راعي الطير
¬°•| مشرف سابق|•°¬
- إنضم
- 14 أكتوبر 2007
- المشاركات
- 850
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ علوي السقاف في كتابه "صفات الله عز وجل" (ص 337 - 345) في مسألة وصف يد الله بالشمال أم أن كلتا يديه يمين فقال:
يؤمن أهل السنة والجماعة أنَّ لله عَزَّ وجَلَّ يدين، وأنَّ إحدى يديه يَمِين؛ فهل الأخرى توصف بالشِّمال ؟ أم أنَّ كلتا يديه يَمِين ؟.
تحقيق القول في صفة الشِّمال:
أولاً: القائلون بإثبات صفة الشِّمال أو اليسار.
ومنهم: الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، ومحمد بن عبد الوهاب، وصديق حسن خان، ومحمد خليل الهرَّاس، وعبد الله الغنيمان، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
1- ما رواه مسلم في "صحيحه" (2788) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يطوي الله عَزَّ وجَلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟أين المتكبرون؟ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول..." الخ الحديث.
2- حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعاً: "خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليَمِين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمم، فقال للتي في يَمِينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي". رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (1059)، والبزار في "مسنده" (2144-كشف)، وقال: "إسناده حسن".
3- ومن أدلتهم وصف إحدى اليدين باليَمِين؛ كما في الأحاديث السابقة، وأنَّ هذا يقتضي أنَّ الأخرى ليست يَمِيناً، فتكون شمالاً، وفي بعض الأحاديث تذكر اليَمِين، ويذكر مقابلها: "بيده الأخرى"، وهذا يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين، فتكون الشِّمال.
أقوالهم:
قال الإمام أبو سعيد الدارمي في "رده على بشر المريسي" (ص 155)؛ "وأعجب من هذا قول الثلجي الجاهل فيما ادعى تأويل حديث رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يَمِين الرحمن وكلتا يديه يَمِين"، فادعى الثلجي أنَّ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تأول كلتا يديه يَمِين؛ أنه خرج من تأويل الغلوليين أنها يَمِين الأيدي، وخرج من معنى اليدين إلى النعم؛ يعني بالغلوليين: أهل السنة؛ يعني أنه لا يكون لأحد يَمِينان، فلا يوصف أحد بيَمِينين، ولكن يَمِين وشمال بزعمه.
قال أبو سعيد: ويلك أيها المعارض! إنما عنى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ما قد أطلق على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله: "وكلتا يديه يَمِين"؛ أي: مُنَزَّه على النقص والضعف؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، فقال: "كِلتا يدي الرحمن يَمِين"؛ إجلالاً لله، وتعظيماً أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، وكذلك لو لم يجز إطلاق الشِّمال واليسار؛ لما أطلق رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ولو لم يجز أن يُقال: كلتا يدي الرحمن يَمِين؛ لم يقله رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وهذا قد جوزه الناس في الخلق؛ فكيف لا يجوز ابن الثلجي في يدي الله أنهما جميعاً يَمِينان، وقد سُمِّي من الناس ذا الشِّمالين، فجاز نفي دعوى ابن الثلجي أيضاً، ويخرج ذو الشِّمالين من معنى أصحاب الأيدي".
وقال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 176) بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "واعلم أنَّ هذا الخبر يفيد جواز إطلاق القبضة عليه، واليَمِين واليسار والمسح، وذلك غير ممتنع؛ لما بيَّنا فيما قبل من أنَّهُ لا يحيل صفاته؛ فهو بمثابة اليدين والوَجْه وغيرهما".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر باب من "كتاب التوحيد" في المسألة السادسة: "التصريح بتسميتها الشِّمال"؛ يعني: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عند مسلم.
وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه "قطف الثمار" (ص 66)-: "ومن صفاته سبحانه: اليد، واليَمِين، والكف، والإصبع، والشِّمال000"
وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس في تعليقه على "كتاب التوحيد" لابن خزيمة (ص 66)-: "يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عَزَّ وجَلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط؛ فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قولـه تعالى: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قولـه عليه السلام: "إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار؛ يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً".
