بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كشمير المسلمة والصراع الهندي الباكستاني!
انتشر الإسلام مبكراً في شمال كشمير في منطقة التركستان الشرقية حيث وصل الإسلام إلى كاشغر ، كما وصل الإسلام إلى جنوب كشمير في منطقة حوض السند والبنجاب في وقت معاصر ، وظل سكان كشمير يكتبون لغتهم بحروف عربية منذ أوائل القرن الخامس الهجري وحتى بداية الاستعمار البريطاني . وبعد أن استقر الإسلام بكشمير خضعت لحكم أباطرة المغول المسلمين الذين حكموا الهند ، وصارت كشمير جزء من الإمبراطورية المغولية الإسلامية بالهند، ولما ضعفت الدولة الإسلامية بالهند، سيطر السيخ على كشمير فغزاها المهراجا رانجيت سنك في عام 1809م، وعندما بدأ النفوذ البريطاني يستشرى في الهند، بسط نفوذه على كشمير وأبقى على حكم المهراجا كولاب سنك في كشمير ، نظير 7.5 مليون روبية يدفعها للحاكم البريطاني، لمدة مائة عام ، ووقعت معاهدة (أمرينسار) بين الطرفين في عام 1847م، وقبل استقلال الهند كان يحكم كشمير المهراجا هاري سنك، وظل المسلمون في كشمير يخضعون لحكام مستبدين طيلة قرن، وتعرض المسلمون لتحديات عقائدية في عهد أسرة سنك ، وقتل الهندوس في عدة أشهر 5آلاف مسلم ، وجرحوا 6آلاف ، وسجنوا 12ألفاً.
هذه الإبادة أعطت باكستان الحق في التدخل لحماية المسلمين، فمنذ إعلان جواهر لال نهرو ضم كشمير إلى الهند عام 1947؛ شكلت القضية الكشميرية الفتيل الذي ظل يشعل التوتر باستمرار بين البلدين، وسببت ثلاثة حروب بينهما في أعوام 1949 و1965 و 1971، خلفت مئات الآلاف من القتلى في الجانبين، وانعكست هذه الأزمة على الحياة السياسية الداخلية في باكستان التي كان الحكم فيها ينتقل بين الجنرالات في انقلابات عسكرية متوالية، كما أنها دفعت البلدين إلى الدخول في سباق التسلح عام 1974 للوصول إلى توازن القوة بينهما. وبالرغم من قرارات الأمم المتحدة التي دعت منذ الخمسينات من القرن الماضي إلى تنظيم استفتاء لسكان الولاية لتقرير مصيرهم بشأن الانضمام إلى الهند أو باكستان، إلا أن الهند كانت ترفض دائما هذه القرارات في الوقت الذي كانت الباكستان تعلن قبولها بها، لتبقى الحرب هي الخيار الوحيد أمام الدولتين لتصفية المشكلة.
ومنذ نهاية الثمانينات من القرن المنصرم ظهرت بشكل قوي جماعات الجهاد الكشميري التي كانت موجودة في السابق بشكل مشتت، ونظمت صفوفها لمقاومة الاحتلال الهندي للجزء الباكستاني ذي الأغلبية المسلمة، ونجحت هذه المقاومة في أن تدخل تغييرات جوهرية على برامج الأحزاب السياسية في الدولتين بحيث أصبحت جزءا من الواقع الكشميري الذي يجب التعاطي معه سياسيا أو عسكريا، وباتت الحلول المقترحة لمشكلة كشمير غير قادرة على تخطي حركة المقاومة ومطالبها وأجندتها.
التعاون الصهيوني الهندي!
ولكن منذ 1999م اتخذت قضية كشمير بعدا أكثر حدة لدى الجانب الهندي، بعد صعود التيار القومي الهندوسي المتطرف إلى السلطة بزعامة رئيس الوزراء بيهاري فايجبايي، إذ أصبحت كشمير قضية دينية قومية لا يمكن التنازل عنها لباكستان، وحدث التطور الأبرز مع التقارب الهندي ـ الإسرائيلي بالنظر إلى عناصر التداخل القومي والعنصري والديني المتشدد لدى الطرفين، خاصة بين التيار الهندوسي وحزب الليكود الصهيوني، وتجلى هذا التقارب في الدعم الإسرائيلي العسكري للهند لمحاربة المجاهدين الكشميريين، وفي شهر مايو من عام 2002 أزيح النقاب عن تواجد عناصر عسكرية إسرائيلية في الجانب الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، قدر عددها بنحو 300 فردا لتقديم الدعم للقوات الهندية أمام العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الكشميرية.
