بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ربما يكون هذا العنوان غريبًا على مسامع الكثيرين مسلمين وغير مسلمين، وربما يسارع الكثيرون بكل حمية وازدراء وينكرون مثل هذه العناوين الصادمة لهم ولغيرهم، ظنًا منهم أن مقام البابوية أسمى وأرفع من ذلك الصغار الذي يكلل دافع الجزية، وأن كرسي البابوية خارج نطاق الطموحات الإسلامية، والحملات الجهادية، ولكن التاريخ الزاخر بكثير من مواقف العزة والبطولة يأبى على من يكذب ويستغرب، وهذه صفحة من صفحات كتاب العزة التي سطرها المجاهدون الأوائل، بدمائهم وأرواحهم، ووصلوا بها لقلب أوروبا حيث مركز النصرانية العالمية، وأجبروا البابا نفسه علي دفع الجزية للحكومة الإسلامية، وللعلم معظم الأحداث التي سنرويها مستقاة من المراجع الأوروبية نفسها وكما قيل من قبل الفضل ما شهد به الأعداء.
المسلمون سادة البحار:
كان العرب في بادئ الأمر يهابون ركوب البحر ويخشون من غوائله وما حيك عنه من أساطير في التراث الشعبي عندهم، ولا يلجأون لذلك إلا عند الضرورة، واستمر الحال بعد الإسلام وحرص المسلمون أولاً على عدم ركوب البحر إلا للضرورة، ولكن مع تحرك عجلة الفتوحات الإسلامية خارج نطاق الجزيرة العربية أخذ المسلمون في ركوب البحر شيئًا فشيئًا، أولاً لرد عادية الروم الذين كانوا سادة البحار وقتها، ثم لنقل عجلة الفتوحات الإسلامية إلى الجبهة الأوروبية، فحاصر المسلمون القسطنطينية ثلاثة مرات، الأولي سنة 44 هجرية، والثانية سنة 49 هجرية، والثالثة سنة 99 هجرية، وخلال التجارب الثلاثة شعر المسلمون بحاجتهم للتعرف على أسرار البحر وفنون الملاحة فيه أكثر مما هم عليه, فمكثوا حينًا من الدهر في دراسته وسبر أغواره، فكان القرن الثاني الهجري والثامن الميلادي هو عصر التجارب البحرية بالنسبة للأساطيل الإسلامية، ولكن لم يبزغ فجر القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي، حتى تبدلت الحال وأصبح المسلمون سادة البحار بلا منازع، وتحركت الأساطيل الإسلامية تمخر عباب البحار من أقصاها إلى أقصاها، تفتح جزائره وتثخن في شواطئه وثغوره، ويصف ابن خلدون عصر هذه السيادة البحرية قائلاً: [وكان المسلمون لعهد الدولة الإسلامية قد غلبوا على هذا البحر – يقصد المتوسط – من جميع جوانبه، وامتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم، فكانت لهم المقامات المعلومة من الفتح والغنائم، وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل مثل ميورقة ومنورقة ويابسة وسردانية وصقلية وقوصرة ومالطة وكريت وقبرص وسائر ممالك الروم والفرنج، لم يكن للأساطيل النصرانية قبل بأساطيل المسلمين، وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه].
والعجيب في هذه السيادة البحرية أن معظم هذه الأساطيل الإسلامية كانت مؤلفة من غزاة البحر المتطوعين، ولم يكونوا منضمين لجيوش الخلافة النظامية، أي لم يكن للخلافة الإسلامية ولا للدول التي خرجت عن عباءة الخلافة فضل كبير في إحراز هذه السيادة، قدر فضل المجاهدين المتطوعين من أمراء البحر المسلمين، وكانت شواطئ صقلية تحديدًا ملاذًا آمنًا ونقطة انطلاق مستمرة للعصبة المجاهدة من غزاة البحر المسلمين، وكانت صقلية وقتها تابعة لدولة بني الأغلب في شمال إفريقيا، وهي دولة ظهرت من عباءة الخلافة العباسية سنة180هجرية وكان لها دور رائع في الجهاد البحري وفتح كثير من جزائر البحر المتوسط.
المسلمون وفتح روما:
ليس في سير الحملات البحرية الإسلامية أغرب ولا أمتع من غزو المسلمين لمدينة روما القديمة، فقد غزا المسلمون مدينة القياصرة مرتين، وللأسف الشديد لا يوجد في المراجع الإسلامية أخبار عن هذه الغزوات ومثلها إلا الشيء النزر؛ ذلك لأن معظم هذه الغزوات كما قلنا كانت بواسطة المجاهدين المتطوعين بعيدًا عن سلطة الخلافة، ما جعل المؤرخين المسلمين لا يعرفون معظم هذه البطولات والفتوحات، ومعظم المعلومات عن هذه الغزوات مستقى من المراجع الأوروبية.
