جعلاني ولي الفخر
✗ ┋ جًعًلٌأَنٌيِ وَلِيَ أُلّفّخِرَ أُلٌمًسًرًۇۈۉرً
السلطنة تحتفل بذكرى الهجرة النبوية الشريفة
السيابي:الإسلام دين تشريع جاء لتنظيم الحياة وتخليص العقيدة من شوائب الشرك وإخلاص العبودية لله تعالى
الخروصي:الانعزال ليس مسلكنا والانكفاء ليس من ديننا والعنف ليس خُلُقَنا
تغطية ـ أحمد بن سعيد الجرداني:احتفلت السلطنة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مساء أمس بذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
أقيم بقاعة المحاضرات في جامع السلطان قابوس الأكبر بولاية بوشر تحت رعاية سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الإفتاء بحضور عدد من المواطنين وطلبة العلم.
في بداية الحفل ألقى راعي المناسبة كلمة قال فيها:إن شأن الهجرة عن الأوطان شأن فيه مرارة ولوعة وكره، فهو ثقيل على النفس لما فيه من مفارقة الأهل والإخوان وترك الديار والسكان، كما أنه ولا شك أمر عزيز على النفس شديد الوطأة على القلب،وهو ما عبر عنه الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خير تعبير بعدما خرج أو اخرج من مكة مسقط رأسه ومرتع صباه وموطن آبائه وأجداده بقولة وهو يلقي نظرة الوداع إليها (والله إنك لأحب بلاد الله إلي ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت).
بيد أن الإنسان في هذه الدنيا يريد أمرا، والله يريد غيره،ولا يكون إلا ما أراد الله عز سلطانه وعظم شأنه، على أنه وإن كان الأمر في ظاهره شرا حسب رؤية الإنسان، فإن الله تعالى هو العالم بخيره حتى يظهر ذلك الخير للإنسان.
وأضاف سعادته بقوله:لقد سارت الهجرة النبوية الشريفة على هذا النحو من المسير،خروج بل إخراج عن الأوطان،وبعد عن الأهل والخلان،وفراق للأصحاب والجيران،فما أمر هذه المفردات وما أقسى مدلولاتها،لولا الدينُ وإعزازهُ والتضحيةُ من أجله،لذلك كانت النتيجة رائعة حقاً، فقد تمخضت الهجرة عن أمر كبير ألا وهو قيام دولة الإسلام والمسلمين،وبروز الكيان الإسلامي المبارك،فعز فيهما وبها الإسلام والمسلمون،فتكونت الدولة الإسلامية المباركة، وتكون معها المجتمع الإسلامي المجيد،ومنها تكونت المدينة الفاضلة التي طالما حلم بها الفلاسفة والمصلحون،وتعانقت الدولة والمجتمع تعانقاً عجيباً وتناسقا تناسقاً غريباً، وذلك كله لوجود مرجعية هي الإسلام، تضمهما وتنظمهما عقيدة راسخة، وأخلاقاً فاضلة،وسلوكاً حميداً،وعلاقات إنسانية راقية،وقد تجلت معالم تلك المعاني النبيلة إبان الخلافة الراشدة،نظرا لنضج الدولة والمجتمع وتطورهما على ذلك العهد الميمون فقد عين الخليفة الأول أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب قاضياً على المدينة، ومرت فترة قرابة العامين ولم يأت إليه أحد شاكياً من أحد، الأمر الذي حمله على الاعتذار عن الاستمرار في ذلك المنصب القضائي الشريف، لأن المرجعية الإسلامية أدبت الجميع فأحسنت التأديب.
وأضاف سعادته:هذه هي المدرسة النبوية المحمدية التي تمخضت عن تلك الهجرة الشاقة والمباركة في آن واحد،أليس جديراً بهذا الحدث العظيم،ألا هو حدث الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حرسهما الله بحفظه ورعايته وعنايته أن يكون سجلاً لتاريخ الأمة الإسلامية؟.
