جعلاني ولي الفخر
✗ ┋ جًعًلٌأَنٌيِ وَلِيَ أُلّفّخِرَ أُلٌمًسًرًۇۈۉرً
السلطنة هي الوحيدة في العالم التي تحتوي جبالها صخور "البريدوتايت"
مقترح علمي لتخليص العالم من "ظاهرة الاحتباس الحراري" يضع بيئتنا على المحك
عالم أميركي يقدم مقترحًا بدفن غاز ثاني أكسيد الكربون في جبال السلطنة
رئيس قسم علوم الأرض: مقترح بحثي لجامعة السلطان قابوس للاستفادة من صخور "البريدوتايت" بدون آثار جانبية
رئيس جمعية الجيولوجيين: لا نريد لأرضنا أن تكون حقلاً للتجارب ومقترح "كليمن" غير مأمون النتائج
رئيس قسم الصحة المهنية: زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة (5%) كفيلة بالموت
ليس ضربًا من الخيال ولا المبالغة إذا ما علمنا أن خلاص كرتنا الأرضية من ظاهرة الاحتباس الحراري موجود على أرض السلطنة، وأن العالم أجمع سيدين في يوم ما لهذه الأرض الطيبة لإنقاذه من الكوارث التي أهلكت الحرث والنسل، وكلفت الدول مليارات الدولارات، بعد أن سحقت بناها الأساسية وأغرقت محاصيلها ومشاريعها، وباتت تلك الكوارث الكابوس الأكبر الذي يجول بمنجله ليحصد أرواح الأبرياء وأرزاقهم.
ليس بمستغرب كل هذا الكلام، إذا ما علمنا أن صخور الـ "بريدوتايت" التي تغطي جزءًا واسعًا من السلطنة قادرة على امتصاص (1000) مرة أكثر مما تضخه البشرية من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويًّا، حيث تستطيع امتصاص ما يقارب 30 ألف مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
وفي سابقة علمية تمكن الباحث بيتر كليمن البروفيسور في جامعة كولومبيا بنيويورك من ابتكار طريقة لتسريع عملية امتصاص هذه الصخور لثاني اكسيد الكربون، من شأنها أن تخلص العالم من هذا الغاز الذي يعتبر أبرز وأكبر مسبب لظاهرة الاحتباس الحراري.
إلى هنا قد يبدو الأمر مغرقًا في الرومانسية .. إلا أن الصورة ليست بالوردية التي تحدثنا بها سابقًا، في ظل وجود العزم والنية على دراسة مشروع الباحث بيتر كليمن، فمع المعرفة المسبقة في القدرة الطبيعية لهذه النوعية من الصخور على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون من خلال التفاعل مع الماء، إلا ان الوضع لا يبدو عاديًّا إذا ما علمنا ان الدراسة تهدف إلى ما يشبه دفن هذا الغاز على أرضنا، من خلال حفر آبار تصل إلى عمق ثلاثة كيلو مترات، وضخ كمية من الضغط العالي لعمل تشققات في قاع البئر، ومن ثم دفن غاز ثاني اكسيد الكربون بكميات كبيرة في باطن الأرض.
الوضع يبدو هنا أشبه بالحديث عن سعي بعض الدول المتقدمة إلى استغلال أراض شاسعة من إفريقيا وتحويلها إلى مردم لنفايات اليورانيوم والعوادم الأخرى، وما جرته هذه العملية من ويلات وخراب وأمراض وتلوث.. الصورة الوردية السابقة تحولت إلى صورة مخيفة هنا!
فأي تشقق في تلك البئر يجد طريقه إلى السطح، يعني أن غاز ثاني أكسيد الكربون سيتسرب إلى الأعلى، ما يعني تلوثًا حقيقيًّا سيصيب الجو، وتركيزًا عاليًا من هذا الغاز سيملأ سماءنا.. ولأن العملية لم يتم تجربتها بشكل عملي واسع، فإن مخاطرها تبقى قائمة ومفتوحة على كل الاحتمالات!
من هنا تداعت لدي جملة من التساؤلات المخيفة: هل سنرتضي التفريط في هذه الأرض إذا ما كان حجم الخسائر البيئية والصحية والانسانية كبيرًا؟ هل سنرتضي للأجيال القادمة أن تأتي لتجد اننا حولنا هذه الأرض الطيبة إلى فضاء غارق في التلوث؟ هل يمكن أن نبيع هذا الإرث الجيولوجي الذي وهبه الله لهذه الأرض بحفنة من المال، في سبيل إرضاء الدول الصناعية الكبرى؟ وهل نتائج هذا الابتكار الذي قدمه الباحث هو مأمون الجانب ومضمون النتائج؟ وما هي التداعيات السلبية التي قد يسببها تبني هذا المشروع؟ وهل نشتري مستقبل هذه الأرض برضى البعض؟... أسئلة كثيرة تداعت علي واحدًا تلو الآخر.. لذا بدأت البحث والتقصي حول هذا الموضوع، لتكون الانطلاقة من جمعية الجيولوجيين العمانية، سعيًا للاقتراب من التركيبة الجيولوجية للسلطنة ومعرفة أسباب نشوء هذه الصخور وأماكن تواجدها، مع السعي للاطلاع على رأي المعنيين في هذه الجمعية حول هذا الأمر.
جمعية الجيولوجيين
لقائي كان مع الدكتور محمود بن سيف المحروقي رئيس جمعية الجيولوجيين العمانية الذي أوضح أن السلطنة هي الدولة الوحيدة في العالم التي توجد بها هذه الكمية الوافرة من صخور البريدوتايت، مع اشتراك بعض المناطق من العالم بهذه الخاصية، ولكن بصورة أقل وفرة ووضوحًا.
* ما هي أماكن تواجد هذه الصخور؟
** توجد هذه الصخور في مناطق واسعة من السلطنة حيث تغطي ما مساحته ثلاثمائة وخمسين كيلومترًا طولاً، وأربعين كيلومترًا عرضًا، ابتداء من شمال السلطنة مرورًا بسلسلة جبال الحجر وحتى المنطقة الشرقية، ويمكن مشاهدتها بصورة واضحة من خلال الجبال ذات الألوان الغامقة التي تتواجد في هذه المنطقة، ويصل عمق هذه الصخور حتى خمسة كيلومترات.
ويمكن ملاحظة طبقة البريدوتايت على جانبي الجبل الأخضر، حيث يرتفع الجبل شاهقًا فيما تتواجد بجانبه بعض الجبال الغامقة الصغيرة، وهذه الجبال هي التي تحوي البريدوتايت، حيث انزلقت منذ ملايين السنين لتصبح بمحاذاة الجبل.
* هل من مخاوف تبدونها أنتم كجيولوجيين، من الدراسة التي تقدم بها الباحث بيتر كليمن؟
** مسألة أن صخور البريدوتايت قادرة على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون ليست مسألة جديدة، فالجميع يعلم مدى قدرة هذه الصخور على امتصاص هذا الغاز من خلال تفاعلها مع الماء، ولكن ما يقدمه بيتر كليمن في بحثه، هو طريقة جديدة لتسريع امتصاص الغاز، من خلال تسخين هذه الصخور بعد ان يتم حفر بئر بعمق ثلاثة كيلومترات ثم ضخ كمية من الضغط لصناعة تشققات في الصخور.
وستعمل الدول على تكثيف غاز ثاني اكسيد الكربون بحيث يكون سائلاً وضغطه في اسطوانات، ليتم دفعه في أسفل البئر في عملية تشبه الدفن، ليتفاعل الغاز بعدها مع هذه الصخور، وبحديثنا عن هذه النقطة تحديدًا نقول: ما الذي يضمن عدم وجود تشققات تنفذ إلى السطح ومن ثم يتسرب إليها الغاز، فإذا ما علمنا أن العديد من دول العالم ستعمل على دفن غاز ثاني اكسيد الكربون في جبال السلطنة، فهذا يعني أن أي تسرب بسيط يعني أن كمية غاز ثاني اكسيد الكربون الموجودة في العالم ستتركز لدينا، وأن نسبة التلوث ستصل إلى مراحل قياسية، وهذا ما يهدد وجود خطر مفاجئ على السلطنة.
