أ
أ“أ‡أ،أ£ أ‡أ،أˆأ‡أڈأ
زائر
ما أعجب تلكَ النفس التي بداخلنا !!
.. فيها من النار " الشهوة والجوع والغضب والحقد والأذى والحسد والغل " ..
.. فيها من النور " العفو والتسامح والحلم والفهم والحنين إلى النور الأعظم الذي جاءت منه " ..
.. فيها من الطين " الآلية والتكرار والجمود والرتابة والقصور الذاتي والكسل والعجز عن التغيير والتثاقل والتهابط " ..
.. وفيها من الروحانية " الانطلاق والحرية والشفافية والابتكار والخلق والإبداع والخيال والجمال " ..
.. والنفس لا تولد نارية ولا نورانية ولا طينية ولا روحية ، وإنما تُولَدُ مُجَرَّد إمكانية للصعود أو الهبوط إلى أي من هذه المراتب . وإذا تأمَّل الواحد منا نفسه في موضوعية شديدة ونظر إلى باطنه في حياد مطلق ، فإنه يلاحظ أنه في حالة تذبذب دائم بين هذه المراتب صاعداً وهابطاً من لحظة لأخرى ومن يوم لآخر ، من حالة وجدانية إلى حالة طيش وغضب بهيمية ، ومن حالة عقلانية إلى شهوانية إلى صفاء روحاني . والصوفيون يسمون هذه المراتب .. مقامات .
.. وقليل جداً هم الذين يستطيعون الاستقرار والدوام في المقامات الروحية دون أن تشدهم جذبات الشهوة والجوع وأحقاد الحياة المادية وأطماعها ، وكثير جداً هم الذين يستقرون في المراتب السفلى حيث الحباة شهوة ومضاجعة وأكل وشرب وخمر وسجائر حيث لا هموم لهم إلا هموم الثرثرة والفَرج والبطن ، متناسين أن من كان همه ما يدخل في بطنه ، كانت قيمته ما يخرج منه .
ويبقى بعد ذلك أوساط الناس ممن يتأرجحون بين النار والنور ، بين جذبات العلو وجذبات الانسفال ، ينتشلون أنفسهم من إغراء ليقعوا في آخر .
.. ولأن ( الشيطان ) مخلوق من نار ، فلا مدخل له على البشري إلا إذا تهابط إلى المرتبة النارية من نفسه " وهي مرتبة الشهوة والجوع والغضب والحقد والحسد والأذى والغل " .. حينئذ يمكن أن يتم التواصل بين الإثنين بحكم المجانسة .. فيستطيع ( الشيطان ) أن يوصل إلى البشري ( وسوساته ) وأن يؤجج شهواته ويُشعِلَ غضباته .. ولكنه يظل معزولاً عَمَّن هم في المراتب الروحية العالية بحكم عدم التجانس ، فهو لا يستطيع أن يوصل ( وسوسته ) إليهم . ولهذا يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم للشيطان ( إنَّ عِبَادي لَيس لَكَ عَلَيهم سُلطَان ) ، لماذا ؟ .. لأنهم ارتفعوا إلى مرتبة يستحيل فيها التواصل وخرجوا من نارهم الكثيفة إلى أرواحهم اللطيفة ، حيث لا يُسمَع إلا رفيف الملائكة وإلهامات الأرواح العالية السامية ، وحيث يصبح نفث الشيطان أكثف من أن يصل إليهم .
ولغز النفس البشرية هو في قابليتها لتمثل هذه الأدوار وقبول هذه المراتب المتفاوتة علواً وسفلاً ،( فألهَمَها فُجُورَهَا وَتَقوَاها ) . . ونقرأ في سورة البقرة ( وَعَلَّمَ آدَم الأسماءَ كُلَّها ) .. يفسر الصوفيون ذلك بأن الله جعل نفس آدم قابلة لتجليات الأسماء الإلهية، فالبشري يمكن أن يكون " الجبار " وأن يكون " الرحيم " وأن يكون " المُنتَقِم " أو " العَفُو " .. وهذه كلها أسماء إلهية – وإن ذهبت طوائف أخرى في مذاهبها التأويلية تجاهها - ولكنه أيضاً يمكن أن يخرج عن هذه الأسماء الإلهية ويهبط إلى درك الأوصاف الشيطانية ، فيكون : اللعين والرجيم والمطرود والمحجوب ، ويمكن أن يهبط إلى درك الأوصاف الحيوانية أو إلى غَلَظَة الجمادات أو إلى برودة الصخر الأصم . وهكذا خلق الله لآدم نفساً قابلة للتصور في جميع صور الكائنات ، من أعلاها إلى أسفلها .
