أردفت ، ما يَهَمّني هُنا ، هو أن تكون قريباً من أمّك ، أُمّك كانتْ أولّ من واستْ أبيك بِنَهْنِهةَ دمعةٍ سقطتْ من مُقلتيها ، فأنشأتْ بدمعتها مكانةً في قلبها لأبيك . أُمّك أخفتْها عن عين أبيك حتى مات ولكنّي لم استطع أنْ أُخفيها عنك ، إنها الأمانة يا ـ أحمد ـ داعبتني بوضع راحة يدها وأدخلتها في بطن يدي ، ضغطتْ على أصابعي فأحدثت فرقعة ، حَوّلتُ ناظري صَوْبها وابتسمت بوُدٍّ عائلي .. ثم أكملتْ ، كان أباكَ مُذْ صِغرهِ دقيق المُلاحظة ، شديد الحَدس ، حادّ النظْرة .. وكانت أُمّك كتوأم روحيّ له ، فَهِما بعضهما ، كأنّما ولدتهما أماً واحدة .. إذْ كانَ هو بطبيعته العاطفية يميل إليها ويجنح بودّه لها ويُرغبها ، وهيَ بحبها تعشقه وتتغنّى به ، كطائر يُحلّق بجناحيه غير مَهيض، ي[/SIZE][/FONT][SIZE=6][FONT="]ُ[/FONT][FONT="]رفرف بسعادة ، لم يُكدرهما شيء منذ أن تزوجا ، ولم يَنجبا غيرك في الحياة .. أنت يا أحمد وحيدهما ، لو كُنت تعلم يوم ذاك لعرفتَ كيفَ أخذتْ تُسلّيه تعزّياً ..[/FONT][FONT="]؟ كانت[/FONT][FONT="] نظراتهما تُؤكد عزمها على المُضي قُدماً مهما عظمَ الامر وغلظ ، لنْ يصيرا اضداد بعض لا في فكرتهما ولا في توجّهاتهما ، يجتمعا على نبْضٍ واحدٍ، أتذكّر يوم قبض عبدالله بيد أمّك عزّة وقال وهو في أمر واقعته العصيبة ، ونبضات قلبه آخذة إلى الهبوط ، إن أردتّ إسعافي فاجعليني قُدّام تلك الجرّافات .. بكت عمّتي خديجة .. وأردفتْ ، كانت يومها مُفردة الجرّافات لا تَسْعفها غير اللحظات القاسية .؟ لحظات اضطرّتنا جميعاً إلى ما هو اشدّ قسوة وأَلجْأتنا إلى أن نقف وقفةَ الضّرير الاحوج ، ويا للأسف لحقَ بنا أذاها ومكروهها .. يوم أنْ ضرسَ الزّمن واشتدّ علينا الخطْبَ بقوّة ضَراسته وبأسَ شَراسته .؟! و[COLOR=Indigo] كان شأن أمك وحالها ساعتئذٍ حرنةً مأخوذة بتدافع الجرّافات التي تُهشّم البيت والبُستان ذي الثمار النّظرة ، وحُجتهم المأفونة انه اُقيم في وقتٍ كانتْ أعين المصلحة الوطنية نائمة وها هي الآن قد استيقظتْ ورأت ما لم تره عين ولكنه خطرَ على قلب القائمون على المشروع .. ومن لحظتها تبدّلتْ أحوال أخي عبدالله ، ولم يستطع توقيف العمل القائم على تهشيم بيته وتمنى ما لم يتمنّاه أحدٌ في نفسه .. تمنى لو يأتيه الموت قبل ان يرى هذه القسوة والتسلّط الوقح ، إذا لا إنسانية يُخشى عليها من قوة سُلطوية تذلّ من ترتبط بهم مكانياً وتراهُم لا يستحقون حتى الاهتمام ، فالنملة عند سليمان الحكيم كان لها مكانة فأعطته عزماً وقوة ، وحُسن تدبير .. ولكنّ المسئولين يرون تهشيم بيت عبدالله ، لأنه ليس صَرحاً مُمَرّداً ولا بئر بترول ، ولا خزائن تحته ولا كنوز فوقه ، غير بُستانٍ يأكل منه ، وزريبة غنم يعتاش عليها وبيتٌ يضمّه هو وأهله ، فهل[/COLOR][/FONT][COLOR=Indigo][FONT="] [/FONT][FONT="]أيحقّ له الوقوف أمام[/FONT][/COLOR][FONT="][COLOR=Indigo] قوة المصالح الوطنية .. سقطت دمعة عمتي خديجة ، وهي تسرد حديثها ، سق[/COLOR]ط بيت عبدالله أمام مرأى الأعين حُطاماً ، إذْ كان في نظر القائمون على المصلحة الوطنية ، أنه بيت أقيم بطريقة لم تكن مُستقيمة يومذاك غير قانونية رغم شرعيتها الدينية ، فالبيت قد مرت عليه أكثر من عقدين من الزمن ، ولكنها اليوم أضحت ممتلكات خارجة عن القانون ، لا وجه حق في قيامها من وجهة نظر المصلحة الوطنية ، ولم يكتفوا بإزالة البيت والبستان ومزرعة صغيرة اتخذها أبوك زريبة للأغنام ، فقد أصدرتْ الجهات المعنية أمراً مُلزماً لجميع ساكني هذه القرية الضارب أطنابها في أعماق الزمن الغابرة ، بتوقيف وسجن كل من يلحق الأذى أو يُعطّل عاملي المصلحة الوطنية حتى ولو كان بحجة شرعية ، فلا شيء فوق القانون .!! والحقوق مكفولة بعد التنفيذ .. يكفلها القانون فقط لا غير ..!! لكن أخي عارض هذا الرأي ومعه رجالٌ ، قاموا معه ، وظنوا أن إخراجهم من ديارهم مذلّة لهم ، وفي الأثر " من يمت دون ماله أو عِرْضه فهو شهيد .." وأبوك يا أحمد شهيداً في الجنة ، لأنه حضيَ بالاثنين معاً ومات دونهما ..!! فضلاً عن أنّ الجراّفات دأبتْ على ترويع وإزعاج مواطني هذه الوطنية المُهشمة بقوةٍ ل[COLOR=Indigo]ا غالبَ لها غير القوة الشرعية التي يتمسّك بها الرجال ويعتدّون بها .. وقفتْ عمتي ، وشرعتْ كالخطيب بين المصلين .. لو كان ربّي يأخذهم على أخطائهم لما بقيَ أحد منهم في الحال ولَفِنيَ الناس ولم يبقى احد على البسيطة ولكن يُؤخّر ذلك عنده في كتاب ، لتُجزى كُلّ نفسٍ بما عملت ويُقضى بين المُتخاصمين ، يوم ذاك يوماً أغرّ لا قوة ولا سُلطة أقوى من الحق المُبين ، يوم ينظرون فيما قالوا وما عملوا وما كانوا يفعلون ، اليومَ فقط تقول النّفس الأمارة بالسُّوء ، ربي ارجعون ، أعمل صالحاً ، وأغيّر نظرتي ، لعلّي أكون راشدة لنفسي وصالحة لغيري [/COLOR]، ولكن القوة الصادحة في هذا اليوم ، لا ظُلْم اليوم ، فأين هُم المُعْتبرون حقاً .. !! بكتْ عمتي ، وغمغمت ..ثم أردفتْ : أنهم يظنون بفعْلهم أنّهم يُجانبون الصّواب ويُحسنون صُنْعاً ، لكن هيْت لهم ، فإزعاج المَغْلوب على أمره وتهشيم جُدران بيته وسحق بُستانه بالجرّافات ليستْ من الحَصافة الإنسانية وليستْ من القِيم الوطنية والمُثَلِ المُتوارثة .. كان أباكَ لا يَرتدّ عن قول الحق ، تُنازعه نفسه إنْ لم يَقُلْها علناً يقول الحقيقة ولو على نفسه ، هكذا عهدناهُ مذ صِغره ، لا يخشى لَوْمة لائم ، تفزّ الكلمات من فمه عامرة بالإيمان ، لكنه للأسف لم يُتمّهُنّ .. لم يستطع ولم يَقْدر ، كأنما أمرٌ كمّمَ فاهُ ، لثغ لسانه وتثاقل .. ارتجفتْ شفتاه ، واهتزت أطرافها . قلتُ لعمتي وأنا إلى جانبها وقد ارتصّ ثوبها التقليدي بجسدها ، ثم تابعتْ تُكْمل حديثها .. كان عبدالله .. فقاطعتها ، نعم يا عمّتي أتذكر ذاك الموقف جيداً .. دمدمتْ عمتي برأسها إلى صَدْرها واغرورقتْ عينيها بالدمع ، ماءً ينسكب من حُجر مُقلتيها ، بلّل ثوبها البلدي الأنيق بزركشته الجميلة ، التي قلّ أنْ تجد مثله زيّاً نسوياً فضفاضاً ، حافظتْ عليه المرأة في حارتنا الكبيرة .. أغمضتُ عيني فكأنّي أراهُ حاضراً غير غائب .. تابعتُ بدقة تفاصيل انقطاعه عن البُكاء ، ثمّ غَمْغم كأنما شيء يَنْفجر في داخله ، ينشطر .. يتقطّع فلم تعُدْ أحبال صَوته فاعلة ولم تكنْ دَمْعته حاضرة ، توقف فجأة .. شخصتْ عينيه وقد صَوّبها تجاه الحقْل والجدار ثم وَ[COLOR=Indigo]مَضتْ عينه إلى أمي .. ساعتئذٍ قد اصفرّ وجهه وتجمّد جسده .. صاحتْ أمي بغضبْ .. وشفتاها تتشنّجان وغدا وجهها احمر .. أحسّت أُمّي بإشفاقٍ فُجائي ، إشفاقٌ غير مُبين ، لم تُظهره لغيره من قبْل هذه الحالة المُريبة التي أزعجتها .. بَهَتتْ وحَمْلقتْ ، ثم وضعتْ يدها فوق عينيه وأرْخَتْهُما إلى تحت ، فَأَغْمَضْتهما بيدها ، كأنها تمسح عليها مَسْحة أخيرة ، مَسْحةً بقتْ ذِكْراها تحمل قيَم الوُدّ ودفء السّكن وحُس[/COLOR]ن العِشْرة ، مُتنسّمةً بالفضْل والإحسان والمعروف الذي لا يُنسى أبداً .. حملتْ شيئاً ثقيلاً وألْقتهُ على جسده ، فكان غطاءً سميكًا ، سحبته من علياء رأسه حتى أخمص قدميه وكتمتْ غيضاً . تنفست وسحبت هواءً عميقاً ، كأنما آلة كهربائية تشفط شيء بقوتها .! وعلى أثر هذه الكلمات ، انسحبتْ عمتي ، وأخذت تسير بخطوات ثقيلة ، إلى خارج دارنا ، كمن يُجرّ إلى حتْف اُنْفه ..! أرقب ثوبها وقد تبلّل لحافها واختلطت دُموعها بِمُخاطها .![/FONT][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]بعد سبع ليالٍ وعشيّة جلستْ أمي بقربي ، وأخذتْ تحكي مناقبَ أبي ، تُحرّضني على البَقاء على نهجه القويم والسّيْر المُسْتمد من أخلاقه وقِيَمه ، وأنْ لا استسلمْ لأحدٍ كانَ من كانْ أو من يكونْ هُو ..؟ وإن مُتّ دونها .. فالحياة مكتوبة وكذا الموت لا احد يزيد فيه .. كل شيء عند الخالق مُقدّ[COLOR=Indigo]ر ومكتوب .. وبهدهدة أُم ، إعلمْ يا ـ بُنيّ ـ لا تُنْزع الرُّوح إلا بِعِلْمه ، يَعْلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُّدور .. حتى الورقة التي تسقط من الشجر يَعْلمها ، كل شيء مَعْلوم ، لا يَخفى عليه أمر وإنْ بلغْ .. ! فإياك ثُمّ إياك ، أن تكونَ أقل قِيَمة أو أرخص ثمناً من قيمته ومَعانيه الثمينة ومَبْلغ فهم أخلاقه .. فأباك عاشَ برجولته حيّاً وماتَ عليها .. بَكي[/COLOR]تُ بحرقة ، ارتميتُ في أحضانها .. شعرتُ بقشعريرة ، ثم وَخْزةٍ تَسري في جسدي ، حقدتُّ على القائمين على