من جهة أخرى فإن النظرية أو المقترح الذي تقدم به الباحث لم يتم تجريبه بطريقة عملية موسعة، صحيح انه نظريًّا من المسلمات، ولكن تجربته العملية بطريقة موسعة لم تتم قبل ذلك، فلماذا لا يتم تجربته في صحراء كاليفورنيا أو قبرص أو غينيا الجديدة ـ وهي مناطق توجد بها كمية ضئيلة من صخور البريدوتايت ـ، ومن ثم نرى النتائج. باختصار لا نريد لأرض السلطنة أن تكون مقرًا للتجربة.
هذا غير إذا علمنا أن الدراسة تؤكد أن عملية تفاعل صخور البريدوتايت مع ثاني اكسيد الكربون والماء ينتج عنه عملية تحول تتسبب في زيادة الكتلة الصخرية بنسبة (44%) وهي نسبة كبيرة جدًا، ما يعني أنها ستتسبب في صدوع وحركات كبيرة وينتج عنها عدم ثبات قد تقود إلى انزلاقات أرضية ـ لا قدر الله ـ، وستصبح الأرض في أماكن دفن الغاز غير ثابتة.
* وما هي الحلول من وجهة نظركم كجيولوجيين؟
** نعلم جميعنا أن جيولوجية السلطنة نادرة وفريدة، فضلاً عما توفره للسلطنة من تنوع تضاريسي أوجد بيئة جاذبة لمختلف شرائح الباحثين والعلماء، واستقطبت العديد من السياح، وفقدان هذه الخاصية يفقد السلطنة إحدى ميزاتها التي تنفرد بها دون دول العالم أجمع، ناهيك عن كمية التلوث ـ لا قدر الله ـ التي قد تصيب السلطنة في حال لم ينجح تطبيق الفكرة.
ولسنا على استعداد لأن نفقد هذا الإرث الجيولوجي الذي وهبه لنا الله تعالى، لنستبدله بطريقة قد تجلب لنا من المشاكل ما لا نتوقعه، وقد سمعت عن مشروع بحث تقدمت به جامعة السلطان قابوس يتمثل في اقتطاع هذه الصخور وتصديرها، ويمكنك التعرف على المزيد من خلال المختصين هناك.
* وكيف نشأت صخور البريدوتايت في السلطنة؟
** يمثل وجود صخور البريدوتايت ظاهرة جيولوجية فريدة، فهي صخور من طبقة الفيولايت، وهي الطبقة المحيطية، أي الطبقة التي تبدأ ببداية قاع المحيط، كما انها ليست من الطبقات السطحية المكونة للطبقة المحيطية، فهي طبقة داخلية جدًا، ولا يمكن أن تصعد على السطح حتى مع تصادم الطبقة القشرية (وهي الطبقة التي نعيش عليها).
فعند تصادم الطبقة المحيطية مع الطبقة القشرية يحدث أن تركب الطبقة القشرية على المحيطية، لأنها الأقل كثافة والأقل سمكًا، فيما تكون الطبقة المحيطية هي الطبقة السفلية دائما، ولكن ما حصل في السلطنة هو أمر فريد ونادر، فقد انكسر جزء من الطبقة المحيطية وطفا في الأعلى، وعندما بدأت الطبقة القشرية في الارتفاع منذ ملايين السنين رفعت معها الجزء الطافي من الطبقة المحيطية، وهي الطبقة التي تحتوي على صخور البريدوتايت.
وما يجعل هذه الصخور نادرة جدًا هو أن وجودها الطبيعي يكون عادة على عمق (7 كيلومترات) تحت قاع المحيط، أو (30 كيلومترًا) تحت سطح الأرض.
جامعة السلطان قابوس
محطتي الثانية كانت إلى جامعة السلطان قابوس للتعرف على مشروع البحث الذي تقدمت به الجامعة، ولقائي كان مع الاستاذ الدكتور صبحي جابر نصر رئيس قسم علوم الأرض، الذي قلل من شأن مقترح بيتر كليمن والمشروع الذي يقدمه، فهو وإن كان صحيحًا علميًّا، وقابل للتطبيق بصورة نظرية، إلا ان ارتفاع تكلفته تحول دون تطبيقه الفعلي، حتى ولو على المستوى البعيد، كما تحدث صبحي نصر عن مشروع البحث الذي تقدمت به الجامعة بشأن الاستفادة من صخور البريدوتايت في السيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري..
* ما رأيك في الطريقة التي تقدم بها بيتر كليمن للتخلص من غاز ثاني اكسيد الكربون، والتي تقضي بدفن الغاز في جبال السلطنة؟
** مقترح بيتر كليمن وإن كان صائبًا علميًّا، وقابلا للتطبيق بطريقة نظرية، إلا انه يظل مجرد مقترح علمي يصعب تحقيقه حتى على المدى البعيد، حيث تقوم الطريقة التي ابتكرها على تحويل جميع مصانع العالم بحيث تضخ غاز ثاني اكسيد الكربون بشكل مكثف، أي على شكل سائل، بدلاً من الطريق الحالية وهي ضخه على طريقة دخان يتطاير في الجو، ومن ثم نقل هذا الغاز المكثف على باخرات والإتيان به إلى السلطنة ليدفن، بعد أن تحفر له آبار عميقة.. وبحسبة بسيطة نكتشف أننا بحاجة إلى ما يقارب (2 تريليون) دولار لتسييل (30 بليون طن) سنويًّا من غاز ثاني اكسيد الكربون، وهو مبلغ خيالي يمكنه أن يهد ميزانية أي دولة مهما عظم اقتصادها.
ومن هنا فإن المقترح يبدو ناجحًا علميًّا ولكن امكانية تطبيقه تحتاج إلى أن تغير جميع المصانع في العالم عملية ضخها لغاز ثاني اكسيد الكربون من (دخان) إلى (سائل).. وهي عملية مكلفة جدًا، ولك أن تتخيل اذا ما تم تطبيقها على مصانع العالم كم ستتطلب من الأموال.
من جهة أخرى فإن الاسطول البحري الموجود في العالم الآن من بواخر عملاقة لا تكفي لأن نشحن فيها ما سعته (30 بليون طن) سنويًّا من الغاز، فنحن بحاجة إلى بواخر عملاقة بأعداد رهيبة حتى نتمكن من توفير النقل لجلب الغاز إلى السلطنة لدفنه.
فضلاً عن ذلك فإن مقترح كليمن لم يتم تجربته بشكل موسع، ما يعني أنه قد يتسبب بأضرار بيئية ـ لا قدر الله ـ ربما تتسبب بأمراض كثيرة وباختلال بيئي في السلطنة.
* وما هو مقترح البحث الذي تقدمت به جامعة السلطان قابوس؟
** بداية من المعلوم لدى جميع العلماء أن صخور البريدوتايت لديها المقدرة على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون إذا ما تفاعلت هذه الصخور مع الماء، ومن هنا فإن السلطنة محمية بفضل الله سبحانه وتعالى الذي وهبها هذه الصخور التي لا يمكن أن تجدها بهذه الكمية في أي مكان من العالم، وما تمتصه هذه الصخور يعادل من (2ـ3) مرات من انتاج السلطنة من غاز ثاني اكسيد الكربون.
ويمكن مشاهدة تفاعل هذه الصخور مع الماء لامتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون في العديد من الأماكن في الأجزاء الشمالية من السلطنة، والذي ينتج عنه أحجار كلسية.
وتتواجد صخور البريدوتايت في معظم أرجاء السلطنة وهي لا تشكل أي اهمية اقتصادية على الاطلاق، ولا يمكن أن تدخل في أي صناعة، لذا فإن امكانية الاستفادة منها اقتصاديًّا في عملية تخليص الجو من غاز ثاني اكسيد الكربون واردة جدًا، في ظل ارتفاع نسبة هذا الغاز في الجو وما يمثله من مشاكل بيئية عديدة تابعها الجميع.
