شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
منذ أن أطلق الفرنسي جول ريميه فكرة إقامة بطولة عالمية لكرة القدم تقام مرة كل أربع سنوات وتشارك فيها جميع الدول بمنتخبات تمثلها وتضم أفضل لاعبيها، واستضافة هذه البطولة محل جدل وصراع دائم بين دول تأمل جميعها بأن تنال شرف أن تُجرى مباريات البطولة على أرضها وبين جمهورها، وأن تتجه أنظار العالم أجمع صوبها طيلة إقامة منافسات كأس العالم.
والحقيقة أن محاولات الاتحاد الدولي لكرة القدم لإقامة البطولة لأول مرة في التاريخ عام 1930 واجهتها العديد من الصعاب بدءاً من إقناع الدول بالمشاركة، مروراً بالتغلب على رغبة الجزر البريطانية في منع إقامة البطولة، ثم مقاطعتها على اعتبار أن كرة القدم هي لعبة إنكليزية أصيلة، لذلك ينبغي أن يشرف الاتحاد الإنكليزي على أي بطولة تضم منتخبات العالم وليس الاتحاد الدولي، مروراً بتسهيل انتقال المنتخبات المختلفة إلى مكان الحدث وهو الأمر الذي أعاق العديد من المنتخبات عن المشاركة في البطولات الأولى.
أن الشئ الوحيد الذي لم يعان منه الاتحاد الدولي، ورئيسه جول ريميه، هو البحث عن مكان لإقامة البطولة، فمنذ الإعلان عن الرغبة بتنظيم أول كأس عالم لكرة القدم، أثناء إقامة أولمبياد أمستردام عام 1928، أبدت العديد من الدول الأوروبية والأميركية الجنوبية رغبة باستضافة هذه البطولة على أراضيها، ذلك أن فكرة أن تستقبل دولة واحدة منتخبات دول أخرى للمنافسة ولعب المباريات على أراضيها، راقت لكثير من الحكومات والزعماء واعتبرها الكثيرون مجال للفخر ولإثبات قدرة هذه الدول على التنظيم وعلى استقبال العديد من المنتخبات والمشجعين وفرصة لتسليط الأضواء على الدولة المضيفة ومنحها قدراً كبيراً من الاهتمام من قبل وسائل الإعلام العالمية.
والواضح أن مسألة الجدل والنزاع على استضافة كأس العالم كانت منذ البطولة الأولى، ووجد الفيفا نفسه في أحيان كثيرة مضطراً إلى إغضاب دول كبرى أو قارة بأكملها بسبب قيامه بإسناد تنظيم البطولة إلى دولة معينة، وأن الصراع على تنظيم كأس العالم شهد تكتلات ومفاوضات سرية وانسحاب دول لمصلحة دول أخرى منذ المونديال الأول وحتى يومنا هذا وإن كان الأمر تطور كثيراً حالياً عن ذي قبل، فعلى سبيل المثال في البطولات الأولى التي كانت تنظم قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية كان يمنح شرف استضافة المونديال بناءً على قرار الكونغرس العالمي للفيفا والذي كان يقام سنوياً، وكانت التكتلات تقام بسبب رغبة دول كل قارة في أن تقام البطولة في قارتها حتى تكون المنافسات بالقرب منها وتتجنب بالتالي عناء السفر عن طريق البحر لأيام وأسابيع طويلة. فعندما استضافت أوروغواي البطولة الأولى عام 1930 انسحبت العديد من الدول الأوروبية بسبب صعوبة السفر عبر المحيط من أوروبا إلى أميركا الجنوبية، وهو ما يجعلنا نتذكر بكل خير السفينة الإيطالية "كونتي فيردي" التي لعبت دوراً هاماً بل ورئيسياً في انطلاق أول كأس العالم، بعد أن أقلت السفينة منتخبات فرنسا ورومانيا وبلجيكا إلى أوروغواي وقبل أن تصل إلى العاصمة مونتفيديو عرّجت على مرفأ ريدو جانييرو البرازيلي وأخذت معها اللاعبين البرازيليين.
وعلى مر السنين ومنذ انطلاق أول بطولة لكأس العالم وحتى الآن شهدت قرارات منح الدول المختلفة التي نظمت البطولات التسع عشرة الماضية العديد من القصص والصراعات والخطط والاتصالات التي كان بعضها يتم في العلن أما الأغلب فكان يحدث في الخفاء، وتطور نظام منح الدول شرف التنظيم من الاختيار المباشر إلى الاقتراع السري، واختلف نظام الفيفا في تعامله مع ملف التنظيم فتارة يعمل بنظام المداورة بين القارات وتارة أخرى يتغاضى عن هذا النظام مثلما حدث مع فرنسا التي نظمت مونديال 1938 عقب تنظيم إيطاليا لمونديال 1934 وهو ما أغضب دول أميركا الجنوبية والشمالية وقتها وأدى إلى انسحاب عدد كبير منهم من المشاركة في النهائيات.
ضربة البداية في الأوروغواي
عندما أعلن الاتحاد الدولي عن رغبته في منح إحدى الدول شرف تنظيم المونديال الأول والذي تقرر أن يقام عام 1930 تقدمت ست دول لاستضافة المونديال وهي المجر وإيطاليا وهولندا وإسبانيا والسويد والأوروغواي.
وقبل أن ينعقد الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم والذي تقرر أن يقام في إسبانيا، وكان من المقرر أن يجري فيه التصويت على اختيار الدولة المنظمة، أعلنت كل من المجر وهولندا انسحابهما، ثم انسحبت عقب ذلك السويد لصالح ملف إيطاليا، إلا أن فوز المنتخب الأوروغواياني بمسابقة كرة القدم في دورة الألعاب الأولمبية عام 1928 وتزامن وقت إقامة المونديال مع مرور مئة عام على استقلال الأوروغواي دفع كل من إيطاليا وإسبانيا إلى الانسحاب من سباق التنظيم لمصلحة ممثل أميركا الجنوبية، فحصلت الأوروغواي على شرف تنظيم المونديال بدون أي عناء عند انعقاد اجتماع الجمعية العامة "الكونغرس" والذي عقد في يوم 18 أيار/مايو عام 1929.
إيطاليا تنظم المونديال الثاني
منح الدول تنظيم كأس العالم من خلال الجمعية العمومية بدون أي تصويت أو معاناة، فقبل انطلاق المونديال الثاني عام 1934 تقدمت إيطاليا والسويد بطلب استضافة البطولة، ولكن ولأن نفوذ إيطاليا السياسي كان بالغ القوة وقتها في عهد موسوليني فقد انسحبت السويد دعماً للملف الإيطالي على الرغم من أن اجتماع "كونغرس" الفيفا كان سينعقد في السويد نفسها لاختيار الدولة المنظمة.
وبالفعل انعقد اجتماع الكونغرس في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر عام 1932 وتم اختيار إيطاليا لتنظيم البطولة بالتزكية.
مونديال 1938 والاقتراع الأول
للبطولتين الأوليين فقد شهد تنظيم مونديال 1938 جدلاً كبيراً لسببين، أولهما أن مونديال 1938 هو الوحيد الذي استمرت فيه الدول الراغبة باستضافة كأس العالم ثابتة على موقفها دون أي انسحاب حتى انعقاد الجمعية العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم، الأمر الذي جعل كونغرس الفيفا يلجأ إلى التصويت لحسم اختيار الدولة المنظمة، أمام السبب الثاني فهو أن مونديال 1938 شهد اعتراضات وغضب من جانب دول أميركا الجنوبية بسبب عدم إقامة البطولة في قارتهم وتفضيل القارة العجوز عليها باختيارها لاستضافة المونديال الثاني على التوالي.
وجرى التصويت على اختيار الدولة المنظمة خلال مؤتمر الفيفا العالمي الذي استضافته ألمانيا في الثالث عشر من آب/أغسطس عام 1936.
وشهد المؤتمر ترشح ثلاث دول لاستضافة المونديال هي الأرجنتين وفرنسا بجانب ألمانيا مستضيفة الكونغرس.