وخلاصة القول في هذه الملحمة العظيمة أن المجاهدين المتطوعون قرروا بعد التشاور فيما بينهم علي غزو مدينة روما وعرضوا الفكرة علي حكومة صقلية وواليها [الفضل بن جعفر الهمذاني] فرفع الأمر بدوره إلي أمير الأغالبة وقتها [أبي العباس محمد بن الأغلب] فأعجبته الفكرة وأمد المجاهدين بكميات من العتاد والمؤن والرجال، وانطلقت الحملة البحرية سنة 231هجرية نحو سواحل إيطاليا حتى وصلت إلى مصب نهر تفيري وتقع روما عند منتهى هذا النهر، وكانت أسوار مدينة روما وقتها لا تشمل كل المدينة القديمة، بل كان الحي الديني والذي فيه كنيستا بطرس وبولس الشهيرتين، وطائفة كبيرة من المعابد والهياكل والقبور القديمة خارجًا عن الأسوار، وقد تركت بلا حراسة ظنًا من النصارى أنها منطقة مقدسة محمية من السماء! فانقض المجاهدون على ذلك الحي وغنموا كل كنوزه وكانت فوق الوصف، ثم ضربوا الحصار علي مدينة القياصرة، وأوشكت المدينة علي السقوط، فارتاع البابا سرجيوس الثاني بابا روما وقتها من الهجوم الشامل وأرسل نداءات استغاثة لملوك وأمراء أوروبا، فبادر إمبراطور الفرنج وقتها لويس الثاني بإرسال حملة كبيرة من جنوده لنجدة روما وكنائسها، ونظرًا للخلافات التي دبت بين زعماء الحملة المسلمين أنفسهم، رفع المسلمون الحصار وعادوا إلى صقلية مثقلين بالغنائم والأسرى.
كشفت هذه المحاولة الجريئة التي قام بها المجاهدون المسلمون عن مدى ضعف مدينة روما التي كانت يومًا ما عاصمة العالم القديم، ومركز النصرانية العالمية, وهشاشة دفاعاتها، فقرر المسلمون معاودة الكرة مرة أخرى ريثما تسنح الفرصة، وكان ذلك سنة 256 هجرية، وبدعم قوى من أمير الأغالبة وقتها [محمد بن أحمد بن الأغلب] وكان هذا الأمير قد نجح قبل ذلك بعام واحد في فتح جزيرة مالطة أي سنة 255 هجرية، فارتفع سقف طموحاته لنيل شرف فتح روما، وبالفعل اجتمعت أساطيل المجاهدين مع أساطيل الأغالبة، وساروا علي نفس طريق الحملة السابقة حتى وصلوا إلى مصب نهر تفيري، فأسرع بابا روما وقتها وهو ليون الرابع وقد تعلم من الدرس من الغزوة السابقة، أسرع وطلب من أساطيل جنوة ونابولي رد الحملة البحرية المسلمة على روما، ونشبت عند مياه ميناء أوستيا معركة بحرية هائلة بين الفريقين، كاد المسلمون فيها أن يسحقوا الأساطيل النصرانية، لولا هبوب عاصفة بحرية مدوية علي أوستيا، أدت إلى توقف القتال.
لم تثن هذه العاصفة القوية من عزم المسلمين ورغم خسائرهم الكبيرة من جراء العاصفة، إلا أنهم أصروا علي مواصلة الغزوة، وحاصروا المدينة بمنتهى القوة حتى أوشكت علي السقوط، ما دفع بابا روما يوحنا الثامن الذي خلف ليون الرابع الذي هلك حزنًا على مصاب النصرانية، لأن يرضخ لشروط المسلمين، ويدفع لهم الجزية سنويًا وقدرها خمسة وعشرون ألف مثقال من الفضة، وكان وقع ذلك الأمر شديدًا على الأمم النصرانية عامة وفي أوروبا خاصة، إذ كيف يدفع البابا الجزية للمسلمين، ولكنها الحقيقة التاريخية الثابتة والتي لا يتطرق إليها الشك, فهي مما شهد به الأعداء وسطروه في كتبهم رغم أنه يخزيهم ويحزنهم، وهي أيضًا واحدة من مشاهد العزة والكرامة والبطولة في الأيام الخالية، المسلمون الآن في حاجة للتعرف عليها والاستفادة منها والتدبر فيها.
