شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
الحرب العالميّة الآتية ستشن عبر الفضاء الالكتروني... وأكثر من ذلك، ستكون شاملة. نعم، الفرضيّة التي كانت تعدّ حتى الماضي القريب ضربًا من الخيال باتت مطروحة الآن كأمر واقع مع انتقال المنشآت الصناعيّة الحيويّة إلى مرمى نيران الفضاء السيبرنيّ، وعلى ذلك لا بدّ من تضافر الجهود للتصدي. إيلاف تفتح الملف.
ربّما لو تمّ الحديث سابقًا عن احتمالات اندلاع حرب عالميّة ثالثة يكون الفضاء السيبرنيّ ساحة حربها، لكان ردّ أكثر الحاملين للخيال الخصب استهتارا وتشكيكا وتفنيدًا.، تتضافر عوامل ومعطيات عديدة لتزيح الاستهتار والتشكيك تجاه سيناريوهات الحرب الالكترونيّة الشاملة، وتجعل الموضوع مطروحا بإلحاح، ليس بهدف الإثارة وفسح المجال أمام الخيال العلميّ الخصب، إنما لأنّ الموضوع لم يعد ينتمي أصلا إلى خانة الخيال العلميّ، وهذا ما تؤكّده تصريحات مسؤولين غربيين رسميين كبار، وخبراء ومحللين مشهود لهم بالكفاءة من عواصم عربيّة وغربية مختلفة، ناهيك عن نتائج استفتاء حول ملفّ الحرب الالكترونيّة والذي سار في اتجاه التنبّؤ بوقوعها مستقبلا.
لم يعد مفهوم الحرب مقتصرا فقط على عدد الجيوش والأسلحة والعتاد العسكري، وقد تتغير المفاهيم مستقبلا لتصبح متلائمة مع الحروب الإلكترونيّة التي تخترق أقوى الحصون الدفاعية بشفرات خاصة ومعقدة، يصعب السيطرة عليها، وقد يستغرق علاجها شهورا طويلة أو ربما سنوات.
قدّم في هذا السياق ملفّا من عواصم مختلفة، موضوعه إمكانية نشوب حرب عالميّة ثالثة في الفضاء الالكترونيّ، ويستند إلى الهجوم العنيف الذي تعرضت له إيران بشكل أساسي وبعض الدول الأخرى، جرّاء فايروس ستاكسنت شديد التعقيد.
تضافر الجهود ضدّ الاختراق
وفي مقابلة كشف الدكتور السعوديّ معتز البيطار أحد خبراء الأمن المعلوماتي، عن وجود حاجة أساسية ومتطورة لبناء أنظمة حماية ذكية ونشطة وقادرة على الاستجابة بشكل سريع ضد الهجمات الإلكترونية، مؤكدا أن على الدول مجتمعة توحيد جهودها لإنشاء منظومة أمنية معلوماتية تصعب على أي تجمع تقني اختراقها.
الهجمات الالكترونية... إرهابيّة!
وعن كيفية نشوء مثل هذه الفيروسات التي تربك الأمن المعلوماتي على الصعيد الشخصي والوطني، قال البيطار أن باستطاعة أي "هاكر" صناعة فيروس قوي لكن قوته لا يمكن لها مواجهة أنظمة دفاعية قوية، واعتبر أن الفيروسات التي تصيب الأنظمة الوطنية والمصالح العامة للدول حقيقة وليست من نسج الخيال.
ويرى أنّ "الفيروسات تطلق من أنظمة تقنية كبرى لشركات متخصصة في الإرهاب والسيطرة الإلكترونيّة".
عرض قوة... الكترونيا
الخبير المغربيّ عبد الحقّ بن طالب تحدّث عن سيناريو ردود الفعل قائلا: "إذا كانت أميركا أو أي دولة أخرى خلقت فيروس ووجهته إلى بلد معين، مثلا كإيران، فإن هذا البلد بدوره لديه مهندسون وخبراء في الإعلاميات، الذين يمكنهم أن يغيروا وجهته ويرسلوه إلى أي بلد يرغبون في استهدافه"، مؤكدا أن بداية الحرب الإلكترونية تعني توقع استعراض كل دولة لقدراتها في هذا المجال، وبالتالي لن نتفاجأ غدا بأن الإنترنيت توقف".
أكثر ما يقلق الدول في مثل هذه الحرب هو صعوبة تحديد الجهة المسؤولة عن إطلاق الفايروس (ستاكسنت).
ويميل محللون إلى ترجيح احتمال أن تكون إسرائيل هي الدولة التي أطلقت «ستاكسنت» على إيران، ربما من خلال وحدة حربها الالكترونية "يونيت 8200" التي تتمتع بموارد ماليّة وبشريّة كبيرة.
وتشير بعض التقارير الصحافيّة إلى اكتشاف ملف الفيروس الذي يطلق عليه "ميرتس" وهو "كتاب آستير" المقدس عند اليهود في إشارة إلى الملكة آستير اليهودية التي أنقذت اليهود من القتل على أيدي الفرس. وتقول بعض المصادر الأخرى إن الكلمة ربما تم وضعها لتضليل الجهة التي قد تتحرى هذا الشأن.
وتؤكد المهندس غادة خليفة مسؤولة شركة مايكروسوفت في منطقة الشرق الأوسط انطلاق ما أسمتها " حرب الفايروسات الإلكترونيّة"، مؤكدة على وقوف دول أو مؤسسات إلكترونيّة عملاقة ورائها.
حرب ضبابية
أمّا اللواء المتقاعد محمد قدري سعيد، مستشار الشؤون العسكرية والتكنولوجية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية بالقاهرة، فيرى أنّ جميع المعامل التكنولوجية في مختلف دول العالم، لم تتمكن حتى الآن من رصد الجهة التي تعتدي بفايروس قاتل مثل "ستاكسنت"، مما يعطي انطباعاً بأن العالم أوشك على الدخول في حرب تكنولوجية غير واضحة المعالم، فالمعارك التقليدية تكشف كل جبهة فيها الأخرى، وفي ظل الضبابية التي تفرضها حرب الفايروسات على الجهة المعتدية، يظل تحديد تلك الجهة مرهوناً بتوقعات وإرهاصات، تعتمد معطياتها في الأساس على خلافات بين دولة وأخرى.
من جهته، لفت حميد بن صالح الوزير السابق للبريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في الجزائر، إلى ضرورة تعزيز حماية أكبر من مخاطر الاختراق والتخريب المتواصل للمواقع الإلكترونية والحواسيب وسرقة المعلومات المحمية، فضلا عن أرقام البطاقات الائتمانية المتعلقة بالهيئات الحكومية والشركات الخاصة، إضافة إلى حتمية التزود بالوسائل اللازمة لمعرفة مرتكبي الهجمات وتسليط العقوبات اللازمة ضدهم، مع استحداث نظام للوقاية والحماية من جرائم الانترنت.
الحروب المقبلة إلكترونيّة
وتناغما مع تصريحات المسؤوليين الرسميين والخبراء ، ترى طائفة واسعة من القرّاء الذين شاركوا في الاستفتاء المتعلّق بتأييد النظرية القائلة إنّ الحروب المقبلة بين الدول ستكون إلكترونيّة أم لا، أن الحرب الإلكترونية ستصبح السمة البارزة في حروب المستقبل، وذلك انطلاقا من توظيف الفايروسات على غرار (ستاكسنت) لتدمير الصناعات العسكرية والنووية التي تدمج في برامجها التقنيات المعلوماتية، مما قد يعني إمكانية تعويض الجيوش مستقبلا بأجهزة الحواسيب المرتبطة بشبكة الانترنت وما يعنيه ذلك من دمار وخسائر يتوقع محللون أن تتجاوز بكثير دمار وخسائر الحروب التقليديّة.
ويقول خبراء أمن الحواسيب الآلية أن ستاكسنت مُصمّم لغزو أجهزة السيطرة في الحواسيب التي تنتجها شركة "سيمنز" الألمانية التي تستخدمها إيران بشكل واسع. واعترفت إيران في التاسع والعشرين من الشهر الماضي بأنها اكتشفت الفيروس على حواسيب مفاعل بوشهر النووي، الذي من المفترض أن يبدأ العمل مطلع الشهر الجاري إلا أنّ العمل تأخر فيه ربما لهذا السبب، رغم أنّ السلطات الإيرانية تنفي أن يكون الفيروس اثر في نظام التشغيل الأساسي أو انه تسبب في هذا التأخير.
هجوم من نوع آخر وتحذيرات
الهجمة الالكترونيّة لم تقتصر على إيران، إنما شملت في الماضي القريب كلّ من الولايات المتحدة والصين وألمانيا وفق أحدث التقارير، حيث اعترفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في آب (أغسطس) الماضي بأن القيادة الأميركية الوسطى تعرضت لهجوم في العام 2008 ولم يكن ذلك الهجوم بالأسلحة التقليدية المعروفة بل كان بسلاح آخر، وهو ما يعرف بالحرب الإلكترونية، فقد عطل "فيروس الكتروني" جميع أجهزة الكمبيوتر في القيادة واستغرق الأمر 14 شهراً لتطهير جميع الأجهزة من الفيروس.
من جانبه، دعا القائد الجديد لعمليات الحرب الالكترونية في الجيش الأميركي منذ أيام، إلى بناء شبكة كومبيوتر منفصلة لحماية الدوائر الرسمية المدنية وصناعات حيوية مثل شبكة الكهرباء ضد هجمات تستهدفها عبر الانترنت، وقال الجنرال كيث الكسندر إن مثل هذه الشبكة المؤمَّنة ستمكن الحكومة من توفير حماية أفضل للعمليات الرسمية الضرورية على الانترنت. ومن شأن هذه الشبكة أن تغطي بحمايتها قطاعات بالغة الأهمية مثل القطاع المصرفي والطيران والخدمات العامة من ماء وكهرباء وغاز على غرار الحماية التي أقامها الجيش الأميركي لشبكات الاتصالات العسكرية والدبلوماسية السرية رغم أن هذه الشبكات نفسها ليست محصنة تماما ضد الهجمات الالكترونية، بحسب المسؤول الأميركيّ.