جاسم القرطوبي
¬°•| عٌضوٍ شَرًفِ|•°¬
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا ريانه يفعم القلوب العطشة إلى رضاه ، والمتشبثة لرحمته ورأفته ، والصلاة والسلام على خير خلق الله صلاة وسلاما وتحية وبركة تقضى لنا جميع الحوائج وتفتح لنا من الخير كل مغلق ، وعلى آله وصحبه مفاتيح الهدى ونجوم الهداية ، وبعد :
أخوتي وأخواتي بداية أبارك لكل المسلمين عامة ولكم خاصة بحلول شهر رمضان المبارك كل عام وأنتم في أجر وصحة وغنيمة وجعل الله تعالى شهر رمضان شاهدا لنا لا شاهدا علينا ؛ فإن الشاهد لا يغيب وإذا استنطق لا يحنث . ارتأيت أن أكتب لكم خواطر بما فهمته من بداية حديث الصيام الذي رواه سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه من طريق صحيح الإمام ابن خزيمة - رحمه الله وغيره وإنني إذ أخوض فيه فما ذلك إلا بحسب فهمي الظاهر لا من حيث ما فسره وتكلم فيه سادتنا العلماء والمفسرون . ولست هنا – بهذا - شارحا ولا مفسرا ولا متكلما في ما لا ناقة لي فيه ولا جمل ، وإنما لهو من باب نيل الشرف باقتطاف ما فهمته من مقدمة حديث شريف ، وبين ما اختلج في صدري منه . فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء . وقبل أن ألج في الحديث بفهمي لمقتتطف من بداية الحديث أسمحوا لي أن أتكلم في الحديث كاملا من ناحية علمية حديثية .
أخوتي وأخواتي بداية أبارك لكل المسلمين عامة ولكم خاصة بحلول شهر رمضان المبارك كل عام وأنتم في أجر وصحة وغنيمة وجعل الله تعالى شهر رمضان شاهدا لنا لا شاهدا علينا ؛ فإن الشاهد لا يغيب وإذا استنطق لا يحنث . ارتأيت أن أكتب لكم خواطر بما فهمته من بداية حديث الصيام الذي رواه سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه من طريق صحيح الإمام ابن خزيمة - رحمه الله وغيره وإنني إذ أخوض فيه فما ذلك إلا بحسب فهمي الظاهر لا من حيث ما فسره وتكلم فيه سادتنا العلماء والمفسرون . ولست هنا – بهذا - شارحا ولا مفسرا ولا متكلما في ما لا ناقة لي فيه ولا جمل ، وإنما لهو من باب نيل الشرف باقتطاف ما فهمته من مقدمة حديث شريف ، وبين ما اختلج في صدري منه . فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمني ومن الشيطان وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء . وقبل أن ألج في الحديث بفهمي لمقتتطف من بداية الحديث أسمحوا لي أن أتكلم في الحديث كاملا من ناحية علمية حديثية .
الحديث
: لا يكاد يأتي شهر رمضان المبارك حتى نحفظ هذا الحديث الشريف من ألسنة خطباء الجمعة والوعاظ ومن النشرات الرمضانية عبر قنوات الإعلام . وإليكم جولة حول هذا الحديث الذي سنعتمد على رواية ابن خزيمة فيه هنا . الحديث كما ورد في صحيح ابن خزيمة رضي الله عنه وأرضاه
:(( ثنا علي بن حجر السعدي ثنا يوسف بن زياد ثنا همام بن يحيى عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يوم من شعبان فقال أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير ان ينتقص من أجره شيء قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم فقال يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه غفر الله له واعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما اللتان لاغنى بكم عنها فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة )) .
تخريج الحديث والتفاتة هامة أود قولها :
هذا الحديث خرجه الإمام الحافظ الحجة الفقيه، شيخ الإسلام، إمام الأئمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر أبو بكر السلمي النيسابوري الشافعي، صاحب التصانيف في صحيحه (( صحيح ابن خزيمة )) وقال عنه : إن صح الخبر . وقولي في صحيحه أي في الكتاب الذي اختصره من مسنده الكبير والذي كثيرا ما كان يشير لذلك في فصول صحيحه إليه لا سيما عندما يستشهد بجزء اختصره في صحيحه من حديث طويل ذكره بتمامه في مسنده الكبير وقد دار الحديث بيني وبين بعض الأخوة في هذا الحديث الذي يستشهد به القاصي والداني فما تكاد تأتي آخر جمعة من شعبان إلا ونسمعه في المنابر والمحابر ، ولكن نرى أن مخرجه قال إن صح الخبر بالرغم من أنه دبّج كتابه بعنوان نفى منه دغل الضعف أو الوهن فقال :
و قد تواصلت مع أحد الذين التقيتهم هذا الاسبوع من الدعاة اليمنيين وعن طريق الهاتف مع بعض طلبة العلم في الحديث من أخواننا العمانيين الذين قد أجيزوا في الحديث من مشايخ معتمدين فرأيتهم غير متذكرين تحرير هذه المسألة فها أنا أثبتها هنا والله المستعان وأقول : المتتبع لمنهج ابن خزيمة يجده أنه شديد تحري كما يقول السيوطي: "يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد"، ويقول - أي ابن خزيمة -: "إن صحّ الخبر، أو إن ثبت، ونحو ذلك".
ومن الأمثلة التي تدل على ما ذكرنا الحديث الذي أخرجه من طريق الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة ثم قال بعده: "هذا الخبر له علّة لم يسمعه الأعمش من شقيق، لم أكن فهمته في الوقت".
يعني في وقت تدوينه لهذا الحديث لم يكن فهم هذه العلة، يدل عليها أنه اطلع عليها بعد ذلك ثم ألحق هذا الكلام إلحاقاً، فهذا يدل على شدة تحريه - رحمه الله -.