وفي الاقتراع الأول حصلت فرنسا على 19 صوتاً متقدمة على الأرجنتين التي حلت ثانية برصيد أربعة أصوات فقط، في حين لم تحصل ألمانيا على أي صوت، نتيجة رغبة الجميع في الابتعاد عن نظام هتلر النازي المسيطر على ألمانيا آنذاك.
عودة الحياة في البرازيل
كانت الحقبة الأولى من بطولات كأس العالم قد انتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية لتتوقف تماماً كرة القدم في العالم، الأمر الذي أجبر الاتحاد الدولي لكرة القدم على إلغاء بطولتي عام 1942 و1946، وكادت فكرة إقامة كأس العالم أن تندثر بعد ذلك بسبب الدمار الذي حل بأوروبا عقب انتهاء الحرب، لدرجة أن الفيفا لم يجد أي استجابة له عندما طالب في مؤتمره غير الاعتيادي الذي أقيم عام 1946، الدول الراغبة في استضافة كأس العالم أن تتقدم بطلباتها، فبعد أن كانت الدول الأوروبية تتنافس على نيل شرف التنظيم، امتنعت هذه المرة لسببين هامين أولهما أن الدمار والخراب الذي تركته الحرب العالمية قضى على أي رغبة للاستمتاع بالرياضة وأثر بشدة على نفسية الشعوب في العالم بوجه عام وفي أوروبا بالأخص، أما السبب الثاني فهو أن جميع الدول الأوروبية لم يكن لديها أي أموال لتغطية نفقات البطولة وكانت تسعى جاهدة لتوفير نفقات إعادة الإعمار وهو ما جعل كرة القدم تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو حتى العاشرة لدى هذه الدول.
وكاد اليأس والإحباط أن يضربا جهود الفيفا لبث الحياة في بطولته الكبرى، لولا أن طوق النجاة جاء هذه المرة من البرازيل حيث أعلنت الحكومة البرازيلية موافقتها على استضافة أول مونديال يقام عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، شريطة أن يمنح الاتحاد البرازيلي لكرة القدم مهلة زمنية تستمر لأربع سنوات لكي يعد نفسه لاستضافة الحدث الكبير، وكان مسؤولو الاتحاد الدولي ينوون أن تقام البطولة عام 1949 ولكن ونزولاً على رغبة البرازيليين فقد تم تأجيل البطولة عاماً واحداً لتقام سنة 1950.
سيطرة نظام التزكية
سيطر نظام التزكية عقب ذلك في مونديالي 1954 و1958 فقد حظيت سويسرا بشرف التنظيم بدون أي منافسة بعد أن قرر الفيفا أن تقام بطولة عام 1954 في أوروبا وتحديداً في سويسرا وذلك احتفالاً بمرور الذكرى الخمسين لإنشاء الفيفا، كون سويسرا هي دولة المقر والتي شهدت انعقاد الجمعية العمومية الأولى للاتحاد الدولي في الحادي والعشرين من أيار / مايو عام 1904، والتي أقيمت في مدينة زيورخ.
وكما حدث في مونديال 1954 فقد نظمت السويد أيضاً مونديال 1958 بالتزكية حيث كلفت مباشرة من قبل الفيفا بتنظيم البطولة كونها أكثر الدول جاهزية لاستضافة الحدث العالمي في ذلك الوقت.
الاعتماد على نظام التصويت
واحتدمت المنافسة عقب ذلك للفوز بتنظيم المونديال الأول في حقبة الستينات وتقدمت تشيلي الدولة الصغيرة في أميركا الجنوبية لاستضافة البطولة رغم تشكك الكثيرين في قدرتها على استضافة الحدث الكبير.
ونافست الأرجنتين وألمانيا الغربية تشيلي على الفوز بتنظيم البطولة، وانسحبت ألمانيا الغربية قبل الاقتراع لشعور مسؤولي اتحاد كرة القدم فيها أن الفيفا قرر مسبقاً أن ينظم البطولة في أميركا الجنوبية بعد أن نظم دورتين متتاليتين في القارة العجوز.
وعقد مؤتمر الفيفا العالمي في لشبونة عاصمة البرتغال عام 1956 وفازت تشيلي مباشرة بعد الجولة الأولى لحصولها على 32 صوتاً مقابل 11 صوتا فقط للأرجنتين.