ويقول الصوفيون في هذا : إن الإنسان هو الكتاب الجامع ، والكون هو مجرد صفحات من هذا الكتاب ، أو سطور منه ، فما الأرض والسماوات إلا صفحات من كتاب جامع هو الإنسان الذي يستطيع أن يجمعها جميعاً .
ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لهذه النفس العجيبة التي سواها ونفخ فيها من روحه ، لتكون قابلة كي تتَّسِع للكون بجميع صوره ومراتبه ودرجاته ، وأخذ على نفسه العهد بتربية هذه النفس وهدايتها وجذبها إليه وتأديبها باللين والمكافأة وبالشِّدَّة والتعذيب ، بالرسل وبالكتب والمصلحين والهُداة ، بالنذر والكوارث والآلام .. إن لم تنفع الهداية . . قال تعالى ( يا أيُّها الإنسان إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدحَاً فملاقيه ) .. وكلنا كادحون إلى الله زحفاً ،كلنا ساعون إليه طوعاً أو كُرهاً .. بالنار وبالألم والدروس القاسية والتنكيل .. أو طوعاً واختياراً وحُبَّاً وكرامة ، ولن يستطيع أحد أن يخرج عن الصف ، ولا أن يخرج عن الاتجاه ، فلا يوجد إلا اتجاه واحد ، وهو السَّير إلى الله ( وإلى الله المَصِير ) .. ( وإليه يرجع الأمرُ كلُّهُ ) .. ( إلى الله تَصيرُ الأمور ) .. ( وهو خَلَقَكُم أوَّلَ مَرَّة وإليه نُرجَعُون ) . صدق الله العظيم .
.. والعبيد هم الذين يسيرون إليه بالضرب والنكال والعصا ، والعباد الأخيار هم الذين يسعون إليه حُباً وشوقاً واختياراً ، ولا يوجد إنسان مُلحد بحق ، آبق عن الطريق ، فالكل على الطريق ، وما المُلحِد إلا مجرَّد رجل منكر جاحد معاند لا يدري ماذا يُفعَل به ، ولكنه في الحقيقة سائر على نفس الدرب بالعصا والكرباج شأنه شأن أمثاله من العبيد حقراء الشأن ، ممن اختاروا ألا يكون لهم اختيار .. وتصوروا أنهم اختاروا الحرية ، والحقيقة أنهم اختاروا أن يصكُّوا على أدمِغَتِهِم ، وقد طُبِعَ على قلوبهم وغشى على أبصارهم ، فصاروا كَبهائم السواقي .. تتصور أنها تمرح تحت الشمس والحقيقة أنها مغلولة إلى السواقي تعمل مُرغمة مقابل حزمة البرسيم .
وفي هذا الجذب الإلهي للجميع منتهى الرحمة واللطف والمحبة والمودة ، فهو سبحانه حريص على إخراج الكل من الظُلُمات إلى النور ثم إلى الحضرة الإلهية عنده ، الكل واصل في النهاية بفضل الله ورحمته التي وسعت كل شيء .
ولكن البعض منا سيطول طريقه ، مارَّاً بنار الدنيا ونار الآخرة وهؤلاء هم المجرمون المعاندون ، والبعض سيصلون إلى الاتحاد بالأثر المُقَدَّس للحضرة الإلهية وهم في حياتهم الدنيوية .
إنَّها أسرار النفس ، أسرارٌ يستمع إليها البعض في رهبة ، ويبتسم لها البعض في غَفلَة ، ويَهزأ بها البعض في جهالة ، ويقول هل هناك حقاً ( شياطين ) ؟؟ في وقتٍ تراه يؤمن بِذَرَّة لا يراها وإلكترونات لا يعرف عنها إلا آثارها . وآثار ( الشياطين ) في حياته أكثر وضوحاً من آثار ذلك كله ، وهي حقائق عند أهل الحقائق مِمَّن لهم حظٌّ في معرفة هذه الأشياء ذوقاً وشهوداً ، وممن كشف عنهم الغطاء فرأوا ما لا يُرَى ، وسَمِعوا ما لا يُسمَع .
والعاقل العليم من التمس من الله هدايته شوقاً واختياراً ، لا قَهراً وإجباراً ، فيكون مثل السادة الأشراف ، لا مثل العبيد الذين اختار لهم ( الشيطان ) فكانت لهم سوء الدار وسوء القرار .
--------------------------------------------------------------------------------------
مُقتَطَفات عن الروح والجسد - د. مصطفى محمود
" (...)