لذا فإن مقترح البحث لدى الجامعة يقضي بما يسمى "تسريع التجوية الطبيعية" من خلال قطع هذه الصخور ومن ثم طحنها وبيعها، لتمثل عائدًا ماليًّا للسلطنة، وعلى الدول الراغبة في هذه الأحجار شراء المسحوق ومن ثم تعريضه للهواء في بلدانها.
* وما هي الفروق بين الطريقة التي تقدم بها الباحث بيتر كليمن وبين هذه الطريقة؟
** في الوقت الذي تبدو فيه طريقة كليمن غير مأمونة الجانب بيئيًّا، فضلاً عن تكلفتها العالية، فإن هذه النظرية آمنة بيئيًّا خصوصًا للسلطنة، حيث ان هذه الصخور تتواجد بوفرة في السلطنة، وهي غير ذات جدوى اقتصادية ولا تدخل في أي صناعة.. لذا فإن الاستغناء عنها لن يمثل اختلالاً بيئيًّا.
ورغم أن مقترح بحث الجامعة يبدو أبطأ في التطبيق عن طريقة كليمن، حيث يتطلب من (5) الى (10) سنوات لامتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون، إلا انه لا توجد مقارنة في التكلفة.
* ما هي الجهات التي تقومون بالتنسيق معها حاليًّا، لدراسة هذا المقترح؟
** هناك العديد من الجهات والمؤسسات التي نقوم بالتنسيق معها الآن بخصوص هذا المقترح، حيث نقوم بالتنسيق مع عدد من الوزارات أبرزها وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة النفط والغاز، ووزارة السياحة، ووزارة البيئة والشئون المناخية.. ونلمس من الجميع اهتمامًا بهذا المقترح البحثي.
* بمناسبة الحديث عن غاز ثاني اكسيد الكربون، والذي تسبب بزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري.. إلى أين وصلت هذه الظاهرة؟
** الظاهرة وصلت إلى مراحل متقدمة جدًا، وخطرها يتفاقم يومًا بعد يوم، ولك أن تتخيل أن ما نعيشه الآن من دمار وأعاصير وذوبان للجليد هو نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو بنسبة (0.8) أي أقل من درجة مئوية واحدة فقط. وبنظرة فاحصة نكتشف أن الجليد بدأ يذوب في القطب المتجمد الجنوبي وايسلندا، وارتفع منسوب سطح البحر بين (10ـ20) سم ، وزادت نسبة الجفاف في بعض المناطق وارتفعت الرطوبة في مناطق اخرى، وهو ما سبب الأعاصير الكثيرة التي نشاهدها الآن هنا وهناك، كما أن نسبة القلويات في المحيطات زادت ونتج عن هذا نفوق العديد من الكائنات البحرية، ونقص فصل الشتاء (12) يومًا في السنة.
* الحديث يبدو مخيفًا.. ماذا عن السنوات القادمة؟
** يتوقع العلماء ان احتياج الانسان للطاقة المعتمدة على الوقود الاحفوري سيصل إلى الضعف في عام (2040) وبالتالي يتوقع أن تزيد نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون إلى ضعف كميتها الحالية، وبالتالي زيادة في درجة الحرارة تتراوح بين (2ـ3) درجات والأخطر من ذلك أن هذه الزيادة ستكون بشكل تصاعدي خطير لتصل عشرة أضعاف خلال عام (2050) وبالتالي زيادة درجة الحرارة إلى (6) درجات مئوية، ولن يصبح حينذاك من السهل التعامل مع الظواهر التي ستنشأ حيث سيذوب الجليد من سطح الكرة الأرضية ويرتفع منسوب البحار ليغطي العديد من الدول والمدن، وربما يشكل خطرًا على قارات بأكملها، وسيترافق مع ذلك ما يسمى بظاهرة (النزوح المناخي) لتصبح العديد من المناطق غير قابلة للعيش ما يسبب الهجرة التي قد تؤدي بدورها إلى العديد من الحروب والقتل والدمار.
بالاضافة إلى الجفاف الذي سيضرب عددًا كبيرًا من دول العالم، ولك أن تتخيل أن الصحراء الكبرى ستغطي إفريقيا كاملة، لتكثر المجاعات ويعم التصحر مناطق شاسعة.
* ولماذا هذا الصمت الدولي تجاه هذه الأخطار؟
** لا يوجد صمت، هناك العديد من الأصوات التي تنادي بضرورة تفادي هذه الأخطار قبل أن نفقد السيطرة عليها، ولكن المشكلة هي في الدول الصناعية الكبرى، التي تصر على صم آذانها عن كل هذه النداءات، حيث نجد ان حكومات هذه الدول تنظر إلى السنوات التي ستقضيها في فترة الرئاسة، ولا يهمها ما سيحصل في السنوات القادمة.
هناك نداءات من دول عديدة ومن علماء كثر، ولكن المشكلة في الدول التي لا تنظر إلى المستقبل البيئي لكرتنا الأرضية بقدر ما تنظر إلى مستقبلها الرئاسي والاقتصادي.
وزارة الصحة
بعد القراءة السريعة والموجزة من الدكتور صبحي نصر عن الآثار البيئية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، والاستشرافات المخيفة التي يقدمها العلماء في هذا الشأن، اتجهت لوزارة الصحة، للحديث عن الأضرار الصحية التي تسببها زيادة نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون في الجو.
حيث يكثر الحديث عن الأضرار البيئية لهذه الظاهرة، فيما يكاد يكون الحديث شبه مطبق عن الأضرار الصحية على الانسان، لذا كان لقائي مع الدكتور عيسى بن سعيد الشعيلي رئيس قسم الصحة المهنية بدائرة صحة البيئة والصحة المهنية بوزارة الصحة.
* لا تذكر ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا ويقفز إلى الأذهان الآثار البيئية التي تسببها، فيما يكاد ينعدم الحديث عن آثارها السلبية على الصحة.. ما هي الآثار الصحية التي تنجم عن هذه الظاهرة؟
** تحمل التغيرات المناخية الكثير من الاثار التي تعرض صحة البشر للخطر، فعلى سبيل المثال الحرارة الشديدة والبرد القارس قد يؤديان إلى حالات مميتة مثل الإجهاد الحراري والهبوط الحراري، فضلاً عن زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأمراض التنفسية.. فقد ذكر موقع منظمة الصحة العالمية ان التغيرات المناخية قد تحمل معها الكثير من المشاكل الصحية التي قد تكون آثارها جسيمة على الصحة العامة فدرجات الحرارة العالية وغير المعتادة التي شهدتها أوروبا في صيف عام 2003، أسفرت عن عدد من الوفيات تجاوز ما كان عليه في نفس المدة من العام السابق بنحو (35) ألف حالة وفاة.
وهناك ظروف مناخية أخرى بالغة القسوة مثل الأمطار الغزيرة، والفيضانات، والأعاصير، وكان لها آثار وخيمة على الصحة. فقد شهد العالم في تسعينات القرن العشرين نحو (600) ألف وفاة بسبب الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، حدث (95 %) منها في البلدان الفقيرة. وفي ما يلي بعض الأمثلة:
في أكتوبر من العام 1999، أسفر الإعصار الذي شهدته أوريسا في الهند، عن وفاة (10) آلاف شخص، كما تراوح إجمالي عدد المتضررين منه بين (10) و(15) مليون شخص. وفي ديسمبر من العام 1999، أودت الفيضانات التي شهدتها كاراكاس وتخومها في فنزويلاً بحياة نحو (30) ألف شخص، غالبيتهم يعيشون في أكواخ من صفيح على منحدرات مكشوفة.
كما تؤثر الظروف المناخية أيضا على الأمراض المنقولة بالماء والمنقولة بالنواقل مثل البعوض والناموس. فالأمراض الحساسة للمناخ هي من أكبر العوامل العالمية القاتلة. فقد سبب الإسهال، والملاريا، وسوء التغذية بالبروتين والطاقة وحدهم وفاة ما يربو على (3.3) مليون شخص في العالم في عام 2002، وكان (29 %) منهم في الإقليم الافريقي. كما قد تؤدي الظروف المناخية الخانقة إلى احتباس الهواء الدافئ والملوثات، ما يسفر عن حوادث تلوث شديدة للهواء وما ينجم عنها من آثار صحية وخيمة.
* ما نشره موقع منظمة الصحة العالمية يبدو مخيفًا بالفعل .. لننتقل بالحديث عن غاز ثاني اكسيد الكربون والذي يعتبر المسبب الأول والرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري، هل ثمة دراسة عن الآثار الصحية الناجمة عن زيادة نسبته في الجو؟
** أصبحت ظاهرة الاحتباس واحدة من الظواهر التي يشهدها العالم حاليا حيث تحدث هذه الظاهرة نتيجة زيادة كميات الغازات الناتجة عن أنشطة الانسان المختلفة في الغلاف الجوي.
يمتص سطح الأرض ما يقرب من ثلثي الطاقة الشمسية التي تصل إليه، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارته. ثم يعاود سطح الأرض إشعاع الحرارة إلى الغلاف الجوي. حيث يُحتبس جزء منها بفعل الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون. ومن الجدير بالذكر أنه بدون تأثير الغازات الدفيئة سيكون متوسط حرارة سطح كوكب الأرض منخفضًا للغاية وغير صالح لسكنى البشر.
وعلى مدى الخمسين سنة الماضية، أسفرت أنشطة الإنسان، لاسيما حرق الوقود الأحفوري عن انبعاث كميات كافية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى الدفيئة، ما أثر بشكل كبير على المناخ العالمي. فقد زاد ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بما يربو على (30 %) عن ما كان عليه قبل الثورة الصناعية، ما أدى إلى احتباس المزيد من الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.
وقد ذكر موقع منظمة الصحة العالمية بعض الحقائق التي وردت من تقرير التقييم الرابع (2007) للفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، حيث نجم عن زيادة الغازات الدفيئة ما يلي:
ازداد متوسط حرارة الغلاف الجوي في العالم على مدى الخمسين سنة المنصرمة، وأن أحد عشر عامًا من الاثني عشر عامًا المنصرمة (1995ـ2006) تقع ضمن الأعوام الاثني عشر الأكثر دفئًا منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في خمسينيات القرن التاسع عشر. وأن معدلات الاحترار، وارتفاع مستوى البحر قد تسارع في العقود الأخيرة. فقد شهدت العديد من المناطق، لا سيما البلدان الممتدة من خطوط العرض الوسطى حتى خطوط العرض العليا البعيدة عن خط الاستواء زيادة في هطول الأمطار، مع زيادة عامة في معدل سقوط الأمطار الغزيرة. كما أدى ازدياد هذا الغاز إلى زيادة معدل وكثافة الجفاف في بعض المناطق من إفريقيا وآسيا في العقود الأخيرة. وزيادة معدل الأعاصير المدارية الشديدة في بعض المناطق مثل شمال الأطلنطي اعتبارًا من سبعينيات القرن الماضي.
ولا يزال انبعاث ثاني أكسيد الكربون يشهد زيادة كبيرة في العالم. ويتم استخدام التقديرات المستقبلية للنمو السكاني واستخدام الطاقة كمدخلات في نماذج المناخ العالمي بغية توقع التغير المناخي في المستقبل.
* ما هي النسبة التي يضعها خبراء الصحة لتواجد هذا الغاز في الجو، بحيث لو زادت تؤثر على صحة الانسان؟
** غاز ثاني أكسيد الكربون من الغازات التي لو زاد تركيزها تؤثر بشكل مباشر على صحة الانسان ولك أن تتخيل أن (1000000) جزء من المليون من غاز ثاني أكسيد الكربون يساوي (100 %) تركيز من هذا الغاز و(10000) جزئي من المليون في الجو يساوي (1 %) تركيز من هذا الغاز، وعند التعرض المستمر ومع عدم وجود تهوية مناسبة يشعر بعض الأشخاص بالدوار، وفي معدل أكثر من (2 %) يشعر الناس برائحة هذا الغاز ويحسون بوجوده، وعند ازدياد المعدل بشكل كبير (أكثر من 2% ) يشعر بعض الناس بضيق في الصدر وازدياد معدل التنفس، وإذا زاد التعرض لساعات اكثر يتعرض الأشخاص لحدوث حموضة في الدم، وعند ازدياده لنسب (3 %) أو (4%) يزداد معدل التنفس بشكل اكبر واكبر، وفي نسبة (5%) يعتبر غاز ثاني اكسيد الكربون سام بشكل مباشر، ومن الأعراض التي تحدث عند التعرض بشكل مستمر الصداع ازدياد معدل ضربات القلب عمق التنفس التأثير على النظر والسمع فقدان الوعي أو الموت.
* ما هو دور وزارة الصحة في مراقبة كمية انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون التي تتواجد في أجوائنا؟
** مراقبة مؤشرات تلوث الجو هو من اختصاص وزارة البيئة والشؤون المناخية وهناك دوائر مختصة لذلك الغرض تقوم بدورها في هذا المجال ولكن هناك تنسيقا مستمرا مع المختصين في وزارة البيئة والشؤون المناخية بشكل دائم وربما نحتاج في الفترة القادمة إلى زيادة التنسيق بين المختصين في الوزارتين، ومن ضمن المؤشرات التي وضعتها دائرة صحة البيئة والصحة المهنية في الخطة الخمسية القادمة مراقبة ملوثات الهواء في المناطق الصناعية الكبرى ومقارنتها بالمؤشرات الصحية المرتبطة بزيادة تراكيز هذه الملوثات، كما تعمل الدائرة بشكل مستمر على تقييم المخاطر وإجراء الدراسات المختلفة في هذا المجال.
الخلاصة
خص الله تعالى هذه الأرض بتركيبة جيولوجية فريدة، يقول عنها البعض بأن "عمان متحف جيولوجي طبيعي مفتوح" .. جميعنا يدرك ما وفرته هذه الجيولوجيا للسلطنة من تباين في التضاريس أوجد بيئات متباينة ومختلفة للعيش، كفلت إيجاد الأودية والسهول الخصيبة، والمرتفعات الخضراء اليانعة.
لنكتشف أن هذه الهبة الالهية لا تتوقف على هذا فحسب، بل هي تخلصنا من الانبعاثات التي فرضتها علينا التطورات العصرية، ممتصة بذلك ما ينتج عن مصانعنا بل وأكثر بمرتين الى ثلاث مرات.
والجميع يعلم اننا من الدول الوحيدة في العالم التي تسعى إلى الحفاظ على البيئة مستمدين كل هذه الرعاية من الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في سعيه الدؤوب والدائم لرعاية البيئة والحفاظ عليها والذي أوجد جائزة عالمية باسمه هي "جائزة السلطان قابوس لصون البيئة" كأول جائزة عربية يتم منحها على المستوى العالمي في مجال حماية البيئة، والتي انشئت بمبادرة كريمة من جلالته في عام 1989م وبموافقة وترحيب من منظمة اليونسكو.
ولأن هذه الأرض غالية علينا، فإننا نقابل بكل فرح أن تكون السلطنة أرضا لتخليص العالم من شرور ثاني اكسيد الكربون وما يسببه من تفاقم لظاهرة الاحتباس الحراري، ولكن ليس على حساب أرضنا وأجيالنا القادمة، وليس على حساب بيئتنا ومستقبل بلادنا..