وكانت توجد رغبة قوية لدى الفيفا بمنح إنكلترا شرف تنظيم مونديال عام 1966 بسبب تزامن هذا المونديال مع مرور مئة عام على بدء ممارسة كرة القدم بالشكل المتعارف عليه حالياً وذلك بعد أن سنت الحكومة الإنكليزية القوانين الخاصة بذلك ثم أنشأت الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم في السادس والعشرين من تشرين أول – أكتوبر عام 1863 للعمل على إدارة شؤون اللعبة.
ورغم المحاولات المكثفة لإقامة البطولة في الأراضي الإنكليزية بالتزكية فقد باءت تلك المحاولات بالفشل بسبب إصرار ألمانيا الغربية وإسبانيا على الترشح لاستضافة البطولة، الأمر الذي أجبر الفيفا على إجراء تصويت لاختيار الدولة المنظمة لمونديال 1966.
وقبل انعقاد الجمعية العامة للاتحاد الدولي لكرة القدم في الثاني والعشرين من آب / أغسطس عام 1960 في روما سحبت إسبانيا طلب استضافتها للبطولة بينما أصر مسؤولو ألمانيا الغربية على المضي قدماً، وفازت إنكلترا بشرف التنظيم عقب حصولها على 34 صوت مقابل 17 صوت لألمانيا الغربية.
أميركا الشمالية على خط الاستضافة
ثلاث بطولات دفعة واحدة
وفي خطوة مشابهة تماماً لما يجري هذه الأيام قرر الفيفا أن يتم التصويت على استضافة ثلاث بطولات دفعة واحدة وهو مشابه تماماً لما سيجري غداً حيث سيتم التصويت على استضافة مونديالي 2018 و2022.
وفتح الفيفا باب الترشح لاستضافة بطولات 1974 و1978 و1982 والمثير أن العمل بنظام المداورة بين القارات ظل مستمراً فتقدمت كل من ألمانيا وإسبانيا للترشح لاستضافة مونديالي 1974 و 1982 والمكسيك مرة أخرى بجانب الأرجنتين لاستضافة مونديال 1978 .
وخلال مؤتمر الفيفا الذي عقد في إنكلترا قبل انطلاق كأس العالم عام 1966 أعلن مسؤولو الاتحاد الدولي أن ألمانيا ستنظم مونديال 1974 لانسحاب إسبانيا التي فضلت أن تستضيف مونديال 1982 حتى تستعد بشكل جيد للحدث العالمي، أما الأرجنتين فلم تجد أي صعوبة في استضافة مونديال 1978 لاستبعاد المكسيك التي ترشحت لاستضافة مونديال 1970.
ونلاحظ هنا أن الاتحاد الدولي كان يحدد البلد المضيف للمونديال قبل انطلاقه بفترة طويلة فمثلا تقرر أن تستضيف إسبانيا مونديال 1982 قبل إقامته بـ16 سنة، وهو مشابه تماماً لما سيقوم به الفيفا حاليا من تحديد محل إقامة مونديال 2022 قبل انطلاقه بـ 12 عاما.
اللجنة التنفيذية تقرر وكولومبيا تنسحب
وقرر الفيفا أن تكون لجنته التنفيذية هي المسؤولة عن تحديد مكان استضافة كأس العالم وليس أعضاء الجمعية العامة، وهو النظام الذي ظل متبعاً حتى الآن حيث سيحدد أعضاء اللجنة التنفيذية أسماء الدولتين المضيفتين لمونديالي 2018 و 2022 على التوالي.
وكان القرار الأول للجنة التنفيذية بالتذكية حيث منحت كولومبيا شرف استضافة مونديال 1986 بدون أي منافسة في التاسع من حزيران – يونيو عام 1974 وعلى الرغم من ذلك فقد انسحبت كولومبيا من التنظيم بسبب مشاكل ماليه وأعلنت ذلك رسميا في الخامس من كانون الثاني – نوفمبر عام 1982، ففتح الباب مجدداً لاستضافة البطولة وسيطرت قارة أميركا الشمالية على التصويت بتقدم ثلاث دول من هذه القارة لاستضافة البطولة هي المكسيك والولايات المتحدة وكندا، ولكن ما لبثت كندا والولايات المتحدة أن انسحبتا لتستضيف المكسيك مجدداً المونديال وتصبح بالتالي أول دولة تنظم المونديال مرتين.