وإذا رجعنا لكتاب الصوم من صحيح ابن خزيمة رحمه الله نجده يقول المختصر من المختصر من المسند عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على الشرط الذي ذكرناه بنقل العدل عن العدل موصولا إليه -صلى الله عليه وسلم- من غير قطع في الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيء إما لشك في سماع راو من فوقه خبرا أو راو لا نعرفه بعدالة ولا جرح فنبين أن في القلب من ذلك الخبر فانا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه فالله الموفق للصواب .
ولو رجعنا أيضا لوجدنا أن ابن خزيمة يوجد في بعض رجاله من هم أقوى درجة من رجال الإمام البخاري ومسلم ولكن الأمة استقبلوا الصحيحين بالقبول وأعدوهما أصح كتابين بعد كتاب الله تعالى وذلك لاعتبارات معروفة جدا .
إذن بقي أن نعلم هل قوّى إسناده ابن خزيمة في صحيحه في هذا الخبر أم لا ؟
طبعا معروف أن بالشواهد والمتابعات يتقوى الحديث الصحيح لغيره للصحيح لذاته ، والحسن لغيره للحسن لذاته ، ويتقوي الأحاديث الضعيفة بعضها بعضا فيعتبرن في جواز الأخذ بهن في فضائل الأعمال فقط كما قرر إمامنا النووي هذا في مقدمة أذكاره وغيره بشرط أن لا تخالف هذه الأحاديث الضعيفة أصلا ثابتا أو حديثا صحيحا ، وهاكم الآثار التي وردت كشواهد على ذكر هذا الحديث :-
________________________________________
1 - خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم من شعبان وأول يوم من رمضان فقال يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك فيه ليلة خير من ألف شهر افترض الله صيامه وجعل قيامه تطوعا
الراوي: سلمان الفارسي المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء
2-خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء قالوا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخرة عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنها ؛ فأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة
الراوي: سلمان المحدث: المنذري - المصدر: الترغيب والترهيب - لصفحة أو الرقم: 2/115
________________________________________
3 - يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك
الراوي: سلمان الفارسي المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: إتحاف المهرة
4 - - خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال : يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر ، شهر جعل الله صيامه فريضة ، وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه ، وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه ، وعتق رقبته من النار ، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء ، قالوا : يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم ، قال صلى الله عليه وسلم : يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن ، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار ، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار ، واستكثروا فيه من أربع خصال : خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما ، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم : فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه ، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما : فتسألون الله الجنة وتتعوذون به من النار ، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبدا
الراوي: - المحدث: الهيتمي المكي - المصدر: الزواجر - لصفحة أو الرقم: 1/197
خواطري في الحديث ( أنبه لم أنقله من كتاب ولا ألزم أحدا بأخذه وإنما هو فهمي البسيط جدا للنص ونتمنى ممن لديه في علم الحديث أن يصوب خطئنا أو يبارك عملنا بدعوة مباركة ) :-
(خطبنا رسول الله في آخر من شعبان ) وقت الحديث بشعبان في آخر يوم منه وأتى كل من بعده ورأو هذا الحديث في آخر شعبان وهذا ليس عبثا وإنما يعرف في علم الحديث الشريف
هنا يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم منبها إيانا بحرف النداء ( يا ) و(أيها) منبها ومؤكدا لنا ب(قد) وهو ما يفيد التحقيق إذا ما تبعه فعل ماض ونراه هنا( أظل) ونرى يأتي بعده الضمير المتصل (كم)الذي يفيد اشتمال الجميع . (شهر) أي رمضان وهو الشهر الوحيد المذكور في القرآن الكريم وأتت تسمية الشهور لأن العرب عندما أرادت وضع تسمية للشهور ترقبوا حالاتها آنذاك فصادف الحقبة التي أتت فيها مولد النبي – طبعا قبل مولده – بدخول فصل الربيع فسمي ربيعا ، وصادف الحقبة التي بها الشتاء ووقت تجمد الماء ( جمادى ) وصادف الفترة التي يشتد فيها الرمض ( رمضان ) الذي يعود لنا هذه السنة كما سمي ، وصادف الفترة التي يذهبون فيها للحج ( ذو الحجة ) وهكذا ، (عظيم) أضاف إليه العظمة فما أضيف لعظيم فلا بد أن يكون عظيما ولو كان – أي هذا المضاف للعظيم - محقرا ،ألا ترون لو قلنا أن هذا البيت الجميل بيت اتخذ بارا ، وأن هذا البيت المتواضع بيت اتخذ لضيافة ابن السبيل فأيهما برأيكم البيت الذي يستحق أن يجله الناس ويؤموه ، فما بالكم برمضان الشهر المبارك كما أضاف له النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( مبارك) ولغة الألف والباء والكاف يدل على الثبات الكمالي فنقول بركة تدل على مكان أنه كلما أخذت منها يظل ماؤها على حالته . فكأنَّه - صلى الله عليه وسلم - يقول لنا أيا طالب البركة في رزقك ، في ولدك ، يا طالبها في أي شيء هذا هو رمضان مبارك ولعل هنا لمن يتذوق في المسألة نقطة هامة يا من تشتكي من عدم البركة إن منبعها رمضان فتزود فيه إذا ما أردت البركة بالتخلي والتحلي ليحصل لك التجلي فإن خير الزاد التقوى ، ولعل أن ما قاله الفرنسي أنطوان دو سانت-إيكسوبيري -قريب من هذا الفهم - : يتم تحقيق الكمال عندما لا يبقى ما يمكن إزالته، وليس عندما لا يبقى ما يمكن إضافته .
هذا والله أعلم