سالم الرحبي
al_rahby@hotmail.com
مقترح علمي لتخليص العالم من "ظاهرة الاحتباس الحراري" يضع بيئتنا على المحك
عالم أميركي يقدم مقترحًا بدفن غاز ثاني أكسيد الكربون في جبال السلطنة
رئيس قسم علوم الأرض: مقترح بحثي لجامعة السلطان قابوس للاستفادة من صخور "البريدوتايت" بدون آثار جانبية
رئيس جمعية الجيولوجيين: لا نريد لأرضنا أن تكون حقلاً للتجارب ومقترح "كليمن" غير مأمون النتائج
رئيس قسم الصحة المهنية: زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة (5%) كفيلة بالموت
ليس ضربًا من الخيال ولا المبالغة إذا ما علمنا أن خلاص كرتنا الأرضية من ظاهرة الاحتباس الحراري موجود على أرض السلطنة، وأن العالم أجمع سيدين في يوم ما لهذه الأرض الطيبة لإنقاذه من الكوارث التي أهلكت الحرث والنسل، وكلفت الدول مليارات الدولارات، بعد أن سحقت بناها الأساسية وأغرقت محاصيلها ومشاريعها، وباتت تلك الكوارث الكابوس الأكبر الذي يجول بمنجله ليحصد أرواح الأبرياء وأرزاقهم.
ليس بمستغرب كل هذا الكلام، إذا ما علمنا أن صخور الـ "بريدوتايت" التي تغطي جزءًا واسعًا من السلطنة قادرة على امتصاص (1000) مرة أكثر مما تضخه البشرية من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنويًّا، حيث تستطيع امتصاص ما يقارب 30 ألف مليار طن من ثاني أكسيد الكربون.
وفي سابقة علمية تمكن الباحث بيتر كليمن البروفيسور في جامعة كولومبيا بنيويورك من ابتكار طريقة لتسريع عملية امتصاص هذه الصخور لثاني اكسيد الكربون، من شأنها أن تخلص العالم من هذا الغاز الذي يعتبر أبرز وأكبر مسبب لظاهرة الاحتباس الحراري.
إلى هنا قد يبدو الأمر مغرقًا في الرومانسية .. إلا أن الصورة ليست بالوردية التي تحدثنا بها سابقًا، في ظل وجود العزم والنية على دراسة مشروع الباحث بيتر كليمن، فمع المعرفة المسبقة في القدرة الطبيعية لهذه النوعية من الصخور على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون من خلال التفاعل مع الماء، إلا ان الوضع لا يبدو عاديًّا إذا ما علمنا ان الدراسة تهدف إلى ما يشبه دفن هذا الغاز على أرضنا، من خلال حفر آبار تصل إلى عمق ثلاثة كيلو مترات، وضخ كمية من الضغط العالي لعمل تشققات في قاع البئر، ومن ثم دفن غاز ثاني اكسيد الكربون بكميات كبيرة في باطن الأرض.
الوضع يبدو هنا أشبه بالحديث عن سعي بعض الدول المتقدمة إلى استغلال أراض شاسعة من إفريقيا وتحويلها إلى مردم لنفايات اليورانيوم والعوادم الأخرى، وما جرته هذه العملية من ويلات وخراب وأمراض وتلوث.. الصورة الوردية السابقة تحولت إلى صورة مخيفة هنا!
فأي تشقق في تلك البئر يجد طريقه إلى السطح، يعني أن غاز ثاني أكسيد الكربون سيتسرب إلى الأعلى، ما يعني تلوثًا حقيقيًّا سيصيب الجو، وتركيزًا عاليًا من هذا الغاز سيملأ سماءنا.. ولأن العملية لم يتم تجربتها بشكل عملي واسع، فإن مخاطرها تبقى قائمة ومفتوحة على كل الاحتمالات!
من هنا تداعت لدي جملة من التساؤلات المخيفة: هل سنرتضي التفريط في هذه الأرض إذا ما كان حجم الخسائر البيئية والصحية والانسانية كبيرًا؟ هل سنرتضي للأجيال القادمة أن تأتي لتجد اننا حولنا هذه الأرض الطيبة إلى فضاء غارق في التلوث؟ هل يمكن أن نبيع هذا الإرث الجيولوجي الذي وهبه الله لهذه الأرض بحفنة من المال، في سبيل إرضاء الدول الصناعية الكبرى؟ وهل نتائج هذا الابتكار الذي قدمه الباحث هو مأمون الجانب ومضمون النتائج؟ وما هي التداعيات السلبية التي قد يسببها تبني هذا المشروع؟ وهل نشتري مستقبل هذه الأرض برضى البعض؟... أسئلة كثيرة تداعت علي واحدًا تلو الآخر.. لذا بدأت البحث والتقصي حول هذا الموضوع، لتكون الانطلاقة من جمعية الجيولوجيين العمانية، سعيًا للاقتراب من التركيبة الجيولوجية للسلطنة ومعرفة أسباب نشوء هذه الصخور وأماكن تواجدها، مع السعي للاطلاع على رأي المعنيين في هذه الجمعية حول هذا الأمر.
جمعية الجيولوجيين
لقائي كان مع الدكتور محمود بن سيف المحروقي رئيس جمعية الجيولوجيين العمانية الذي أوضح أن السلطنة هي الدولة الوحيدة في العالم التي توجد بها هذه الكمية الوافرة من صخور البريدوتايت، مع اشتراك بعض المناطق من العالم بهذه الخاصية، ولكن بصورة أقل وفرة ووضوحًا.
* ما هي أماكن تواجد هذه الصخور؟
** توجد هذه الصخور في مناطق واسعة من السلطنة حيث تغطي ما مساحته ثلاثمائة وخمسين كيلومترًا طولاً، وأربعين كيلومترًا عرضًا، ابتداء من شمال السلطنة مرورًا بسلسلة جبال الحجر وحتى المنطقة الشرقية، ويمكن مشاهدتها بصورة واضحة من خلال الجبال ذات الألوان الغامقة التي تتواجد في هذه المنطقة، ويصل عمق هذه الصخور حتى خمسة كيلومترات.
ويمكن ملاحظة طبقة البريدوتايت على جانبي الجبل الأخضر، حيث يرتفع الجبل شاهقًا فيما تتواجد بجانبه بعض الجبال الغامقة الصغيرة، وهذه الجبال هي التي تحوي البريدوتايت، حيث انزلقت منذ ملايين السنين لتصبح بمحاذاة الجبل.
* هل من مخاوف تبدونها أنتم كجيولوجيين، من الدراسة التي تقدم بها الباحث بيتر كليمن؟
** مسألة أن صخور البريدوتايت قادرة على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون ليست مسألة جديدة، فالجميع يعلم مدى قدرة هذه الصخور على امتصاص هذا الغاز من خلال تفاعلها مع الماء، ولكن ما يقدمه بيتر كليمن في بحثه، هو طريقة جديدة لتسريع امتصاص الغاز، من خلال تسخين هذه الصخور بعد ان يتم حفر بئر بعمق ثلاثة كيلومترات ثم ضخ كمية من الضغط لصناعة تشققات في الصخور.
وستعمل الدول على تكثيف غاز ثاني اكسيد الكربون بحيث يكون سائلاً وضغطه في اسطوانات، ليتم دفعه في أسفل البئر في عملية تشبه الدفن، ليتفاعل الغاز بعدها مع هذه الصخور، وبحديثنا عن هذه النقطة تحديدًا نقول: ما الذي يضمن عدم وجود تشققات تنفذ إلى السطح ومن ثم يتسرب إليها الغاز، فإذا ما علمنا أن العديد من دول العالم ستعمل على دفن غاز ثاني اكسيد الكربون في جبال السلطنة، فهذا يعني أن أي تسرب بسيط يعني أن كمية غاز ثاني اكسيد الكربون الموجودة في العالم ستتركز لدينا، وأن نسبة التلوث ستصل إلى مراحل قياسية، وهذا ما يهدد وجود خطر مفاجئ على السلطنة.