الاجتماع في زيورخ
قرر الفيفا عقب ذلك أن يكون التصويت على استضافة كأس العالم من خلال اجتماع لجنته التنفيذية في مقر الاتحاد الدولي في زيوريخ وهي المدينة التي شهدت اتخاذ هذه القرار المصيري منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
وتقدمت أربع دول لاستضافة مونديال 1990 هي إنكلترا واليونان وإيطاليا والاتحاد السوفيتي ولكن إنكلترا واليونان انسحبتا من سباق الترشح سريعاً فتم التصويت على ملفي إيطاليا والاتحاد السوفيتي فقط، ويبدو أن الأحداث السياسية وقتها ألقت بظلالها على قرار اللجنة التنفيذية فانسحاب الاتحاد السوفيتي من أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984 إضافة إلا الحرب على أفغانستان أضعف فرص السوفيت في الفوز بشرف التنظيم على الرغم من أنهم كانوا قوة عظمى وقتها لذلك فازت إيطاليا بالتنظيم بعد أن حصلت على 11 صوت مقابل خمس أصوات فقط للاتحاد السوفيتي في الاقتراع الذي تم يوم 11 أيار – مايو عام 1984.
العرب يطالبون بالتنظيم
بدأت فكرة تنظيم المونديال تروق للعديد من دول العالم في القارات المختلفة ونالت المملكة المغربية شرف أن تكون أول دولة عربية وأفريقية تسعى للحصول على فرصة استضافة كأس العالم بعد أن تقدمت بملفها للفوز بتنظيم مونديال 1994.
ودخلت الولايات المتحدة على الخط هي والبرازيل، وفي التصويت الذي تم من قبل اللجنة التنفيذية في الرابع من تموز / يوليو عام 1988، فازت الولايات المتحدة بشرف الاستضافة بعد أن حصلت على عشرة أصوات مقابل سبعة للمغرب وصوتين للبرازيل.
ولم تيأس المغرب فقدمت ملفها مرة أخرى للفوز بتنظيم مونديال 1998 إلا أن دخول قوة كبيرة مثل فرنسا حال مجدداً دون فوز الدولة العربية بالتنظيم.
وشهدت مدينة زيورخ السويسرية للمرة الرابعة على التوالي اجتماع اللجنة التنفيذية المحدد للدولة المضيفة للمونديال، وعقد الاجتماع في الأول من تموز / يوليو عام 1992.
وضربت فرنسا بقوة منذ الجولة الأولى للتصويت بحصولها على 12 صوتا مقابل سبعة أصوات لكل من المغرب وسويسرا ففازت الجمهورية الفرنسية بشرف التنظيم للمرة الثانية في تاريخها.
الملف المشترك للمرة الأولى
وشاءت الظروف أن يكون المونديال الأول في الألفية الجديدة مختلفاً في كل شيء إذ شهد التصويت على اختيار الدولة المضيفة والذي حدث يوم 31 من أيار / مايو عام 1996 جدلاً واسعاً إذ تقدمت كل من كوريا الجنوبية واليابان والمكسيك بطلب استضافة البطولة، وتم إقناع مسؤولي كوريا الجنوبية واليابان بتوحيد جهودهما والتقدم بملف مشترك يتم بمقتضاه استضافة البطولة في القارة الآسيوية للمرة الأولى في تاريخ كأس العالم.
وبالفعل شهدت الألفية الجديدة شكلاً مختلفاً لكأس العالم فلأول مرة يقام في بلدين مختلفتين كما أنها المرة الأولى التي شاهد فيها نصف العالم تقريباً في أوروبا وأفريقيا وغرب آسيا المباريات في الصباح الباكر.