هذه الوطنية ، وعلى أؤلئك الذين يسترخصون أموال الناس ، هواناً عليهم ، ذُلاً وَقَرْفاً .. يترفّعون على غيرهم بقوة مَكانتهم ويَنْسُجون خُيوطاً باهتة ـ كخيوط العنكبوت أو هي أشدّ ضَعْفاً ـ ومن وقفَ في وجههم أذلّوه وأهانوه وحقّروه .. كما فعلوا بأبي .. أقسمتُ في داخلي ، ثم جهرتُ به لتعلمَ أمي يقيناً : [/SIZE][/FONT][SIZE=6][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]- أُقْسم يا أمي ، أني سأنتقم لروح أبي .. سأنتقم من تلك الأنفس التي تستحقرني وتَسْتضعف غيري من الناس . ولكن ألا تُخبريني القصة بكل تفاصيلها الدقيقة ، كيْ تبقى مُختزلة في ذاكرتي .! قبّلتي أمي بين جبيني ، وراحت تسرد حكاية أبي :[/SIZE][/FONT][SIZE=6][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] [/SIZE][/FONT][FONT=Comic Sans MS][SIZE=6][FONT="]- عاش أبوك طوال حياته عزيزاً كريماً ، حتى جاء اليومَ الذي كان هو ومن معهُ على ذُلٍ ومهانةٍ وهَوان وطنيّة كحال غيره من البُؤساء والمُستضعفين والمُسْتق[COLOR=Indigo]صدين كما هو الحال في حكاية أبيك هذه .. فعزّتْ عليه أن يُفارقها أو يَهْرب منها ، لتبقى هذه الحكاية المَريرة شاهدةً على رُجولته وعزّة نفسه ، يومذاكَ كُنت صغيراً ، ولمْ تَعيَ كثيراً منها .. سكتتْ و[/COLOR]هي تَغْرز عينيها في عيني .. ظلّ بيتنا ومزرعتنا بحقلها الصغير الذي نقتات من أزهاره وثمار مزروعاته خيراً كثيراً .. كما استفاد منه مُجتمعَ هذه القرية المُتسامح أهلها ، حتى جيراننا كان لهم نصيبٌ وافر منه ، حين يكون لديهم خصْب من الزّرع أو مَحْلٌ من الماء ، إذْ كان أبوك طيباً قانعاً ، لا يدّخر شيئاً كثيراً لنفسه إذا ما عَلمَ أن هناك من يحتاجه أو من هُو أحوج منه .. إلى أن جاء ذاك اليوم المشئوم ، فلمْ تطول ليالي ونهار المُهلة غير أيامٍ معدودة .. حتى ابتدأتْ طاحونة العذابِ بكلّ ما تحمله من أسىً وأذىً نفسي ، من خلال ثقافة الحِرْمان ومصالح اللّقْمة الوطنية التي سَرعان ما أودتْ بِقَهر ثقافة الأمان والعيش الاجتماعي بما تحمله من قيمٍ ومَعارف كُنّا عليها مُلتزمون بأخلاقياتها ، ولكنّ اللّقْمة الوطنية تطلعتْ إلى أبعد من ذلك ، فأخذتْ تقتلع المزروعات ، فطار صوابك ومن معه من الرجال وتوثّب كفأر مذعور ، ماذا يفعل .؟ وكيف يتصرف .؟ أمام طيّات المزروعات التي أخذتها الجرّافات وطيّتها طياً كما تُطْوى قراطيساً لا مَنفعة منها ولا صلاح .. ويوم ذاك كانت صرخة أبيك مَدْويّة .. أمَا آنَ لهذا الليل الغاشمْ أن يَنْجلي ..!! ثُمّ أخذ يجرّ قدميه ووقف بصلابة أمام حلْق الجراّفة غير عابئ ولا خائف ، وقدّم رُوحه قُرباناً لذكرى لن تموت .. ذكرى الذلّ والمهانة والاحتقار .. ذكرى تأريخ اللّقمة الوطنية البخْسة .!؟ لكنّ قدمَ بعض الرجال خارتْه ، فربما شعرتْ بأن لا فائدة لوقفتها ، لكن عبدالله كان ذا عزْمٍ وجَلَدٍ وقُوة وشَكيمة لا تَلِيْن ،[COLOR=Indigo] فقد أبرّ بقَسَمه .. لمْ يتزحزحَ ولمْ يَقُم من مكانه .. فاستكان بقوة إيمانه ، بأنّ التأريخ لن يخذله .. ويومها قد أوجستُ في نفسي خِيْفةً وأنا انظرُ إليه من باب غرفتي القائمة على أعمدة قوية وجُدرانها مَبْنية بالطوب والجص البلدي غير الموروربَ ، وغير المُحكم إغلاقه كُلّياً .. رفعتُ أنفي لاشتمّ النسيم لئلاّ اختنق ، ظهرتْ صورة جسد عبدالله من فتحة الباب تلك ، ظهرتْ لي صُورته كأنّما جلس القرفصاء بعزّة وشموخ وبيده مَسْبحته يَدْعَكُها بأصابعه ورأسه يتحرّك بالنفْي والرفض ، وأكتافه تُوحي أنها تسبّح بمتمتمات ربّانيه .. وتساءلتُ ، أيكونوا قد لَبَدُو بكمينٍ لعبدالله .؟أحسستُ بقلبي يدق يكاد ينقبض .. وشعرتُ بأنّ نبضات قلب زوجي عبدالله تتقلص عضلاتها ، وتسير إلى دقات بطيئة .. تمنّيتُ أنْ لا يجلس على صخرة تدفّق الماء ، فلتوّها رطبة من اثر السّيْل الذي استمرّ لأيام عِدّة وتبدو زلقةً ، دَبقةً من [/COLOR]آثار طحلب الماء .. كان النهار لا يزال باقياً ولم تزل الأشكال واضحة ، مرئية بوضوح أمام الأعين النقيّة بطلعتها البهيّة التي ترى الأشياء جميلة كما ترى الآخرون عليها حق لهم أن يتمتّعوا بجمالها ، ناهيك عن حُكم سُكنى الوُدّ بينهم وارتباطهم بوثيقة قُربى صِلة المكان .. فما أكبره من ارتباط وثيق وما أعظمها من صلةٌ تقربنا إلى ذات الشيء زُلفىً ولو كان صغيراً ، فهو في صُدورنا وقلوبنا كبيراً .. وفي الأثر نقرأ أن رسولنا الكريم نظر إلى مكّة مرة ، وقال قولة تأريخية ، لولاء أنّ اهلكِ أخرجوني منكِ لما خرجت ..!! ، على تلوَ كلماتي تلك ، كانت الشمس تسقط بقرصها إلى أعماق الأرض وفق رُؤيتنا لدوران الأرض ، ونورها الوضاء ، آخذٌ في التلاشي ، وتزداد ظُلْمة المكان سواداً كُلّما بس[COLOR=Indigo]ط الظلام نُفوذه وشدّته على أرجاء المكان .. في هذه اللحظة أخذتُ أُناغي دفئه كطفلي الذي ألاعبه ، الذي سقط بغير حول مني ولا قوة ، عند تلك الصخرة حين اندلقَ مني طفلي قاسم ابن الأربعة [/COLOR]شهور ، وانزلق عبر تدحرجه من فوق الصخرة التي جلس عليها الآن أباك ضداً وندّاً ضد أؤلئك الأوغاد الذين تكالبت علينا مصالحهم وصارت وطنيتنا منفعة تتقاذفها المصالح أينما ولّت أو حلّت .. وإلا ماذا تقول في إخراجنا منها بحجة مشروع سياحي .. فنادق وملاعبَ للجولف .. ودُورٌ للسينما ونوادٍ هُم عليها قائمون .. وما أدرانا بعد ذلك هُم فاعلون .؟! نظر أبوك في حينها ، نظرةً قوية وكبيرة ، أحسستُ بوخزها كحرق نار ، تُوشمني بها يدٍ هيَ الأصل عليلة وبِعِلّتها تود أن أكون مَريضةً ، سَقيمة مِثْلها ..!! ساعتها كانت ابتسامة عبدالله ، إبتسامة يسخر بها مني .. إبتسامة يُشمّتُ بها عَقْمي .. من يومذاك المشؤوم .. نظرته تُوحي إلى فراغ الدار .. وهي الوخزة التي تُؤلمني .. فقاسمٌ ، قسمَ بيننا مودّتنا ، وقسَم دارنا ، وشتت حقْلنا ، ليجعله [COLOR=Indigo]ذاهبٌ إلى حيث هو ذاهب .. فقاسم ذهب بروحه إلى سماء ربّه العالية ، وحقّنا المُجحف من أصحاب المشاريع الوطنية سيبقى للتأريخ مآباً وسيسلك طريق الاُنْفة والشموخ ، وسيكتب حروفه بماء الذهب الذي يبقى ولا يزول .؟! سقطة دمعتي، اغرورقتْ مقلت[/COLOR]ايَ ، وفاضتْ دمعاً ، وسالتْ كما تسيل الأنهار .. وتخايلتُ وأنا بتخايلي ذاك ، تمنيت وتمنيتُ ، كثيراً ، تمنيتُ ، وأنا أراني وسط سيْل عرمرم ، وكوكبة من نجوم آدمية ، أطفال ، وصبايا .. أُداعبهم وأُلاطفهم ، أحافظ عليهم كما ينبغي ، لا أفعل فِعْلتي الأولى ، كما انزلق قاسم ، فأسرع به الموت ولم يأتي بعده أحداً ، لأبقىَ على عُقمٍ ، قسمَ مودتنا ولو كان ذلك خُفية في الصدور .. بكيتُ من الفرحة وأنا أرى هذا السّيْل يتدفق في نهرٍ غير مقسوم بيني وبين زوجي عبدال[COLOR=Indigo]له ، كلانا يُوزّع ابتساماته لجميع اؤلئك الأطفال .. بكيت من الفرحة الكبيرة التي اعترتني فجأة .. تأثرتُ من حالة العُقم التي انختمتْ بمجيء أختيك التوأم .. وقفت بُرهة ، أتحسس بطني .. انظر في مرآة[/COLOR] أمامي ، هززتُ راسي ، أنا الآن كبرتُ .. في الأربعين من سِنين عُمري الذاهب بغير رجعة ، فأيّ مُضغةٍ بَعْدها تتخلّقْ .. لنْ يتخلّقْ آخر بَعْدهما .. وكأني اهزأ على نفسي .. مَن يتمنى تلكم الكوكبة ، يجب أن يكون عُمره أقل بكثير من أربعينية السِنين ..؟! لحظتها كان رجل جميل ، يقف قُبالتي .. لم أتبيّنه اهو عبدالله أم غيره .. لكنّ حدسي لم يذهب بعيداً ، حينَ أيقنتُ انه قريب الشّبه من صُورته الآدمية . واجهني بأسئلة كثيرة .. من يتحدّى رغبة ليستْ له ، فكُلّ رغبة ولّتْ لا تعود ، ونزعة السنين لا يقدِرَ عليها أحدٌ .. فإنْ حيتْ رغبة ماتتْ أخرى ، ومن يموت لا ينشأ إلا بقدرٍ وكلّ مُقدّرٍ له قدر [COLOR=Indigo]ورزق يحمله في كتاب .؟فالنفس لم تَعُد بيدها فِعْل طريق الحياة ولا صُنع البقاء لنفسها ..!؟ تموت وتبقى وِفْقَ طبيعتها .؟ فلعلّ خيرٌ تعلمه النفس ، ثمّ تهجس ظنّاً فيه ، ورُبّ ظنّاً تتوجّس منه النفس فتنقلب على عَقب[/COLOR]يْها من شرٍّ قادم ، ولكنّ الخير يكون فيه ..! فكلاهما في غّيبيات ، وأنا أدلّك على صنيعٍ جميلٍ .. إياكِ أنْ تحملي الظنّ القَطْعي أو الجزْم في الشرّ والخير ..؟ [/SIZE][/FONT][SIZE=6][/SIZE][/FONT] [FONT=Comic Sans MS][SIZE=6] للقصة بقية ..[/SIZE][/FONT] [/QUOTE]
الإسم
التحقق
رد
الرئيسية
المنتديات
,, البُريمِي الأَدَبِيـَة ,,
,, البُريمِي لِلقِصَص والرِوَايات ,,
[you] إقرأ معي ، قصة ( العَرْبانه ) من تأليفي ، انتظرك .!
أعلى