أضواء كاشفة
.. وانتصرت إرادة المصريين
أخيرا انتصرت إرادة الشعب المصري وولدت الشقيقة مصر من جديد.. فقد انتصرت إرادة شعبه القوية حين وقف في وجه قائده وأجبره على التنحي عن منصبه وتفويض القوات المسلحة لإدارة شئون البلاد.
إن الثورة الشعبية المصرية سوف يسجلها التاريخ على أنها من الثورات الحضارية ذات النكهة العصرية للنضال.. فهي على مدار أيامها الثمانية عشرة كانت ثورة سلمية بيضاء تظاهر فيها جميع فئات الشعب بصورة هادئة وباستخدام عبارات بسيطة عبرت عن مطالب الشعب وذلك تحت حماية الجيش الذي لم يطلق رصاصة واحدة مقدرا حق الشعب في التظاهر السلمي والمطالبة بحقوقه وهو ما أذهل العالم كله.
لا شك أن الثورة المصرية غيرت نظرة العالم وجعلته يعيد حساباته تجاه قدرات الشعب العربي والانترنت لما له من قوة مؤثرة خاصة المواقع الاجتماعية مثل الفيس بوك وتويتر التي كانت بمثابة الحضانة التي أفرخت هذه الثورة حيث لعبت دورا هاما في تجميع الشباب وتوحيد رؤاهم حول الإصلاح والتغيير.
لقد أخطأنا جميعا عندما كنا نلوم شبابنا العربي لجلوسهم لفترات طويلة على الانترنت معتقدين أن تواصلهم مجرد تفاهات للتحدث عن أحدث ألبومات المطربين أو طرازات الهواتف النقالة والنغمات الخاصة بها أو ألعاب الحاسوب .. فقد اتضح أن مثل هذا التواصل سبب صحوة جيل عربي مثقف واع لما يدور حوله من تحديات وأن الثقافات الوافدة وفضائيات العري الغربية التي تسعى لتدمير أخلاقه ومبادئه فشلت في طمس هويته وتغريبه عن وطنيته وإبعاده عن قضاياه المصيرية.
إن هذا الجيل الأعزل الذي لا يملك سوى سلاح الاتصال الإلكتروني استطاع أن يقوم بما لا يستطيع أن يقوم به الانقلاب العسكري أحيانا .. فالتنازلات التي قدمها النظام السابق تباعا والتي انتهت بتنحيه عن الرئاسة لم تثن الشعب عن خيار الديمقراطية التي تظاهر من أجلها منذ البداية .. فكان الانتصار حليف صاحب النفس الأطول.
أعجبني أن الثورة جمعت بين حماس الشباب والطرافة في ذات الوقت حيث غلبت عليها روح السخرية والتهكم من النظام ما أضفى عليها جوا من المرح في بعض الأحيان من خلال التعليقات الطريفة والأغاني الساخرة وليس كدأب الثورات التقليدية التي تتسم بالغضب والعنف لدرجة أن حالات زواج تمت أثناء التظاهر وهذا ما يعطيها نكهة خاصة تتميز بها عن ثورات التاريخ أجمع.
إن الثورة المصرية لا تعني المصريين فقط بل العالم العربي والشرق الأوسط فالشعوب العربية تحترم إرادة الشعب المصري الأبي ورغبته في التغيير والحصول على الديمقراطية وتقدر دور القوات المسلحة المصرية التي استطاعت أن تحتوي الأزمة وتديرها بكل كفاءة واقتدار.
نتمنى أن يعم الاستقرار والأمن الشقيقة مصر وأن تستعيد هدوءها وأن ينظر أبناؤها للمستقبل ويلتفتوا لمصلحة بلادهم العليا وأن يعملوا على بنائها وإعمارها وتحقيق العدالة التي طالما نشدها المواطنون فيقل الفقر والبطالة ويستفيد جميع الشعب من خيراتها .. كما نتمنى أن تعيد هذه الثورة لمصر مكانتها الإقليمية ودورها الريادي في العالم العربي فتسعى لحل مشاكله طبقا للشرعية الدولية دون الانصياع لأية إملاءات خارجية.
* * *
غلاء الأسعار شبح يهدد المجتمع العماني
ذهبت على غير العادة مع عائلتي لشراء بعض الحاجيات التي تنقص البيت من سلع غذائية وبعض الأشياء الأخرى وصدمت عندما دفعت مبلغا خياليا لم أتوقعه ثمنا للمشتريات التي تسوقناها نتيجة ارتفاع في الأسعار لم أكن أعلمه نظرا لأن زوجتي كانت تقوم وحدها بمهمة الشراء لانشغالي في عملي فلا أخفيكم أنني أوكل بمسئولية المنزل بالكامل لزوجتي وعندما سألتها منذ متى والأسعار بهذا الشكل الجنوني أجابتني أنها تزداد شيئا فشيئا كل شهر تقريبا وهذا الشهر أيضا شهدت ارتفاعا ملحوظا.
شردت للحظات وتساءلت في نفسي عما يفعل فئات الضمان الاجتماعي والمتقاعدين وذوي الدخل المحدود في ظل ارتفاع غول الأسعار هذا الذي يلتهم مبالغ كبيرة تستلزم مرتبات مرتفعة كي يستطيع الإنسان أن يعيش عيشا كريما فأكثر ما يؤرق بال الإنسان هو لقمة عيشه.