http://www.islammemo.cc/zakera/mwakef/2008/05/27/64588.html
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ربما يكون هذا العنوان غريبًا على مسامع الكثيرين مسلمين وغير مسلمين، وربما يسارع الكثيرون بكل حمية وازدراء وينكرون مثل هذه العناوين الصادمة لهم ولغيرهم، ظنًا منهم أن مقام البابوية أسمى وأرفع من ذلك الصغار الذي يكلل دافع الجزية، وأن كرسي البابوية خارج نطاق الطموحات الإسلامية، والحملات الجهادية، ولكن التاريخ الزاخر بكثير من مواقف العزة والبطولة يأبى على من يكذب ويستغرب، وهذه صفحة من صفحات كتاب العزة التي سطرها المجاهدون الأوائل، بدمائهم وأرواحهم، ووصلوا بها لقلب أوروبا حيث مركز النصرانية العالمية، وأجبروا البابا نفسه علي دفع الجزية للحكومة الإسلامية، وللعلم معظم الأحداث التي سنرويها مستقاة من المراجع الأوروبية نفسها وكما قيل من قبل الفضل ما شهد به الأعداء.
المسلمون سادة البحار:
كان العرب في بادئ الأمر يهابون ركوب البحر ويخشون من غوائله وما حيك عنه من أساطير في التراث الشعبي عندهم، ولا يلجأون لذلك إلا عند الضرورة، واستمر الحال بعد الإسلام وحرص المسلمون أولاً على عدم ركوب البحر إلا للضرورة، ولكن مع تحرك عجلة الفتوحات الإسلامية خارج نطاق الجزيرة العربية أخذ المسلمون في ركوب البحر شيئًا فشيئًا، أولاً لرد عادية الروم الذين كانوا سادة البحار وقتها، ثم لنقل عجلة الفتوحات الإسلامية إلى الجبهة الأوروبية، فحاصر المسلمون القسطنطينية ثلاثة مرات، الأولي سنة 44 هجرية، والثانية سنة 49 هجرية، والثالثة سنة 99 هجرية، وخلال التجارب الثلاثة شعر المسلمون بحاجتهم للتعرف على أسرار البحر وفنون الملاحة فيه أكثر مما هم عليه, فمكثوا حينًا من الدهر في دراسته وسبر أغواره، فكان القرن الثاني الهجري والثامن الميلادي هو عصر التجارب البحرية بالنسبة للأساطيل الإسلامية، ولكن لم يبزغ فجر القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي، حتى تبدلت الحال وأصبح المسلمون سادة البحار بلا منازع، وتحركت الأساطيل الإسلامية تمخر عباب البحار من أقصاها إلى أقصاها، تفتح جزائره وتثخن في شواطئه وثغوره، ويصف ابن خلدون عصر هذه السيادة البحرية قائلاً: [وكان المسلمون لعهد الدولة الإسلامية قد غلبوا على هذا البحر – يقصد المتوسط – من جميع جوانبه، وامتطوا ظهره للفتح سائر أيامهم، فكانت لهم المقامات المعلومة من الفتح والغنائم، وملكوا سائر الجزائر المنقطعة عن السواحل مثل ميورقة ومنورقة ويابسة وسردانية وصقلية وقوصرة ومالطة وكريت وقبرص وسائر ممالك الروم والفرنج، لم يكن للأساطيل النصرانية قبل بأساطيل المسلمين، وعظمت صولتهم وسلطانهم فيه].
والعجيب في هذه السيادة البحرية أن معظم هذه الأساطيل الإسلامية كانت مؤلفة من غزاة البحر المتطوعين، ولم يكونوا منضمين لجيوش الخلافة النظامية، أي لم يكن للخلافة الإسلامية ولا للدول التي خرجت عن عباءة الخلافة فضل كبير في إحراز هذه السيادة، قدر فضل المجاهدين المتطوعين من أمراء البحر المسلمين، وكانت شواطئ صقلية تحديدًا ملاذًا آمنًا ونقطة انطلاق مستمرة للعصبة المجاهدة من غزاة البحر المسلمين، وكانت صقلية وقتها تابعة لدولة بني الأغلب في شمال إفريقيا، وهي دولة ظهرت من عباءة الخلافة العباسية سنة180هجرية وكان لها دور رائع في الجهاد البحري وفتح كثير من جزائر البحر المتوسط.
المسلمون وفتح روما:
ليس في سير الحملات البحرية الإسلامية أغرب ولا أمتع من غزو المسلمين لمدينة روما القديمة، فقد غزا المسلمون مدينة القياصرة مرتين، وللأسف الشديد لا يوجد في المراجع الإسلامية أخبار عن هذه الغزوات ومثلها إلا الشيء النزر؛ ذلك لأن معظم هذه الغزوات كما قلنا كانت بواسطة المجاهدين المتطوعين بعيدًا عن سلطة الخلافة، ما جعل المؤرخين المسلمين لا يعرفون معظم هذه البطولات والفتوحات، ومعظم المعلومات عن هذه الغزوات مستقى من المراجع الأوروبية.
وخلاصة القول في هذه الملحمة العظيمة أن المجاهدين المتطوعون قرروا بعد التشاور فيما بينهم علي غزو مدينة روما وعرضوا الفكرة علي حكومة صقلية وواليها [الفضل بن جعفر الهمذاني] فرفع الأمر بدوره إلي أمير الأغالبة وقتها [أبي العباس محمد بن الأغلب] فأعجبته الفكرة وأمد المجاهدين بكميات من العتاد والمؤن والرجال، وانطلقت الحملة البحرية سنة 231هجرية نحو سواحل إيطاليا حتى وصلت إلى مصب نهر تفيري وتقع روما عند منتهى هذا النهر، وكانت أسوار مدينة روما وقتها لا تشمل كل المدينة القديمة، بل كان الحي الديني والذي فيه كنيستا بطرس وبولس الشهيرتين، وطائفة كبيرة من المعابد والهياكل والقبور القديمة خارجًا عن الأسوار، وقد تركت بلا حراسة ظنًا من النصارى أنها منطقة مقدسة محمية من السماء! فانقض المجاهدون على ذلك الحي وغنموا كل كنوزه وكانت فوق الوصف، ثم ضربوا الحصار علي مدينة القياصرة، وأوشكت المدينة علي السقوط، فارتاع البابا سرجيوس الثاني بابا روما وقتها من الهجوم الشامل وأرسل نداءات استغاثة لملوك وأمراء أوروبا، فبادر إمبراطور الفرنج وقتها لويس الثاني بإرسال حملة كبيرة من جنوده لنجدة روما وكنائسها، ونظرًا للخلافات التي دبت بين زعماء الحملة المسلمين أنفسهم، رفع المسلمون الحصار وعادوا إلى صقلية مثقلين بالغنائم والأسرى.
كشفت هذه المحاولة الجريئة التي قام بها المجاهدون المسلمون عن مدى ضعف مدينة روما التي كانت يومًا ما عاصمة العالم القديم، ومركز النصرانية العالمية, وهشاشة دفاعاتها، فقرر المسلمون معاودة الكرة مرة أخرى ريثما تسنح الفرصة، وكان ذلك سنة 256 هجرية، وبدعم قوى من أمير الأغالبة وقتها [محمد بن أحمد بن الأغلب] وكان هذا الأمير قد نجح قبل ذلك بعام واحد في فتح جزيرة مالطة أي سنة 255 هجرية، فارتفع سقف طموحاته لنيل شرف فتح روما، وبالفعل اجتمعت أساطيل المجاهدين مع أساطيل الأغالبة، وساروا علي نفس طريق الحملة السابقة حتى وصلوا إلى مصب نهر تفيري، فأسرع بابا روما وقتها وهو ليون الرابع وقد تعلم من الدرس من الغزوة السابقة، أسرع وطلب من أساطيل جنوة ونابولي رد الحملة البحرية المسلمة على روما، ونشبت عند مياه ميناء أوستيا معركة بحرية هائلة بين الفريقين، كاد المسلمون فيها أن يسحقوا الأساطيل النصرانية، لولا هبوب عاصفة بحرية مدوية علي أوستيا، أدت إلى توقف القتال.
لم تثن هذه العاصفة القوية من عزم المسلمين ورغم خسائرهم الكبيرة من جراء العاصفة، إلا أنهم أصروا علي مواصلة الغزوة، وحاصروا المدينة بمنتهى القوة حتى أوشكت علي السقوط، ما دفع بابا روما يوحنا الثامن الذي خلف ليون الرابع الذي هلك حزنًا على مصاب النصرانية، لأن يرضخ لشروط المسلمين، ويدفع لهم الجزية سنويًا وقدرها خمسة وعشرون ألف مثقال من الفضة، وكان وقع ذلك الأمر شديدًا على الأمم النصرانية عامة وفي أوروبا خاصة، إذ كيف يدفع البابا الجزية للمسلمين، ولكنها الحقيقة التاريخية الثابتة والتي لا يتطرق إليها الشك, فهي مما شهد به الأعداء وسطروه في كتبهم رغم أنه يخزيهم ويحزنهم، وهي أيضًا واحدة من مشاهد العزة والكرامة والبطولة في الأيام الخالية، المسلمون الآن في حاجة للتعرف عليها والاستفادة منها والتدبر فيها.
http://www.islammemo.cc/zakera/mwakef/2008/05/27/64588.html