وقال:إن القرار باعتماد الهجرة النبوية لتدوين التاريخ لهو قرار عظيم عميق النظر بعيد الأثر، لم ينشأ اعتباطا أو ارتجالاً، وإنما اتخذه ذلكم الخليفة العظيم عمر بن الخطاب بناء على دراسة عميقة ومشاورات مستفيضة مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم من مهاجريهم وانصارهم حتى كان ذلكم القرار الصائب الموفق بتوفيق الله تعالى.
موضحا بأنه يدور هنالك تساؤلان هما:الأول:لماذا اعتمدت الهجرة في تدوين التاريخ ولم يعتمد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن مولده عليه الصلاة والسلام حدث في الدنيا عظيم،والثاني:هو لماذا لم يجعل الشهر الذي وقعت فيه الهجرة، وهو شهر ربيع الاول بداية للتاريخ، وجعلت غرة المحرم هي البداية؟.
فالجواب عن التساؤل الأول:هو أن الإسلام دين تشريع جاء لتنظيم الحياة في جميع شؤونها وتخليص العقيدة من شؤائب الشرك واخلاص العبودية لله تعالى، وعلى ذلك فهو يبتعد عن الشخصنة أي التعلق بالأشخاص،وإن كان هذا الشخص هو سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم)،الذي نعتبره نحن المسلمين عقيدة ثابته وايماناً جازماً، أفضل وإعظم مخلوق في البشرية على الاطلاق، وهو الذي علمنا عدم التعلق بشخصه الكريم بقولهلا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله)،وهو ما أمره به ربه عز وجل،نعم يكون التعلق به (عليه الصلاة والسلام) يكمن في اتباع شرعه ونهج منهجه والأخذ بسننه.
وأضاف:فمن هناك كانت الهجرة بداية للتاريخ وليس المولد،لانها حدث عام يتعلق بالنبي(صلى الله عليه وسلم) وغيره من المسلمين الأوائل،فهناك من هاجر وهناك من ناصر وآثر، فالجميع كانوا مشتركين في صنع هذا الحدث التاريخي العظيم،اما الجواب عن التساؤل الثاني:هو أن وضع هذه الشهور الإثنى عشر كان من عند الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لقوله عز وجل (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ورتب الله عليها حركة النجوم والكواكب ومنها الشمس والقمر، وإنما تدخلت البشرية فيما بعد عبر تاريخها الطويل في تغيير أسمائها فقط بين زمن وآخر، حتى استقرت بها العرب قبل الإسلام على هذه الأسماء التي هي: المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني، وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة.
وقد عمدت العرب إلى تأخير بعض الشهور عن وقتها الصحيح لكي يتسنى لهم الاستمرار في حروبهم، وعندما جاء الإسلام وحج النبي عليه أفضل الصلاة والسلام حجة الوداع ردها إلى وقتها الصحيح، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلمإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض).
وقد كان شهر المحرم على أي اسم كان من قبل هو بداية شهور السنة،كما كان شهر ذي الحجة على أي اسم كان يعرف به من قبل هو آخر شهور السنة.
وعندما وفق الله المسلمين وخليفتهم الفاروق رأوا الابتداء بالتاريخ من أول شهور السنة التي حدثت فيها الهجرة،ولأنه لو أرخوا بشهر ربيع الأول لحدث هناك ارتباك وعدم انضباط، فهذا الذي حملهم على جعل غرة المحرم بداية لتدوين التاريخ الإسلامي،فجزاهم الله خير الجزاء على هذا الصنيع الجميل الذي أعطى للأمة الإسلامية قيمتها الحضارية،وقوى فيها انتماءها الإسلامي، وكرس فيها اعتزازها بدينها واستقلالها بتاريخها.