من جهة أخرى فإن النظرية أو المقترح الذي تقدم به الباحث لم يتم تجريبه بطريقة عملية موسعة، صحيح انه نظريًّا من المسلمات، ولكن تجربته العملية بطريقة موسعة لم تتم قبل ذلك، فلماذا لا يتم تجربته في صحراء كاليفورنيا أو قبرص أو غينيا الجديدة ـ وهي مناطق توجد بها كمية ضئيلة من صخور البريدوتايت ـ، ومن ثم نرى النتائج. باختصار لا نريد لأرض السلطنة أن تكون مقرًا للتجربة.
هذا غير إذا علمنا أن الدراسة تؤكد أن عملية تفاعل صخور البريدوتايت مع ثاني اكسيد الكربون والماء ينتج عنه عملية تحول تتسبب في زيادة الكتلة الصخرية بنسبة (44%) وهي نسبة كبيرة جدًا، ما يعني أنها ستتسبب في صدوع وحركات كبيرة وينتج عنها عدم ثبات قد تقود إلى انزلاقات أرضية ـ لا قدر الله ـ، وستصبح الأرض في أماكن دفن الغاز غير ثابتة.
* وما هي الحلول من وجهة نظركم كجيولوجيين؟
** نعلم جميعنا أن جيولوجية السلطنة نادرة وفريدة، فضلاً عما توفره للسلطنة من تنوع تضاريسي أوجد بيئة جاذبة لمختلف شرائح الباحثين والعلماء، واستقطبت العديد من السياح، وفقدان هذه الخاصية يفقد السلطنة إحدى ميزاتها التي تنفرد بها دون دول العالم أجمع، ناهيك عن كمية التلوث ـ لا قدر الله ـ التي قد تصيب السلطنة في حال لم ينجح تطبيق الفكرة.
ولسنا على استعداد لأن نفقد هذا الإرث الجيولوجي الذي وهبه لنا الله تعالى، لنستبدله بطريقة قد تجلب لنا من المشاكل ما لا نتوقعه، وقد سمعت عن مشروع بحث تقدمت به جامعة السلطان قابوس يتمثل في اقتطاع هذه الصخور وتصديرها، ويمكنك التعرف على المزيد من خلال المختصين هناك.
* وكيف نشأت صخور البريدوتايت في السلطنة؟
** يمثل وجود صخور البريدوتايت ظاهرة جيولوجية فريدة، فهي صخور من طبقة الفيولايت، وهي الطبقة المحيطية، أي الطبقة التي تبدأ ببداية قاع المحيط، كما انها ليست من الطبقات السطحية المكونة للطبقة المحيطية، فهي طبقة داخلية جدًا، ولا يمكن أن تصعد على السطح حتى مع تصادم الطبقة القشرية (وهي الطبقة التي نعيش عليها).
فعند تصادم الطبقة المحيطية مع الطبقة القشرية يحدث أن تركب الطبقة القشرية على المحيطية، لأنها الأقل كثافة والأقل سمكًا، فيما تكون الطبقة المحيطية هي الطبقة السفلية دائما، ولكن ما حصل في السلطنة هو أمر فريد ونادر، فقد انكسر جزء من الطبقة المحيطية وطفا في الأعلى، وعندما بدأت الطبقة القشرية في الارتفاع منذ ملايين السنين رفعت معها الجزء الطافي من الطبقة المحيطية، وهي الطبقة التي تحتوي على صخور البريدوتايت.
وما يجعل هذه الصخور نادرة جدًا هو أن وجودها الطبيعي يكون عادة على عمق (7 كيلومترات) تحت قاع المحيط، أو (30 كيلومترًا) تحت سطح الأرض.
جامعة السلطان قابوس
محطتي الثانية كانت إلى جامعة السلطان قابوس للتعرف على مشروع البحث الذي تقدمت به الجامعة، ولقائي كان مع الاستاذ الدكتور صبحي جابر نصر رئيس قسم علوم الأرض، الذي قلل من شأن مقترح بيتر كليمن والمشروع الذي يقدمه، فهو وإن كان صحيحًا علميًّا، وقابل للتطبيق بصورة نظرية، إلا ان ارتفاع تكلفته تحول دون تطبيقه الفعلي، حتى ولو على المستوى البعيد، كما تحدث صبحي نصر عن مشروع البحث الذي تقدمت به الجامعة بشأن الاستفادة من صخور البريدوتايت في السيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري..
* ما رأيك في الطريقة التي تقدم بها بيتر كليمن للتخلص من غاز ثاني اكسيد الكربون، والتي تقضي بدفن الغاز في جبال السلطنة؟
** مقترح بيتر كليمن وإن كان صائبًا علميًّا، وقابلا للتطبيق بطريقة نظرية، إلا انه يظل مجرد مقترح علمي يصعب تحقيقه حتى على المدى البعيد، حيث تقوم الطريقة التي ابتكرها على تحويل جميع مصانع العالم بحيث تضخ غاز ثاني اكسيد الكربون بشكل مكثف، أي على شكل سائل، بدلاً من الطريق الحالية وهي ضخه على طريقة دخان يتطاير في الجو، ومن ثم نقل هذا الغاز المكثف على باخرات والإتيان به إلى السلطنة ليدفن، بعد أن تحفر له آبار عميقة.. وبحسبة بسيطة نكتشف أننا بحاجة إلى ما يقارب (2 تريليون) دولار لتسييل (30 بليون طن) سنويًّا من غاز ثاني اكسيد الكربون، وهو مبلغ خيالي يمكنه أن يهد ميزانية أي دولة مهما عظم اقتصادها.
ومن هنا فإن المقترح يبدو ناجحًا علميًّا ولكن امكانية تطبيقه تحتاج إلى أن تغير جميع المصانع في العالم عملية ضخها لغاز ثاني اكسيد الكربون من (دخان) إلى (سائل).. وهي عملية مكلفة جدًا، ولك أن تتخيل اذا ما تم تطبيقها على مصانع العالم كم ستتطلب من الأموال.
من جهة أخرى فإن الاسطول البحري الموجود في العالم الآن من بواخر عملاقة لا تكفي لأن نشحن فيها ما سعته (30 بليون طن) سنويًّا من الغاز، فنحن بحاجة إلى بواخر عملاقة بأعداد رهيبة حتى نتمكن من توفير النقل لجلب الغاز إلى السلطنة لدفنه.
فضلاً عن ذلك فإن مقترح كليمن لم يتم تجربته بشكل موسع، ما يعني أنه قد يتسبب بأضرار بيئية ـ لا قدر الله ـ ربما تتسبب بأمراض كثيرة وباختلال بيئي في السلطنة.
* وما هو مقترح البحث الذي تقدمت به جامعة السلطان قابوس؟
** بداية من المعلوم لدى جميع العلماء أن صخور البريدوتايت لديها المقدرة على امتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون إذا ما تفاعلت هذه الصخور مع الماء، ومن هنا فإن السلطنة محمية بفضل الله سبحانه وتعالى الذي وهبها هذه الصخور التي لا يمكن أن تجدها بهذه الكمية في أي مكان من العالم، وما تمتصه هذه الصخور يعادل من (2ـ3) مرات من انتاج السلطنة من غاز ثاني اكسيد الكربون.
ويمكن مشاهدة تفاعل هذه الصخور مع الماء لامتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون في العديد من الأماكن في الأجزاء الشمالية من السلطنة، والذي ينتج عنه أحجار كلسية.
وتتواجد صخور البريدوتايت في معظم أرجاء السلطنة وهي لا تشكل أي اهمية اقتصادية على الاطلاق، ولا يمكن أن تدخل في أي صناعة، لذا فإن امكانية الاستفادة منها اقتصاديًّا في عملية تخليص الجو من غاز ثاني اكسيد الكربون واردة جدًا، في ظل ارتفاع نسبة هذا الغاز في الجو وما يمثله من مشاكل بيئية عديدة تابعها الجميع.