ولم يرض الاتحاد الدولي عن فكرة الملف المشترك عقب ذلك وأعلن أن مونديال عام 2002 شهد مشاكل تنظيمية ولوجستية جمة لذلك فأنه لن ينظر بعين الاعتبار بعد ذلك إلى الملفات المشتركة، إلا أن جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي عاد ونسف هذا القرار بقبوله بدخول ملفي ( البرتغال-إسبانيا) و(هولندا-بلجيكا) للترشح لاستضافة مونديال 2018.
تصويت 2006 وسر ديمبسي
أصبحت مسألة التصويت على استضافة المونديال أمراً شديد التعقيد وشديد السرية وأصبحت تتدخل الدول والحكومات بكامل ثقلها لمحاولة التأثير على القرار النهائي للجنة التنفيذية للفيفا، وذلك بسبب الفوائد العظيمة والمزايا الضخمة التي تُمنح للدولة المنظمة سواء من جانب الأرباح المادية أو على صعيد الفوائد السياسة والإعلامية التي لا تحصى.
فتقدمت كل من ألمانيا وجنوب أفريقيا وإنكلترا والمغرب والبرازيل لاستضافة المونديال وشهدت عملية التصويت منافسة شديدة وشرسة بين الدول المترشحة.
وجرى التصويت في السابع من تموز/يوليو عام 2000 على مدار ثلاث دورات، وحصلت ألمانيا في الدورة الأولى على عشرة أصوات مقابل 6 لجنوب أفريقيا و 5 لإنكلترا و2 للمغرب ولم تحصل البرازيل على أي صوت.
وتم استبعاد المغرب والبرازيل من جولة التصويت الثانية، التي حصلت فيها ألمانيا على 11 صوتا وجنوب أفريقيا على 11 صوت مقابل صوتين فقط لإنكلترا.
ودخلت جنوب أفريقيا في سباق التصويت النهائي مع ألمانيا وحصلت ألمانيا على 12 صوتا وجنوب أفريقيا على 11 صوتا ولسبب مجهول حتى الآن امتنع النيوزلندي تشارلي ديمبسي عضو اللجنة التنفيذية عن اتحاد أوقيانوسيا عن التصويت على الرغم من أن أوقيانوسيا كانت ترغب في إعطاء صوتها لجنوب أفريقيا، ففازت ألمانيا بشرف التنظيم للمرة الثانية في تاريخها بعد الأولى عام 1974.
جنوب أفريقيا والتعويض
تعاطف الجميع مع جنوب أفريقيا بعد ما حدث في التصويت على استضافة مونديال 2006 ، وأعلن الفيفا ورئيسه بلاتر مسبقاً أن مونديال 2010 هو مونديال القارة السمراء، فترشحت خمس دول أفريقيا للتصويت على الفوز باستضافة المونديال، وهي مصر وجنوب أفريقيا والمغرب وتونس وليبيا.
وقبل التصويت الذي عقد في الثامن من أيار / مايو عام 2004 انسحبت كل من تونس وليبيا من السباق، ولم يصب التوفيق الملف المصري لنقص الخبرة فخرج من المرحلة الأولى، فانحصر السباق بين جنوب أفريقيا والمغرب وحسمت جنوب أفريقيا الفوز بتنظيم أول مونديال في القارة السمراء لصالحها عقب حصولها على 14 صوتاً مقابل عشرة للمغرب.
البرازيل تستضيف من جديد
استمراراً لمبدأ المداورة بين القارات فقد ترشحت دول أميركا الجنوبية للفوز بتنظيم مونديال 2014 وجاءت البرازيل على رأس الدول المترشحة بملف متكامل وأعربت كولومبيا عن رغبتها في التنظيم ولكنها انسحبت مبكراً، كما تم إجهاض أحلام تشيلي والأرجنتين للدخول بملف مشترك فحصلت البرازيل بالتزكية على الفوز بتنظيم المونديال.
وفي النهاية كانت هذه هي رحلة التصويت على استضافة بطولات كأس العالم منذ المونديال الأول عام 1930 وحتى مونديال 2014 القادم، وبالتأكيد هي رحلة صعبة وطويلة وشهدت منافسات محتدمة وساخنة في كثير من الأحيان تجعلنا نستشعر ما سيحدث من منافسة شرسة للفوز بشرف تنظيم كأسي العالم عامي 2018 و2022.