* كلمة الوزارة
وألقى الدكتور سالم بن هلال الخروصي المدير العام للوعظ والإرشاد كلمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قال فيها:إن الهجرة النبوية الشريفة وهي تدور في فلك تأريخنا تكرر مشاهدها في هذه الأيام المباركة موحية إلى عقولنا من إيحاءاتها وهامسة في آذاننا من نصائحها ومومضة لأجيالنا من قبس الرعيل الأول لأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما سطروه من كفاح وما خاضوه من ملاحم وما أثر عنهم من فيض النبوة تنسموه جيلا بعد جيل وترسموه تابعا عن تابع وحملوه إلى الإنسانية فكان لهم فضل السبق وقصباته.
وأضاف:إن الهجرة سنة الله أجراها على أنبيائه،من جؤجئها جاء نصر الله لأوليائه حين ارتبطت بمعيته ومعية الله مع المؤمنين بالرعاية والحفظ والتوفيق ومع الآخرين بالقهر والعلم، والهجرة عندما تقترن بمعية الله فهي لا تنقطع أبداً، جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقاليا رسول الله إني أتيت من عند قوم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمإن الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) ومفهوم الهجرة في الحديث مرتبط بالسلوك السوي والخلق النبوي مما أثر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الحاجة الاجتماعية المتجددة في كل زمان ومكان وهي هَمُّ الحضارات حين تبحث عن الاستقرار ليكتب لها الدوام والقرار وهي هَمٌّ اقتصادي يستنزف طاقات الأمم والشعوب ويستدر مدخراتها،فما أحوجنا إلى أن نفهم هذه الإيحاءات ونحن نستدبر عاما ونستقبل آخر.
وفي السياق ذاته قال:إن هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة المكرمة بلد البيت الحرام وآثار إبراهيم عليه السلام إلى المدينة المنورة لدليل على أن هذا الدين لم يأت لأجل الروح بمعزل عن المادة ولأجل الطقوس بمعزل عن العمل، والقرآن الكريم الذي كان يتنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة بالعقيدة أصبح يتنزل في المدينة المنورة بالتشريع في كل مناحي الحياة، ذلك لأن الإسلام حنيفية سمحة يسعى للجمع بين الدين والدنيا، بين العلم والعمل، بين الروح والمادة، ولم تبن أي حضارة إنسانية كتب لها البقاء على الأرض إلا لجمعها بين مبادئها الروحية وقيمها الإنسانية، ومسلكها الحضاري وموروثها العلمي.
وأضاف:إن الحضارة العمانية هكذا كان ديدنها في كل زمان ومكان عبر تأريخها منذ دخولها في كنف الإسلام وإستظلالها بظله ولقد طالعنا تأريخنا العماني عن أولئك الأماجد الذين أبحروا في مشرق الأرض ومغربها يحملون قيم الإسلام وأسس الحضارة ليبذروا البذر الطيب ويغرسوا الغراس الصالح في الإنسانية ليبقى أثره يُتنسم في كل محفل وعلى كل لسان وفي كل موقع وطأته قدم أهل عمان شاهداً حياً على أصالة حضارتنا الممتدة إلى هذا العهد الزاهر، واليوم يأتي دور الشبيبة العمانية لتمسك بزمام هذه الحضارة وتنسج ما تبقى من علم وعمل وهكذا تبقى عمان إسما يتردد في الدهر ونوراً يتلألأ في الإنسانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
مؤكدا بأن الصحبة التي ينشدها المسلم من إخوانه النصح في الحق والنصر في الظلم والدعوة الصادقة في باطن الغيب والعون في السراء والضراء، يجسدها في حدث الهجرة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) صاحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،ويجسدها في الحضارة الإنسانية اليوم كل مؤمن يأمل الخير للبشرية وينشر السلم والسلام للإنسانية فإذا نطق لا ينطق بسوء وإذا نصح لا ينصح بفرقه وإذا دعا لا يدعو بفناء،والمسلم يميز بين عدوه وصديقه، فمن دعا إلى شق عصى الطاعة ونبذ الجماعة والترويع بعد الوداعة بسُمِّ الفكر ومنقوعه، ودنس الرأي ومرجوعه،ومُسْتَبَد الهوى وموجوعه فما هو بالصاحب الذي نصاحب ولا بالصديق الذي نصاَدق ولا بالخليل الذي نخالل.
