شووق قطر
¬°•| مراقبة عامة سابقة وصاحبة العطاء المميز |•°¬
قال تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
أن آدم وحواء كانا يولد لهما في كل بطن توءمان؛ ذكر وأنثى، وفي ذلك حكمة بالغة من أجل زيادة أعداد البشر، وسرعة تكاثرهم، والنمو السريع للبشرية، وقد أمر الله تبارك وتعالى آدم أن تكون شريعته أن الذكر والأنثى من البطن الواحدة لا يتزوجان، وإنما يتزوج الأنثى توءم الذكر الآخر.
وتبدأ أحداث القصة بأن وُلِد لآدم قابيل وله أخت، وولد هابيل وله أخت، وكان قابيل أكبر من هابيل، وكانت الأنثى توءم قابيل جميلة، ولكن الأنثى توءم هابيل فتاة عادية، والشرع يقول إن هابيل سيتزوج أخت قابيل الجميلة، وقابيل سيتزوج أخت هابيل الأقل جمالا، فأراد قابيل أن يستأثر بأخته، وأن يتزوجها هو ولا يعطيها لهابيل، ورغم أن آدم أمره أن يقبل شريعة الله، إلا أن قابيل أصر وظل مصرا على موقفه.
أمام هذا الإصرار طلب آدم من ولديه أن يقربا قربانا فأيهما يقدم قربانه وتأكله النار سيتزوج من الأخت الجميلة، فقدم قابيل حزمة من زرع رديء حيث كان مزارعاّ، أما هابيل -وكان راعي غنم- فقدم بقرة ثمينة من أفضل الماشية لديه، فأكلت النار قربان هابيل، ورفضت قربان قابيل، فقرر قابيل بعدها أن يقتل أخاه قال تعالى (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله)
المغزى من القصة كبير وليس مجرد سرد لقصة عادية قتل فيها الأخ أخاه.
فنحن نجد أن أكبر فتنة تواجه الرجال هي فتنة النساء، وكذلك بالنسبة للنساء فأكبر فتنة لديهن هي فتنة الرجال.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام (ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء) ويقول (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر ماذا تفعلون.. فاتقوا الدنيا واتقوا النساء
وها هو قابيل يقتل هابيل، أن الجبن والتهور هما السبب الذي أدى بقابيل إلى قتل أخيه،
فها هو نموذج للأخوة المترابطة بالله بين موسى وهارون، وها هو نموذج آخر لأخوين قتل أحدهما الآخر متمثلا في قابيل وهابيل، وكأن الله أراد أن يعلمنا نصيحة لكل أخوين بضرورة حفاظ الأخ على أخيه لأنه جزء منه.. وألا يفرط فيه بعرض زائل من متاع الدنيا.
وبذلك تضاف معصية الحسد إلى كل المعاصي التي حدثت منذ خلق آدم، كمعصية الكبر من الشيطان وفتنة النساء التي وقع فيها قابيل، ولهذا نرى أن الحسد والحقد هما السببان الرئيسيان اللذان دفعا قابيل إلى قتل أخيه..
بعد أن تقبل الله القربان من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، وإعلان قابيل أنه سيقتل هابيل، تقول الآيات على لسان هابيل(لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)، العجيب في هذا أن هابيل كان أكثر قوة وفتوة من قابيل، ورغم أنه من حقه المشروع أن يدافع عن حياته التي يهددها أخوه، إلا أنه حين هدده أخوه بالقتل أجابه بما ورد في الآيات السابقة، ولم تمتد يده بسوء لقاتله لأنه أخوه، ورأى أن عليه أن يراعي صلة الأرحام التي تجمع بينهما؛ ففضل الموت على أن يدافع عن نفسه أمام أخيه.. تقول الآيات عن قابيل(فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
حيث إن هذا الحادث يعد أول جريمة في تاريخ البشرية، وهي القتل، وعرفنا أنه قتله بدافع من الحقد والحسد.
لأن هذه الجريمة ولنفس السبب شيء سيتكرر بعد ذلك كل يوم، منذ مقتل هابيل وإلى الآن.. وإلى غد حتى تنتهي الحياة البشرية.
، فبعد أن قتل قابيل أخاه تركه ملقى، حتى رأى مشهدا أمامه جعله يبكي ندما ويشعر بالخزي أمام فعلته، يقول تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ، قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)
والغراب هنا جندي من جنود الله،
لأن الغراب لونه أسود يتناسب مع غرابة الفعلة التي قام بها قابيل،
فأن الغراب جاء ليريه كيف يدفن أخاه القتيل، فكيف حال القاتل لقد شعر قابيل أنه أجبن وأضعف من الغراب، فما كان منه نتيجة لضعفه وقلة حيلته إلا أن قال -يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي-
وكان في هذه الجريمة من غياب للعقل بعد أن سيطر عليه الحقد والحسد.. والله يكمل الآية بقوله (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) وهنا يبرز سؤال مهم جدا، لماذا لم يتب الله عليه
لأنه لم يندم ندم توبة؛ بل ندم عجز بفداحة ما فعله وعجزه حتى على أن يواري جثة أخيه.
فاللهم قنا شر الغل والحقد والحسد، وقنا شر أنفسنا وشهواتنا، فإنه لا نجاة لنا إلا بعونك وتوفيقك.