شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
تحوّل الإرهاب من كابوس رهيب جزّ رؤوس عشرات الجزائريين طيلة عقد من الزمن إلى مُزحة يتندّرون بها في يومياتهم. فمنهم من يستهزئ بالإرهابيين وظروف معيشتهم في الجبال، ومنهم من يكشف بلادتهم، لكن أحداً من الجزائريين لم يكن يعلم أن تلك المزحات قد تتحول إلى "مزحات ثقيلة" ستسوق بعضهم إلى السجون.
هذا الواقع كشفته سلسلة قضايا تناولتها المحاكم الجزائرية خلال سنوات وأسابيع وأيام قليلة ماضية، عرضت في مداولاتها "حكايات مضحكة" لشباب تبادلوا رسائل نصية بهواتفهم النقالة جاء فيها ذكر الإرهاب، ليجدوا أنفسهم مدانين بسببها بأحكام وصل بعضها إلى 5 سنوات سجناً.
فقد تداول مجلس قضاء مدينة الجزائر العاصمة في إحدى جلساته الأخيرة قصة شرطي في الثلاثين، أرسل رسالة نصية إلى زميليه في السلك نفسه، قال لهما فيها إن الجماعة السلفية للدعوة والقتال تأمرهما أن يستقيلا فوراً، وإن لم يفعلا فالسيف سيكون مصيرهما.
وفور تلقيهما الرسالة سارع الشرطيان إلى إيداع شكوى، وبعد تحقيق في الأمر كُشف اللثام عن صاحب الرسالتين، ووجد الأخير نفسه أمام القاضي.
ورغم أنه أبدى ندمه على ما فعل، إلا أنه واجه طلباً من وكيل الجمهورية يقضي بتسليط عقوبة بـ10 سنوات سجناً نافذة عليه، وقد قضى له رئيس الجلسة بعامين سجناً موقوفي التنفيذ بتهمة الإشادة بأعمال إرهابية، مع فصله من سلك الشرطة إلى الأبد.
شاب آخر من منطقة تقع شرق العاصمة، لم يشعر بنفسه وهو في نشوة سكر، وهو يجري اتصالاً مع إحدى شركات الهاتف النقال في الجزائر في ساعة متأخرة من الليل.
وقد طلب "المنتشي" من محدثته فدية قدرها 20 مليون سنتيم حتى لا يُفجَّر مبنى الشركة بعملية انتحارية ينفذها أحد "الإخوة المجاهدين" في الجماعة السلفية للدعوة والقتال.. ولم ينس المتصل أن يطلب "مساعدة أخرى" وهي تمكينه من الالتحاق بصفوف المجاهدين في الشيشان.
ومرة أخرى، لم يدرك "المنتشي" أنه قدم لمحدثته عنوانه بالضبط، بعد أن سألته عن الوجهة التي يريد أن تُسلم له فيها الأموال.
وطبعاً لم تتخلف مصالح الأمن عن اعتقال الشاب بعد تلقيها بلاغاً من الشركة المعنية، وقد واجه المعتقل تهمتي التهديد والإشادة بأعمال إرهابية، ونال عنهما حكما بـ5 سنوات سجناً.
القانون لا يعرف المزاح
وفي قضية أخرى، أجرى شاب اتصالاً "عاجلاً" بالشرطة، بُعيد تفجيرات 11 إبريل/نيسان 2007 التي استهدفت قصر الحكومة، وأبلغ الشاب الشرطة بوجود سيارة من نوع بيجو على متنها إرهابيون، قال إنهم تركوها أمام مبنى البنك، وبعد لحظات عاود الاتصال بمصالح الشرطة "معتذراً"، قائلاً "إنني أمازحكم فقط".
ولم تتأخر مصالح التحري في الشرطة عن فتح تحقيق في الأمر لمعرفة الفاعل، ولم يمض وقت طويل أيضاً حتى وضعت يدها عليه، وطبعاً وجد "المازح" نفسه بين يدي القاضي يواجه تهمة إزعاج السلطات.
وفي تشريح لهذه الظاهرة، قالت متخصصة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، إن ما يجري هو "انعكاس للسنوات الحمراء التي عصفت بالجزائر على سلوكيات الجزائريين، وقد تبدّى هذا الانعكاس حتى في مزاح البعض"، وأضافت في حديثها: أن "العنف المسلح خلّف عنفاً من نوع آخر. لقد انتقل العنف من صورته الحقيقية إلى صورة تخيُّلية، فأصبح البعض يمازح البعض الآخر بعنف هو غير حقيقي، ولكنه يبقى عنفاً".
وأضافت ظواهر البطالة والمخدرات والجريمة والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، كلها من مخلفات سنوات جمّدت الحياة في البلاد، و"هذا المزاح الثقيل"- تقول محدثتنا- كان هو أيضاً أحد المخلفات التي بدأت تظهر حديثاً في المجتمع.
وأضافت أن لجوء عدد من الشباب إلى "مزاح عنيف" يعبر عن بحث هؤلاء عن أمر يشغلون به أنفسهم من حالة خواء.
وأكدت أن القانون لا يسمح بـ"اللعب" بمشاعر الناس وبحياتهم، ولو مزاحاً.