وأشار بقوله إلى إن العلاقات الدولية كانت ثمرة من ثمار الهجرة النبوية فقد أبانت الهجرة عن وثيقة المدينة التي تحدد مبادئ الشراكة بين أهلها وأسس التعامل بين أطياف المجتمع المدني، ولا غرو في ذلك لأن التعاون في الخير مبدأ أصيل في ديننا ومسلك راشد في مجتمعنا ومنهج سوي مستمد من كتاب ربنا وسنة نبينا كفتاه المودة والرحمة وغايته بناء الحضارة الإنسانية وسبيله الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب وإن تباين الناس شعوبا وقبائل لم يكن ليتقاتلوا ويختلفوا ولكن ليتعارفوا ويتعاونوا،فالانعزال ليس مسلكنا والتقوقع والانكفاء ليس من ديننا والعنف ليس خُلُقَنا، وكل صوت ينادي بغير ذلك فهو نشاز، وكل فكر يدعو إلى غير ذلك فهو عقيم إذ المنفعة العامة مقدمة في ديننا على المنفعة الخاصة ومصلحة الآحاد ضمن إطار مصلحة المجموع حفاظا على الكليات الخمسالنفس والدين والعقل والنسل والمال).
بعد ذلك ألقى الشاعر سعيد بن ناصر الراشدي قصيدة شعرية حول هذه المناسبة الجليلة نالت استحسان الحضور.
وفي ختام الحفل تم عرض تلفزيوني مصور عرض فيه تجليات الهجرة بأسلوب أدبي شايق يراوح في استعمال الكلمة العذبة بين شعر التفعيلة والعمودي.
السيابي:الإسلام دين تشريع جاء لتنظيم الحياة وتخليص العقيدة من شوائب الشرك وإخلاص العبودية لله تعالى
الخروصي:الانعزال ليس مسلكنا والانكفاء ليس من ديننا والعنف ليس خُلُقَنا
تغطية ـ أحمد بن سعيد الجرداني:احتفلت السلطنة ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مساء أمس بذكرى الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
أقيم بقاعة المحاضرات في جامع السلطان قابوس الأكبر بولاية بوشر تحت رعاية سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الإفتاء بحضور عدد من المواطنين وطلبة العلم.
في بداية الحفل ألقى راعي المناسبة كلمة قال فيها:إن شأن الهجرة عن الأوطان شأن فيه مرارة ولوعة وكره، فهو ثقيل على النفس لما فيه من مفارقة الأهل والإخوان وترك الديار والسكان، كما أنه ولا شك أمر عزيز على النفس شديد الوطأة على القلب،وهو ما عبر عنه الحبيب المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ خير تعبير بعدما خرج أو اخرج من مكة مسقط رأسه ومرتع صباه وموطن آبائه وأجداده بقولة وهو يلقي نظرة الوداع إليها (والله إنك لأحب بلاد الله إلي ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت).
بيد أن الإنسان في هذه الدنيا يريد أمرا، والله يريد غيره،ولا يكون إلا ما أراد الله عز سلطانه وعظم شأنه، على أنه وإن كان الأمر في ظاهره شرا حسب رؤية الإنسان، فإن الله تعالى هو العالم بخيره حتى يظهر ذلك الخير للإنسان.