لذا فإن مقترح البحث لدى الجامعة يقضي بما يسمى "تسريع التجوية الطبيعية" من خلال قطع هذه الصخور ومن ثم طحنها وبيعها، لتمثل عائدًا ماليًّا للسلطنة، وعلى الدول الراغبة في هذه الأحجار شراء المسحوق ومن ثم تعريضه للهواء في بلدانها.
* وما هي الفروق بين الطريقة التي تقدم بها الباحث بيتر كليمن وبين هذه الطريقة؟
** في الوقت الذي تبدو فيه طريقة كليمن غير مأمونة الجانب بيئيًّا، فضلاً عن تكلفتها العالية، فإن هذه النظرية آمنة بيئيًّا خصوصًا للسلطنة، حيث ان هذه الصخور تتواجد بوفرة في السلطنة، وهي غير ذات جدوى اقتصادية ولا تدخل في أي صناعة.. لذا فإن الاستغناء عنها لن يمثل اختلالاً بيئيًّا.
ورغم أن مقترح بحث الجامعة يبدو أبطأ في التطبيق عن طريقة كليمن، حيث يتطلب من (5) الى (10) سنوات لامتصاص غاز ثاني اكسيد الكربون، إلا انه لا توجد مقارنة في التكلفة.
* ما هي الجهات التي تقومون بالتنسيق معها حاليًّا، لدراسة هذا المقترح؟
** هناك العديد من الجهات والمؤسسات التي نقوم بالتنسيق معها الآن بخصوص هذا المقترح، حيث نقوم بالتنسيق مع عدد من الوزارات أبرزها وزارة التجارة والصناعة، ووزارة الاقتصاد الوطني، ووزارة النفط والغاز، ووزارة السياحة، ووزارة البيئة والشئون المناخية.. ونلمس من الجميع اهتمامًا بهذا المقترح البحثي.
* بمناسبة الحديث عن غاز ثاني اكسيد الكربون، والذي تسبب بزيادة ظاهرة الاحتباس الحراري.. إلى أين وصلت هذه الظاهرة؟
** الظاهرة وصلت إلى مراحل متقدمة جدًا، وخطرها يتفاقم يومًا بعد يوم، ولك أن تتخيل أن ما نعيشه الآن من دمار وأعاصير وذوبان للجليد هو نتيجة ارتفاع درجة حرارة الجو بنسبة (0.8) أي أقل من درجة مئوية واحدة فقط. وبنظرة فاحصة نكتشف أن الجليد بدأ يذوب في القطب المتجمد الجنوبي وايسلندا، وارتفع منسوب سطح البحر بين (10ـ20) سم ، وزادت نسبة الجفاف في بعض المناطق وارتفعت الرطوبة في مناطق اخرى، وهو ما سبب الأعاصير الكثيرة التي نشاهدها الآن هنا وهناك، كما أن نسبة القلويات في المحيطات زادت ونتج عن هذا نفوق العديد من الكائنات البحرية، ونقص فصل الشتاء (12) يومًا في السنة.
* الحديث يبدو مخيفًا.. ماذا عن السنوات القادمة؟
** يتوقع العلماء ان احتياج الانسان للطاقة المعتمدة على الوقود الاحفوري سيصل إلى الضعف في عام (2040) وبالتالي يتوقع أن تزيد نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون إلى ضعف كميتها الحالية، وبالتالي زيادة في درجة الحرارة تتراوح بين (2ـ3) درجات والأخطر من ذلك أن هذه الزيادة ستكون بشكل تصاعدي خطير لتصل عشرة أضعاف خلال عام (2050) وبالتالي زيادة درجة الحرارة إلى (6) درجات مئوية، ولن يصبح حينذاك من السهل التعامل مع الظواهر التي ستنشأ حيث سيذوب الجليد من سطح الكرة الأرضية ويرتفع منسوب البحار ليغطي العديد من الدول والمدن، وربما يشكل خطرًا على قارات بأكملها، وسيترافق مع ذلك ما يسمى بظاهرة (النزوح المناخي) لتصبح العديد من المناطق غير قابلة للعيش ما يسبب الهجرة التي قد تؤدي بدورها إلى العديد من الحروب والقتل والدمار.
بالاضافة إلى الجفاف الذي سيضرب عددًا كبيرًا من دول العالم، ولك أن تتخيل أن الصحراء الكبرى ستغطي إفريقيا كاملة، لتكثر المجاعات ويعم التصحر مناطق شاسعة.
* ولماذا هذا الصمت الدولي تجاه هذه الأخطار؟
** لا يوجد صمت، هناك العديد من الأصوات التي تنادي بضرورة تفادي هذه الأخطار قبل أن نفقد السيطرة عليها، ولكن المشكلة هي في الدول الصناعية الكبرى، التي تصر على صم آذانها عن كل هذه النداءات، حيث نجد ان حكومات هذه الدول تنظر إلى السنوات التي ستقضيها في فترة الرئاسة، ولا يهمها ما سيحصل في السنوات القادمة.
هناك نداءات من دول عديدة ومن علماء كثر، ولكن المشكلة في الدول التي لا تنظر إلى المستقبل البيئي لكرتنا الأرضية بقدر ما تنظر إلى مستقبلها الرئاسي والاقتصادي.
وزارة الصحة
بعد القراءة السريعة والموجزة من الدكتور صبحي نصر عن الآثار البيئية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، والاستشرافات المخيفة التي يقدمها العلماء في هذا الشأن، اتجهت لوزارة الصحة، للحديث عن الأضرار الصحية التي تسببها زيادة نسبة غاز ثاني اكسيد الكربون في الجو.
حيث يكثر الحديث عن الأضرار البيئية لهذه الظاهرة، فيما يكاد يكون الحديث شبه مطبق عن الأضرار الصحية على الانسان، لذا كان لقائي مع الدكتور عيسى بن سعيد الشعيلي رئيس قسم الصحة المهنية بدائرة صحة البيئة والصحة المهنية بوزارة الصحة.
* لا تذكر ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا ويقفز إلى الأذهان الآثار البيئية التي تسببها، فيما يكاد ينعدم الحديث عن آثارها السلبية على الصحة.. ما هي الآثار الصحية التي تنجم عن هذه الظاهرة؟
** تحمل التغيرات المناخية الكثير من الاثار التي تعرض صحة البشر للخطر، فعلى سبيل المثال الحرارة الشديدة والبرد القارس قد يؤديان إلى حالات مميتة مثل الإجهاد الحراري والهبوط الحراري، فضلاً عن زيادة معدلات الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأمراض التنفسية.. فقد ذكر موقع منظمة الصحة العالمية ان التغيرات المناخية قد تحمل معها الكثير من المشاكل الصحية التي قد تكون آثارها جسيمة على الصحة العامة فدرجات الحرارة العالية وغير المعتادة التي شهدتها أوروبا في صيف عام 2003، أسفرت عن عدد من الوفيات تجاوز ما كان عليه في نفس المدة من العام السابق بنحو (35) ألف حالة وفاة.
وهناك ظروف مناخية أخرى بالغة القسوة مثل الأمطار الغزيرة، والفيضانات، والأعاصير، وكان لها آثار وخيمة على الصحة. فقد شهد العالم في تسعينات القرن العشرين نحو (600) ألف وفاة بسبب الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ، حدث (95 %) منها في البلدان الفقيرة. وفي ما يلي بعض الأمثلة:
في أكتوبر من العام 1999، أسفر الإعصار الذي شهدته أوريسا في الهند، عن وفاة (10) آلاف شخص، كما تراوح إجمالي عدد المتضررين منه بين (10) و(15) مليون شخص. وفي ديسمبر من العام 1999، أودت الفيضانات التي شهدتها كاراكاس وتخومها في فنزويلاً بحياة نحو (30) ألف شخص، غالبيتهم يعيشون في أكواخ من صفيح على منحدرات مكشوفة.
