جاسم الهاشمي
:: فريق النبراس ::
الذكرى المئوية الثالثة لرحيل الإمام سيف بن سلطان اليعربي
.. تحل هذه الأيام مناسبة تاريخية عمانية مهمة، وهي الذكرى المئوية الثالثة لرحيل الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب بـ(قيد الأرض) الذي كانت وفاته بتاريخ 14 أكتوبر 1711م، وبلا شك أن السلطنة تمتلك إرثا تاريخيا غزيرا ومناسبات تاريخية كثيرة إلا أن مثل هذه المناسبات والذكريات تستوجب من المؤسسات الثقافية والإعلامية الاحتفاء بها وإعطاءها حقها لاسيما المئويات للقادة العظام الذين صنعوا جزءا من تاريخ عمان عبر العصور، والإمام سيف بن سلطان اليعربي يعتبر من القادة العمانيين الذين ساهموا بشكل كبير في صناعة التاريخ الحديث للدولة العمانية وحقق العديد من الانجازات الخالدة في الذاكرة العمانية والعربية، ونحن اليوم نسلط الضوء على هذه الذكرى المئوية منوهين إلى أهمية التعاطي الثقافي الإعلامي المحلي مع هذه المناسبة وعدم اغفالها ومحاولة العودة إلى روزنامة التاريخ العماني وتفعيل مناسباته المهمة وإيلاءها الإهتمام المستحق خصوصا أن مثل هذه المناسبات لا تتكرر كثيرا وهذه المئويات ليست بعيدة عن التاريخ المعاصر، وبلا شك أن مختلف الدول والشعوب تولي مثل هذه المناسبات أهمية بالغة وتنتظر حلول مثل هذه الذكريات لتسجل حضورا ثقافيا إعلاميا مكثفا فيها، ونحن هنا اليوم نذكر الثقافة والإعلام في السلطنة بأن هناك أعلاما وهناك مناسبات تمر على الوطن تستحق الانتباه وعدم التغافل عنها وهذه مسئولية المؤسسات الثقافية والإعلامية في الوطن، وهو ما يدعو إلى تكثيف الاسقاطات الثقافية وإبراز الاحتفالية المناسبة بهذه الذكريات التي تمثل جزءا من التاريخ العماني ويفتخر بها الوطن والمواطن.
ويكفي هذا الوطن فخرا أن تعرف عمان منذ قيام الحضارات العربية القديمة كحضارات ما بين النهرين (السومرية والبابلية) والحضارة المصرية القديمة وحضارات بلاد الشام، وعرفت عمان ككيان سياسي منذ ما قبل الإسلام وذاكرة التاريخ تسطّر لنا أحداثا عظيمة وقعت على أرض عمان ساهم فيها قادة عظام مازالت المصادر المحلية والخارجية تتحدث عنهم وعن منجزاتهم، وهنا أود الإكبار والإجلال لفكرة إنتاج مسلسل عمان في التاريخ كعمل إعلامي كبير أبرز من خلاله مراحل مختلفة من تاريخ عمان، ولكن مع ذلك للأسف الشديد أن التاريخ العماني يشكل غيابا نسبيا عن الساحة الإعلامية العربية وربما يعود ذلك إلى غياب الثقافة والإعلام العماني عن تسليط الأضواء المكثفة على هذا التاريخ، وكذلك تواضع أعمال النشر والمطبوعات، وهذه حقائق تحاول المؤسسات المعنية الارتقاء بها إلا أن الطموح اكبر مما هو عليه الحال؟!
عندما تفتقد روزنامة التاريخ العماني وتغيب ذاكرة الوطن، فهذا يعني أن هناك حلقة مفقودة تعبر عن تواضع الشأن الثقافي والإعلامي المحلي، فذاكرة التاريخ العماني زاخرة بالأعلام والمناسبات المهمة التي تتطلب قراءتها قراءة مستفيضة وإبرازها بشكل متميز تعبر عن اعتزازنا بهذا التاريخ الخالد، وليس من المبالغة في شيء إذا ما احتفل الوسط الثقافي العماني في مناسبات وذكريات سطّرها أولئك الأعلام، فالتاريخ العماني مليء بالأعلام والقادة العظام فالأئمة ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف وبلعرب بن سلطان وسيف بن سلطان كانت لهم أعمال جليلة في توحيد البلاد في حقبة مهمة من حقب التاريخ والتخلص من النفوذ الخارجي وطرد المحتلين، ومن لا يعرف انجازات الإمام أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية الذي قاد البلاد في فترة حرجة، والتاريخ يذكر السلطان سعيد بن سلطان الذي بلغت عمان في عهده أوج نشاطها وهناك انجازات عديدة لسلاطين عمان خلدها التاريخ، وسوف يذكر التاريخ حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بكثير من الإجلال والتقدير فهو باني نهضة عمان الحديثة وقائد الدولة العصرية الذي تحقق في عهده الأمن والاستقرار والنماء، فكل هؤلاء الأعلام تظل انجازاتهم خالدة وتتطلب من الوطن الوقوف عليها والاحتفاء بها عندما تدق ساعة الذاكرة.
وعودا على بدء نتحدث عن بعض الأعمال التي قام بها الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب بـ(قيد الأرض) الذي يعتبر من اشهر الأئمة اليعاربة، وهو القائد العماني الذي استطاع إجلاء البرتغاليين نهائيا عن المنطقة وملاحقتهم في شرقي أفريقيا والمحيط الهندي وفي عهده برز الأسطول العماني بشكل لافت فكانت الأساطيل الغربية تهابه كما يذكر المؤلف محمود شاكر في موسوعة تاريخ الخليج العربي، وأضاف أن عمان بلغت أوج قوتها في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي(1681-1711م) واهتم اهتماما كبيرا بالأسطول حتى صار أقوى أسطول في المنطقة، كما وصف بعض الرحالة الأوروبيين عمان وأسطولها في تلك الفترة منهم الكابتن شارلز لوكر الذي زار مسقط عام 1706م ووصف أسطول الإمام بقوله " إنه يتألف من أربع عشرة سفينة حربية وعشرين سفينة تجارية، وإحدى السفن الحربية تحمل 70 مدفعا ولا توجد سفينة تحمل أقل من 20 مدفعا كما يضيف مؤلف الكتاب أن الإمام حذر الدول الأوروبية من مساعدة الفرس ضد العرب وبأن مصيرهم سيكون نفس مصير البرتغاليين، وهذه ملامح قليلة من تاريخ عمان في عهد الإمام سيف بن سلطان اليعربي كما يذكر المؤلف، واستطاع في ظرف قصير مد نفوذه إلى مناطق شاسعة في شرقي أفريقيا، وهو ما أسس لتوسع وانفتاح عماني عربي لاحقا في القارة الأفريقية وصولا إلى القارة الهندية، كما ساهم الإمام سيف بن سلطان في تطوير نظام الري ويقال إنه غرس في عمان ثلاثين ألف نخلة وستة آلاف من النارجيل وغرس أشجار مثل الزعفران والبن، ونظم الإمام بعض المسائل الإدارية في شؤون الدولة وبالتالي فهو يعتبر من أقوى الأئمة اليعاربة نفوذا وسلطانا، وبلا شك هناك العديد من المصادر التاريخية تستطرد في سيرته، وبالفعل تشعر بالفخر عندما تقرأ في ذلك التاريخ وخاصة من خلال المصادر الخارجية، وتشعر بالفخر أن هذا الوطن يستند على ذاكرة تاريخية عميقة، هذه الذاكرة تستحق من ينبش فيها ويحتفي بها في مثل هذه المناسبات المهمة والمئويات التي لا تتكرر كثيرا وإن كان من الواجب الاحتفاء بكل مناسبة في التاريخ العماني في توقيتها فهو يعبر عن الصورة الثقافية لهذا الوطن، ومن هنا فالدعوة صريحة لمختلف المؤسسات الثقافية والإعلامية العمانية لإعطاء هذه المناسبة حقها من الاحتفاء والوقت ما زال متاحا ومن الممكن تدارك هذه الذكرى، فهذا العام بأكمله يعتبر الموافق للذكرى المئوية الثالثة لرحيل الإمام سيف بن سلطان اليعربي وبالإمكان الاحتفاء في أي وقت بهذه المناسبة .
خميس بن عبيد القطيطي
كاتب عماني
alqtiti@hotmail.com