وأضاف سعادته بقوله:لقد سارت الهجرة النبوية الشريفة على هذا النحو من المسير،خروج بل إخراج عن الأوطان،وبعد عن الأهل والخلان،وفراق للأصحاب والجيران،فما أمر هذه المفردات وما أقسى مدلولاتها،لولا الدينُ وإعزازهُ والتضحيةُ من أجله،لذلك كانت النتيجة رائعة حقاً، فقد تمخضت الهجرة عن أمر كبير ألا وهو قيام دولة الإسلام والمسلمين،وبروز الكيان الإسلامي المبارك،فعز فيهما وبها الإسلام والمسلمون،فتكونت الدولة الإسلامية المباركة، وتكون معها المجتمع الإسلامي المجيد،ومنها تكونت المدينة الفاضلة التي طالما حلم بها الفلاسفة والمصلحون،وتعانقت الدولة والمجتمع تعانقاً عجيباً وتناسقا تناسقاً غريباً، وذلك كله لوجود مرجعية هي الإسلام، تضمهما وتنظمهما عقيدة راسخة، وأخلاقاً فاضلة،وسلوكاً حميداً،وعلاقات إنسانية راقية،وقد تجلت معالم تلك المعاني النبيلة إبان الخلافة الراشدة،نظرا لنضج الدولة والمجتمع وتطورهما على ذلك العهد الميمون فقد عين الخليفة الأول أبو بكر الصديق عمر بن الخطاب قاضياً على المدينة، ومرت فترة قرابة العامين ولم يأت إليه أحد شاكياً من أحد، الأمر الذي حمله على الاعتذار عن الاستمرار في ذلك المنصب القضائي الشريف، لأن المرجعية الإسلامية أدبت الجميع فأحسنت التأديب.
وأضاف سعادته:هذه هي المدرسة النبوية المحمدية التي تمخضت عن تلك الهجرة الشاقة والمباركة في آن واحد،أليس جديراً بهذا الحدث العظيم،ألا هو حدث الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة حرسهما الله بحفظه ورعايته وعنايته أن يكون سجلاً لتاريخ الأمة الإسلامية؟.
وقال:إن القرار باعتماد الهجرة النبوية لتدوين التاريخ لهو قرار عظيم عميق النظر بعيد الأثر، لم ينشأ اعتباطا أو ارتجالاً، وإنما اتخذه ذلكم الخليفة العظيم عمر بن الخطاب بناء على دراسة عميقة ومشاورات مستفيضة مع الصحابة الكرام رضي الله عنهم من مهاجريهم وانصارهم حتى كان ذلكم القرار الصائب الموفق بتوفيق الله تعالى.
موضحا بأنه يدور هنالك تساؤلان هما:الأول:لماذا اعتمدت الهجرة في تدوين التاريخ ولم يعتمد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن مولده عليه الصلاة والسلام حدث في الدنيا عظيم،والثاني:هو لماذا لم يجعل الشهر الذي وقعت فيه الهجرة، وهو شهر ربيع الاول بداية للتاريخ، وجعلت غرة المحرم هي البداية؟.
فالجواب عن التساؤل الأول:هو أن الإسلام دين تشريع جاء لتنظيم الحياة في جميع شؤونها وتخليص العقيدة من شؤائب الشرك واخلاص العبودية لله تعالى، وعلى ذلك فهو يبتعد عن الشخصنة أي التعلق بالأشخاص،وإن كان هذا الشخص هو سيدنا محمدا (صلى الله عليه وسلم)،الذي نعتبره نحن المسلمين عقيدة ثابته وايماناً جازماً، أفضل وإعظم مخلوق في البشرية على الاطلاق، وهو الذي علمنا عدم التعلق بشخصه الكريم بقولهلا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ولكن قولوا عبدالله ورسوله)،وهو ما أمره به ربه عز وجل،نعم يكون التعلق به (عليه الصلاة والسلام) يكمن في اتباع شرعه ونهج منهجه والأخذ بسننه.