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في "شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1/311)-: "هذا؛ وقد تنوعت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على إثبات اليدين لله تعالى وإثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض وتثنيتهما، وأنَّ إحداهما يَمِين كما مر، وفي نصوص كثيرة، والأخرى شمال؛ كما في "صحيح مسلم"، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب الطيب بيَمِينه، فيربيها لصاحبها، وأنَّ المقسطين على منابر من نور عن يَمِين الرحمن، وكلتا يديه يَمِين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله".
وقال (ص 318 و319)-: "وقد أتانا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بذكر الأصابع، وبذكر الكف، وذكر اليَمِين، والشِّمال، واليدين مرة مثناة، ومرة منصوص على واحدة أنه يفعل بها كذا وكذا، وأنَّ الأخرى فيها كذا؛ كما تقدمت النصوص بذلك".
ثانياً: القائلون بأنَّ كلتا يدي الله يَمِين لا شمال ولا يسار فيهما
منهم: الإمام ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
1- ما رواه مسلم في "صحيحه" (1827) من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص - رضي الله عنه -ما مرفوعاً: "إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين...".
2- حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -ما مرفوعاً: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين 000 ".
رواه: ابن أبي عاصم في "السنة" (106)، والآجري في "الشريعة". وصحَّحَه الألباني.
3- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لما خلق الله آدم، ونفخ فيه من روحه؛ قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم، فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة، ثم بسطها...".
رواه: ابن أبي عاصم في السنة (206)، وابن حبان (6167)، والحاكم (1/64) وصحَّحَه، وعنه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/56).
والحديث حسَّنه الألباني في تخريجه لـ "السنة".
4- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يَمِين الله ملأى لا يغيضها نفقة... وبيده الأخرى القبض؛ يرفع ويخفض". رواه: البخاري، ومسلم.وقد تقدم قبل قليل. ورواه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، وسنده صحيح؛ بلفظ: "وبيَمِينه الأخرى القبض...".
أقوالهم:
قال ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (1/159)-: "باب: ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أنَّ لخالقنا جلَّ وعلا يدين، كلتاهما يَمِينان، لا يسار لخالقنا عَزَّ وجَلَّ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين، فَجَلَّ ربنا عن أن يكون له يسار".
وقال أيضاً (1/197)-: "... بل الأرض جميعاً قبضةُ ربنا جَلَّ وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة، والسماوات مطويات بيَمِينه، وهي اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا يَمِين، لا شمال فيهما، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار؛ إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه" اهـ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل – كما في "طبقات الحنابلة" لأبي يعلى (1/313)-: "وكما صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ أنه قال: "وكلتا يديه يَمِين"، الإيمان بذلك، فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أنَّ ذلك حق كما قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ فهو مُكَذِّبٌ برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -".
وسئل الشيخ الألباني- رحمه الله - في "مجلة الأصالة" (ع4، ص 68)-: "كيف نوفِّق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر - رضي الله عنه -ما في "صحيح مسلم" وقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "وكلتا يديه يَمِين" ؟
جواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "... وكلتا يديه يَمِين": تأكيد لقولـه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.
وأمر آخر؛ أنَّ رواية: "بشماله": شاذة؛ كما بيَّنتها في "تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" (رقم 1) للمودودي.
ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى"، بدل: "بشماله"، وهو الموافق لقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "وكلتا يديه يَمِين"، والله أعلم".
مناقشة الأدلة التي تثبت صحجر
فة (الشِّمال) و (اليَسَار)-:
1- حديث عبدالله بن عمر عند مسلم (2788-24)، وفيه لفظة (الشِّمال)، تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر، وعمر بن حمزة ضعيف، والحديث عند البخاري (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم (2788-25و26) من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشِّمال).
قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/55)-: "ذكر (الشِّمال) فيه، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر؛ لم يذكرا فيه الشِّمال. وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما: جعفر بن الزبير، وبالآخر: يزيد الرقاشي. وهما متروكان، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً" اهـ.
2- حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - المتقدم، وفيه: "وقال للتي في يساره إلى النار ولا أبالي". رواه عبد الله ابن الإمام أحمد والبَزَّار، روى هذا الحديث أحمد في "المسند " (6/441)، ورواه أيضاً ابن عساكر في "تاريخ دمشق"؛ كما أفاده الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في "الصحيحة" (49) وعندهما: "وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي"، والضمير هنا يعود على آدم عليه السلام، وإسنادهم واحد، صححه الألباني.
3- قولـهم: "إنَّ ذكر اليَمِين يدل على أنَّ الأخرى شمال": قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أنَّ كلتا يدي الله يَمِين.
مناقشة الأدلة التي تثبت أنَّ يدي الله كلتاهما يَمِين:
وصفُ اليدين بأنَّ كلتيهما يَمِين لا يعني عند العرب أنَّ الأخرى ليست يَسَاراً، بل قد يوصف الإنسان بأنَّ يديه كلتاهما يَمِين كما قال المرَّار:
"وإِنَّ عَلَى الأمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ * * * فَتىً كِلْتَا اليدَيْنِ لَهُ يَمِينَ"
ولا يعني أن لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه شماله كيَمِينه.
انظر البيت في: "مختلف تأويل الحديث" لابن قتيبة (ص 247).
ولُقِّب أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بذي اليَمِينين، كتب له أحد أصحابه:
"للأمِــــيرِ المُهَــــــذَّبِ *** ذِي اليَمِينينِ طَاهِرِ بـ
المُكَنَّــــــى بِطَيِّـــــبِ ـنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ"
انظر: "ثمار القلوب" (ص 291).
كما أنَّ العرب تسمى الرجل ذا الشِّمالَين، وقد سمي عمير بن عبد عمرو بن نضلة - رضي الله عنه - بذلك، وقيل: بل هو ذو اليدين. راجع: "الإصابة"
ولا يعنون بذي الشِّمالَين؛ أي: لا يَمِين له.
الترجيح:
إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "كلتاهما يَمِين". والله أعلم.ا.هـ.
قال الشيخ علوي السقاف في كتابه "صفات الله عز وجل" (ص 337 - 345) في مسألة وصف يد الله بالشمال أم أن كلتا يديه يمين فقال:
يؤمن أهل السنة والجماعة أنَّ لله عَزَّ وجَلَّ يدين، وأنَّ إحدى يديه يَمِين؛ فهل الأخرى توصف بالشِّمال ؟ أم أنَّ كلتا يديه يَمِين ؟.
تحقيق القول في صفة الشِّمال:
أولاً: القائلون بإثبات صفة الشِّمال أو اليسار.
ومنهم: الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، ومحمد بن عبد الوهاب، وصديق حسن خان، ومحمد خليل الهرَّاس، وعبد الله الغنيمان، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
1- ما رواه مسلم في "صحيحه" (2788) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يطوي الله عَزَّ وجَلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟أين المتكبرون؟ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول..." الخ الحديث.
2- حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعاً: "خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليَمِين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمم، فقال للتي في يَمِينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي". رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (1059)، والبزار في "مسنده" (2144-كشف)، وقال: "إسناده حسن".
3- ومن أدلتهم وصف إحدى اليدين باليَمِين؛ كما في الأحاديث السابقة، وأنَّ هذا يقتضي أنَّ الأخرى ليست يَمِيناً، فتكون شمالاً، وفي بعض الأحاديث تذكر اليَمِين، ويذكر مقابلها: "بيده الأخرى"، وهذا يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين، فتكون الشِّمال.
أقوالهم:
قال الإمام أبو سعيد الدارمي في "رده على بشر المريسي" (ص 155)؛ "وأعجب من هذا قول الثلجي الجاهل فيما ادعى تأويل حديث رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يَمِين الرحمن وكلتا يديه يَمِين"، فادعى الثلجي أنَّ النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تأول كلتا يديه يَمِين؛ أنه خرج من تأويل الغلوليين أنها يَمِين الأيدي، وخرج من معنى اليدين إلى النعم؛ يعني بالغلوليين: أهل السنة؛ يعني أنه لا يكون لأحد يَمِينان، فلا يوصف أحد بيَمِينين، ولكن يَمِين وشمال بزعمه.
قال أبو سعيد: ويلك أيها المعارض! إنما عنى رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ما قد أطلق على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله: "وكلتا يديه يَمِين"؛ أي: مُنَزَّه على النقص والضعف؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، فقال: "كِلتا يدي الرحمن يَمِين"؛ إجلالاً لله، وتعظيماً أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، وكذلك لو لم يجز إطلاق الشِّمال واليسار؛ لما أطلق رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، ولو لم يجز أن يُقال: كلتا يدي الرحمن يَمِين؛ لم يقله رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وهذا قد جوزه الناس في الخلق؛ فكيف لا يجوز ابن الثلجي في يدي الله أنهما جميعاً يَمِينان، وقد سُمِّي من الناس ذا الشِّمالين، فجاز نفي دعوى ابن الثلجي أيضاً، ويخرج ذو الشِّمالين من معنى أصحاب الأيدي".
وقال أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويلات" (ص 176) بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه -: "واعلم أنَّ هذا الخبر يفيد جواز إطلاق القبضة عليه، واليَمِين واليسار والمسح، وذلك غير ممتنع؛ لما بيَّنا فيما قبل من أنَّهُ لا يحيل صفاته؛ فهو بمثابة اليدين والوَجْه وغيرهما".
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر باب من "كتاب التوحيد" في المسألة السادسة: "التصريح بتسميتها الشِّمال"؛ يعني: حديث ابن عمر - رضي الله عنه - عند مسلم.
وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه "قطف الثمار" (ص 66)-: "ومن صفاته سبحانه: اليد، واليَمِين، والكف، والإصبع، والشِّمال000"
وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس في تعليقه على "كتاب التوحيد" لابن خزيمة (ص 66)-: "يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عَزَّ وجَلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط؛ فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قولـه تعالى: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قولـه عليه السلام: "إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار؛ يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً".
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في "شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري" (1/311)-: "هذا؛ وقد تنوعت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على إثبات اليدين لله تعالى وإثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض وتثنيتهما، وأنَّ إحداهما يَمِين كما مر، وفي نصوص كثيرة، والأخرى شمال؛ كما في "صحيح مسلم"، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب الطيب بيَمِينه، فيربيها لصاحبها، وأنَّ المقسطين على منابر من نور عن يَمِين الرحمن، وكلتا يديه يَمِين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله".
وقال (ص 318 و319)-: "وقد أتانا - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بذكر الأصابع، وبذكر الكف، وذكر اليَمِين، والشِّمال، واليدين مرة مثناة، ومرة منصوص على واحدة أنه يفعل بها كذا وكذا، وأنَّ الأخرى فيها كذا؛ كما تقدمت النصوص بذلك".
ثانياً: القائلون بأنَّ كلتا يدي الله يَمِين لا شمال ولا يسار فيهما
منهم: الإمام ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
1- ما رواه مسلم في "صحيحه" (1827) من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص - رضي الله عنه -ما مرفوعاً: "إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين...".
2- حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -ما مرفوعاً: "أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين 000 ".
رواه: ابن أبي عاصم في "السنة" (106)، والآجري في "الشريعة". وصحَّحَه الألباني.
3- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "لما خلق الله آدم، ونفخ فيه من روحه؛ قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم، فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة، ثم بسطها...".
رواه: ابن أبي عاصم في السنة (206)، وابن حبان (6167)، والحاكم (1/64) وصحَّحَه، وعنه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/56).
والحديث حسَّنه الألباني في تخريجه لـ "السنة".
4- حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: "يَمِين الله ملأى لا يغيضها نفقة... وبيده الأخرى القبض؛ يرفع ويخفض". رواه: البخاري، ومسلم.وقد تقدم قبل قليل. ورواه ابن خزيمة في "كتاب التوحيد"، وسنده صحيح؛ بلفظ: "وبيَمِينه الأخرى القبض...".
أقوالهم:
قال ابن خزيمة في "كتاب التوحيد" (1/159)-: "باب: ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أنَّ لخالقنا جلَّ وعلا يدين، كلتاهما يَمِينان، لا يسار لخالقنا عَزَّ وجَلَّ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين، فَجَلَّ ربنا عن أن يكون له يسار".