خارطة الطريق الكشميرية
تنقسم كشمير إلى شقين ، حيث إن 32358 ميلاً مربعاً منها يشمل الجزء المحرر ويُسمى ولاية جامو وكشمير الحرة، و53665 ميلاً مربعاً منها تحت الاحتلال الهندي ويطلق عليها ولاية جامو وكشمير المحتلة، ويبلغ عدد السكان طبقا لآخر الإحصائيات إلى حوالي 13 مليون نسمة، يشكل المسلمون نسبة 64.2% منهم، والهندوس 32.25%، والسيخ 2.23% وذلك بعد حملة تهجير قامت بها الهند بحق المسلمين هناك.
لقد أصبحت القضية الكشميرية إحدى القضايا التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية حلها بطريقتها الخاصة لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر2001، بما يحفظ مصالحها في المنطقة، فهي تعتبر أن كشمير إحدى البؤر التي ينشط فيها المجاهدون ويمكن أن تصبح موطنا لتفريخ المزيد منهم في المستقبل إذا لم يتم حسم المشكلة فيما بين الهند وباكستان، وقد ظهرت هذه النوايا الأمريكية تجاه كشمير في عام 2002 عندما صرح وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد بأن نشطاء من تنظيم القاعدة يتواجدون في كشمير، تصريح كان له وقع لاذع على باكستان وتأثير إيجابي على الهند، ويبدو أن الإدارة الأمريكية أصبحت اليوم تملك "خارطة طريق" لكشمير، أسوة بخارطة الطريق الفلسطينية للقضاء على الانتفاضة، إذ لا يمكن إغفال أن قضية كشمير ولدت في الفترة نفسها التي أعلن فيها اليهود دولتهم في فلسطين، وأنهما بالتالي أقدم بؤر التوتر في العالم الإسلامي.
وبالرغم من ذلك تعد "كشمير" من القضايا المؤجلة بالنسبة للعالم الإسلامي مقارنة بالقضية الفلسطينية، التى تستحوذ على النصيب الأوفر من الاهتمام السياسي والإعلامي والإغاثى من دول العالم الإسلامي باعتبارها القضية المركزية للعالم الإسلامي.
كشمير والحسابات الباكستانية
يتوجس كثير من المراقبين من الحسابات الباكستانية في هذه المرحلة التاريخية والتساؤل المثار: هل يكون الرئيس الباكستانى برويز مشرف الرجل الذي يطوى الملف الكشميرى لصالح الهند؟، ففي لقاء قمة جمعه مع رئيس الوزراء الهندي في إسلام آباد، ظهر أن مشرف بات مستعدا لتقديم تنازلات تاريخية غير مسبوقة في الملف الكشميري، إذ تضمن بيان القمة أن مشرف طمأن نظيره الهندي بأنه لن يسمح باستخدام أي منطقة تقع تحت السيطرة الباكستانية لدعم ما وصفه بـ"الإرهاب" بأي شكل من الأشكال، وكان هذا أحد مطالب الهند، كما أكد فايجبايي لمشرف ضرورة منع جميع أعمال العنف و"الإرهاب" والأعمال العدائية، كشرط لدخول البلدين في حوار حول القضية الكشميرية، كما اتفق الجانبان على البدء في إجراءات"بناء الثقة" بينهما، والتزمت إسلام آباد بمنع تسرب المقاتلين الكشميريين إلى الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من الولاية، وإغلاق معسكرات تدريب المجاهدين الكشميريين في باكستان.
وقد عقد مشرف لقاء مع زعماء المجاهدين الكشميريين بعد اجتماعه بنظيره الهندي، لإطلاعهم على فحوى المباحثات التي جرت، غير أن جماعات الجهاد الكشميري لا تقاسم الرئيس الباكستاني مواقفه، وأعلن عمر النقشبندي زعيم حركة"جيش محمد" أن "إستراتيجية المجاهدين هي مواصلة العمليات ضد القوات الهندية إلى أن تنهزم وتغادر كشمير".
غير أن القضية مرشحة للتفاعل أكثر في المراحل القادمة، فكشمير لم تعد قضية حكومة أو نظام في باكستان، بل هي قضية قومية وإسلامية للباكستانيين وللجماعات الإسلامية القوية فيها، الأمر الذي يترك الباب مفتوحا أمام كافة الاحتمالات، سواء بذهاب مشرف أم ببقائه.
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
كشمير المسلمة والصراع الهندي الباكستاني!