وأضاف:فمن هناك كانت الهجرة بداية للتاريخ وليس المولد،لانها حدث عام يتعلق بالنبي(صلى الله عليه وسلم) وغيره من المسلمين الأوائل،فهناك من هاجر وهناك من ناصر وآثر، فالجميع كانوا مشتركين في صنع هذا الحدث التاريخي العظيم،اما الجواب عن التساؤل الثاني:هو أن وضع هذه الشهور الإثنى عشر كان من عند الله تعالى يوم خلق السموات والأرض لقوله عز وجل (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) ورتب الله عليها حركة النجوم والكواكب ومنها الشمس والقمر، وإنما تدخلت البشرية فيما بعد عبر تاريخها الطويل في تغيير أسمائها فقط بين زمن وآخر، حتى استقرت بها العرب قبل الإسلام على هذه الأسماء التي هي: المحرم وصفر وربيع الأول وربيع الثاني، وجمادى الأولى وجمادى الثانية ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة.
وقد عمدت العرب إلى تأخير بعض الشهور عن وقتها الصحيح لكي يتسنى لهم الاستمرار في حروبهم، وعندما جاء الإسلام وحج النبي عليه أفضل الصلاة والسلام حجة الوداع ردها إلى وقتها الصحيح، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلمإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض).
وقد كان شهر المحرم على أي اسم كان من قبل هو بداية شهور السنة،كما كان شهر ذي الحجة على أي اسم كان يعرف به من قبل هو آخر شهور السنة.
وعندما وفق الله المسلمين وخليفتهم الفاروق رأوا الابتداء بالتاريخ من أول شهور السنة التي حدثت فيها الهجرة،ولأنه لو أرخوا بشهر ربيع الأول لحدث هناك ارتباك وعدم انضباط، فهذا الذي حملهم على جعل غرة المحرم بداية لتدوين التاريخ الإسلامي،فجزاهم الله خير الجزاء على هذا الصنيع الجميل الذي أعطى للأمة الإسلامية قيمتها الحضارية،وقوى فيها انتماءها الإسلامي، وكرس فيها اعتزازها بدينها واستقلالها بتاريخها.
* كلمة الوزارة
وألقى الدكتور سالم بن هلال الخروصي المدير العام للوعظ والإرشاد كلمة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية قال فيها:إن الهجرة النبوية الشريفة وهي تدور في فلك تأريخنا تكرر مشاهدها في هذه الأيام المباركة موحية إلى عقولنا من إيحاءاتها وهامسة في آذاننا من نصائحها ومومضة لأجيالنا من قبس الرعيل الأول لأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما سطروه من كفاح وما خاضوه من ملاحم وما أثر عنهم من فيض النبوة تنسموه جيلا بعد جيل وترسموه تابعا عن تابع وحملوه إلى الإنسانية فكان لهم فضل السبق وقصباته.
وأضاف:إن الهجرة سنة الله أجراها على أنبيائه،من جؤجئها جاء نصر الله لأوليائه حين ارتبطت بمعيته ومعية الله مع المؤمنين بالرعاية والحفظ والتوفيق ومع الآخرين بالقهر والعلم، والهجرة عندما تقترن بمعية الله فهي لا تنقطع أبداً، جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقاليا رسول الله إني أتيت من عند قوم يزعمون أن الهجرة قد انقطعت، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمإن الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) ومفهوم الهجرة في الحديث مرتبط بالسلوك السوي والخلق النبوي مما أثر عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي الحاجة الاجتماعية المتجددة في كل زمان ومكان وهي هَمُّ الحضارات حين تبحث عن الاستقرار ليكتب لها الدوام والقرار وهي هَمٌّ اقتصادي يستنزف طاقات الأمم والشعوب ويستدر مدخراتها،فما أحوجنا إلى أن نفهم هذه الإيحاءات ونحن نستدبر عاما ونستقبل آخر.
وفي السياق ذاته قال:إن هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة المكرمة بلد البيت الحرام وآثار إبراهيم عليه السلام إلى المدينة المنورة لدليل على أن هذا الدين لم يأت لأجل الروح بمعزل عن المادة ولأجل الطقوس بمعزل عن العمل، والقرآن الكريم الذي كان يتنزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مكة بالعقيدة أصبح يتنزل في المدينة المنورة بالتشريع في كل مناحي الحياة، ذلك لأن الإسلام حنيفية سمحة يسعى للجمع بين الدين والدنيا، بين العلم والعمل، بين الروح والمادة، ولم تبن أي حضارة إنسانية كتب لها البقاء على الأرض إلا لجمعها بين مبادئها الروحية وقيمها الإنسانية، ومسلكها الحضاري وموروثها العلمي.
وأضاف:إن الحضارة العمانية هكذا كان ديدنها في كل زمان ومكان عبر تأريخها منذ دخولها في كنف الإسلام وإستظلالها بظله ولقد طالعنا تأريخنا العماني عن أولئك الأماجد الذين أبحروا في مشرق الأرض ومغربها يحملون قيم الإسلام وأسس الحضارة ليبذروا البذر الطيب ويغرسوا الغراس الصالح في الإنسانية ليبقى أثره يُتنسم في كل محفل وعلى كل لسان وفي كل موقع وطأته قدم أهل عمان شاهداً حياً على أصالة حضارتنا الممتدة إلى هذا العهد الزاهر، واليوم يأتي دور الشبيبة العمانية لتمسك بزمام هذه الحضارة وتنسج ما تبقى من علم وعمل وهكذا تبقى عمان إسما يتردد في الدهر ونوراً يتلألأ في الإنسانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
مؤكدا بأن الصحبة التي ينشدها المسلم من إخوانه النصح في الحق والنصر في الظلم والدعوة الصادقة في باطن الغيب والعون في السراء والضراء، يجسدها في حدث الهجرة أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) صاحب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،ويجسدها في الحضارة الإنسانية اليوم كل مؤمن يأمل الخير للبشرية وينشر السلم والسلام للإنسانية فإذا نطق لا ينطق بسوء وإذا نصح لا ينصح بفرقه وإذا دعا لا يدعو بفناء،والمسلم يميز بين عدوه وصديقه، فمن دعا إلى شق عصى الطاعة ونبذ الجماعة والترويع بعد الوداعة بسُمِّ الفكر ومنقوعه، ودنس الرأي ومرجوعه،ومُسْتَبَد الهوى وموجوعه فما هو بالصاحب الذي نصاحب ولا بالصديق الذي نصاَدق ولا بالخليل الذي نخالل.
وأشار بقوله إلى إن العلاقات الدولية كانت ثمرة من ثمار الهجرة النبوية فقد أبانت الهجرة عن وثيقة المدينة التي تحدد مبادئ الشراكة بين أهلها وأسس التعامل بين أطياف المجتمع المدني، ولا غرو في ذلك لأن التعاون في الخير مبدأ أصيل في ديننا ومسلك راشد في مجتمعنا ومنهج سوي مستمد من كتاب ربنا وسنة نبينا كفتاه المودة والرحمة وغايته بناء الحضارة الإنسانية وسبيله الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب وإن تباين الناس شعوبا وقبائل لم يكن ليتقاتلوا ويختلفوا ولكن ليتعارفوا ويتعاونوا،فالانعزال ليس مسلكنا والتقوقع والانكفاء ليس من ديننا والعنف ليس خُلُقَنا، وكل صوت ينادي بغير ذلك فهو نشاز، وكل فكر يدعو إلى غير ذلك فهو عقيم إذ المنفعة العامة مقدمة في ديننا على المنفعة الخاصة ومصلحة الآحاد ضمن إطار مصلحة المجموع حفاظا على الكليات الخمسالنفس والدين والعقل والنسل والمال).
بعد ذلك ألقى الشاعر سعيد بن ناصر الراشدي قصيدة شعرية حول هذه المناسبة الجليلة نالت استحسان الحضور.
وفي ختام الحفل تم عرض تلفزيوني مصور عرض فيه تجليات الهجرة بأسلوب أدبي شايق يراوح في استعمال الكلمة العذبة بين شعر التفعيلة والعمودي.