وقال أيضاً (1/197)-: "... بل الأرض جميعاً قبضةُ ربنا جَلَّ وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة، والسماوات مطويات بيَمِينه، وهي اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا يَمِين، لا شمال فيهما، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار؛ إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه" اهـ.
وقال الإمام أحمد بن حنبل – كما في "طبقات الحنابلة" لأبي يعلى (1/313)-: "وكما صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ أنه قال: "وكلتا يديه يَمِين"، الإيمان بذلك، فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أنَّ ذلك حق كما قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ فهو مُكَذِّبٌ برسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -".
وسئل الشيخ الألباني- رحمه الله - في "مجلة الأصالة" (ع4، ص 68)-: "كيف نوفِّق بين رواية: "بشماله" الواردة في حديث ابن عمر - رضي الله عنه -ما في "صحيح مسلم" وقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "وكلتا يديه يَمِين" ؟
جواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "... وكلتا يديه يَمِين": تأكيد لقولـه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين.
وأمر آخر؛ أنَّ رواية: "بشماله": شاذة؛ كما بيَّنتها في "تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن" (رقم 1) للمودودي.
ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: "بيده الأخرى"، بدل: "بشماله"، وهو الموافق لقولـه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "وكلتا يديه يَمِين"، والله أعلم".
مناقشة الأدلة التي تثبت صحجر
فة (الشِّمال) و (اليَسَار)-:
1- حديث عبدالله بن عمر عند مسلم (2788-24)، وفيه لفظة (الشِّمال)، تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر، وعمر بن حمزة ضعيف، والحديث عند البخاري (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم (2788-25و26) من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشِّمال).
قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/55)-: "ذكر (الشِّمال) فيه، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر؛ لم يذكرا فيه الشِّمال. وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما: جعفر بن الزبير، وبالآخر: يزيد الرقاشي. وهما متروكان، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً" اهـ.
2- حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - المتقدم، وفيه: "وقال للتي في يساره إلى النار ولا أبالي". رواه عبد الله ابن الإمام أحمد والبَزَّار، روى هذا الحديث أحمد في "المسند " (6/441)، ورواه أيضاً ابن عساكر في "تاريخ دمشق"؛ كما أفاده الشيخ ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في "الصحيحة" (49) وعندهما: "وقال للذي في كتفه اليسرى إلى النار ولا أبالي"، والضمير هنا يعود على آدم عليه السلام، وإسنادهم واحد، صححه الألباني.
3- قولـهم: "إنَّ ذكر اليَمِين يدل على أنَّ الأخرى شمال": قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أنَّ كلتا يدي الله يَمِين.
مناقشة الأدلة التي تثبت أنَّ يدي الله كلتاهما يَمِين:
وصفُ اليدين بأنَّ كلتيهما يَمِين لا يعني عند العرب أنَّ الأخرى ليست يَسَاراً، بل قد يوصف الإنسان بأنَّ يديه كلتاهما يَمِين كما قال المرَّار:
"وإِنَّ عَلَى الأمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ * * * فَتىً كِلْتَا اليدَيْنِ لَهُ يَمِينَ"
ولا يعني أن لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه شماله كيَمِينه.
انظر البيت في: "مختلف تأويل الحديث" لابن قتيبة (ص 247).
ولُقِّب أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بذي اليَمِينين، كتب له أحد أصحابه:
"للأمِــــيرِ المُهَــــــذَّبِ *** ذِي اليَمِينينِ طَاهِرِ بـ
المُكَنَّــــــى بِطَيِّـــــبِ ـنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ"
انظر: "ثمار القلوب" (ص 291).
كما أنَّ العرب تسمى الرجل ذا الشِّمالَين، وقد سمي عمير بن عبد عمرو بن نضلة - رضي الله عنه - بذلك، وقيل: بل هو ذو اليدين. راجع: "الإصابة"
ولا يعنون بذي الشِّمالَين؛ أي: لا يَمِين له.
الترجيح:
إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال، وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف، قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "كلتاهما يَمِين". والله أعلم.ا.هـ.
التعديل الأخير: