شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
عندما أطلق المحامي الفرنسي جول ريميه فكرة إقامة بطولة عالمية كبرى لكرة القدم تقام مرة كل أربع سنوات وتضم منتخبات العالم، لتتبارى فيما بينها من أجل الفوز بلقب " كأس العالم"، لم يكن يدور بخلده وقتها أن فكرته ستتبلور وتكبر مثل كرة الثلج لتصبح واحدة من أهم الأحداث على وجه الكرة الأرضية التي ينتظرها العالم أجمع بترقب وشغف.
ففي عام 1928 وعقب انتهاء دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في هولندا وافق الاتحاد الدولي لكرة القدم على فكرة رئيسه جول ريميه، لتنطلق أول بطولة لكأس العالم في أوروغواي عام 1930 ولتصبح تلك البطولة رويداً رويداً حدثاً فريدا تلتقي فيه دول العالم لتتبارى وتتنافس فيما بينها من أجل التتويج بالكأس العالمية وسط تدعيم وتشجيع لهذه المنتخبات من جميع الطبقات والشرائح بداية من الرؤساء والزعماء ونهاية بالجماهير العادية التي كانت تتكبد عناء السفر خلف منتخبات بلادها لمؤازرتها في مباريات المونديال.
وعلى مدار ثمانين عاماً وتحديداً منذ انطلاق أول كأس عالم وحتى وقتنا هذا أقيمت ثمان عشرة بطولة شهدت أحداثاً مثيرة ولحظات هامة وفارقة من الصعب أن تنمحي من الذاكرة، وترك الكثير من اللاعبين والمدربين والإداريين بصمات واضحة لا تنسى رغم مرور السنين، وامتلأت البطولات الماضية بالغرائب والطرائف التي من الصعب أن تتكرر.
لذلك كانت هذه محاولة جادة للتوقف عند تلك اللحظات الهامة، وتذكرها والاستمتاع بها. فالمونديال لم يكن أبداً مجرد بطولة في كرة القدم ولكنه كان حدثاً هاماً ومؤثراً في تاريخ الرياضة، بل وتاريخ البشرية بشكل عام.
صعوبة الانطلاق
لم يكن انطلاق كأس العالم سهلاً في البداية ولم يجد التأييد من إنكلترا مهد كرة القدم في العالم، فقد كان اتحادها ينظر إلى كرة القدم على أنها شأن إنكليزي خالص يجب أن يقام على الأراضي الإنكليزية فقط ويشرف الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم على تنظيمه.
ولكن تصميم وإصرار جول ريميه رئيس الاتحاد الدولي وقتها كان أكبر وأقوى من معارضة الإنكليز، فقد حصل على موافقة أعضاء مجلس إدارة الفيفا لإقامة أول مونديال وساعده في ذلك نجاح إقامة مسابقة كرة القدم في أولمبياد أمستردام عام 1928، والتي شارك فيها للمرة الأولى ستة عشر منتخباً عالمياً يمثلون أوروغواي والأرجنتين وإيطاليا ومصر وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا وأمريكا ولوكسمبورغ ويوغسلافيا وتركيا والمكسيك وفرنسا وسويسرا وهولندا.
وكان لمشاركة هذا العدد أكبر الأثر في إقرار مجلس إدارة الفيفا أن كرة القدم أصبحت لعبة شعبية وأن إقامة بطولة كبرى تضم منتخبات العالم سيكون حدثاً هاماً يجتذب أنظار الجميع. لذلك تمت الموافقة على إقامة أول كأس عالم عام 1930 أي بعد عامين من انتهاء أولمبياد أمستردام الصيفية، واتخذ الفيفاً قراراً هاماً بأن تنظم أوروغواي هذه البطولة لسببين؛ أولهما أنها الفائزة بمسابقة كرة القدم في أولمبياد 1928، أما السبب الثاني فهو الاحتفال بمرور مئة عام على استقلال الأوروغواي.
وشارك ثلاثة عشر منتخباً في البطولة. والمثير أن الاتحاد الإنكليزي ظل ثابتاً على موقفه ولم يرسل منتخبه إلى البطولة وانضمت المنتخبات البريطانية الأخرى وهي اسكتلندا وويلز وأيرلندا إلى إنكلترا وامتنعت هي الأخرى عن المشاركة، ولكن هذا الامتناع لم يكن مجدياً لأنه ببساطة شاركت أربعة منتخبات أوروبية في البطولة، ومن بينها فرنسا بالطبع، والذي كان يرأس اتحاد كرة القدم فيها جول ريميه، إضافة إلى رومانيا وبلجيكا ويوغسلافيا، كما شاركت المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية عن قارة أميركا الشمالية. وبالتأكيد فقد كانت المشاركة الأكبر من نصيب قارة أميركا الجنوبية التي استضافت البطولة؛ حيث شاركت سبعة منتخبات هي الأوروغواي الدولة المنظمة والبرازيل والأرجنتين والبيرو وبوليفيا وتشيلي وباراغواي.
كأس جول ريميه
وكما كان لانطلاق المونديال قصة مثيرة، توجد قصة أكثر إثارة أيضاً للكأس التي صنعت لتقدم للفريق الفائز بالبطولة، إذ سميت الكأس المقدمة بـ"كأس جول ريميه" وصنعها النحات الفرنسي "ابيل لافلور" وكان يبلغ وزنها 3.8 كيلو غرامات وطولها 35 سم، وكان النظام يقضي بأن تمنح الكأس للمنتخب الذي يتوّج ثلاث مرات بلقب المونديال، وبالطبع فقد حصل المنتخب البرازيلي على الكأس إلى الأبد بعد أن قبض على لقب المونديال ثلاث مرات أعوام (1958 – 1962 – 1970).
والمثير أن كأس "جول ريميه" كانت سيئة الحظ وظلت هدفاً للصوص؛ حيث سرقت للمرة الأولى عام 1966 قبل انطلاق كأس العالم في إنكلترا، ولكن اللجنة المنظمة للبطولة سرعان ما عثرت عليها عن طريق كلب يدعى " بكليس"، الذي عثر على الكأس بالصدفة تحت بعض الشجيرات الصغيرة خارج لندن، أما المرة الثانية لضياع الكأس فكانت أكثر مأساوية، وذلك عام 1983 عندما سرقت من خزائن الاتحاد البرازيلي لكرة القدم والذي لم يعثر عليها حتى الآن ويقال أن اللصوص حولوها إلى سبائك ذهبية لإخفاء معالمها تماما.
" كونتي فيردي" المنقذة
أصعب العقبات التي واجهت إقامة البطولة الأولى هي كيفية انتقال هذا العدد الكبير من المنتخبات بسهولة ويسر من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية، ففي عام 1930 كان الكثيرون يرون ذلك ضرباً من الخيال، بسبب صعوبة الحصول على وسيلة نقل آمنة، تنقل هذا العدد الكبير من اللاعبين.
وظهرت في هذا التوقيت السفينة الإيطالية العملاقة " كونتي فيردي" التي يمكن القول أنها لعبت دوراً رئيسياً وهاماً في انطلاق مونديال الأوروغواي. فقد أقلت السفينة منتخبات فرنسا ورومانيا وبلجيكا إلى الأوروغواي وقبل أن تصل إلى العاصمة مونتفيديو عرّجت على مرفأ ريدو جانييرو البرازيلي وأخذت معها اللاعبين البرازيليين.
غرائب وطرائف
أكثر المواقف طرافة كان قيام المنتخبات بإجراء حصص تدريبية أساسية على ظهر البواخر التي أقلتهم إلى الأوروغواي، إذ أن بعض الفرق قضى أكثر من 15 يوماً في عرض البحر وهو ما جعل المدربين يقومون بإجراء الحصص التدريبية الأساسية في هذا المكان.
وسيظل تاريخ رومانيا في كأس العالم يذكر بالخير ملكها "كارول الثاني"، الذي اهتم بمشاركة بلاده في المونديال؛ حتى أنه اختار بنفسه التشكيلة الأساسية التي مثلت رومانيا في البطولة كما قام بالحصول على ضمانات من أصحاب الشركات والمتاجر التي كان يعمل بها لاعبو المنتخب الروماني بعدم فصل هؤلاء اللاعبين وتسهيل عودتهم إلى أعمالهم فور انتهاء مهمتهم في الأوروغواي.
أما منتخب فرنسا الذي شارك في البطولة فقد كان له وضع خاص، إذ أن لاعب وسطه مارسيل بينيل شارك في البطولة بصفته مبعوث خاص من الحكومة الفرنسية وذلك بسبب أنه كان مجنداً وقتها في الجيش الفرنسي وكان يبحث عن وضع رسمي وقانوني يساعده على ترك الجيش الفرنسي فترة طويلة والمشاركة في المونديال.
وشهدت البطولة الأولى أيضاً مشاركة أصغر حكم في تاريخ المونديال وهو الأوروغوياني فرانسيسكو ماتوسيا الذي كان يبلغ عمره 27 عاماً و62 يوم عندما أدار مباراة يوغسلافيا وبوليفيا ضمن المجموعة الثانية في الدور الأول من البطولة.
الأرجنتيني ستابيلي هداف النسخة الأولى
دخل سجلات كرة القدم من الباب الواسع لكونه أول هداف للنسخة الأولى من كأس العالم في كرة القدم والتي نظمت في أوروغواي عام 1930، وكاد غييرمو ستابيلي أن يحفر اسمه بحروف من ذهب لولا سقوط منتخب بلاده في المباراة النهائية أمام البلد المنظم.
وُلد ستابيلي في 17 كانون الثاني/يناير عام 1906 في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس، وعشق كرة القدم منذ نعومة أظافره، وكباقي الأرجنتينيين، مارس اللعبة الأكثر شعبية في شوارع العاصمة قبل أن ينضم إلى نادي سبورتيفو ميتان وهو في سن التاسعة، فلعب خمسة مواسم متتالية جعلته أكثر نضجاً تكتيكياً وفنياً انتقل بعدها إلى نادي هيوراكان، وهناك كانت الانطلاقة الحقيقية حتى سنة 1930 عندما خاض غمار المونديال.
في مونديال أوروغواي، سجّل ستابيلي ثمانية أهداف في أربع مباريات، وأظهر اللاعب موهبة كبيرة تمثلت بقدرته الفائقة على التخلص من المدافعين والإفلات من الرقابة وخصوصاً في المباراة الثانية أمام المكسيك حيث تمكن من تسجيل ثلاثة أهداف ساهمت بفوز الأرجنتين بنتيجة كبيرة 6-3 ليصبح أول لاعب يسجل ثلاثية "هاتريك" في مباراة واحدة.
وفي المباراة النهائية أمام أوروغواي، كان ستابيلي عازماً على تحقيق الانتصار وإهداء بلاده الذهب بعد أن بذل مجهوداً خارقاً وتمكن من تسجيل هدف التقدم لمنتخب بلاده بعد التعادل 1-1، لكن ذلك لم يكن كافياً لكبح إصرار أصحاب الأرض على تحقيق الفوز 4-2 في النهاية والقبض على الكأس الذهبية وإهداء أول لقب عالمي لبلادهم.
وبعد كأس العالم لم يرتد ستابيلي قميص المنتخب الوطني في أي مناسبة مسدلاً الستارة على أربع مباريات دولية وثمانية أهداف فقط علماً أنه لم يلعب للأرجنتين قبل كأس العالم.
والجدير ذكره في هذا المونديال أن المنتخبات دُعيت للمشاركة ولم تخض تصفيات، خصوصاً أن معظم المنتخبات الأوروبية اعتذرت عن المشاركة بسبب المشكلات الاقتصادية، ومشقة السفر في البحر إلى أوروغواي فمثلّت القارة العجوز أربعة منتخبات هي كل من فرنسا ورومانيا وبلجيكا ويوغوسلافيا (سابقاً).
الأندية
بعد كأس العالم، كان ستابيلي من بين اللاعبين الذين اختاروا السفر بعيداً إلى القارة العجوز متخذاً إيطاليا وجهته، خصوصاً بعد تهافت الأندية للحصول على خدماته، فدافع عن ألوان جنوى أربعة مواسم قبل أن ينتقل إلى نابولي عام 1935 إلا أنه عاد أدراجه مرة ثانية إلى جنوى في العام التالي ولعب موسماً واحداً.
وبعد التجربة الإيطالية، شد الأرجنتيني رحاله إلى فرنسا وانضم إلى أحد أبرز الأندية في تلك الحقبة، ريد ستار (النجم الأحمر) في ضواحي العاصمة باريس الذي كان يرأسه آنذاك جول ريميه صاحب فكرة تنظيم كأس العالم، فلعب في صفوف الفريق الفرنسي ثلاثة مواسم ثم قرر الاعتزال والابتعاد عن المستطيل الأخضر كلاعب، والدخول من باب المدربين.
استهل ستابيلي مشواره مدرباً لهيوراكان الأرجنتيني ثم سان لورنزو واستوديانتيس وفيروكاريل وأخيراً راسينغ بوينس ايرس حيث حقق مع الأخير بطولة الدوري في أعوام 1949 و1950 و1951.
اتجه ستابيلي بعد ذلك إلى تدريب المنتخب الوطني فأشرف عليه بين 1939 و1960 وقاده في 127 مباراة تمكن في خلالها من الفوز بكأس أمم أميركا الجنوبية ست مرات في أعوام 1941 و1945 و1946 و1946 و1955 1957.
وبعد قيدة المنتخب الوطني، تسلم ستابيلي مسؤولية إدارة مدرسة المدربين الأرجنتينية، لكن الشمعة التي أضاءت تاريخ الكرة الأرجنتينية انطفأت في نهاية كانون الأول/ديسمبر 1966 عن عمر ناهز الستين عاماً.
((جميع الحــقووق محفووظه لدى منتديـآت آلـبريـمي))
شــــوووقــــ قــــطــر