بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة : 266 ]
قال ابن كثير في تفسيره :
قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام هو ابن يوسف عن ابن جريج سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فيمن ترون هذه الآية نزلت ؟ { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } ، قالوا : الله أعلم فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك فقال ابن عباس رضي الله عنهما ضُربت مثلاً بعمل قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله .
ثم رواه البخاري عن الحسن بن محمد الزعفراني عن حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج فذكره وهو من أفراد البخاري رحمه الله وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدَّل الحسنات بالسيِّئات عياذاً بالله من ذلك فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه ولهذا قال تعالى : { وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ } وهو الرِّيح الشديد { فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ } أي أحرق ثمارها وأباد أشجارها
فأي حال يكون حاله ؟
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : ضرب الله مثلاً حسناً وكل أمثاله حسن قال : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } يقول : ضيعة في شيبته { وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ } وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره فجاءه { إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ } فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه
وكذلك الكافر يكون يوم القيامة إذ ردَّ إلى الله عز وجل ليس له خير فيستعتب كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ولا يجده قدَّم لنفسه خيراً يعود عليه كما لم يُغنِ عن هذا ولده ، وحُرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، حُرم هذا جنته عندما كان أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته
وهكذا روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه :
" اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري "
ولهذا قال تعالى : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } : أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها كما قال تعالى : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } . [ العنكبوت : 43 ]
قال العلامة ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره :
وهذا المثل مضروب لمن عمل عملاً لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها ثم عمل أعمالاً تفسده ، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات ، وخصَّ منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما ، لكونهما غذاء وقوتاً وفاكهة وحلوى ، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة ، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرَّته ، ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه ، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له ، بل هم كلٌّ عليه ، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو ، وفي ذلك الإعصار نار فاحترقت تلك الجنة ، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن ، فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن ، كذلك من عمل عملاً لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار ، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنَّة موصوفة بغاية الحسن والبهاء ، وتلك المفسدات التي تُفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار ، والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات وكان بحالة لا يقدر معها على العمل ، فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثوراً ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب .
فلو علم الإنسان وتصوَّر هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيماً وخطرُه جسيماً ، فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحثَّ عليه ، فقال : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } .
قال الحسن : هذا مثل قلَّ والله من يعقله من الناس : شيخ كبير ضَعُفَ جسمُه ، وكثُر صبيانه ، أفقر ما كان إلى جنته ، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا .
أسال الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [ البقرة : 266 ]
قال ابن كثير في تفسيره :
قال البخاري عند تفسير هذه الآية : حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام هو ابن يوسف عن ابن جريج سمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث عن ابن عباس وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير قال : قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فيمن ترون هذه الآية نزلت ؟ { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } ، قالوا : الله أعلم فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين فقال عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك فقال ابن عباس رضي الله عنهما ضُربت مثلاً بعمل قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس لرجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله .
ثم رواه البخاري عن الحسن بن محمد الزعفراني عن حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج فذكره وهو من أفراد البخاري رحمه الله وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدَّل الحسنات بالسيِّئات عياذاً بالله من ذلك فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه ولهذا قال تعالى : { وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ } وهو الرِّيح الشديد { فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ } أي أحرق ثمارها وأباد أشجارها
فأي حال يكون حاله ؟
وقد روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : ضرب الله مثلاً حسناً وكل أمثاله حسن قال : { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } يقول : ضيعة في شيبته { وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ } وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره فجاءه { إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ } فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه
وكذلك الكافر يكون يوم القيامة إذ ردَّ إلى الله عز وجل ليس له خير فيستعتب كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه ولا يجده قدَّم لنفسه خيراً يعود عليه كما لم يُغنِ عن هذا ولده ، وحُرم أجره عند أفقر ما كان إليه ، حُرم هذا جنته عندما كان أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته
وهكذا روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دعائه :
" اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري "
ولهذا قال تعالى : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } : أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها كما قال تعالى : { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } . [ العنكبوت : 43 ]
قال العلامة ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره :
وهذا المثل مضروب لمن عمل عملاً لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها ثم عمل أعمالاً تفسده ، فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات ، وخصَّ منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما ، لكونهما غذاء وقوتاً وفاكهة وحلوى ، وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة ، وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرَّته ، ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه ، وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له ، بل هم كلٌّ عليه ، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة ، فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو ، وفي ذلك الإعصار نار فاحترقت تلك الجنة ، فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن ، فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن ، كذلك من عمل عملاً لوجه الله فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار ، ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنَّة موصوفة بغاية الحسن والبهاء ، وتلك المفسدات التي تُفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار ، والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات وكان بحالة لا يقدر معها على العمل ، فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثوراً ، ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب .
فلو علم الإنسان وتصوَّر هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة يصير صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل لكان ذلك عظيماً وخطرُه جسيماً ، فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحثَّ عليه ، فقال : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } .
قال الحسن : هذا مثل قلَّ والله من يعقله من الناس : شيخ كبير ضَعُفَ جسمُه ، وكثُر صبيانه ، أفقر ما كان إلى جنته ، وإن أحدكم والله أفقر ما يكون إلى عمله إذا انقطعت عنه الدنيا .
أسال الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك