عبدالله الجابري
°•عٌضوٍ شَرًفِ•°
تطور الجينات العمانية
من الكتب التي أثارت الكثير من الجدل خلال السبعينات كتاب الجين الاناني لكاتبه ريتشارد دوكينز وقد تمكن الكتاب ، بدون قصد الكاتب كما صرح هو، من اثارة الكثير من الجدل على كل المستويات الفلسفية والعلمية والادبية.
وبما ان الكتاب ليس موضوعنا هنا فسأكتفي بمعنى واحد من المعاني التي قد تفهم من طرح ريتشارد دوكينز في كتابه، وهذا المعنى هو التحيز للجين المماثل، ومن نتائج هذا التحيز ان جيناتنا بطبيعتها الانانية وفي سعيها للمحافظة على نوعها ودعم ما يشابهها من الجينات تدفعنا بشكل لا إرادي للتعاون مع الاقارب الذين يحملون أكبر قدر من الجينات المشابهة لجيناتنا ، وكلما كانت جينات الشخص أقرب الينا، كانت امكانية تعاوننا معه أكبر وانجذابنا اليه أقوى.
عندما تسافر الى بلاد فإنك تحس بالغربة وذلك بسبب الاختلاف الكبير بين جيناتك وجينات أهل البلد، ولكن ما أن ترى أحدا من بلدك وإن لم يكن من أهلك فإنك تحس بألفة شديدة نحوه لأنه أقرب جين لجيناتك في ذاك المحيط الغريب من الجينات.
هناك أمر آخر، انه الجين الثقافي أو كما سماه دوكينز" الميم" ، فكل منا له جيناته الثقافية الفريدة كما له جيناته البيولوجية الفريدة وهي أيضاً لها تحيزاتها التي تتضح بجلاء في تحيزاتنا المختلفة.
هل تؤثر الجينات الثقافية في الجينات البيولوجية ومن ثم يتم توريثها للأجيال اللاحقة؟ وهل يمكن توريث الصفات المكتسبة؟
في رأيي نعم، وأقول بهذا اعتماداً على ما اتضح خلال بحوث علمية أكدت أن الصفات المكتسبة يمكن أن تورث للأجيال اللاحقة، ومن هذه البحوث بحث اجري في سويسرا على مجموعة من العائلات التي مرت بمجاعة خلال بدايات القرن العشرين والنتيجة أن الاجيال اللاحقة من النساء كانت أرحامهن أصغر من المعتاد وبتحيز واضح بالرغم من زوال المجاعة، والتفسير هنا أن الجينات البيولوجية ورثت خبرة المجاعة وتوقعت أن الأجنة سيكون حجمها أصغر.
إذن الجينات الثقافية يمكن أن تؤثر على الجينات البيولوجية والتي بدورها ستنقل هذا التأثير الى الاجيال اللاحقة ولعل الناس أدركت هذا الامر بالخبرة والفطرة وهذا يفسر حرصهم على معرفة الانساب عند المصاهرة و لا يكتفون بالنسب البيولوجي فقط بل تجدهم مهتمين ايضاً بأخلاق الآبار والامهات وهم بهذا يحاولون حماية جيناتهم من الفيروسات الجينية التي قد تكون تسربت الى الجينات البيولوجية للطرف الآخر من خلال ممارسة مرفوضة اجتماعياً وإن صح الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام(إياكم وخضراء الدمن) وهو يحذر من المرأة الحسناء في منبت السوء فإنه يشير الى لب المعنى.
إذن هناك فيروسات جينية ثقافية تنتقل عبر الاجيال وهذا يضع علينا عبئاً اضافياً في محاولة حماية جيناتنا في ذريتنا من هذه الفيروسات التي أصبحت اليوم تصنع وتطلق علينا من كل حدب وصوب ويمكن مشاهدة آثارها في نواحي اجتماعية كثيرة فبعض ما كان مرفوضاً في أزمان ماضية أصبح اليوم مقبولا وبعض ما كان مقبولا في الماضي أصبح اليوم مرفوضاً.
شكرا لكم