لاشك أن استقرار الأسعار تحت مظلة معقولة يحقق الأمان للمجتمع ويعطي الشعور بالطمأنينة للمواطن ما سينعكس بشكل مباشر في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية أما عندما ترتفع الأسعار فإن المواطن لن يفكر سوى في كيفية تدبير النفقات اللازمة لكي يواصل حياته بصورة كريمة حتى آخر الشهر موعد استحقاق الراتب.
جميعنا يعلم أن ارتفاع الأسعار يكون عالميا وليس على المستوى المحلي فقط لكن من المؤكد أن هناك حلولا كثيرة تجعل هذا الارتفاع غير مبالغ فيه ويراعي إمكانيات كافة فئات المجتمع ولعل العبء الأكبر يقع على عاتق الحكومة في اتخاذ التدابير اللازمة للحد من ارتفاع الأسعار وإيقاف أصحاب شركات السلع الكبرى عند حدهم ليوقفوا قطار الغلاء الذي يسير دون توقف بسرعة جنونية.
إن السوق العماني يشهد ارتفاعا ليس في المواد الغذائية فقط بل في قطاعات أخرى مختلفة لا سيما تلك التي تدخل كمواد خام في بعض الصناعات كالطحين والزيوت والحليب أو مواد البناء أو الملابس والأقمشة حتى المفروشات والمواد الصحية وغيرها بالإضافة إلى القطاعات الخدمية مثل الحلاقة والكي والصيانة جميعها شهد ارتفاعا في الأسعار.. كل ما يحتويه السوق تنتابه نوبة مجنونة من الغلاء.
للأسف المطالبات والاقتراحات والمبادرات التي تقوم بها بعض مؤسسات المجتمع المدني لا تجاوز الأدراج وتبقى دائما حبرا على ورق وتنتظر من ينفذها وينقذ السوق من حالة عدم الاستقرار التي تصيبه ويخرج ذوو الدخل المحدود من معضلة آخر الشهر خاصة أن مرتباتهم تقف محلك سر ولا يطرأ عليها نفس الزيادة التي تنتاب السوق.
لقد آن الأوان لكي تتدخل حكومتنا الرشيدة وتضع حدا للارتفاع غير المبرر للأسعار عن طريق مراقبة ومتابعة السوق أولا بأول مع التنبيه على الشركات الكبرى ألا تستغل الأوضاع الصعبة التي تمر بها المنطقة كي ترفع الأسعار بصورة مبالغ فيها.. كما نتمنى من الحكومة أن تنظر بعين الرأفة إلى مرتبات ذوي الدخل المحدود سواء صغار الموظفين أو فئات الضمان الاجتماعي أو المتقاعدين وغيرهم فتعمل على تحسين دخولهم بصورة تكفل لهم العيش الكريم.
إن الشعب العماني استطاع أن يتعامل مع المعطيات الحضارية فأصبح ينتج ويبدع ويلحق بركب التقدم .. زرع فأثمر الزرع وبنى فارتفع البنيان وارتفعت معه العقول والأبصار .. كل ذلك ما كان ليتحقق لولا السياسة الحكيمة والتوجيهات الرشيدة لمولانا جلالة السلطان المعظم .. لذلك فمن حقه أن ينعم بالرخاء وراحة البال والاطمئنان على مستقبل الأولاد.
لا شك أنه قد أثلج صدورنا جميعا إعلان معالي الشيخ عبدالله بن ناصر البكري وزير القوى العاملة عن دراسة لرفع الحد الأدنى لأجور العاملين في القطاع .. ونتمنى أن يشمل هذا العطف باقي فئات المجتمع ذات الدخل المحدود.
إن جيوب المستهلكين تئن وتستنجد بمن ينقذها من وحش الغلاء الذي يقضي على آخر بيسة فيها ولقد عهدنا دائما أن الكرم والحرص على الإنسان العماني وراحته صفة من صفات قائدنا المفدى كما أن جلالته يشعر بنبض المواطن وما يعانيه من ضيق مادي نتيجة توحش غلاء المعيشة وارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى جانب مصاريف الدراسة وغيرها من الالتزامات التي تؤرق بال كل مواطن.. لذا نتمنى أن يصدر جلالته أوامره السامية التي تخرج ذوي الدخل المحدود من الدوامة التي يقبعون فيها فيشعرون بالرخاء ويتذوقون ثمار النهضة المباركة بالكيفية التي يراها مناسبة .. فاهتمام القائد بالمواطن ومدى تواصله معه عبر الإحساس بمعاناته وتلبية احتياجاته في وقتها المناسب دليل قاطع على فكره المستنير وقلبه الحنون.
أدام الله بقاء قائدنا المفدى ووفقه لما فيه خير البلاد والعباد وسدد على طريق الخير خطاه إنه نعم المولى ونعم النصير.
* * *
آخر كلام
الرجال لا تقاس بعددها ولكن تقاس بإيمانها وعقيدتها.
المصدر جريدة الوطن