كما تؤثر الظروف المناخية أيضا على الأمراض المنقولة بالماء والمنقولة بالنواقل مثل البعوض والناموس. فالأمراض الحساسة للمناخ هي من أكبر العوامل العالمية القاتلة. فقد سبب الإسهال، والملاريا، وسوء التغذية بالبروتين والطاقة وحدهم وفاة ما يربو على (3.3) مليون شخص في العالم في عام 2002، وكان (29 %) منهم في الإقليم الافريقي. كما قد تؤدي الظروف المناخية الخانقة إلى احتباس الهواء الدافئ والملوثات، ما يسفر عن حوادث تلوث شديدة للهواء وما ينجم عنها من آثار صحية وخيمة.
* ما نشره موقع منظمة الصحة العالمية يبدو مخيفًا بالفعل .. لننتقل بالحديث عن غاز ثاني اكسيد الكربون والذي يعتبر المسبب الأول والرئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري، هل ثمة دراسة عن الآثار الصحية الناجمة عن زيادة نسبته في الجو؟
** أصبحت ظاهرة الاحتباس واحدة من الظواهر التي يشهدها العالم حاليا حيث تحدث هذه الظاهرة نتيجة زيادة كميات الغازات الناتجة عن أنشطة الانسان المختلفة في الغلاف الجوي.
يمتص سطح الأرض ما يقرب من ثلثي الطاقة الشمسية التي تصل إليه، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارته. ثم يعاود سطح الأرض إشعاع الحرارة إلى الغلاف الجوي. حيث يُحتبس جزء منها بفعل الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون. ومن الجدير بالذكر أنه بدون تأثير الغازات الدفيئة سيكون متوسط حرارة سطح كوكب الأرض منخفضًا للغاية وغير صالح لسكنى البشر.
وعلى مدى الخمسين سنة الماضية، أسفرت أنشطة الإنسان، لاسيما حرق الوقود الأحفوري عن انبعاث كميات كافية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الأخرى الدفيئة، ما أثر بشكل كبير على المناخ العالمي. فقد زاد ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بما يربو على (30 %) عن ما كان عليه قبل الثورة الصناعية، ما أدى إلى احتباس المزيد من الحرارة في الطبقة السفلى من الغلاف الجوي.
وقد ذكر موقع منظمة الصحة العالمية بعض الحقائق التي وردت من تقرير التقييم الرابع (2007) للفريق الحكومي الدولي المعني بالتغير المناخي، حيث نجم عن زيادة الغازات الدفيئة ما يلي:
ازداد متوسط حرارة الغلاف الجوي في العالم على مدى الخمسين سنة المنصرمة، وأن أحد عشر عامًا من الاثني عشر عامًا المنصرمة (1995ـ2006) تقع ضمن الأعوام الاثني عشر الأكثر دفئًا منذ بدء تسجيل درجات الحرارة في خمسينيات القرن التاسع عشر. وأن معدلات الاحترار، وارتفاع مستوى البحر قد تسارع في العقود الأخيرة. فقد شهدت العديد من المناطق، لا سيما البلدان الممتدة من خطوط العرض الوسطى حتى خطوط العرض العليا البعيدة عن خط الاستواء زيادة في هطول الأمطار، مع زيادة عامة في معدل سقوط الأمطار الغزيرة. كما أدى ازدياد هذا الغاز إلى زيادة معدل وكثافة الجفاف في بعض المناطق من إفريقيا وآسيا في العقود الأخيرة. وزيادة معدل الأعاصير المدارية الشديدة في بعض المناطق مثل شمال الأطلنطي اعتبارًا من سبعينيات القرن الماضي.
ولا يزال انبعاث ثاني أكسيد الكربون يشهد زيادة كبيرة في العالم. ويتم استخدام التقديرات المستقبلية للنمو السكاني واستخدام الطاقة كمدخلات في نماذج المناخ العالمي بغية توقع التغير المناخي في المستقبل.
* ما هي النسبة التي يضعها خبراء الصحة لتواجد هذا الغاز في الجو، بحيث لو زادت تؤثر على صحة الانسان؟
** غاز ثاني أكسيد الكربون من الغازات التي لو زاد تركيزها تؤثر بشكل مباشر على صحة الانسان ولك أن تتخيل أن (1000000) جزء من المليون من غاز ثاني أكسيد الكربون يساوي (100 %) تركيز من هذا الغاز و(10000) جزئي من المليون في الجو يساوي (1 %) تركيز من هذا الغاز، وعند التعرض المستمر ومع عدم وجود تهوية مناسبة يشعر بعض الأشخاص بالدوار، وفي معدل أكثر من (2 %) يشعر الناس برائحة هذا الغاز ويحسون بوجوده، وعند ازدياد المعدل بشكل كبير (أكثر من 2% ) يشعر بعض الناس بضيق في الصدر وازدياد معدل التنفس، وإذا زاد التعرض لساعات اكثر يتعرض الأشخاص لحدوث حموضة في الدم، وعند ازدياده لنسب (3 %) أو (4%) يزداد معدل التنفس بشكل اكبر واكبر، وفي نسبة (5%) يعتبر غاز ثاني اكسيد الكربون سام بشكل مباشر، ومن الأعراض التي تحدث عند التعرض بشكل مستمر الصداع ازدياد معدل ضربات القلب عمق التنفس التأثير على النظر والسمع فقدان الوعي أو الموت.
* ما هو دور وزارة الصحة في مراقبة كمية انبعاث غاز ثاني اكسيد الكربون التي تتواجد في أجوائنا؟
** مراقبة مؤشرات تلوث الجو هو من اختصاص وزارة البيئة والشؤون المناخية وهناك دوائر مختصة لذلك الغرض تقوم بدورها في هذا المجال ولكن هناك تنسيقا مستمرا مع المختصين في وزارة البيئة والشؤون المناخية بشكل دائم وربما نحتاج في الفترة القادمة إلى زيادة التنسيق بين المختصين في الوزارتين، ومن ضمن المؤشرات التي وضعتها دائرة صحة البيئة والصحة المهنية في الخطة الخمسية القادمة مراقبة ملوثات الهواء في المناطق الصناعية الكبرى ومقارنتها بالمؤشرات الصحية المرتبطة بزيادة تراكيز هذه الملوثات، كما تعمل الدائرة بشكل مستمر على تقييم المخاطر وإجراء الدراسات المختلفة في هذا المجال.
الخلاصة
خص الله تعالى هذه الأرض بتركيبة جيولوجية فريدة، يقول عنها البعض بأن "عمان متحف جيولوجي طبيعي مفتوح" .. جميعنا يدرك ما وفرته هذه الجيولوجيا للسلطنة من تباين في التضاريس أوجد بيئات متباينة ومختلفة للعيش، كفلت إيجاد الأودية والسهول الخصيبة، والمرتفعات الخضراء اليانعة.
لنكتشف أن هذه الهبة الالهية لا تتوقف على هذا فحسب، بل هي تخلصنا من الانبعاثات التي فرضتها علينا التطورات العصرية، ممتصة بذلك ما ينتج عن مصانعنا بل وأكثر بمرتين الى ثلاث مرات.
والجميع يعلم اننا من الدول الوحيدة في العالم التي تسعى إلى الحفاظ على البيئة مستمدين كل هذه الرعاية من الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في سعيه الدؤوب والدائم لرعاية البيئة والحفاظ عليها والذي أوجد جائزة عالمية باسمه هي "جائزة السلطان قابوس لصون البيئة" كأول جائزة عربية يتم منحها على المستوى العالمي في مجال حماية البيئة، والتي انشئت بمبادرة كريمة من جلالته في عام 1989م وبموافقة وترحيب من منظمة اليونسكو.
ولأن هذه الأرض غالية علينا، فإننا نقابل بكل فرح أن تكون السلطنة أرضا لتخليص العالم من شرور ثاني اكسيد الكربون وما يسببه من تفاقم لظاهرة الاحتباس الحراري، ولكن ليس على حساب أرضنا وأجيالنا القادمة، وليس على حساب بيئتنا ومستقبل بلادنا..
سالم الرحبي
al_rahby@hotmail.com