انتشر الإسلام مبكراً في شمال كشمير في منطقة التركستان الشرقية حيث وصل الإسلام إلى كاشغر ، كما وصل الإسلام إلى جنوب كشمير في منطقة حوض السند والبنجاب في وقت معاصر ، وظل سكان كشمير يكتبون لغتهم بحروف عربية منذ أوائل القرن الخامس الهجري وحتى بداية الاستعمار البريطاني . وبعد أن استقر الإسلام بكشمير خضعت لحكم أباطرة المغول المسلمين الذين حكموا الهند ، وصارت كشمير جزء من الإمبراطورية المغولية الإسلامية بالهند، ولما ضعفت الدولة الإسلامية بالهند، سيطر السيخ على كشمير فغزاها المهراجا رانجيت سنك في عام 1809م، وعندما بدأ النفوذ البريطاني يستشرى في الهند، بسط نفوذه على كشمير وأبقى على حكم المهراجا كولاب سنك في كشمير ، نظير 7.5 مليون روبية يدفعها للحاكم البريطاني، لمدة مائة عام ، ووقعت معاهدة (أمرينسار) بين الطرفين في عام 1847م، وقبل استقلال الهند كان يحكم كشمير المهراجا هاري سنك، وظل المسلمون في كشمير يخضعون لحكام مستبدين طيلة قرن، وتعرض المسلمون لتحديات عقائدية في عهد أسرة سنك ، وقتل الهندوس في عدة أشهر 5آلاف مسلم ، وجرحوا 6آلاف ، وسجنوا 12ألفاً.
هذه الإبادة أعطت باكستان الحق في التدخل لحماية المسلمين، فمنذ إعلان جواهر لال نهرو ضم كشمير إلى الهند عام 1947؛ شكلت القضية الكشميرية الفتيل الذي ظل يشعل التوتر باستمرار بين البلدين، وسببت ثلاثة حروب بينهما في أعوام 1949 و1965 و 1971، خلفت مئات الآلاف من القتلى في الجانبين، وانعكست هذه الأزمة على الحياة السياسية الداخلية في باكستان التي كان الحكم فيها ينتقل بين الجنرالات في انقلابات عسكرية متوالية، كما أنها دفعت البلدين إلى الدخول في سباق التسلح عام 1974 للوصول إلى توازن القوة بينهما. وبالرغم من قرارات الأمم المتحدة التي دعت منذ الخمسينات من القرن الماضي إلى تنظيم استفتاء لسكان الولاية لتقرير مصيرهم بشأن الانضمام إلى الهند أو باكستان، إلا أن الهند كانت ترفض دائما هذه القرارات في الوقت الذي كانت الباكستان تعلن قبولها بها، لتبقى الحرب هي الخيار الوحيد أمام الدولتين لتصفية المشكلة.
ومنذ نهاية الثمانينات من القرن المنصرم ظهرت بشكل قوي جماعات الجهاد الكشميري التي كانت موجودة في السابق بشكل مشتت، ونظمت صفوفها لمقاومة الاحتلال الهندي للجزء الباكستاني ذي الأغلبية المسلمة، ونجحت هذه المقاومة في أن تدخل تغييرات جوهرية على برامج الأحزاب السياسية في الدولتين بحيث أصبحت جزءا من الواقع الكشميري الذي يجب التعاطي معه سياسيا أو عسكريا، وباتت الحلول المقترحة لمشكلة كشمير غير قادرة على تخطي حركة المقاومة ومطالبها وأجندتها.
التعاون الصهيوني الهندي!
ولكن منذ 1999م اتخذت قضية كشمير بعدا أكثر حدة لدى الجانب الهندي، بعد صعود التيار القومي الهندوسي المتطرف إلى السلطة بزعامة رئيس الوزراء بيهاري فايجبايي، إذ أصبحت كشمير قضية دينية قومية لا يمكن التنازل عنها لباكستان، وحدث التطور الأبرز مع التقارب الهندي ـ الإسرائيلي بالنظر إلى عناصر التداخل القومي والعنصري والديني المتشدد لدى الطرفين، خاصة بين التيار الهندوسي وحزب الليكود الصهيوني، وتجلى هذا التقارب في الدعم الإسرائيلي العسكري للهند لمحاربة المجاهدين الكشميريين، وفي شهر مايو من عام 2002 أزيح النقاب عن تواجد عناصر عسكرية إسرائيلية في الجانب الخاضع للسيطرة الهندية من كشمير، قدر عددها بنحو 300 فردا لتقديم الدعم للقوات الهندية أمام العمليات النوعية التي تنفذها المقاومة الكشميرية.
خارطة الطريق الكشميرية
تنقسم كشمير إلى شقين ، حيث إن 32358 ميلاً مربعاً منها يشمل الجزء المحرر ويُسمى ولاية جامو وكشمير الحرة، و53665 ميلاً مربعاً منها تحت الاحتلال الهندي ويطلق عليها ولاية جامو وكشمير المحتلة، ويبلغ عدد السكان طبقا لآخر الإحصائيات إلى حوالي 13 مليون نسمة، يشكل المسلمون نسبة 64.2% منهم، والهندوس 32.25%، والسيخ 2.23% وذلك بعد حملة تهجير قامت بها الهند بحق المسلمين هناك.
لقد أصبحت القضية الكشميرية إحدى القضايا التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية حلها بطريقتها الخاصة لا سيما بعد أحداث 11 سبتمبر2001، بما يحفظ مصالحها في المنطقة، فهي تعتبر أن كشمير إحدى البؤر التي ينشط فيها المجاهدون ويمكن أن تصبح موطنا لتفريخ المزيد منهم في المستقبل إذا لم يتم حسم المشكلة فيما بين الهند وباكستان، وقد ظهرت هذه النوايا الأمريكية تجاه كشمير في عام 2002 عندما صرح وزير الدفاع الامريكى دونالد رامسفيلد بأن نشطاء من تنظيم القاعدة يتواجدون في كشمير، تصريح كان له وقع لاذع على باكستان وتأثير إيجابي على الهند، ويبدو أن الإدارة الأمريكية أصبحت اليوم تملك "خارطة طريق" لكشمير، أسوة بخارطة الطريق الفلسطينية للقضاء على الانتفاضة، إذ لا يمكن إغفال أن قضية كشمير ولدت في الفترة نفسها التي أعلن فيها اليهود دولتهم في فلسطين، وأنهما بالتالي أقدم بؤر التوتر في العالم الإسلامي.
وبالرغم من ذلك تعد "كشمير" من القضايا المؤجلة بالنسبة للعالم الإسلامي مقارنة بالقضية الفلسطينية، التى تستحوذ على النصيب الأوفر من الاهتمام السياسي والإعلامي والإغاثى من دول العالم الإسلامي باعتبارها القضية المركزية للعالم الإسلامي.
كشمير والحسابات الباكستانية
يتوجس كثير من المراقبين من الحسابات الباكستانية في هذه المرحلة التاريخية والتساؤل المثار: هل يكون الرئيس الباكستانى برويز مشرف الرجل الذي يطوى الملف الكشميرى لصالح الهند؟، ففي لقاء قمة جمعه مع رئيس الوزراء الهندي في إسلام آباد، ظهر أن مشرف بات مستعدا لتقديم تنازلات تاريخية غير مسبوقة في الملف الكشميري، إذ تضمن بيان القمة أن مشرف طمأن نظيره الهندي بأنه لن يسمح باستخدام أي منطقة تقع تحت السيطرة الباكستانية لدعم ما وصفه بـ"الإرهاب" بأي شكل من الأشكال، وكان هذا أحد مطالب الهند، كما أكد فايجبايي لمشرف ضرورة منع جميع أعمال العنف و"الإرهاب" والأعمال العدائية، كشرط لدخول البلدين في حوار حول القضية الكشميرية، كما اتفق الجانبان على البدء في إجراءات"بناء الثقة" بينهما، والتزمت إسلام آباد بمنع تسرب المقاتلين الكشميريين إلى الجزء الخاضع للسيطرة الهندية من الولاية، وإغلاق معسكرات تدريب المجاهدين الكشميريين في باكستان.
وقد عقد مشرف لقاء مع زعماء المجاهدين الكشميريين بعد اجتماعه بنظيره الهندي، لإطلاعهم على فحوى المباحثات التي جرت، غير أن جماعات الجهاد الكشميري لا تقاسم الرئيس الباكستاني مواقفه، وأعلن عمر النقشبندي زعيم حركة"جيش محمد" أن "إستراتيجية المجاهدين هي مواصلة العمليات ضد القوات الهندية إلى أن تنهزم وتغادر كشمير".
غير أن القضية مرشحة للتفاعل أكثر في المراحل القادمة، فكشمير لم تعد قضية حكومة أو نظام في باكستان، بل هي قضية قومية وإسلامية للباكستانيين وللجماعات الإسلامية القوية فيها، الأمر الذي يترك الباب مفتوحا أمام كافة الاحتمالات، سواء بذهاب مشرف أم ببقائه.