.. فيها من النار " الشهوة والجوع والغضب والحقد والأذى والحسد والغل " ..
.. فيها من النور " العفو والتسامح والحلم والفهم والحنين إلى النور الأعظم الذي جاءت منه " ..
.. فيها من الطين " الآلية والتكرار والجمود والرتابة والقصور الذاتي والكسل والعجز عن التغيير والتثاقل والتهابط " ..
.. وفيها من الروحانية " الانطلاق والحرية والشفافية والابتكار والخلق والإبداع والخيال والجمال " ..
.. والنفس لا تولد نارية ولا نورانية ولا طينية ولا روحية ، وإنما تُولَدُ مُجَرَّد إمكانية للصعود أو الهبوط إلى أي من هذه المراتب . وإذا تأمَّل الواحد منا نفسه في موضوعية شديدة ونظر إلى باطنه في حياد مطلق ، فإنه يلاحظ أنه في حالة تذبذب دائم بين هذه المراتب صاعداً وهابطاً من لحظة لأخرى ومن يوم لآخر ، من حالة وجدانية إلى حالة طيش وغضب بهيمية ، ومن حالة عقلانية إلى شهوانية إلى صفاء روحاني . والصوفيون يسمون هذه المراتب .. مقامات .
.. وقليل جداً هم الذين يستطيعون الاستقرار والدوام في المقامات الروحية دون أن تشدهم جذبات الشهوة والجوع وأحقاد الحياة المادية وأطماعها ، وكثير جداً هم الذين يستقرون في المراتب السفلى حيث الحباة شهوة ومضاجعة وأكل وشرب وخمر وسجائر حيث لا هموم لهم إلا هموم الثرثرة والفَرج والبطن ، متناسين أن من كان همه ما يدخل في بطنه ، كانت قيمته ما يخرج منه .
ويبقى بعد ذلك أوساط الناس ممن يتأرجحون بين النار والنور ، بين جذبات العلو وجذبات الانسفال ، ينتشلون أنفسهم من إغراء ليقعوا في آخر .
.. ولأن ( الشيطان ) مخلوق من نار ، فلا مدخل له على البشري إلا إذا تهابط إلى المرتبة النارية من نفسه " وهي مرتبة الشهوة والجوع والغضب والحقد والحسد والأذى والغل " .. حينئذ يمكن أن يتم التواصل بين الإثنين بحكم المجانسة .. فيستطيع ( الشيطان ) أن يوصل إلى البشري ( وسوساته ) وأن يؤجج شهواته ويُشعِلَ غضباته .. ولكنه يظل معزولاً عَمَّن هم في المراتب الروحية العالية بحكم عدم التجانس ، فهو لا يستطيع أن يوصل ( وسوسته ) إليهم . ولهذا يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم للشيطان ( إنَّ عِبَادي لَيس لَكَ عَلَيهم سُلطَان ) ، لماذا ؟ .. لأنهم ارتفعوا إلى مرتبة يستحيل فيها التواصل وخرجوا من نارهم الكثيفة إلى أرواحهم اللطيفة ، حيث لا يُسمَع إلا رفيف الملائكة وإلهامات الأرواح العالية السامية ، وحيث يصبح نفث الشيطان أكثف من أن يصل إليهم .
ولغز النفس البشرية هو في قابليتها لتمثل هذه الأدوار وقبول هذه المراتب المتفاوتة علواً وسفلاً ،( فألهَمَها فُجُورَهَا وَتَقوَاها ) . . ونقرأ في سورة البقرة ( وَعَلَّمَ آدَم الأسماءَ كُلَّها ) .. يفسر الصوفيون ذلك بأن الله جعل نفس آدم قابلة لتجليات الأسماء الإلهية، فالبشري يمكن أن يكون " الجبار " وأن يكون " الرحيم " وأن يكون " المُنتَقِم " أو " العَفُو " .. وهذه كلها أسماء إلهية – وإن ذهبت طوائف أخرى في مذاهبها التأويلية تجاهها - ولكنه أيضاً يمكن أن يخرج عن هذه الأسماء الإلهية ويهبط إلى درك الأوصاف الشيطانية ، فيكون : اللعين والرجيم والمطرود والمحجوب ، ويمكن أن يهبط إلى درك الأوصاف الحيوانية أو إلى غَلَظَة الجمادات أو إلى برودة الصخر الأصم . وهكذا خلق الله لآدم نفساً قابلة للتصور في جميع صور الكائنات ، من أعلاها إلى أسفلها .
ويقول الصوفيون في هذا : إن الإنسان هو الكتاب الجامع ، والكون هو مجرد صفحات من هذا الكتاب ، أو سطور منه ، فما الأرض والسماوات إلا صفحات من كتاب جامع هو الإنسان الذي يستطيع أن يجمعها جميعاً .
ولهذا أمر الله الملائكة بالسجود لهذه النفس العجيبة التي سواها ونفخ فيها من روحه ، لتكون قابلة كي تتَّسِع للكون بجميع صوره ومراتبه ودرجاته ، وأخذ على نفسه العهد بتربية هذه النفس وهدايتها وجذبها إليه وتأديبها باللين والمكافأة وبالشِّدَّة والتعذيب ، بالرسل وبالكتب والمصلحين والهُداة ، بالنذر والكوارث والآلام .. إن لم تنفع الهداية . . قال تعالى ( يا أيُّها الإنسان إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدحَاً فملاقيه ) .. وكلنا كادحون إلى الله زحفاً ،كلنا ساعون إليه طوعاً أو كُرهاً .. بالنار وبالألم والدروس القاسية والتنكيل .. أو طوعاً واختياراً وحُبَّاً وكرامة ، ولن يستطيع أحد أن يخرج عن الصف ، ولا أن يخرج عن الاتجاه ، فلا يوجد إلا اتجاه واحد ، وهو السَّير إلى الله ( وإلى الله المَصِير ) .. ( وإليه يرجع الأمرُ كلُّهُ ) .. ( إلى الله تَصيرُ الأمور ) .. ( وهو خَلَقَكُم أوَّلَ مَرَّة وإليه نُرجَعُون ) . صدق الله العظيم .
.. والعبيد هم الذين يسيرون إليه بالضرب والنكال والعصا ، والعباد الأخيار هم الذين يسعون إليه حُباً وشوقاً واختياراً ، ولا يوجد إنسان مُلحد بحق ، آبق عن الطريق ، فالكل على الطريق ، وما المُلحِد إلا مجرَّد رجل منكر جاحد معاند لا يدري ماذا يُفعَل به ، ولكنه في الحقيقة سائر على نفس الدرب بالعصا والكرباج شأنه شأن أمثاله من العبيد حقراء الشأن ، ممن اختاروا ألا يكون لهم اختيار .. وتصوروا أنهم اختاروا الحرية ، والحقيقة أنهم اختاروا أن يصكُّوا على أدمِغَتِهِم ، وقد طُبِعَ على قلوبهم وغشى على أبصارهم ، فصاروا كَبهائم السواقي .. تتصور أنها تمرح تحت الشمس والحقيقة أنها مغلولة إلى السواقي تعمل مُرغمة مقابل حزمة البرسيم .
وفي هذا الجذب الإلهي للجميع منتهى الرحمة واللطف والمحبة والمودة ، فهو سبحانه حريص على إخراج الكل من الظُلُمات إلى النور ثم إلى الحضرة الإلهية عنده ، الكل واصل في النهاية بفضل الله ورحمته التي وسعت كل شيء .
ولكن البعض منا سيطول طريقه ، مارَّاً بنار الدنيا ونار الآخرة وهؤلاء هم المجرمون المعاندون ، والبعض سيصلون إلى الاتحاد بالأثر المُقَدَّس للحضرة الإلهية وهم في حياتهم الدنيوية .
إنَّها أسرار النفس ، أسرارٌ يستمع إليها البعض في رهبة ، ويبتسم لها البعض في غَفلَة ، ويَهزأ بها البعض في جهالة ، ويقول هل هناك حقاً ( شياطين ) ؟؟ في وقتٍ تراه يؤمن بِذَرَّة لا يراها وإلكترونات لا يعرف عنها إلا آثارها . وآثار ( الشياطين ) في حياته أكثر وضوحاً من آثار ذلك كله ، وهي حقائق عند أهل الحقائق مِمَّن لهم حظٌّ في معرفة هذه الأشياء ذوقاً وشهوداً ، وممن كشف عنهم الغطاء فرأوا ما لا يُرَى ، وسَمِعوا ما لا يُسمَع .
والعاقل العليم من التمس من الله هدايته شوقاً واختياراً ، لا قَهراً وإجباراً ، فيكون مثل السادة الأشراف ، لا مثل العبيد الذين اختار لهم ( الشيطان ) فكانت لهم سوء الدار وسوء القرار .
--------------------------------------------------------------------------------------
مُقتَطَفات عن الروح والجسد - د. مصطفى محمود
" (...)